في أسيوط
سافرت علياء مع والدها في ملابسها الجديدة ودون وضع عطور، طوال الطريق
للصعيد لم تستطع منع دموعها من الهطول أمطارا وشلالات اعتراضا على قرار من شخص لا
تعرفه، على قرار غير حياتها بالكامل، رأى والدها دموعها التي تأبى إلا النزول على
وجنتيها، لم يستطع أن يواسيها فهو نفسه مكره على هذه الزيجة كي يستطيع رفع رأسه
عاليا في بلدته، وكي يظل عضوا في البرلمان.
وعلى صعيد آخر في منزل البلتاجي كان هناك حديثا بين فتحي البلتاجي
وولده الكبير محمد:
محمد: كيف يا والدي سأتزوج من فتاة تربت في القاهرة ولا تعرف شيئا عن
عاداتنا وتقاليدنا هنا في الصعيد، كما أنها تعمل مرشدة سياحية وتسافر وحدها دون
رقيب عليها
البلتاجي: ماذا أفعل يا والدي إنه حكم المأمور ولابد من الانصياع له
محمد: وماذا أفعل كي أطمئن أنها لازالت عفيفة طاهرة؟
البلتاجي: كما ترى يا محمد، ولكن تذكر أنك لو رفضت ذهبت منا عضوية
المجلس نهائيا
محمد: حسنا يا والدي سيكون المنديل هو الحل، لو هي بكرا سنتم الزيجة
وتدخل العضوية عائلتنا وإذا لم تكن كذلك تصير لنا العضوية نهائيا ويتحمل السمنودي
عار ابنته
البلتاجي: حسنا يا محمد كما ترى
محمد: وسيحدث مع أختها نفس ما سيحدث مع زوجتك ويكون زفافك مع زفاف
أخيك في نفس اليوم
ذهب البلتاجي لمأمور القسم مع السمنودي وأخبره أن المنديل سيكون هو
الحكم في إتمام اتفاق الانتخابات، اضطر السمنودي مرة أخرى على الموافقة حيث أن
البلتاجي لمح إلى الحرية التي تعيش بها علياء في مصر دون رقيب، واعتبر أن عمتها
ليست كافية للرقابة على عفة علياء. لم يعلم السمنودي كيف سيقنع ابنته بذلك، فذهب
إلى زوجته يقص عليها ما حدث ويطلب رأيها، فأقنعته بالموافقة على ذلك وطلبت منه
إخفاء الأمر عن البنات، لتأكدها من عفة بناتها، وأنها ربتهم تربية حسنة.
محمد هو ولد البلتاجي البكري، تخرج في كلية الزراعة جامعة أسيوط ويرعى
مصالح والده في أسيوط وخارجها، قمحي لون البشرة، أسود الشعر، طويل مفتول العضلات،
ورغم الشدة التي تبدو في ملامحه إلا أنه طيب القلب، لا يستطيع أن يتسبب في حزن
أحدهم، ولكنه في ذات الوقت حازم وصارم مع الجميع، له مهابة في نفوس الجميع سواء في
عمله أو في الدار. أما محمود فهو الابن الأصغر للبلتاجي، وهو في السنة النهائية في
كلية الزراعة في جامعة القاهرة، حيث أراد التعلم خارج الصعيد ليستطيع أن يتنفس
الصعداء بعيدا عن نفوذ والده وسطوته، قمحي لون البشرة له شعر أسود ناعم، تقسيمات
وجهه توحي بطيبة قلبه، ليس حازما مثل أخيه، يحب زميلته في الكلية وأراد أن يتزوجها
بعد التخرج.
عندما اتصل البلتاجي بمحمود ليخبره بضرورة حضوره وزواجه من ابنة
السمنودي الصغرى، رفض بشدة إلا أن والده خيره بين إتمام تعليمه والزواج بمن يحب
وبين تركه دون نقود وأن يعتمد على نفسه للإنفاق على زواجه وتعليمه. كان محمود
مرفَّها منذ نعومة أظفاره كل طلباته مجابة، ينفق دون حساب ويحيا في القاهرة في
حياة رغدة يحسده عليها زملاؤه في الدراسة. ولأنه لا يستطيع الاعتماد على نفسه وافق
والده على أن يتزوج من يحبها على ابنة السمنودي عندما ينهي تعليمه الجامعي. وافق
البلتاجي على ذلك وحضر محمود لكي يتم إجراءات الزواج على فتاة لا يعرفها ولم يسمع
عنها قبل ذلك، ولا يعرف حتى اسمها. احتج محمود على موضوع المنديل إلا أن والده أصر
عليها نظرا لضرورة ذلك الموضوع لأخيه الذي سيتزوج من ابنة القاهرة التي لا رقيب
عليها.
