الاثنين، 10 فبراير 2025

الفصل السابع عشر

 

أسيوط

في محافظة أسيوط حيث أهل علياء حدثت مشادات كثيرة بين عائلة علياء، عائلة الحج علي السمنودي وعائلة العمدة الحج فتحي البلتاجي، نشأت هذه المنازعات على إثر رغبة كل منهما الترشح للانتخابات في نفس الدائرة عن الحزب الذي ينتمون إليه، فكلاهما عضو في الحزب ذاته وأراد كل منهما أن يكون المرشح الوحيد للدائرة عن الحزب في نفس الفئة؛ حيث لم يحسم الحزب أيهما يرشح نفسه وأيهما يجب عليه الانسحاب.

قبل الانتخابات تطورت هذه المشاكل حتى وصلت لتدخل مأمور القسم، كل عائلة تدعي حقها في الفوز بالانتخابات بالتزكية دون أن ينافسها منافس، يحتج الحج فتحي البلتاجي حقة في ذلك لأنه عمدة البلد ولديه ولدين سيكون كبيرهما عمدة البلد، ويحتج الحج عليّ السمنودي بأحقيته في الانتخابات لأنه المرشح الدائم للحزب وأن هذه الدائرة الانتخابية حق له منذ انضم إلى الحزب، وأن العضوية لم تخرج من عائلته منذ فترة طويلة، وأن العمدة لم ينافسه أحد منهم في العمودية لأن العمودية في عائلتهم منذ فترة طويلة؛ وبالتالي لا يحق للعمدة المطالبة بالعضوية في المجلس.

أسفر تدخل المأمور عن قرار تزويج أبناء فتحي البلتاجي لبنات عليّ السمنودي، لم يُعجب عليّ السمنودي بقرار المأمور فهو يعلم أن ابنته مخطوبة لزميل لها في العمل وأن زواجهما سيكون بعد الانتخابات، إلا أن قرار المأمور كان نهائيا، خاصة بعد ترحيب فتحي البلتاجي بهذا القرار، الذي سيسفر بعد زواج ابنه البكري محمد من علياء الابنة الكبرى للحج السمنودي وزواج حبيبة الابنة الصغرى لعلي السمنودي بمحمود الابن الأصغر للحج فتحي البلتاجي، على أن تكون الانتخابات هذه المرة من نصيب السمنودي والمرة القادمة تكون الانتخابات من نصيب محمد البلتاجي، وتكون الانتخابات مرة لصالح عليّ السمنودي ومرة لصالح فتحي البلتاجي؛ فتكون دولا بينهما.

كانت علياء الابنة الكبرى لوالدها عليّ السمنودي، تعمل مرشدة سياحية في القاهرة، تركها والدها مع عمتها لتعمل في القاهرة، وكان والدها من كبرى عائلات الصعيد، وعضوا بمجلس الشعب، كان ميسور الحال، لم تذهب للصعيد منذ عملت في القاهرة وكان والداها واختها حبيبة يزورنها في القاهرة كل فترة، لم يعلق والدها يوما على ملابسها، ولا على ارتباطها بهيثم زميلها في العمل بل وبارك هذه العلاقة وتوجت بالخطبة وكان والدها ينتظر ان ينجح في الانتخابات حتى يزوجها ممن ارتضاه قلبها، ولكن كان عليه الالتزام بحكم المأمور حتى تظل عضوية مجلس الشعب في عائلته، وكي لا يُعيّر بأنه لا يستطيع الحكم على بناته؛ لذا سافر إلى القاهرة لإقناع علياء بالزواج من ابن فتحي البلتاجي والمجيء بها لأسيوط.

في منزل عمة علياء بالقاهرة

سافر السمنودي للقاهرة لا يعلم كيف سيقول لابنته أن تتخلى عن أحلامها وعملها لتعيش في الصعيد بل وتتزوج شخص لا تعلم عنه شيئا، وتترك خطيبها الذي تحبه، لم تكن مشكلة السمنودي في حبيبة بل كانت في علياء، فهو يحب كلتا ابتيه ولا يريد أن يكون سببا في تعاسة أي منهما. التقى السمنودي بأخته واراد أن تحضر لقائه مع علياء لتكون سندا له في إقناعها:

السمنودي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كيف حالك يا ام جمال وما هي أخبارك واخبار أبناءك؟

أم جمال: الحمد لله يا حج جميعنا بخير، كيف حالك وما هي أخبار البلدة والانتخابات

السمنودي: والله يا ام جمال الحال ليس جيدا على الإطلاق

أم جمال: خيرا يا أخي ماذا حدث؟

السمنودي: حدثت مشكلة كبيرة بيننا وبين عائلة البلتاجي لأنهم يريدون الترشح أمامي على الانتخابات فتصبح لهم العمودية وعضوية مجلس الشعب.

