الأحد، 9 فبراير 2025

الفصل الرابع عشر

 

أصبح روتين ميار اليومي الذهاب للعمل وإذا كانت في القاهرة تذهب إلى النادي لتركض هناك لتخرج طاقة من الكره لجميع الرجال وللمجتمع –الذي رأي في طلاقها فريسة سهلة للانقضاض عليها –ثم تتناول طعامها وتجلس وحدها أو معي أنا وهيثم. فوجود علياء يرتبط دائما بوجود هيثم، أحيانا تتركنا ميار لنكون بحريتنا في الحديث وتجلس هي وحدها تتأمل في الطبيعة أو تمارس أي نشاط.

رغم صداقتي مع ميار إلا أنني لم أعلم شيئا عن محاولات ميار للانتحار، فميار تعتبر ذلك سرا خاصا بها وحدها، تعلم في قرار نفسها أن ذلك شيء مشين لا يجب أن يعرف به أحد خاصة مع المعاملة القاسية التي تلقاها بعد كل محاولة للانتحار. كنت أعلم سوء معاملة والدا ميار لها ثم همجية عماد في التعامل وأنا من نصحتها بالإجهاض حتى لا يربطها أي رابط بعماد وحتى تستطيع الفرار منه بسهولة، فأنا كنت أعلم أن الطلاق آت لا محالة.

الوقت الراهن

وجدت ميار نفسها بعد عودتها من شرم الشيخ تتصل مرة أخرى بالدكتور حمدي لتحدد موعدا لزيارته في العيادة، بعد أن وجدت نفسها تحاول الانتحار مرة أخرى، تشعر دائما بنوبات غضب تدفعها للانتحار ولا تعلم سببها لقد تركت مصدر الضغط والقهر وأخيرا تحررت منه، وتحررت من كل شيء أجبرت عليه وقررت الذهاب لحمدي فهو في النهاية صديقي، كما أنني أثق به كما أخبرتها سابقا

في عيادة حمدي

دخلت ميار متأنقة في رداءها المعتاد تطلب من السكرتيرة إخبار حمدي بوجودها في العيادة، طلبت منها السكرتيرة الانتظار حتى تبلغ الطبيب بمجيئها، وحتى تخرج الحالة التي عند الطبيب، في هذه الفترة اتخذت ميار كرسي في ركن العيادة وجالت ببصرها في العيادة. العيادة عبارة عن شقة كبيرة لها ريسبشن واسع كبير مطلي باللون الأبيض ومعلق به بعض اللوحات وهناك غرفة الكشف وغرفة أخرى مغلقة لا تعلم ما بها، كانت الكراسي من الجلد، مريحة للجلوس عليها فأحصتها عددا في جولتها لتفحص العيادة ووجدتهم عشرون كرسياً، لم تفق ميار من شرودها في تفقد العيادة إلا على صوت السكرتيرة تطلب منها الدخول لحمدي

حمدي: اهلا أستاذة ميار أنا سعيد جدا بموافقتك أخيرا على العلاج

ميار: شكرا لحضرتك، ولكن قبل أن نبدأ لي سؤال

حمدي: تفضلي

ميار: كيف عرفت أني حاولت الانتحار سابقا

حمدي: إنه شيء بسيط وبديهي عرفته بعد أن علمت من علياء مدى قسوة زوجك وأسرتك معك في التعامل وما أكد ذلك مرورك لا إراديا على أماكن الانتحار على يديكِ هل من الممكن أن نبدأ الجلسة

ميار: بالطبع

حمدي: ما سبب اتصالك لكي تأتي للكشف خاصة وأنت تعتبري ذلك من المستحيلات

ميار: حاولت انتحر مرة أخرى في شرم الشيخ وعلياء انقذتني في اللحظة الأخيرة وهي من ألحت عليّ بالمجيء

حمدي: وما هو سبب محاولة الانتحار

ميار: هل تصدقني إن قلت لك لا أعرف، كل ما أعرفه إني بسبب قسوة عائلتي وزوجي كنت أحاول الانتحار كي أهرب منهم ومن تحكمهم وقسوتهم، لكن هذه المرة لا أدري سبب الانتحار خاصة بعد بُعدي تماما عن مصدر الضغط