أما الابنة الصغرى فهي حبيبة، كانت في السنة الأولى في كلية الحقوق،
واشترط والدها على البلتاجي أن تكمل ابنته تعليمها الجامعي وهي في منزل زوجها
ووافق البلتاجي على ذلك، لم تعرف حبيبة معنى الحب من قبل ولم يكن في مخيلتها أن
تتزوج في ذلك الوقت، كانت ترى في علياء قدوتها، كانت تريد أن تتخرج وتستقر هي
الأخرى مع أختها في القاهرة وتعمل هناك محامية في أحد المكاتب الكبرى، حتى تحقق
ذاتها، ولكنها لم تستطع الاعتراض على قرار والدها، خاصة بعد أن طمأنها أنها ستكمل
تعليمها بعد زواجها، ولكن ما كان يقلقها حقا أنها ستعيش في منزل عائلة البلتاجي
ومعها حماتها وأختها، خافت من حماتها التي يقول عنها الجميع أنها شديدة في التعامل
مع الجميع، الكل يهابها حتى أبنائها وكلمتها يرضخ لها الجميع.
مر الشهر وانتهت تجهيزات الزفاف تماما، لم تختر علياء أي شيء في
تجهيزات الزفاف تركت والدتها تختار كل شيء، حتى ملابسها اختارتها لها والدتها،
خلال الشهر كان هناك تعامل بين علياء وحبيبة وحماتهما، وجداها كما يشاع عنها سيدة
شديدة العزم وصارمة كلمتها سيف على رقبة الجميع، كانت تلك مشكلة في حياة علياء؛
فهي لم تعتد مثل تلك المعاملة، كما أنها لا تعرف كيف سيعاملها زوجها.
في يوم الزفاف فوجئت علياء بموضوع المنديل
محمد: ما اسمك؟
علياء: أتزوجتني ولا تعرف اسمي؟
محمد: لقد قاله لي والدك أثناء عقد القران ولكني نسيته
علياء: اسمي علياء
محمد: هيا يا عروسة ماذا تنتظرين الجميع ينتظر المنديل
علياء: منديل؟! لا أفهم شيئا مما تقول
محمد: لماذا؟ ألم تخبرك والدتك عن المنديل؟
علياء: لا، لم يقل لي أحدا شيئا
لم يترك لها محمد فرصة الكلام وانقض عليها كما ينقض الأسد على فريسته،
فصرخت عاليا غطى على صوت صرخاتها طلقات الأعيرة النارية وزغاريط النساء، انتهى
منها محمد وخرج في شرفة الغرفة يلوح لهم بالمنديل بعد أن تلوث بدماء العروس، غابت
علياء عن الوعي بعدما انتهى منها محمد وهو لم يهتم لذلك، كان يشعر بالفخر بعد أن
تأكد من عفة زوجته بنفسه وزف البشرى لوالد عروسه بعفة ابنته التي عاشت خارج
الصعيد.
لم تكن حبيبة اسعد حالا، فكما انقض محمد على علياء، فعل محمود ذات
الشيء مع حبيبة، الفرق الوحيد كان في مقاومة علياء لمحمد أما حبيبة فسلمت أمرها
كله لله فهي تعلم أنها الآن لابد أن تسلم نفسها لزوجها حتى وإن كانت لا تحبه،
وأطلقت الأعيرة النارية وهنأ البلتاجي السمنودي بالانتخابات والفوز بعضوية
البرلمان.
كان الفرح بعضوية البرلمان يغطي على حزنه على اجبار بناته على الزواج
من أبناء البلتاجي، إلا أنه مازال عند وعده بحماية بناته من أي سوء معاملة لهما من
زوجيهما أو من حماتيهما.
عندما أفاقت علياء من إغمائها وجدت محمد يشعل لفافات التبغ أمامها، لم
تستطع أن تمنع نفسها من كرهه، فهو لم يترك لها أية فرصة للتقرب منه بما فعله معها
من أول لحظات تجمعهما معا، قارنت في عقلها بينه وبين هيثم، وكم كان هيثم رومانسيا
رحيما بها، يتغزل في جمالها برقة تعشقها، ولكنها أفاقت على حقيقة زواجها من محمد
وضرورة التعود عليه وعلى تعامله الغليظ معها.
عندما وجدها أفاقت لان قلبه لها، ولكنه كما أخبرته والدته لابد أن
يكون شديدا قاسيا مع زوجته حتى تعتاد سماع كلامه والحياة في الصعيد حتى لا تجلب له
العار.
