السبت، 15 فبراير 2025

الفصل التاسع والعشرون

 

تركنا داوود بعد انتهاء السنة الخامسة الابتدائية لانتقالنا جميعًا للمرحلة الإعدادية، في تلك المرحلة نقلت أنا وإيمان لدار أيتام أخرى للفتيات في المرحلة الإعدادية والثانوية وكذلك نقل داوود لدار أيتام للذكور في المرحلة الإعدادية والثانوية، في تلك المرحلة كانت المدارس تابعة لدار الأيتام فكنا جميعًا لنا ذات الوصمة وذات العار، وكلنا يحاول دفن حرجه مما لحق به من المجتمع الخارجي.

اتفق ثلاثتنا بعد أن علمنا بخبر نقل داوود أن يلقانا داوود أمام الدار التي جمعتنا سويًا نحن الثلاثة وبعدها يرينا الطريق إلى مدرسته والدار التي أُلحق بها، كما نريه أنا وإيمان طريق الدار التي انتقلنا إليها وطريق المدرسة التي أُلحقنا بها، وبالفعل ظللنا معًا نحن الثلاثة نحمل آلام الماضي وندعو الله ألا يتكرر ذلك.

ارتديت أنا الحجاب في المرحلة الإعدادية بينما رفضت إيمان ارتداءه، لا أنسى قولها عندما تحدثنا سويًا عن ضرورة ارتدائها للحجاب "لن أرتديه، أنا وصمة عار في جبين المجتمع ولن أتزوج سوى شخص له مثل ظروفي، بل وبعد ما فعله بنا ذلك المدرس أعتقد أنني أصبحت لا أصلح زوجة لأحد، لقد جعلني مومسًا"، كم شعرت بالألم عندما تذكرت ما حدث، لم أنسه يومًا ولكن كنت أحاول أن أتناساه كأنه لم يحدث، أحاول دفنه في غياهب عقلي التي لا أعلم عنها شيئًا، ولكن إيمان معها كل الحق لقد قضى ذلك الحيوان على مستقبلنا من ذا سيقبل بنا، بكيت على نفسي وعليها، حيث شعرت أنها قررت أن تمضي حياتها في طريق وحده الله يعلم منتهاه، حاولت أن أبعدها عن ذلك الطريق، لقد كبرنا مبكرًا وعلمنا أن المجتمع يدفعنا دفعًا لطريق الفساد والشرور ثم ينعتنا بأننا لقطاء وتربية شوارع، لقد صنع منا المجتمع قنابل موقوتة كارهة له.


حاول فارس أن ينام، ولكن يأبى النوم أن يجد إلى عينيه سبيلًا، مضت فترة طويلة قاربت على الشهر على دخول ولاء المستشفى وهو لا يستطيع النوم، يشعر بالألم الشديد لعدم قدرته على مهاتفتها وسماع صوتها وعدم قدرته على رؤيتها، لم يسمح له الطبيب بعد برؤيتها أو مهاتفتها، لأول مرة يبتعدا طوال هذه الفترة، لأول مرة يشعر أن ولاء هي من يعطي للبيت حلاوته وروحه، وهي من تجعله روضة من رياض الجنة، لم يعرف فارس كيف يُعد الطعام، لذا أصبح يشتري طعامه جاهزًا، لن يستطيع أن يذهب لأي من إخوته أو لأمه، فهن يعلمن أنه مسافر مع زوجته، يحاول أن يأكل طعامه فلا يجد له طعمًا، ليس كالطعام الذي تعده حبيبة قلبه، يحاول أن يبتلع طعامه بصعوبة، لم يكن يدري أن البيت بدون حبيبته هو جحيم يصْلِي الوجوه، تنهد فارس "أه يا حبيبة قلبي كم أشتاق لرؤياك، كم أشتاق لحضنك الدافىء".

كان فارس في البداية بعد علمه بدخول ولاء المستشفى يعتقد أن حجزها هناك سيعجل من شفائها ويخرجها من حالة الاكتئاب التي سيطرت عليها كما سيخفف من الضغط النفسي الواقع عليه وهو يراها تذبل أمامه ولا يستطيع أن يساعدها، اعتقد أنه يحتاج لبُعدها ليستطيع لملمة شتات نفسه، ولكنه اكتشف عندما غابت فعلًا أنها هي من كانت تخفف عنه مرضها واكتئابها، وأنه لا يستطيع العيش بدونها، لقد شعر أنه يحتاج إليها أكثر من احتياجها له، لقد شعر أنه طفل ابتعد عنوة عن والدته، ويأبى أن يعيش بدونها، لذا اتخذ قراره سيتصل بالطبيب لابد أن تخرج ولاء من المستشفى وسيقوم هو على رعايتها، لن يتركها تغيب عن عينيه، قرر فارس أنه يستطيع تحمل تقلبات ولاء المزاجية، ويستطيع حمايتها من نفسها ومن محاولات الانتحار، اتصل بالطبيب وهو في حالة يرثى لها يكاد قلبه يتقطع على حبيبته وتحول لطفل صغير لن يصمت حتى تعود له والدته، سمح له الطبيب بعد إلحاح شديد بمهاتفة ولاء والاطمئنان عليها، ولكنه حذره من خطورة خروج ولاء من المستشفى قبل إتمام الشفاء، لم يسمع منه فارس أية كلمات سوى أنه يستطيع الآن مهاتفة ولاء.

لم يكن فارس يتوقع أن تظل ولاء مصرة على قرار الصمت وعدم الكلام طوال هذه الفترة بل وتصر على عدم الكلام معه هو أيضًا، لم تهاتفه ولاء بل أصرت على عدم التحدث معه كانت تصر على الصمت التام، مما جعل فارس يجن، ثار فارس وذهب للمستشفى وهو لا يدرك ما يفعله، حرر محضر ضد المستشفى باحتجاز ولاء ضد إرادتها، تم إبلاغ الطبيب بوجود الشرطة في المستشفى وتحريره محضر ضد المستشفى.

حضر الطبيب وحذر فارس في محضر رسمي من خطورة التطورات التي يمكن أن تلحق بولاء وضرورة وضعها تحت الملاحظة الطبية، وأن خروجها في ذلك الوقت خطر على حياتها، ولكن مع إصرار فارس أنهت المستشفى إجراءات خروج ولاء مع توقيع فارس على إقرار خروجها وعدم مسئولية المستشفى والطبيب المعالج عن تبعات ذلك عليها.

كتب الطبيب العلاج وحدد موعد الجلسات التي لابد من الخضوع لها، وافق فارس على الجلسات وطريقة العلاج التي طلبها الطبيب، فهو لم يكن يشعر بشيء سوى أنه يريد أن يرى ولاء، أن يحتضنها، أن يعتذر لها عن عدم قدرته على ملاحظة تعبها وحالتها المتهدورة.

وبالفعل خرجت ولاء من المستشفى ومعها أوراقها التي كتبت بها ما جال بخاطرها طوال فترة وجودها بالمستشفى، والأوراق التي تواصلت من خلالها مع التمريض والأطباء، لم يلاحظ فارس أن ولاء تحاول إخفاء بعض الأوراق عندما وصلا للمنزل، كما لم يلاحظ أن ولاء لم تكن على طبيعتها، لقد كانت ساهمة شاردة طوال الوقت، تنحدر الدموع من عيونها أنهارًا، عندما وصلت بيتها واحتضنها فارس كانت ولاء في عالم آخر غير الذي توجد فيه فعليًا.

لم تكن ولاء ترى زوجها وحبيب قلبها، كانت في عالم آخر، عالم اعتقدت أنها نسته بزواجها من فارس وحبها له وحبه لها، ولكن هيهات يأبى عقلها طي ما حدث في الماضي، وتأبى ذاكرتها نسيانه، على قدر ما كانت تحتاج لحضن زوجها الدافىء والشعور بالأمان في أحضانه، كانت تشعر بالخوف وتتذكر نبيل ومن على شاكلته، فما كان منها إلا أن بكت بشدة وحاولت الابتعاد عنه لم يفهم فارس سبب ذلك؛ وكلما زاد بكائها احتضنها بشدة حتى يخفف عنها وحاولت هي الابتعاد أكثر، كان حضن فارس بالنسبة لها يجمع كل المتناقضات، الحب والكره، الأمان والخوف، الحياة والموت، ولكنها كانت تحب فارس وهو الشخص الوحيد الذي كانت تشعر معه بالأمان، تعلم أنه أمانها وأنه هو من يزود عنها الألم وشرار الناس.

كان فارس يشعر بأنها ليست على ما يرام بعد كل علاقة منذ تزوجها، بعد ذلك اعتاد الأمر ولم يعره انتباهًا، ولم يعتبره مشكلة ليبحث لها عن حل، وهنا كانت غلطة فارس التي لم ينتبه إليها، وهي ما فاقمت مشكلة ولاء النفسية، لم تستطع ولاء التغلب على مشكلتها التي تسبب فيها أستاذ نبيل، وكان قرب فارس منها يذكرها بمرارة تلك التجربة، خاصة بعد أن تذكرتها وهي في المستشفى.

حاولت ولاء بعد خروجها من المستشفى الخروج عن صمتها والرجوع لحالتها الطبيعية، ولكنها لم تستطع أن تعود لحالتها الطبيعية، كان الصراع داخلها على أشده، كان هناك صراع بين شخصية ولاء المتدينة المحترمة المحبة لزوجها والمحبة للناس مهما كانت قسوتهم عليها، والشخصية الأخرى الكارهة لولاء المتدينة والكارهة لكل الناس خصوصًا فارس.

كان الصراع داخل ولاء بينها وبين نفسها، كان صراعًا على الحياة، كل منهما تريد الحياة لنفسها وقتل الأخرى، كان الصراع على أشده كان صراعها شديدا، وهي ترى ولدها يناديها ويطلب منها أن تذهب إليه لتؤنسه في وحدته، كانت تشعر أن حماتها على حق وأنها يجب أن تموت وأنها لا تستحق العيش، كيف تعيش وهي السبب في وفاة ولدها، واستسلمت ولاء في تلك الفترة لاكتئابها واستسلمت للموت، وقبلت أن تذهب إليه بإرادتها الحرة، لكي ترى طفلها الذي حُرمت منه وتؤنسه في وحدته.

كانت ولاء قليلة الكلام منذ عادت إلى المنزل، حتى أثناء جلساتها العلاجية لم تكن تتكلم بالكلام الكثير، لذا طلب منها الطبيب المعالج جميع الأوراق التي كتبتها في المستشفى وبعد خروجها ليستطيع مساعدتها، إلا أن ولاء كانت تحتفظ لنفسها بالأوراق التي تتذكر فيها ماضيها، وتخفي فيها مصائب الدهر التي واجهتها ولا يعلم عنها فارس شيئًا، لِمَ تُعطِ ولاء الطبيب أوراقًا ذات قيمة؟!، كانت تلك الوريقات التي رآها في المستشفى والتي تقول فيها إنها لا ترغب في الحياة وإنها لابد أن تموت فمن مثلها لا يستحق الحياة.

بعد مرور شهر على خروج ولاء من المستشفى كان لابد لها من التعامل مع الناس والعودة للعمل، والأهم من ذلك التعامل مع حماتها، وتحمل انتقاداتها؛ لذا قرر فارس أن يذهب لزيارة والدته دون ولاء ولتفعل والدته ما تريد، لن يسمح لوالدته بالتسبب في نكسة لزوجته وحبيبته، ما زال يشعر بالندم أنه أخرجها من المستشفى بسبب أنانيته، دون أن ينتظر أن تتم شفاءها، منذ خرجت من المستشفى لم تكن ولاء التي يعرفها، كانت تصرفاتها غريبة، كانت تقضي وقتًا طويلًا أمام جهاز اللاب الخاص بها ولا يعلم فارس ماذا تفعل.

وبسبب مصروفات علاج ولاء نفسيًا اضطر فارس أن يعمل في وظيفة أخرى مع وظيفته الحكومية لكي يستطيع الوفاء بتكاليف العلاج، لذا كان يتغيب فترات طويلة خارج البيت ويترك ولاء وحيدة مع ذكرياتها ومع جهاز اللاب، يا ليته ما فعل.

في فترات غياب فارس الطويلة عن المنزل أنشأت ولاء صفحة لها على الفيسبوك باسم مستعار لم يكن يدري عنها فارس شيئًا، وضعت فيها صورًا ماجنة وما إن أنهت صفحتها بالصور حتى انهالت عليها طلبات الصداقة من أشخاص وجدوا في صاحبة هذه الصور ضالتهم التي يبحثون عنها، صيدا سهلًا لن يكلفهم شيئًا.

عندما أنشأت ولاء هذه الصفحة كانت تشعر بالكراهية تجاه كل الرجال، وخصوصًا فارس، كانت تريد أن تنتقم منهم جميعًا ولا تعلم كيف، فكان انتقامها أن تقول لهم أنتم أغبياء تجرون وراء شهواتكم حتى لو كان ما تطاردونه خيالًا، فكانت هذه الصفحة التي أنشأتها لتشاهد كم هم أغبياء وكم هم شهوانيون، وجعلتها الصفحة التي تفتح تلقائيًا على جهاز اللاب الخاص بها لكي يراها فارس عندما يفتح جهازها، أما أوراقها وذكرياتها فكتبت كل ما كان في الأوراق على ملف في جهازها وأخفته فلا يصل إليه غيرها لتسطر فيه كل ذكرياتها التي ترغب في إخفائها عن الجميع، وتسطر فيها ما تفعله، وسبب تصرفها على ذاك النحو، لم تكن تعرف هل ما تفعله صواب أم خطأ، كانت تريد أن تنتقم من المجتمع ومن فارس ومن كل الرجال ولكنها لم تعرف هل فعلت ذلك حقًا أم لم تفعل، لم تعد تعرف، طبعت بعض تلك الأوراق ولأول مرة قررت أن تعرض بعض هذه الأوراق على طبيبها المعالج فهي أصبحت تثق به إلى حد ما؛ لذا قررت أن تعرض عليه هذه الأوراق.

عندما قرأ الطبيب أوراق ولاء طلب من فارس الانتظار بالخارج ليتحدث مع ولاء على انفراد، واستجاب فارس له وخرج.

الطبيب: مدام ولاء، إنتِ عارفة إنتِ كاتبة إيه في الورق ده؟

ولاء: أيوه عارفة.

الطبيب: كاتبة إيه؟

ولاء: عايزة أموت، أنا ما بقتش عارفة أنا خلصت من الماضي ولا لأ، عايزة أموت عشان أنا ما استحقش أعيش، أنا عملت صفحة ليا حطيت فيها كل حاجة أنا رافضاها كنت فاكرة كده بانتقم من الرجالة كلهم بس مش عارفة أنا بنتقم فعلًا منهم ولا من نفسي، عشان كده عايزة أموت.

الطبيب: طيب كويس إنك عارفة إنك لسه ما اتخطتيش الماضي، وإنك بتتصرفي باندفاع وتهور من غير تفكير وكمان عايزة تموتي، يعني الميول الانتحارية لسه موجودة.

ولاء: أنا حاسة إني اتنين بيتخانقوا واحدة فيهم متدينة ومحترمة والتانية مومس الاتنين بيتخانقوا بس دلوقتي خايفة المومس هي اللي تكسب.

الطبيب: مدام ولاء كلنا في جوانا اتنين عكس بعض تمامًا، والاتنين دول على طول في خناق ومعارك واحد منهم طيب والتاني شرير، ده طبيعي، وما ينفعش واحد منهم يموت، الحل إنك تتصالحي مع نفسك، بلاش الإحساس بالذنب المستمر حتى على الأفكار، ربنا مش بيحاسبنا على أفكارنا ربنا بيحاسبنا على أفعالنا، ولا إيه؟

ولاء: أنا مش عارفة أسيطر على نفسي بعمل ساعات حاجات كتير مصايب ومش عارفة اتصرف، أنا عملت حساب على الفيس عاملة فيه مصايب وكوارث، خايفة ومش عارفة اتصرف ولا أعمل أي حاجة وزيادة على كده عايزة فارس يشوفه عايزه انتقم منه هو كمان.

الطبيب: ما أنا قلت لك كلنا جوانا شخصيتين عكس بعض ولازم يبقى فيه كل شوية خناق بينهم، المهم إنك تعرفي تصالحي الاتنين دول على بعض، المتدينة المحترمة بره البيت وتعاملك مع الناس، التانية اللي إنتِ شايفة انها مومس خليها تتعامل بطريقة المومس مع زوجك، اتدلعي والبسي كل اللي نفسك فيه وإنتم مع بعض في البيت، اعرفي إننا كلنا كده واحنا اللي بنحدد مين اللي يظهر، بس من الأوراق دي قولتي إنك ما قدرتيش تتخلصي من الماضي، إيه هو الماضي ده؟

صمتت ولاء ولم ترد على الطبيب، شعر الطبيب أن هناك سرًا في حياتها تحاول إخفاءه عن الجميع، لم يرَ جميع ما كتبته في مذكراتها، لقد حرصت على إخفاء الأوراق التي تحوي ذكرياتها التفصيلية واكتفت ببعض الأوراق التي تحتوي على المصائب التي فعلتها في حالات اندفاعها، لم يتأكد بعد الطبيب من تشخيص حالة ولاء فهو يشك في اكتئاب حاد أو أنها تعاني من الاضطراب الوجداني ثنائي القطب مع بعض اضطرابات الشخصية، وبالتالي عليه وضع ولاء تحت الملاحظة الطبية وكذا البحث في الأمراض الوراثية في عائلتها والتعرف على ماضيها أجمع.

طلب الطبيب من فارس الدخول وطلب من ولاء الانتظار في الخارج قليلًا، طلب الطبيب من فارس مراقبة ولاء جيدا دون أن تشعر، خوفًا من حدوث محاولة انتحار أخرى، كما طلب منه البحث عن أية أوراق تحاول ولاء إخفاءها؛ لأنه يشعر أنها تُخفي شيئًا ما، معرفته ستساعد في علاجها، كما طلب منه معرفة اسم ومكان دار الأيتام التي تربت فيها ولاء واسم المدارس التي ارتادتها ولاء في سنوات تعليمها المختلفة.

بالفعل التزم فارس بكلام الطبيب وظل يراقب ولاء في الفترات التي يوجد بها في المنزل، ولكنه كان يعلم أنه يغيب لفترات طويلة خارجه للعمل، لذا طلب من والدته أن تقيم معه فترة حتى تتحسن حالة ولاء الصحية، لم يخبرها بمرض ولاء النفسي ولكنه أخبرها أن ولاء أجرت عملية المرارة وتحتاج للراحة، رغم عدم محبة أم فارس لولاء إلا أن علمها بمرض ولاء جعلها تفكر في فارس ومصلحته، وخافت على ولاء، فهي لا تحب في ولاء أنها تربت في ملجأ وليس داخل أسرة، هي تحب ولاء ولكن تكره طريقة تربيتها، تعرف أن ولاء على قدر كبير من التدين والأخلاق، ولكن يعكر ذلك كونها تربية ملاجىء، قررت والدة فارس أن تساعد ولدها في رعاية زوجته، ولتعود كما كانت بعد أن ترد على ولاء عافيتها.

والدة فارس من النساء الطيبات ولكنها تهتم لرأي الناس كثيرًا حتى وإن خالف ذلك شرع الله، كانت العادات والتقاليد بالنسبة لها أهم من الفروض والسنن، كانت تتمنى لولدها أن يتزوج فتاة من عائلة كبيرة محترمة، لا فتاة مثل ولاء، تعلم أن الجيران ينظرون لها نظرة سيئة، وتسمع كلامهم عن فارس "فارس أحلام" فتيات الحي "الذي لافت عليه واحدة تربية شوارع"، كانت تسمع همساتهم عليها وعلى ولدها، كانت كلماتهم سكينًا تُقطع في قلبها، لذا كانت تخرج ذلك في تأنيب ولاء وإذلالها وإهانتها في غير وجود فارس.

مر شهر آخر على خروج ولاء من المستشفى ورعاية والدته لها، إلا أن فارسًا بدا يلحظ تصرفات ولاء الغريبة وتعليق والدته عليها، كانت والدته تراقبها لتجد لها أي خطأ لتأنيبها عليه، وصب اللعنات على رأسها، هي ترى أنها مرت من العملية بسلام، لذا يجب أن تعود لسابق عهدها معها، ولكن هذه المرة لم تكن ولاء كسابق عهدها تسمع كلام حماتها وتشكرها عليه، لقد أصبحت شخصية أخرى ترد على كل كلمة بعشر كلمات، أهانت حماتها مما جعلها تترك له المنزل وتتصل به تشكو من سوء أدب ولاء معها وتخيره بينها وبين ولاء.

لم يعرف فارس كيف يتصرف، لقد تبدلت شخصية ولاء أصبحت سليطة اللسان، لقد سمع بنفسه إساءتها لوالدته، ولكنه لم يتدخل؛ لأنه سمع الموقف من بدايته لقد استفزت والدته ولاء كما اعتادت أن تفعل، إلا أن ولاء هذه المرة ردت لها الكلمة بعشر والصاع صاعين.

لقد عاد إلى البيت في موعده المعتاد، سمع والدته كعادتها تصب لعناتها على ولاء وهي في المطبخ

والدة فارس: إنتِ يا ست هانم لسه البيت ما اتروقش والأكل ما اتعملش أُمَّال الراجل اللي جاي وطفحان الكوتة عشان يأكلك ويصرف عليكِ ياكل إيه؟

ولاء بصوت مرتفع: إنتِ عايزة مني إيه؟، قومي اعملي الأكل هو الراجل ده مش ابنك برضه، ولا أنا الخدامة الخصوصي.

والدة فارس: إنتِ كمان بتردي عليا؟!

ولاء: أيوه أرد عليكي وعلى عشرة زيك..

والدة فارس: وربنا إنتِ ما شوفتي رباية ولا التربية عدت على بيتكم، وألَّا بيت إيه نسيت إنك تربية شوارع.

ولاء: تربية الشوارع دي هي صاحبة البيت وإن كان عاجبك ولو مش عاجبك الباب يفوت جمل.

والدة فارس: أقسم بالله ما اقعد في البيت ده لحظة واحدة، ولا إنتِ تقعدي على ذمة ابني لحظة واحدة.

لم يستوعب فارس ما يحدث، أهذه هي ولاء زوجته وحبيبته؟!، أهذه هي ولاء التي كانت تسمع إهانتها وتصمت ولا ترد؟!، لم يعرف ماذا يفعل؟، حاول أن يهدىء والدته ويعتذر لها.

فارس: أنا آسف يا أمي، امسحي اللي حصل فيا أنا..

والدة فارس: والله ما أنا قاعدة فيه ولا لحظة، ولا أنت تبقى ابني لو ما طلقتش العقربة اللي إنتَ متجوزها دي.

فارس: معلش يا أمي، هي بس عصبية عشان تعبانة من العملية.

والدة فارس: عملية إيه؟ ما هي زي القرد أهي وبتخرج وتنزل ما اعرف رايحة فين ولا جاية منين، والزفت اللي اسمه إيه ده ماب ولا لاب، والله ما أنا عارفة اسمه إيه الهباب ده اللي مش بتسيبه، هي دي اللي اتحديتني عشان تتجوزها؟! اشربها بقى ولا أنتَ ابني ولا اعرفك إلا لما تطلقها.

فارس: اسمعيني بس.

والدة فارس وهي تحمل حقيبتها ووصلت لباب المنزل: خلاص يا فارس أنا قلت لك يا أنا يا هي وإنتَ اختار!!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...