حمدي: تمام، سأحاول أن أبدأ معك من البداية احكي لي عن طفولتك

ميار: أنا الابنة الوحيدة ليس لي اخوة، ولكني للأسف لم أر أي حب أو تدليل من أهلي كما يمكن أن يجول بخاطر أي شخص، لا أتذكر أي مرة دللني أحدهم بل على العكس كل ما أتذكره هو ضرب والدي لي على أي تصرف حتى لو كان غير مقصود، وعندما وصلت لسن البلوغ زاد العنف والقلق والتوتر وفرض عليّ ارتداء الحجاب وأجريت لي عملية ختان ما زلت أتذكرها بما حدث فيها حتى الآن من بشاعتها

وانهارت ميار في البكاء، وأعطاها حمدي محرمة ورقية لتمسح عنها دموعها

حمدي: هل تحبي أن تتحدثي عن هذه التجربة، أم أنك غير قادرة، مع العلم أن الكلام سوف يساعدك كثيرا ولكن إذا لم ترغبِ في الحديث عنها من الممكن أن نتجاوزها

ميار: أكملت ميار وهي تحارب دموعها من الانسياب ودموعها تأبى إلا النزول والانهمار شلالات وأنهارا على وجنتيها : لا أستطيع نسيان ذلك اليوم عندما جئت من المدرسة ووجدت امرأة غريبة عندنا في المنزل، وقالت لي والدتي أنها طبيبة تمط لنا بصلة قرابة وجاءت لزيارتنا وتوقع الكشف الطبي عليّ لما يبدو عليّ من تعب وشحوب، استغربت من هذا الحنان المفاجئ وكأنهم تذكروا فجأة أني ابنتهم واستأذنت ودخلت لتغيير ملابس المدرسة ودخلت والدتي ورائي هي والطبيبة وكنت قد خلعت رداء المدرسة وكنت في ملابسي الداخلية وسمعت والدتي تقول لها دون تخدير لم أفهم معنى ذلك وقتها إلا أنني فهمت بعد دقائق معدودة وفهمت معنى نظرات الطبيبة الحزينة تجاهي لما سأقبل عليه من ألم عندما رفضت أمي التخدير، وبغتة وجدت أمي تجردني من النصف الأسفل من ملابسي الداخلية وتدفعني دفعا على الفراش أمام الطبيبة وبمنتهى القسوة والعنف باعدت بين قدمي حتى ظهرت عورتي حاولت ضم قدمي ولم أستطيع سيطر عليّ شعور بالخوف والحرج وزاد الخوف عندما شاهدت الطبيبة تفتح حقيبة معها وطلبت من أمي ان تباعد قدمي أكثر حتى تستطيع إنهاء مهمتها على الوجه الأكمل، مهما حاولت أن أصف ذلك الشعور بالألم والقهر لن أستطيع من شدة ما شعرت به من الألم والقهر، شدة ألم جعلتني أصرخ حتى يلين لي قلب أحدهم ويوقف هذه البشاعة ولكن وجدتني أصرخ في صحراء ليس بها سواي، وقهر جعلني أدرك أن كوني أنثى هو خطأ فادح اقترفته دون ذنب لي فيه. أنهت الطبيبة عملها، وقتها زغردت والدتي وأنا ابكي من الألم ومن الانتهاك الذي حدث لي في ذلك اليوم. بعد ذلك كانت أول محاولة للانتحار كنت وقتها في أول سنة في المرحلة الإعدادية، تناولت وقتها شريط من دواء القلب الخاص بوالدي، وغامت الدنيا في عيناي وفقدت الوعي إلا أني أفقت للأسف ووجدتني في المستشفى، ونظرات الوعيد في عين والدي ووالدتي، وعندما غادرت المستشفى ضربت ضربا مبرحا جعل لون جلدي هو اللون الأزرق ولم أذهب للمدرسة لمدة أسبوع كامل حتى تختفي آثار الضرب

انفجرت ميار في البكاء بشكل هيستيري مما دفع حمدي لإعطائها حقنة مهدئة وطلب منها الانتظار قليلا في الخارج ورافقتها السكرتيرة وأجلستها على أحد الكراسي الموجودة، شعرت ميار بعد الحقنة أن الأرض تميد بها وأن العالم من حولها يدور ولم ترى شيئا بعد ذلك، لم تفق إلا على صوت حمدي يسألها عن حالها وكانت قد استردت بعض من توازنها، كان حمدي قد اتصل بي لاصطحاب ميار لمنزلها بعد هذه الحقنة، وبالفعل وصلت بعد حوالي ساعة من إعطاء ميار الحقنة المهدئة وأعطاني روشتة العلاج الخاصة بميار وطلب مني إخبار ميار بموعد الكشف التالي.

