الأحد، 9 فبراير 2025

الفصل السادس عشر

 

مضى على ميار في المصحة أسبوعين كاملين قضتهما في جلسات علاجية مع حمدي، تذكرت خلالها ميار كل ما مر بها من غدرات الزمن، سمح لها حمدي بالتدخين على ألا يزيد الحد اليومي لها عن علبة تبغ واحدة. في بداية جلسات العلاج كانت ميار متحفظة في كلامها ولكن ما كان يعتمل في صدرها أكثر بكثير مما يظهر على حالها ولاحظ حمدي ذلك

حمدي: كيف حالك اليوم

ميار: الحمد لله، هل من الممكن أن أشغل لفافة تبغ ونحن نتحدث؟

حمدي: اه بالطبع تفضلي، ولكني أريدك أن تتحدثي معي أكثر عما تشعرين به فنحن أمضينا أسبوعين في المصحة وحتى الآن لم تتحدثي غير أشياء عامة أريدك أن تتحدثي عما يعتمل في صدرك عما يدور في خلدك أحتاج منك أن تتعاوني معي كي أستطيع أن أساعدك وتغادري المصحة سريعا

ميار: يا ليت أخرج سريعا فأنا أشعر هنا بالاختناق

حمدي: وجودك هنا لمصلحتك حتى لا تحاولي الانتحار مرة أخرى، ولكي تخرجي سريعا لابد أن تتكلمي وتخرجي كل ما يعتمل في داخلك

ميار: فيما تحب أن نتكلم

حمدي: أكثر شيء تفكري فيه

ميار: لا يوجد شيء محدد

حمدي: طيب حدثيني عن طفولتك

ميار: كما قلت لك سابقا أنا بنت وحيدة لأسرتي وعلى عكس المتوقع لست مدللة بل على العكس لم أرى من أسرتي أي نوع من الحنان لم أرى إلا كل قسوة، منذ أن وعيت على الدنيا وأنا تعيسة والدي ووالدتي قاسيين لأبعد مدى، لا أتذكر أني وجدهم يضحكون يوما، وأكثر ألم جربته كان ساعة الختان كنت ما زلت صغيرة وكما حكيت لك سابقا كانت تجربة مليئة بالألم الجسدي والنفسي مليئة بالقهر، ومن بعد تلك التجربة أصبح كل شيء عيبا وحراما ولا يصح. تحاملت ضدي الحياة، كنت أذهب إلى المدرسة مع والدي وكذلك العودة معه كنت الفتاة الوحيدة في المرحلة الإعدادية والثانوية التي يوصلها أهلها باستمرار، ممنوع حفلات المدرسة وممنوع الرحلات، ممنوع الضحك، ممنوع أن أعيش، كنت انتظر الدراسة كي أهرب منهم بالمدرسة، صحيح أنها ساعات قليلة ولكني كنت أهرب بها منهم. دخلت كلية الترجمة بعد محاولات مستميتة وحتى في الجامعة كان والدي معه جدول المحاضرات وكان أحيان كثيرة يوصلني للجامعة ومن الجامعة للبيت، لم أعد أحزن من ذلك الموضوع، واستسلمت للأمر الواقع

حمدي: هل يعني ذلك أنك لم تحاولي التمرد على ذلك الوضع؟

ميار: كيف أتمرد وأنَّ لي أن أتمرد، أنا أصبحت منطوية على نفسي أكثر، ليس لي أصحاب ليس لي أحد أتكلم معه، حتى زملائي في الجامعة كانوا فتيات فقط، لم اتعامل مع الأولاد

حمدي: أليس ذلك غريبا؟

ميار: أبدا ليس غريب بالنسبة لي كما كان أهلي يقولوا إن الذكور لا يريدون من الأنثى سوى شيء واحد وطبعا بعد مروري بتجربة الختان أصبح الذكر بالنسبة لي عفريت أخاف منه

حمدي: والزواج؟

ميار: أهلي هم من اختار لي عماد، بما انه ابن عمي وممنوع الزواج من خارج العائلة، المشكلة أنى لم أكن أريد أن أتزوج نهائيا، كيف أتزوج وأنا أعرف أن الزواج يعني علاقة حميمة معناه انتهاك آخر لي رفضت الزواج ورفضت عماد تحديدا ولكن تم الزواج رغما عني

حمدي: ألم يحاول زوجك أن يقربك منه؟

ميار: عماد من اول يوم زواج استطاع أن يجعلني أكرهه وأكره معه كل الرجال، كنت أظن ان الانتهاك الذي حدث لي يوم الختان أفظع شيء ممكن أن اتعرض له، إلا أن عماد اثبت لي عكس ذلك، أتذكر في ذلك اليوم لم يحاول أو يفكر حتى أن يمهد لي أي شيء أو حتى أن يسمعني أو يشعر بدموعي وألمي لقد روجته كثيرا أن يتركني ولكن لا من مجيب، وكما أخبرتك سابقا بتفاصيل ذلك اليوم، إنه حتى الآن مازال أسوأ الكوابيس التي تراودني على الإطلاق.

حمدي: وبعد ذلك كيف تعاملتِ؟

ميار: طوال فترة شهر العسل –كما يقولون –كان عماد يأخذني غصبا والنتيجة نزيف بعد كل مرة، وحمدت الله ان هذا الشهر قد انتهى، كنت أشعر أنى كيان ليس له احترام، لم أعد قادرة على النظر في عيون الخادمين الذين يعملون في منزلي وهم يسمعون صوتي الذي اعتاد عليه عماد ثم أصبح يكتمه بيده، تعرفت في عملي على زميلة جديدة جاءت للعمل في الشركة التي أعمل بها اسمها علياء، هي الوحيدة التي شعرت بي، شعرت أني في دنيا أخرى غير التي يعيشون بها واهتمت أن تتحدث معي، بدأت احكي معها في البداية في كلام عام حتى أضحيت أتكلم معها في ضرب عماد لي وإهانتي في كل فرصة

حمدي: خلال هذه الفترة لم تراودك فكرة الانتحار؟

ميار: أنا تقريبا لم أكن أفعل شيئا سوى أن انتحر، من قبل زواجي وأنا أحاول الانتحار وزاد ذلك بعد الزواج، حاولت الانتحار بشتى الطرق والوسائل بداية بأدوية والدي حتى تقطيع شرايين يدي وكنت أرتدي ملابس ذات أكمام لتغطية آثار الانتحار

حمدي: هل من الممكن أن أراها؟

ميار: ها هي

شمرت ميار عن ساعديها فوجد حمدي آثار الانتحار على طول ذراعيها بداية من رسغها حتى مرفقها، شعر حمدي بالأسى تجاهها وأدرك كم المعاناة التي مرت بها

حمدي: بما تشعرين عندما تراودك الأفكار عن الانتحار؟

ميار: لست أفهم؟

حمدي: أي فيما تفكري عنما تقدمين على الانتحار وما هو شعورك؟ هل تشعرين أنك تعاقبيهم أم تعاقبين نفسك؟

ميار: أنا لا أعاقب أحدا، أنا أعاقب نفسي لأنني ولدت أنثى، إنها مشكلتي لذا أردت أن أتخلص من حياتي، من ذنب لا يد لي فيه، إلا أنهما يريان أنه ذنبي، أحاول أن أبعد عن الدنيا والناس، عن الغابة التي نحيا فيها، أعاقب ميار التي تركت عماد ومن قبله طبيبة ينتهكونها ولم تقدر على أن تحافظ على نفسها، أعاقب ميار على كل شخص نظر ليها نظرة اشتهاء أو غازلها بكلمة

حمدي: وما ذنب ميار فيما حدث

ميار: ذنبها أنها صمتت ولم تقدر على أن تقاوم، ذنبها انها أنثى

حمدي: وما ذنبها في خلقها أنثى، إنها إرادة الله ليس لأحد يد فيها، وموضوع الختان لا يد لميار فيه، الذنب كله يقع على عاتق أسرتك ليس أنتِ نهائيا، كما أن علاقة الجماع مع عماد ليس ذنبا لأنه زوجك، هذه رغبة شرعها الله وأحلها بين الأزواج

ميار: أمي كانت دائما تقول لي أني مشكلتهم، واني عارهم لأنني أنثى ولست ذكرا ولابد لي من الزواج حتى تنتقل مسئوليتي وعاري إلى زوجي، كنت دائما أسمع بكائها ليلا وصوت والدي ينهرها، أسمع صوتها وهي تصرخ، في البداية لم أكن أفهم لماذا تصرخ حتى كبرت وفهمت وعرفت أن هذا الموضوع عار وفضيحة وأنا لم أقدر على منع العار كما لم تقدر أمي أن تمنعه، لم أقدر لأنني ضعيفة وكان المفترض أكون أقوى من ذلك

حمدي: من الذي قال لك ذلك؟

ميار: صراخ أمي كل يوم، كلامها لي أن هذا الموضوع دائما عار وفضيحة لابد من اخفائها، وعندما كنت أسألها عن سبب صراخها كانت تتهرب مني حتى جاء يوم زواجي وعلمت سبب صراخها