أم جمال: يا الله، وماذا حدث بعد ذلك؟

السنمودي: لقد تدخل المأمور وقال إن الحل هو زواج بناتي من أبناء البلتاجي، أعلم أن علياء خطبت لهيثم زميلها في العمل ولكن هذا قرار المأمور ولا رجعة فيه، وأريد منك محاولة إقناع علياء بالزواج من ابن البلتاجي

أم جمال: كيف أقنعها يا حج؛ فأنا في الأصل لست مقتنعة؟

السنمودي: لا أعلم يا ام جمال ولكن ليس أمامنا خيار آخر، نادي على علياء، هي هنا أليس كذلك؟

أم جمال: لا لم تصل من عملها بعد، ولكنها شارفت على الوصول لقد هاتفتني وقالت إنها في الطريق.

السمنودي: الحمد لله أنها في الطريق وستأتي سريعا، أكرمك الله يا ام جمال أريد منك أن تساعديني في إقناعها بالموافقة

أم جمال: انت تعلم أنها مخطوبة وتحب خطيبها ولا يجوز الخطبة على خطبة، أعانك الله على إقناعها بهذه الزيجة الغريبة

أثناء حديثهما سمعا صوت علياء ترحب بوالدها بعد أن علمت من أم جاد الخادمة أن والدها هنا

أم جمال: ها هي علياء قد وصلت، هلمِ يا علياء والدك هنا

علياء: اهلا يا والدي كيف حالك؟

السمنودي: الحمد لله يا بنيتي في أحسن حال، كيف حالك أنتِ؟

علياء: الحمد لله في أحسن حال ما هي أخبارك وأخبار الانتخابات؟

السمنودي: لقد جئت اليوم بسبب الانتخابات وما حدث في الدائرة الانتخابية

علياء: خيرا يا والدي ماذا حدث؟

السمنودي: لا أعرف يا بنيتي إن كان خيرا أم شرا

علياء: خيرا يا والدي لقد أقلقتني

السمنودي: لقد حدثت مشاجرات ومشادات بيننا وبين عائلة البلتاجي بسبب الانتخابات ووصلت المشاكل للحزب، وكما تعلمين أن كلينا عضوا في نفس الحزب وفي الحزب طلبوا منا اللجوء للمأمور لحل خلافاتنا وكان حكم المأمور هو تزويج بناتي من أبناء البلتاجي وتكون هذه الدورة من المجلس لي والدورة التالية لابن البلتاجي باعتباره زوج ابنتي وتظل هكذا بينا دورة لي ودورة له

علياء: ولكنك يا والدي تعلم أني مخطوبة لهيثم زميلي في العمل وأن الزواج سيكون عقب الانتخابات

السمنودي: هذا هو حكم المأمور وفي حال رفضت لن أترشح وتكون العضوية لصالح ابن البلتاجي الكبير ولن أترشح مرة أخرى مع الحزب، وانتِ تعلمين أن عضوية المجلس في عائلتنا منذ زمن طويل والعمودية في عائلة البلتاجي منذ زمن طويل، وكما تعلمين إنك في حال رفضك لن أستطيع رفع رأسي في البلدة حيث سيقولون إني لا كلمة لي على بناتي، هذا ما حدث يا بنيتي والقرار لك.

علياء: لم أعد أعرف ماذا أقول يا والدي؛ فأنا أعرف أهمية عضوية المجلس بالنسبة لعائلتنا، كما أعلم أن رفضي يعني مشكلة كبيرة، ولكن هيثم وخطوبتنا لا أعلم ماذا أقول أو أفعل فأنا بين شقي الرحى

السمنودي: بدون بكاء يا بنيتي، أنتِ تعلمين أني لا أحب أن أرى بكاء أي منكما، لقد وافقت أختك على الزيجة، ولكن لابد من زواج كلتيكما، والقرار يرجع إليك الآن؛ إما أن أرفع رأسي أمام الجميع أو ألا أستطيع رفع رأسي أمام الناس لأني لم أستطع الحكم عليك، بدون بكاء يا بنيتي

علياء: لا أستطيع وقف دموعي ولكن أنا موافقة على ما تراه يا والدي، لن أستطيع أن أكون سببا في القيل والقال عنا، تكلم مع هيثم وأنا موافقة على قرارك.

السمنودي: هناك أمر آخر يا بنيتي، لابد أن تتركي عملك هنا في القاهرة وتعودي معي إلى قريتنا، لأن حكم المأمور أن يكون الزواج بعد شهر من الآن، ولا تخافي لن يستطيع أحدا إساءة معاملتك وأنا حي أرزق، فإذا أساء إليك أحدا لن أتركه ينجو بفعلته

علياء: سأترك عملي وحياتي في القاهرة أيضا، من حقي أن أعرف من سأتزوجه ومستواه التعليمي

السمنودي: لا تخافي يا علياء فمحمدا زوجا جيدا تتمناه كل الفتيات، وقد أنهى تعليمه الجامعي في جامعة أسيوط، وهو القائم على أعمال العائلة في أسيوط وأيضا كثير السفر للقاهرة وأحيانا لبلاد الأجانب، وأخلاقه يشيد بها الجميع فهو رجلا بحق

علياء: حسنا يا والدي، فقط أريد أسبوعا كي أنهي إجراءات ترك العمل وسأعود بعدها إلى القرية، أتسمح لي بذلك؟

السمنودي: أتمنى لو أستطيع ولكن لابد أن تعودِ معي 

أم جمال: فلماذا لا تكلمهم في القرية وتخبرهم أنك ستعود بعد أسبوع من الآن؟

السمنودي: لا أستطيع أن أنتظر أسبوعا كاملا، ولكن أمامك ثلاثة أيام كي تنهي كل شيء لك في القاهرة، كما ستشترين ملابس غير تلك التي تلبسينها، لا يجوز أن تدخلي القرية بهذه الملابس

علياء: حتى ملابسي يا والدي سيتحكمون بها! يا ويلي

السمنودي: يا علياء لقد تركتِ قريتنا منذ وقت طويل، منذ أن كنتِ في المرحلة الإعدادية بعد سفر ابن عمتك للسعودية وأقمت مع عمتك ونسيتِ عادتنا وتقاليدنا في الصعيد

علياء: حاضر يا والدي سأشتري ملابس أخرى وأفوض أمري إلى الله

علياء: أكرمك الله يا بيتي، أدام الله عليكِ نعمة العقل

تركت علياء والدها وعمتها ودخلت حجرتها وهي تبكي على فقدانها كل شيء، حبيبها وعملها وحياتها في القاهرة. يجب عليها الدخول في عالم آخر لا تعلم عنه شيئا، لقد تركت الصعيد من زمن طويل، لا هي تتحدث لكنتهم ولا تعرف كيف تنطق بها، كيف تتخلى عن حياتها كلها مرة واحدة، ترتدي ملابس أخرى غير التي ترتديها لابد أن تكون ملابس طويلة بلا بنطالون أو تنانير، يجب أن ترتدي العباءات وكذا غطاء للرأس، لا يجب أن تدخل الصعيد بغير تلك الهيئة وإلا جلبت لوالدها العار في الصعيد، كما يجب عليها ترك أصدقائها في القاهرة؛ فلن يتقبل أحد أن يكون لها صداقات مع الجنس الآخر.

ظلت علياء تبكي ولا تعرف كيف تتصرف لا يمكنها أن تُخلف كلمة لوالدها الذي قرر زواجها من ابن البلتاجي لكي تستمر عضويته في المجلس، العضوية التي جعلت لعائلتها مهابة وسط الصعيد منذ زمن بعيد، عضوية لم تخرج عن عائلتها منذ وعت على هذه الحياة، اتصلت بهيثم تحكي له عما حدث، لم يصدق هيثم ما سمعه توا من علياء، عن تخليها عن حبهما الذي استمر قرابة العامين، عن تخليها عن حلم زواجهما الذي كاد ان يتم بعد أشهر قليلة، كانت علياء تبكي وهي تبلغه قرارها بالموافقة على قرار والدها بزواجها من ابن البلتاجي؛ فهي تحب والدها وتخاف أن تسبب له العار وسط الصعيد الذي لا يعرف الحب ولا يفهمه، صعيد يجبر الفتاة على الزواج وترك العمل والتعليم ومنعها من الترشح لعضوية البرلمان فقط لكونها أنثى.

رغم ألمها وافقت والدها، مسحت دموعها واستجمعت شجاعتها وطلبت من عمتها مرافقتها حتى تشتري الملابس التي ستذهب بها للصعيد مع والدها. كما تحدثت معي هاتفيا وأخبرتني أنها ستسافر مع والدها للصعيد وأنها ستترك العمل وكذا ستترك هيثم، لم أصدق ما سمعته توا من علياء، علياء التي نصحتني بالطلاق من عماد واجهاض نفسي لم تستطع الوقوف أمام قرار والدها وستتزوج رغما عنها؛ وذلك فقط لأنه قرار والدها عدم التخلي عن عضوية المجلس، نصحتها بالتقديم على أجازه طويلة من العمل حتى ترى الحياة في الصعيد وهل ستعتاد عليها أم لا. وافقتها علياء على تلك الفكرة وطلبت منها تقديم أجازه سنوية لها حتى ترى ما سيحدث، خاصة أن الزواج سيتم خلال أيام قليلة، كان ذلك بعد خروجي من المصحة بأقل من أسبوع واحد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...