اتكأت ميار عليّ حتى وصلت لسيارتي بينما أصررت على أن أقود أنا السيارة بدلا منها، واستسلمت ميار لذلك؛ لما تشعر به من دوار، أوصلتها للمنزل وأدخلتها غرفتها ورقدت ميار على فراشها بملابسها.

عدت لعيادة حمدي لأستقل سيارتي بعد أن تركتها هناك لتوصيل ميار استقليت سيارتي واتصلت على حمدي لأسأله عن أخبار صديقتي وما أوصلها لهذه الدرجة من الانهيار، اعتذر حمدي بطريقة مهذبة لأن هذه أسرار مرضى لا يجوز له التحدث عنها وطلب مني ملازمة ميار قدر الإمكان لاحتمال انتحارها مرة أخرى.

اتصلت بعمتي أستأذنها في المبيت مع ميار لمرضها ووافقت عمتي على مبيتي مع ميار حتى موعد زيارتها التالي لعيادة حمدي. عندما أفاقت ميار من غفوتها وجدتني أنام جوارها فتحركت بخفة كي لا توقظني. كانت أم حامد قد وصلت لمنزل ميار لتوها؛ فطلبت منها ميار إعداد قدح من القهوة لها وأشعلت لفافة تبغ، مما حدا أم حامد لتقول لها أن تنتظر لتتناول طعام الإفطار أولا ثم شرب القهوة وإشعال لفافات التبغ. تعلم ام حامد جيدا أن ميار إذا شربت القهوة ولفافة التبغ فإنها لن تأكل وستظل كذلك حتى المساء. 

استيقظت فلم أجد ميار بجانبي خوفت أن تكون ميار قد آذت نفسها، فخرجت من الغرفة أبحث عنها في الشقة، فوجدتها في الشرفة تحتسي قهوتها، سألتها إن كانت ستذهب اليوم للعمل فأجابتها ميار انها ستأخذ هذا اليوم عطلة من العمل، فاتصلت بالشركة التي نعمل بها وطلبت تقديم أجازه لي ولميار اليوم من العمل.

ثم طلبت من أم حامد إعداد الإفطار لي ولميار، وأصررت على ميار أن تتناول الإفطار قبل تناولها الدواء الذي أوصى به الطبيب، رفضت ميار في البداية تناول الإفطار والدواء إلا أنني ألححت عليها في ذلك، فأذعنت ميار وتناولت كلينا طعام الإفطار، ثم تناولت دوائها. شعرت ميار ببعض الغثيان فطمأنتها علياء أن ذلك عرض طبيعي للأدوية التي تناولتها توا، وأنها ستشعر بتحسن بعد فترة قصيرة، طلبت العصير لي وصاحبتي وجلسنا سويا نتحدث عن هيثم وحمدي وضرورة انتظام ميار في العلاج.

لم أتخيل أبدا محاولة صديقتي الانتحار، خوفت عليها كثيرا ولم أعرف ماذا أفعل فأصررت على ذهاب ميار لعيادة حمدي حتى تعرف سبب محاولتها الانتحار وتمنع حدوث ذلك مرة أخرى، كان حمدي قد طلب مجيء ميار بعد أسبوع حتى يعلم تأثير الدواء على ميار.

كانت ميار تعاني كثيرا من الكوابيس والأحلام المزعجة خاصة بعد بدء تناولها الدواء، لا تعرف لما تراودها هذه الكوابيس الآن، إنها قلقة ومتوترة بما يكفي فلا ينقصها سوى الكوابيس المزعجة وعدم القدرة على النوم لوقت كاف، فهي تأخذ أدويتها لتنام ولكن لا تنقضي ساعة حتى تقوم فزعة من أسوأ كوابيسها على الإطلاق، ولا تستطيع النوم بعده مرة أخرى، لم تعد قادرة على الذهاب للعمل، ولا الخروج، تقدمت بطلب أجازتها السنوية من العمل حتى تسترد قدرتها على العمل مرة أخرى، اضطررت بسبب طلب ميار أجازتها السنوية أن أتفق مع أم حامد ألا تغادر قبل مجيئي لميار حفاظا على حياة ميار.

تعاقبت كل منا على ميار، وجاء موعد الطبيب بعد مرور أسبوع على آخر زيارة، كانت ميار فيه مجهدة تشعر أن دهرا قد مر عليها وليس أسبوعا واحدا.

في عيادة حمدي

حمدي: كيف تشعرين اليوم يا أستاذة ميار

ميار: لا أعرف تحديدا ولكن ما أعرفه أني في أسوأ حالاتي، بالكاد أمنع نفسي عن الانتحار لا أستطيع أنا غير قادرة على منع نفسي على الأقل من التفكير في الانتحار

حمدي: تمام في تلك الحالة أنا مضطر أن أحجزك في مصحة حتى تمر حالة الاكتئاب والرغبة في الانتحار

ميار: لا أدري، فهذه المصحة لفاقدي الأهلية فاقدي عقولهم، أليس كذلك؟!

حمدي: من قال ذلك، هناك حالات اكتئاب وأناس مثلك حاولوا الانتحار هم هناك للعلاج حتى يتحسنوا ثم يغادروا المستشفى، أنتِ بالفعل تحتاجين الحجز في المصحة حتى تتحسن حالتك

ميار: حاضر طالما أن ذلك رأيك في حالتي

حمدي: سوف أتصل بالمصحة واحجز لك هناك، يا ليت علياء توصلك إلى هناك

ميار: سوف اتصل بها كي تأتي

حمدي: تمام، هل من ممكن أن تحكي لي ماذا حدث

ميار: كوابيس كثيرة، أنا غير قادرة على النوم، نمت مساء أول يوم أتناول فيه الدواء بعد ذلك زادت الكوابيس عن المعتاد استيقظ قبل أن أكمل ساعة أو ساعتين على الأكثر في النوم.

حمدي: هل تراودك كوابيس متعددة أم هو كابوس واحد يتكرر

ميار: إنه كابوس متكرر لكن باقي الكوابيس تتكرر مرة أو مرتان

حمدي: هل من الممكن أن تحكي لي على أكثر كابوس تكرارا

ميار: إنه الأسوأ على الإطلاق، أرى نفسي في أول يوم زواج واغتصاب زوجي لي، أرى ذلك اليوم بكل تفاصيله، وأنا أصرخ ولا يسمع صوتي أحد حتى انتهت عملية الاغتصاب، بعد ذلك استيقظ من نومي فزعة

حمدي: أريدك أن تحكي لي عن تفاصيل زواجك من زوجك السابق وهل كنتِ تحبينه؟

ميار: أبدا لم أحبه قط. لقد تزوجته رغما عني لرأي عائلتي أني لا يمكنني الزواج من خارج العائلة ولا يوجد لعائلتنا سوى أبي وعمي ولا يوجد لهما أبناء سوانا أنا وعماد رغم رفضي له أهلي أجبروني عليه واضطررت بالفعل أن اتزوجه. أول يوم زواج كان ثاني أسوأ يوم في حياتي بعد يوم الختان، يومها دخلنا مسكن الزوجية وطلب مني عماد أن ندخل غرفة النوم وفي المسافة بين دخولنا من باب المنزل حتى غرفة النوم كان قد تجرد تماما من  ملابسه هالني المنظر عندما رأيته عاريا تماما أمامي بلا أي ملابس تستره وتستر عورته ونظرة غريبة في عينه قرب مني ومزق فستان الزفاف وأنا اترجاه أن ينتظر قليلا وبعد ما مزق ملابسي لم يتركني حتى سلبني عذريتي وتركتني غارقة في دمائي عارية تماما من أي شيء يسترني وغير قادرة حتى على ستر نفسي بأي شيء، تركني ونام دون أي شعور بما فعل وكأنه لم يفعل شيئا.

 وبكت ميار بهيستريا وهي تحكي تفاصل هذا اليوم حتى أصبحت غير قادرة على التنفس من شدة البكاء

حمدي: أستاذة ميار هل انتِ على ما يرام، أستاذة ميار

ميار: أنا غير قادرة على التنفس وأخذت في البكاء الهيستيري

أعطاها حمدي حقنة أخرى مهدئة وانتظر أن آتي لأصطحب ميار للمصحة التي أوصى بها. بالفعل ذهبت بها للمصحة وأخذت أمانات صديقتي واطمأننت عليها أنها دخلت حجرتها، ثم ذهبت لشقة ميار أضع أغراض ميار هناك وأحضر لها بعض الملابس التي ترديها في المصحة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...