حمدي: ألم يحدث حمل؟

ميار: قبل زواجي ذهبت مباشرة بحثت عن عيادة أمراض نساء ومنعت الحمل، وضعت لي الطبيبة حقنة تحت الجلد كي تمنع الحمل لأنها رأت أنها الأنسب لحالتي. لم استطع أن أحمل وأجيء لهذه الدنيا بطفل قبل أن أطمئن مع زوجي، وبعد الزواج وطباع عماد التي لم يختلف عن والديّ قررت الاستمرار في منع الحمل لم أتصور أن يسمع طفلي صراخي كل يوم ويتحمل كرهي لوالده ولكل الرجال، لم استطع أن أجيء إلى الدنيا بطفل يتحكم فيه والده كما يتحكم فيّ، حتى الطعام كان عماد يتحكم فيه، ماذا نطهو كل يوم، سواء كنت أحب هذا الطعام أم لا، وممنوع طهو أصناف إضافية وحكم عليّ أن أطهو أنا الطعام يوم إجازتي من عملي، توصيل الطلبات ممنوع، طلبات البيت هو من يقوم بشرائها وحده وهو من يقوم بتحديد هذه الطلبات ولست أنا، أنا في المنزل مجرد كرسي ليس له أي قيمة

حمدي: وما هو رد فعله عندما حاولتِ أن تنتحري؟

ميار: انهال عليّ ضربا بعدما عدنا من المستشفى، وقال لي أنني لست أنثى مثل النساء وأنني باردة لا أشعر وأنني لم أقدر النعمة التي أحيا فيها

حمدي: وماذا فعل عندما تأخر الحمل؟

ميار: كان هذا اليوم من أسوأ أيام حياتي، حيث ضربني ضربا مبرحا وتركني وطلقني وخرج، بعدها أتى والدي ووالدتي، اعتقدت انهما سيتحدثون معه بسبب ضربه لي ولكن ما حدث هو أن أكمل والدي ضربي وأخذني لعيادة طبيب النساء لإزالة وسيلة منع الحمل ثم عدنا لمنزل عماد واتصل به والدي وأخبره بنزع وسيلة منع الحمل وطلب منه ردي مرة أخرى لعصمته

حمدي: وماذا حدث بعد ذلك؟

ميار: لا جديد ضرب واهانات مستمرة وحدث الحمل ولم أستطع أن أخبر به أحدا ولكني أجهضته ثم حدث الحمل الثاني وأيضا لم أخبر أحدا، وكذلك الحال مع الحمل الثالث حتى حدثت المشاجرة الأخيرة بيني وبين عماد فأخبرته أني حملت ثلاث مرات وأجهضتهم لعدم احتمالي حياتي معه فضربني حتى دخلت المستشفى وحررت ضده محضرا بالواقعة وحبس ثلاثة أشهر ثم رفعت قضية طلاق للضرر وعندما علم بذلك طلقني وكانت هذه ثاني طلقة لي

حمدي: ولماذا تجهضين الحمل؟ ألم يكن ممكنا أن يتسبب ذلك الحمل في حسن معاملتهم معك؟

ميار: لا فائدة منه، بعد الإجهاض كنت أشك في خيانة عماد لي، ثم تأكدت من ذلك، لقد خانني مع السكرتيرة واكتشفت ان علاقتهم معروفة في الشركة، من كم المكالمات التي تصلني من الموظفين وأيضا من السكرتيرة نفسها، واجهت عماد فلم ينكر وقال إني باردة كما لوح الثلج وأن المخدة لديها إحساس أكثر مني، وتشاجرنا في ذلك اليوم فواجهته بعدم حبي له أو لعشرته معي وكرهي الشديد ومقتي له؛ فضربني ثم غامت الدنيا في عيني ولم أفق سوى وأنا في المستشفى وحررت له محضرا كما أخبرتك من قبل. في تلك الفترة كان والدي قد توفاه الله فكانت فرصتي في الطلاق دون العودة مرة أخرى لعماد.

حمدي: وماذا عن أهلك ما رد فعلهم على رفعك قضية الطلاق؟

ميار: حاولت والدتي إرغامي على الرجوع لعماد مرة أخرى والتنازل عن قضية الطلاق ولكنها لم تكن بقوة والدي لذا صممت على إكمال إجراءات قضية الطرق أما عمي فقد قطع علاقته معي وتبرأ مني خاصة عندما أصررت على أن أعيش بمفردي بعد الطلاق، كما تبرأت مني والدتي هي الأخرى بعد زواجها من عمي بعد انتهاء فترة عدتها، لأني لست مثالا مشرفا في العائلة بل مصدر عار بالنسبة إليهم، ظنوا أن ذلك عقابا لي ولكنه كان بداية تحرري من القهر والألم الذي عايشته منذ وعيت على هذه الحياة، واستأجرت شقتي التي أقطن بها حاليا في المعادي، لقد تركت الجميع وراء ظهري ذكرى لا أحب أن أتذكرها، ذكرى ألم وقهر

حمدي: حسنا، ولماذا حاولتِ الانتحار مؤخرا خاصة أن الضغوط قد ذهبت؟

ميار: لا أعرف، أحيانا أشعر أني مومسا كما وصموني بذلك، أشعر أني لست بشريفة مع كل نظرة اشتهاء لي في عين أي رجل، من نظرة خوف السيدات مني حتى لا أتزوج من أزواجهم أو أقيم معهم أي علاقة آثمة، من عروض الزنا التي عرضت عليّ بعد الطلاق، أشعر أني غلطة في هذه الدنيا، لا استحق الحياة.

حمدي: ولماذا لم تقتنع ميار أن ما حدث لها ليس بذنبها هي، بل هو ذنب مجتمع متخلف وأهل أقل وصف لهم أنهم قاسين، لماذا لا تقنعي ميار أن نظرة الاشتهاء لها من أي رجل ليست ذنبها ولكنها ذنب حيوان لا يعرف كيف يحترم الأنثى؟

ميار: لا أعرف، لم أعد أعرف من هو على صواب ومن هو على خطأ؟ تعبت كثيرا من كثرة التفكير تعبت حقا

حمدي: حسنا، كفانا حديث اليوم، وأراكِ غدا بإمر الله، سأجري بعد التغيير على العلاج لأني عرفت من التمريض هنا أنك لا تنامين تقريبا.

ميار: فعلا لم أعرف طعما للنوم وكلما غفت عيني أرى كوابيسي فأصحو فزعة ولا أعد قادرة على النوم.

حمدي: حسنا، سأكتب لكِ على دواء آخر يساعدك على النوم، ورجاء حاولي التقليل من عدد لفافات التبغ اليومية.

شعرت ميار بمشاعر مختلطة بعد أن أنهت جلستها مع حمدي، بدأت تفكر فيما قاله، هل هي بالفعل على حق فيما فعلته؟ أم أن عائلتها هي المحقة وأنها عار لابد من التخلص منه؟ مشاعر مختلطة متباينة أدت بها لصداع لم تعد تحمله، طلبت من الممرضة أن تسأل الطبيب عن مسكن لذلك الصداع.

عدل حمدي في الأودية التي كتبها لميار لتناسب وضعها، فهو يعلم أن الصداع نتج عن صراعها الداخلي مع نفسها وأنه سيشتد عليها، لذا آثر أن تمر تلك المرحلة وميار في حالة من النوم، وشدد على التمريض متابعتها حتى لا تقبل على الانتحار مرة أخرى.

كانت فكرة الانتحار هي الوسيلة الوحيدة لدى ميار لكي تخرج من صراعها الداخلي، حاولت الانتحار ولكن الرعاية المشددة من التمريض حالت دون ذلك، استمرت جلسات العلاج لميار بعد كشف كل ما يعتمل في صدرها لطبيبها المعالج لمدة شهر آخر، تغيرت بعده ميار وبدأت تفكر بعقلها، وتمحو كل أثر لشعورها بالذنب.

لم أفارقها طيلة فترة بقائها في المصحة، كنت أزورها يوميا وأتابع مع حمدي حالة صديقتي، ورحب حمدي بذلك عندما علم أنني كل ما لدى ميار، تابع معي حالة ميار دون أن يطلعني على تفاصيل، كان يكتفي بالسماح لي بالزيارة وطلب عوني في التعامل مع ميار لكي تخرج من حالة الاستسلام التي تمر بها.

توطدت في تلك المرحلة علاقة حمدي مع ميار، فلم يعد الطبيب المعالج لها فقط وإنما أصبح الخيط الذي يربطها بذلك العالم ويزيح عنها شعورها بالذنب لكونها أنثى ولقراراتها التي اتخذتها لصالح نفسها، وبدأت مشاعر مختلطة بين العرفان بالجميل وبين الحب تنبت في قلب ميار، حاولت وأد مشاعر الحب، إلا أنها طغت عليها ولم تكن تعرف هل يبادلها حمدي نفس شعورها؟ أم أنها مجرد حالة مرضية يعالجها مثل آلاف الحالات الأخرى؟ لم تجد إجابة شافية لها ولكنها حاولت مرارا وأد مشاعر الحب، التي تعني لها الزواج وهو العقدة الأزلية التي تعاني منها.

بدأت ميار بالتحفظ مرة أخرى في كلامها مع حمدي، وشعر هو بذلك التحفظ ولكنه لم يعرف سببه، فتكلم معي علني أعرف السبب من صديقتي كي يفهم سبب هذا التغير، ولكن ميار أخفت عني حقيقة تغيرها المفاجئ ولم تصارحني بالسبب الحقيقي واختلقت أسباب وهمية.

لم تكن ميار وحدها التي داعبتها مشاعر الحب، لقد داعبت نفس المشاعر حمدي ولكنه حاول السيطرة عليها، فلا يجوز أن تجمعه علاقة حب مع مريض، هو يعلم أنها قد تحبه لارتباطها به بصفتها مريضة وتحكي له أدق خصوصياتها، يعلم أنها مرحلة تمر بها المريضة حتى تستطيع بعد ذلك التعافي والخروج من تلك المشاعر التي تظن أنها حب ثم تصبح عرفانا بالجميل لا أكثر.

كتم حمدي مشاعره تجاه ميار، مشاعره التي طربت بميار لدى رؤيتها للمرة الأولى، لم يفكر حمدي قط أن أنثى قد تهز كيانه مرة أخرى بعد قصة حبه الفاشلة، لقد اعتقد أنه لن يستطيع أن يحب مرة أخرى، ولن تستطيع أي أنثى أن تجعل قلبه يرقص فرحا لدى رؤيتها، كانت معركته دامية، حبيبته أمامه وبدأ يشعر بارتياحها له، ولكنه غير قادر على البوح لها بما يعتمل في صدره، بل الأكثر من ذلك أنه يعلم أن هذه المشاعر تمنعه من علاجها، ولكنه أصر على اكمال علاجها، يريدها سليمة معافاة، يريدها حبيبة وزوجة ويخاف إن صارحها أن يخسرها للأبد.

شعرت بعد زيارات عدة لميار بمشاعر حمدي تجاه ميار ولكني لم أكن متأكدة من تلك المشاعر، خاف إن باح بمشاعره لي أن أنقلها لميار وتخاف منه ميار، وتخاف أن يصبح هو الآخر عماد جديد، أن تخاف منه لأنه الآن يمثل لها الذكر الذي تحبه والذي سيفترسها إن علم حبها له. خاف حمدي من كل ذلك؛ لذا حاول قدر المستطاع أن يظهر لها اهتمامه بها بصفته طبيبها لا أكثر، وكانت ميار ترتاح لذلك وهو يشعر براحتها.

خرجت ميار من المصحة بعد مضي أكثر من شهر ونصف الشهر هناك، على وعد بإكمال جلسات علاجها لدى حمدي في عيادته. بدأ حمدي يركز مع ميار على ضرورة انفتاحها على العالم الخارجي وتفاعلها معه، ركز في علاجه معها على كون عماد وأسرتها نماذج قاسية لا تتكرر كثيرا في الواقع وبدأت ميار تتجاوب مع ذلك، ولكنها تعنف نفسها مرارا لمشاعر الحب التي طغت عليها، تعنف نفسها على مشاعر ربطتها بطيبها دون أن تدري متى وكيف، تخاف أن تصرح له بمشاعرها فيتحول لعماد آخر، وتخاف ألا يعرف هذه المشاعر فتزيد حالتها سوءا، كنت بجانبها في تلك الفترة.

شذى: ياااااااااااه كل دا مر بيكي يا ميار

ميار: واكتر من كده بس وقتها كانت مشاعر كتير وصراع كبير

علياء: ميار من الجبال انها استحملت كل دا من اسرتها وعيلتها، واحدة غيرها كانت ماتت من زمان

ميار: وانتي كمان يا علياء مريتي بظروف صعبة جدا ايه رأيك نحكيها بالمرة

علياء: معنديش مشكلة انتي اكتر واحدة عارفة الظروف اللي مريت بيها وعيشتها وعلى قسوتها ما كانتش صفر على الشمال من اللي انتي مريتي بيه يا ميار

فريدة: واضح انكم انتم الاتنين مريتوا بظروف صعبة

علياء: ظروفي مش صعبة قوي لأني أهلي كويسين ومريحين مشكلتي ما كانتش هما، احكي يا ميار


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...