محمد: كيف حالك يا عروسة
علياء: الحمد لله، أحقا تهتم لأمري؟! ألم تأخذ مني ما تريد
محمد: أنا زوجك وما حدث هو حقي الشرعي منك
علياء: هل من الممكن ألا نتحدث في هذا الموضوع أين الحمام، أريد أن
أغتسل؟
محمد: ولماذا الآن؟ مازال الوقت مبكرا
علياء: أريد أن أغتسل فأنا لا أطيق نفسي
محمد: وأنا أخبرتك ليس الآن
ولم يتركها محمد حتى انقض عليها مرة أخرى، وقاومته كما فعلت المرة
السابقة ولكنه وضع يده على فمها هذه المرة وتوعدها بالضرب إن أصدرت أي صوت ولكنها
لم تستجب له، فصعها على وجهها بيده الأخرى، ومازال يكمم فمها حتى لا تصدر أي صوت.
أما حبيبة فكانت تعرف أنه زوجها ولابد أن تتحمل في صمت حتى لا يساء فهمها في هذا
البيت، تتألم في صمت، خاصة بعد أن قال لهما محمود أنه سيتزوج عليها أخرى بعد تخرجه
مباشرة، وكان ذلك عقب جماعه بها، نزلت الدموع من عينها على حظها العاثر الذي جعلها
تتزوج ممن لا تحبه ولا يحبها، بل من طعنها بسكين غير حاد يوم زفافها، لقد كانت
تعتقد كما قالت لها والدتها أن الحب يأتي بالعشرة بعد الزواج، فوجدت المفاجأة
الكبرى أن زوجها يحب أخرى وسيتزوجها ويأتي بها للعيش في نفس الدار.
عندما انتهى محمد من علياء للمرة الثالثة، كان الزوار قد جاءوا
للمباركة للعروسين، تركها محمد وذهب ليغتسل حتى يصلي ثم يقابل ضيوفه، وظلت هي
عاكفة في مكانها لا تتحرك، ولا تعرف كيف تتصرف مع شخص همجي لهذه الدرجة، تشعر أنه
يعاقبها على زواجها منه، وتصمت لعلمها أن ذلك لمصلحة عائلتها، بكت عندما تأكدت
أنها وحدها في الغرفة ولا يراها أو يسمعها أحد، وصعدت لها والدتها لغرفتها التي
تقع في الدور العلوي من دار البلتاجي، حيث الدور الأول للبلتاجي وزوجته والدور
الثاني لمحمد وزوجته والدور الثالث لمحمود وزجته، والدور الأرضي لاستقبال الضيوف
وتحضير الطعام، وجدت الحاجة علية والدة علياء ابنتها في حال يرثى لها فصبرتها على
ما هي فيه، على وعد منها أن يتغير زوجها بعد أن يعتاد كل منهما على الآخر، وأثناء
حديثهما وجدا الحاجة نحمدو، والدة محمد، على رأسيهما تستمع لهما، فرحبت بها الحاجة
علية وطلبت منها مشاركتها في حديثهما، فما كان منها إلا أن قالت لوالدة علياء
"أهلا بكِ يا حاجة، لقد شرفتنا بالزيارة ألم تذهبي لحبيبة للاطمئنان عليها هي
الأخرى لنترك الأزواج على راحتيهما ليفرحا". فهمت علية أن نحمدو تطردها من
غرفة علياء ولا تريد لهما الاستمرار في الحديث، فذهبت لحبيبة التي وجدتها تبكي
وحكت لوالدتها حديث محمود عن الزوجة الثانية، لم تتمالك علية نفسها من الزيجات
التي تورطت فيها ابنتاها، وشعرت أن البلتاجي وولداه ينتقمان من ابنتيها.
ذهبت علية لبيتها وقصت على زوجها ما حدث، فذهب على الفور للبلتاجي يعاتبه على ما حدث مع حبيبة، فوجد البلتاجي غير مبالي ويقول له أن الرجل حقه أن يتزوج مثنى وثلاث ورباع. فتركه السمنودي وذهب للمأمور يحكي له ما حدث مع حبيبة فوعده المأمور بحل تلك المشكلة مع البلتاجي، وبالفعل أرسل في طلب البلتاجي ومنعه من تزويج ابنه محمود بأخرى على حبيبة وإلا لن تنتقل عضوية البرلمان لولده كما تم الاتفاق، لأن الهدف من هذا الاتفاق الوصل بين العائلين لا تأجيج نار المشاكل بينهما مرة أخرى بينهما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق