كنت متوترة أرزح الغرفة إيابا وذهابا، أدخن لفافة التبغ العاشرة وأحتسي
القدح الثالث من القهوة، إنني لم أكن أعرف كيف يقرأنِ حمدي، إنه يقرأ أفكاري، لقد
تعرفت عليه للتو في النادي، كان بصحبة هيثم وعلياء أصدقائي، لقد قرأنِ منذ الوهلة
الأولى، لقد عرف أنني حاولت الانتحار مرارا دون أن أقول له ذلك ولم أقل أي شيء عن
موضوع الانتحار لأصدقائي ولم يرَ أحدا رسغي ليرى آثار الانتحار، كيف قرأنِ بهذه
السهولة، أخاف ممن يمكنه بسهولة قراءتي، كما أخاف وأكره جميع الرجال. وما زاد من
توتري تلك النظرات التي ينظرها لي وكأنه يعرفني منذ زمن بعيد، من هذا الحمدي وكيف
يتعامل معي كأنه يعرفني منذ زمن، دارت العديد من الأسئلة في عقلي وزادت من توتري وها
أنا أشغل لفافة التبغ العشرون وأرزح غرفتي إيابا وذهابا ولا أجد إجابة واضحة
لأسئلتي، وتذكرت أن حمدي أعطاني رقم هاتفه المحمول دون أن أطلبه منه، بل وأصر أن أسجله
أمامه على المحمول الخاص بي كأنه يعرف مسبقا أنني سأرمي الورقة التي تحتوي على رقم
هاتفه
تذكرت ما حدث في النادي حيث جلس حمدي مع هيثم وعلياء في انتظاري، لم أكن
على علم بمجيء حمدي، فوجئت بحمدي يجلس مع صديقتي وحاولت الانصراف إلا أن علياء
أصرت أن أجلس معهم، كان حمدي يحدق بي مما أزعجنِ بشدة وبدأت أشعر بالتوتر، ظنت أن
صديقتي أرادت أن تفرض عليّ أمرا واقعا بمرشح جديد للزواج به.
لاحظ حمدي توتري وفتح بابا للحديث لكي يخفف عني هذا التوتر ويعرف مدى
سوء حالتي النفسية
حمدي: اليوم في النادي، وأنا في طريقي إليكم، رأيت مشهدا صعبا للغاية،
لقد رأيت رجلا يضرب امرأة وفهمت من سبّه لها أنها زوجته، لقد ضربها على مرئى ومسمع
من الجميع ولم يتدخل أحد قط لإنقاذ هذه المسكينة من بين يديه، يا لها من همجية
هيثم: يا الله يا وماذا حدث بعد ذلك يا حمدي؟
حمدي: لا شيء يا هيثم حاولت أن اتدخل بينهم كي امنع عنها الضرب، كان
رجلا همجيا بمعنى الكلمة وفكر ان علاقة ما آثمة تجمع بيني وبين زوجته وبسبب هذه
العلاقة تدخلت لإنفاذها كاد أن يضربني أن أيضا يا له شخص مريض
علياء: صراحة لا أستطيع أن أتخيل أن هناك أحد بهذه العقلية حتى الآن،
كيف يفكر من الأساس في ضرب زوجته سواء كان ذلك في الخفاء أم في العلن
هيثم: معكِ حق يا علياء من يفكر في ضرب أنثى ليس برجل، الرسول عليه
الصلاة والسلام قال رفقا بالقوارير
حمدي: للأسف يا هيثم هناك بعض من الرجال يرى أن ضرب الأنثى رجولة، بل
بالعكس من ذلك، فهذا إحساس بالنقص للأسف الشديد، ما رأيك يا أستاذة ميار؟
كنت شاردة أتذكر ضرب عماد لي وآخر واقعة ضرب التي جعلتني أحتاج لعلاج
أكثر من واحد وعشرين يوما قضيت منهم أسبوعا كاملا في المستشفى ثم فوجئت بهم يحدقون
بي فقلت معتذرة عن شرودي: "آسفة لقد كنت شاردة الذهن ماذا كنتم تقولون؟"
علياء وهي تنظر لي بتفهم لحالتي: "كنا نقول ان من يضرب سيدة هو
شخص ناقص الرجولة"
ميار: إنه ليس رجلا من الأساس من يفتري على من هو أضعف منه ليس برجل.
حمدي: ولماذا الانفعال يا أستاذة ميار؟
- قلت وأنا في قمة توتري وانفعالي: "أبدا لست منفعلة"
استأذن هيثم وعلياء في الذهاب للمقصف لطلب بعض المشروبات لهم، كانت
هذه حجتهما لترك حمدي وحده معي عله يستطيع تقييم حالتي، زاد توتري عندما تركتني
علياء وحدي مع حمدي، ولاحظ حمدي التوتر الشديد لي فقال محاولا تخفيف هذا التوتر
حمدي: على فكرة أنا لست آكل لحوم بشر أو مصاص دماء أو سفاح كي توتري
كل هذا التوتر وأنتِ وحدك معي، يمكنني الذهاب إذا كان ذلك يشعرك بالتحسن.
ميار: أبدا، أنا غير متوترة لماذا أتوتر؟
حمدي: هل كان زوجك يضربك يا أستاذة ميار؟
ميار: من قال ذلك!
حمدي: انفعالك عندما قصصت عليكم قصة السيدة التي كان يضربها زوجها
ميار: وهل أنت مُنَجِمًا كي تقرأ ما بداخلي، في الأساس كان انفعالي
لأن هذا عمل همجي
حاولت أن أداري توتري من قراءة حمدي لي وأن أظل صامتة حتى تأتي علياء،
إلا ان حمدي فاجئني بسؤال جديد
حمدي: هل من الممكن أن أسألك سؤالا فضوليا؟
ميار: تفضل، لكن إذا لم يعجبنِ السؤال لن أجيب عليه
حمدي: من حقك بالطبع، كم مرة حاولتِ فيها الانتحار؟
مررت لا شعوريا على يدي على أماكن علامات الانتحار التي أداريها بقميص
طويل الأكمام ثم قلت: "من قال إني حاولت الانتحار، ولما الانتحار؟!"
تأكد لحمدي أنني حاولت الانتحار من قبل عندما وجدني لا شعوريا أتلمس
ذراعي ورسغي وتوتري البالغ من السؤال، طلبت منه بعد ذلك السؤال انتظار صديقتي في
سكون، وبالفعل أتت علياء وهيثم عقب إشارة حمدي لهم بالمجيء، ولم ألحظ ذلك وقتها.
أصر حمدي على إعطاء رقم هاتفه لي وأصر على تسجيلي الرقم على الهاتف
أمامه، هو يعلم علم اليقين أنه إذا أعطاني الرقم مدون على ورقة سوف أقطعها عقب
إعطاء ظهري لهم، ولكن تسجيل الرقم على الهاتف سيجعلني أحاول الاتصال به، لشعوري
أنه يقرأنِ دون أن يعرفني، لفضولي أن أعرف كيف قرأنِ.
تركتهم منصرفة لمنزلي، وأثناء قيادتي السيارة كاد القلق والتوتر أن
يقتلني، أخاف أن يقرأنِ أحد بهذه السهولة خاصة إذا كان هذا الشخص رجل، وتذكرت عماد
وما فعله. وصلت لمنزلي ولا أعرف كيف وصلت كادت أن تحدث لي أكثر من حادثة في الطريق
لشرودي ولكني نجيت من الحوادث بأعجوبة وأخير وصلت شقتي.
عدت من شرودي فيما حدث بالنادي وطلبت من أم حامد أن تعد لي القدح
الرابع من القهوة مع لفافة التبغ العشرون ولا أعرف ماذا أفعل، فتحت هاتفي على رقم
حمدي أكثر من مرة أحدق بالرقم ولا أعلم ماذا أفعل حتى قررت أن أتحدث معه وأسأله
مباشرة كيف عرف عني كل ذلك خاصة وأن لا أحد يعلم عن محاولات الانتحار.
في هذه الاثناء دخلت عليّ أم حامد بقدح القهوة وسألتني إن كنت تناولت
شيئا لآكله أم تعد لي الطعام، فوجئت أم حامد بجوابي أنني لم تناول أي طعام منذ
خرجت في الصباح الباكر وحتى الآن (الثامنة مساءا)، أشفقت عليّ أم حامد وأصرت أن
تعد لي الطعام، استسلمت لإصرارها على تناول الطعام، فأنا حتى الآن لم أستطع مقاومة
الإصرار على فعل شيء حتى وإن كنت لا أريده لم أعْتَدْ بعد على الرفض التام لكل ما
يقلقني أو ما أرغم عليه.
أنا فتاة في الحادية والثلاثين من عمري، قمحية لون البشرة، سوداء
الشعر، خلعت حجابي وأصبحت أترك دائما شعري يتمرد على ظهري دون أن أقيده بأي شيء،
أحب تمرده على ظهري، أجد أن تمرده جزءا من تمردي هي على الحياة والمجتمع، أنا متوسطة
الطول، أرتدي دائما ملابس ذات أكمام طويلة لكي تخفي آثار الانتحار عن الجميع،
تخرجت في الجامعة الأمريكية في كلية الترجمة وأعمل مرشدة سياحية في احدى الشركات، أعيش
بمفردي في شقة في المعادي بعد طلاقي من زوجي عماد.
تتكون عائلتي من والدي عبد الهادي ووالدتي توحيدة، أنا الابنة الوحيدة
لعبد الهادي وتوحيدة رزقا بي بعد انتظار دام عشر سنوات، أنا الابنة الوحيدة ولكني
ليست مدللة، يرى عبد الهادي أن تدليل البنات يفسدهن وأن الشدة هي أفضل طريقة في
تربية الإناث، لم أشعر بأي انتماء لتلك الاسرة، أشعر دائما أنني جئت غلطة في حياة
هذه الاسرة نظرا لأسلوب الشدة المتبع في الأسرة.
لم يعارض والدي الدراسة بالجامعة الأمريكية ولا عملي كمرشدة سياحية في احدى الشركات
الكبرى، ولكنه كان يعارض المبيت خارج المنزل، أو التأخر لما بعد السابعة مساءا في العمل.
لا أسافر مع الأفواج بل أكتفي بالأفواج السياحية داخل القاهرة فقط، عانيت كثيرا
لكي أكون كما أردت، أجبرني والدي على ارتداء الحجاب وأنا في المرحلة الإعدادية،
فكان حجابي مجرد قطعة من القماش تداري شعري، أما ملابسي فكانت دائما البنطالون الجينز
مع قميص ذي أكمام طويلة –كي أخفي آثار محاولات الانتحار -والكوتشي، حاولت كثيرا
الانتحار بكافة السبل والوسائل إلا أنني كنت أنقذ في اللحظة الأخيرة.
تعرفت في العمل على علياء زميلتي وصديقتي المقربة، تعلم علياء مدى
قسوة عائلتي ميار وتعلم طردهم لي من حياتهم وتبرأهم مني بعد ما فعلته بعماد ورفع
قضية طلاق، وقراري العيش بمفردي في شقتي بالمعادي بعد الطلاق.
علياء هي صديقتي في العمل في الخامسة والعشرين من عمرها لم تتزوج بعد
ولكنها مخطوبة من زميلها بالعمل هيثم وهما يحبان بعضهما البعض وعلى وشك الزواج بعد
فوز والد علياء في انتخابات مجلس الشعب، علياء متوسطة الطول ونحيفة بعض الشيء لا
ترتدي الحجاب تحب لبس الملابس ذات الماركات العالمية إلا أن ملابسها رغم أنها من
ماركات عالمية لا يتعارض مع تربيتها الصعيدية وهي تضع مساحيق تجميل وعطور ذات
ماركات عالمية، وتعيش مع عمتها في القاهرة نظرا لأن أسرتها تعيش في محافظة أسيوط
بصعيد مصر، فهي ميسورة الحال إلى جانب أن ما تتقاضاه مقابل عملها في الارشاد
السياحي مبلغا كبيرا يساعدها على حياتها الرغدة، وقفت علياء بجانبي في محنتي مع
زوجي وحتى طلاقي منه وبعد الطلاق اقترحت عليّ الاشتراك في النادي لتمضية وقت الفراغ
ونصحتني بالعمل في الافواج الكبيرة التي تجوب مصر كلها ليتضاعف راتبي وبالفعل
وافقت على ذلك، وأصبحت أجوب جمهورية مصر العربية مع الأفواج المختلفة وتضاعف دخلي
من الشركة.
حاولت علياء التخفيف عني وحاولت إدخالي في علاقات جديدة للزواج ولكنها
فشلت فشلا ذريعا لخوفي من الرجال وكرهي لهم، فوجدت علياء ضرورة خضوعي لعلاج نفسي
إلا أنني أرفض هذا الموضوع لنظرتي أن من يذهب للطبيب النفسي هو بالضرورة مجنون
وفاقد الأهلية.
ولاء: كتير اللي مريتي بيه هو في أهل صعب كده، فين الحب والحنية
ميار: دي كلمات مش موجودة في قاموس حياتهم
فريدة: شكل علياء قريبة منك جدا
ميار: قريبة جدا وأكتر من أختي
شذى: بس ليه شايفة إن مساعدة الطبيب النفسي بتكون لفئة محددة، بالعكس
كلنا محتاجين مساعدة طبيب نفسي من وقت للتاني
ميار: دي كانت نظرتي وقتها، ايه دا علياء جت أهي شكلها جاية مخصوص ليا
علياء: أهلا يا ميور وحشتيني يا بنتي، اهلا بيكم
شذى: اهلا بأخت ميار الروحية
علياء: هي ميار قالت لكم
ميار: بحكي لهم قصة حياتي ووقفت عندك لما جيبتي حمدي النادي ايه رأيك
تكملي إنتي الحكاية بما إنك هنا
علياء: حاضر طالما دي رغبتك
شذى: واضح شدة قربكم من بعض عشان تعرفوا التفاصيل الصغيرة عن بعض
علياء: كل واحدة فينا تعرف عنت أختها أكتر من اختها تعرفه عن نفسها
فريدة: ربنا يهديكم لبعض وما تبعدوش عن بعض ابدا
ميار وعلياء: يا رب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق