الاثنين، 15 فبراير 2021

الفصل الرابع عشر

 

من أوراق ولاء..

أحمد ابني وحشني قوي بقاله أسبوع مش عايز ييجي ويكلمني زي ما كان بييجي قبل كده، ابني وحشني جدا لا هو جه ولا أنا عارفة أروح له، مش عارفة أعمل إيه؟، يا رب صبرني على بعده عني وسامحني على اللي أنا فيه، أنا مش عارفة أسيطر على نفسي ولا على أفكاري، يا رب أنا تعبت قوي ومش عارفة استريح.

يا رب سامحني على تقصيري في حقك، يا رب قويني على اللي أنا فيه، بفكر في الموت ألف مرة وبرجع في آخر لحظة عنه خوف منك وخوف من عذابك، ابني وحشني قوي ولما بييجي على طول بيطلب مني أروح له، وأنا مش عارفة أروح له، عارفة إن الموت والحياة بإيدك يا رب مش بإيدينا احنا، سامحني يا رب وقويني.

من أوراق أخرى..

أنا لم أعد أحتمل ما يمر بي يوميًا، منذ خروجي من المستشفى أخاف من الخروج من المنزل ومواجهة الناس، ماذا سيقولون عني عندما يعرفون أنني كنت في مستشفى للأمراض العقلية، ماذا سيكون رد فعلهم، أخاف من الناس؟؟

عندما خرجت من المنزل لأذهب للعمل لاستكمال إجراءات إجازتي المرضية واعتمادها من الكومسيون الطبي شعرت بصداع رهيب لم يتركني للحظة، كاد رأسي ينفجر من شدة الألم، لم أعرف ماذا أفعل؟ كنت أشعر أن كل رجل ينظر إلي يفكر في كيفية التحرش بي أو الاعتداء عليَّ. أراهم كلهم على شاكلة أستاذ نبيل، لا أعرف ماذا ينوون لي، كل ما أراه أنهم يفكرون في كيفية افتراسي فأنا تربية ملاجىء أي أنني رخيصة والآن أنا مريضة عقلية فأنا مستباحة من الجميع، مستباح عرضي وشرفي.

أفكر في الانتقام من كل الرجال -حتى من فارس- هو من تسبب في دخولي المستشفى في المرة الأولى، لماذا تركني وحدي؟ لماذا لم يشعر أني أموت أمامه في اليوم ألف مرة؟ لماذا قرر هو الآخر الاستسلام لموت ولدنا؟ لماذا لم يقف بجانبي؟ لماذا تركني وحدي بعد خروجي من المستشفى؟ لماذا فضل جمع المال والعمل على وجوده بجانبي؟

أسئلة كثيرة تدور في رأسي تكاد تعصف بي، لقد زهد في ولم يعد يطيق وجودي بجانبه، لذا قررت أن أنتقم منه هو الآخر، أشعر أنه يعرف أخرى ويخرج معها ويقابلها ويتركني وحدي مع والدته، أه منها هي الأخرى، لم تحبني يوما، تتحين كل فرصة كي تهزأ بي وتعيرني بأني لا أهل لي وأني تربية ملاجىء، لابد أنها تعرف أن ابنها على علاقة بأخرى لذا أرادت أن تشمت بي.

لابد من الانتقام، ولكن لا أعرف ماذا أفعل، لن أخون فارسًا فلن أُغضب الله لكي أنتقم، ولكن سأفتح حسابًا على الفيس بوك بصور مزيفة ألتقطها من على مواقع الإنترنت المختلفة وأترك الحساب مفتوحًا حتى يراه فارس في أي وقت، سيكون هذا انتقامي منه، سأخفي عنه أوراقي وعن الطبيب المعالج، لقد توقفت عن تناول دوائي منذ ما يزيد على الأسبوع، وفارس لا يدري شيئًا عن ذلك، إنه لم يهتم حتى أن يتابع هل أتناول دوائي أم لا أتناوله، رأسي يؤلمني يكاد ينفجر، أتناول العديد من المسكنات ولا أشعر بأي تحسن، يااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا رب".

من أوراق أخرى..

"عندما وصلت للمرحلة الإعدادية اختلف بنا الحال، ففي المرحلة الابتدائية كنا نجد الكثير من الزوار للدار يحضرون لنا الحلوى والأطعمة والملابس الجديدة، بعضهم كان يأتي بانتظام والبعض الآخر يأتي لنا في الجمعة الأولى من إبريل وفي الأعياد، أما في المرحلة الإعدادية والثانوية افتقدنا ذلك، كانت الزيارات تكاد تكون غير موجودة، نعاني نقصًا في الأطعمة والملابس كنا نشتهي قطعة من الشيكولاتة فلا نجد معنا ما يكفي لشرائها، كنا نشتهي الحلوى ولكن لا يوجد معنا ثمنها، في الأعياد كانت مديرة الدار تشتري لنا الحلوى، فكنا ننتظر الأعياد لنأكل الحلوى التي نحبها ولكننا افتقدنا الزيارات والأسر البديلة، مع كل سيدة تأتي للدار أتخيلها أمي وأتخيل أني في حضنها وأنها تواجه العالم أجمع لتحميني ولكني افتقدت حتى هذا الخيال، كانت إيمان تضحك من خيالاتي تلك وأمنياتي، وكانت تقول لي إننا لم نعد أطفالًا كي نحلم، علينا مواجهة الواقع المؤلم الذي يطاردنا ويعاملنا على أننا آفات يجب القضاء عليها.

أعرف أن إيمان معها كل الحق في ذلك، ولكنني كنت أحتاج للحلم لكي أستطيع تحمل الواقع المرير، ومع ارتدائي الحجاب وحفظي للقرآن الكريم كانت تهكماتها تزداد، وكانت دائمًا تقول لي: لن يهتم المجتمع الخارجي "أي خارج الملجأ" بحفظك للقرآن والأحاديث، كل ما سيهم هؤلاء هو أنك سلعة رخيصة لا ثمن لها وحق مستباح للجميع، لن تقبلك أسرةٌ زوجةً لابنهم وأنتِ تعلمين السبب، لن تصلي لشيء ولن تكوني صديقة لأحد غيرنا نحن الثلاثة، نحن عانينا نفس المشاكل وخضنا ذات التجارب لذا لن يفهمنا غيرنا.

لم تحفظ إيمان القرآن في الدروس التي كنا ندرسها في دار الأيتام، كما أنها رفضت أن تحضر معي دروس العلم في المسجد القريب من الدار، أما داوود هو من كان يشجعني على المضي قدمًا في حفظ القرآن والأحاديث وحضور دروس العلم، شجعني على الحجاب وارتداء الزي الشرعي، وكنت أشعر بغيرة إيمان مني على داوود، وكانت تتعمد إثارة غضبه واستفزازه، كنت أعلم أنها تحبه وأنه يحبها، لقد اعترف لي من قبل بحبه لإيمان ولكنه يخشى مصارحة أهله بحبه لها ورغبته في الزواج منها، ويخشى من تصرفاتها المتهورة المندفعة.

دخلت إيمان مدرسة ثانوي تجاري ولم تكمل بعدها دراسة، وبدأت البحث عن عمل بعد إنهاء المرحلة الثانوية والخروج من الدار نهائيًا ومواجهة أهوال الحياة، أما داوود ففعل كما فعلت، التحقنا بمدارس للثانوي العام وبحثنا بعدها عن عمل يساعدنا في تحمل نفقات الحياة والجامعة بعد أن تركنا الدار لبلوغنا سن ثمانية عشر عامًا، رغم عدم تحملنا مصروفات دراسية نظرًا لكوننا أيتامًا إلا أن طلبات أساتذة الجامعة والكتب لم تكن ضمن الإعفاء؛ لذا كان لابد لنا من عمل، عمل داوود في توصيل الطلبات في محل أطعمة، بينما عملت أنا في أحد مكاتب التصوير عند الجامعة بجانب كتابة المحاضرات وبيعها للمكتب، كنت أقوم بالتصوير وتنظيف المحل في الفترات التي لا يكون عندي محاضرات خلالها، وكان لابد لنا من البحث عن مكان للسكن.

وجدت أنا وإيمان غرفة فوق سطح أحد بنايات بين السرايات، لأكون قريبة من الجامعة ومن عملي، كما وجدت إيمان عملًا في محل تجميل نسائي في منطقة بين السرايات ووجد داوود سكنًا في حجرة فوق سطح أحد بنايات بين السريات تبعده عنا بضع بنايات ليكون قريبًا من الجامعة ومن عمله ويوفر ثمن الموصلات للدراسة.

كان ينسخ محاضراته في المكتب الذي أعمل به، وكما اتفقنا مع صاحب المكتب فالتصوير لداوود مجاني مقابل تصوير المحاضرات التي يكتبها في كليته ويعمل في توصيل الطلبات في غير أوقات المحاضرات، وظللنا نعمل وندرس حتى أنهينا الجامعة، استطاع داوود أن يحصل على وظيفة معيد بالكلية نظرًا لحصوله على تقدير عام جيد جدا مع مرتبة الشرف، وقرر المضي قدمًا في المجال الأكاديمي، وعندها وجد أن إيمان لم تعد تصلح زوجة له، خاصة بعد أن ذاع في المنطقة أخبار عن أعمال مشبوهة ومنافية للآداب تتم في محل التجميل الذي تعمل به إيمان، ورفضت إيمان ترك العمل به.

قطع داوود علاقته بإيمان وكذلك فعلت أنا أيضًا، بعد تخرجي وكوني من العشرة الأوائل على دفعتي تم تعييني في إحدى المصالح الحكومية، وتركت عملي في مكتب التصوير وبحثت عن غرفة أخرى قريبة من عملي لتوفير نفقات الموصلات، وكانت الغرفة في حي بين السرايات أيضًا حجرة على سطح أحد البنايات هناك وتركت إيمان وداوود وراء ظهري وذهب كلٌ منا في اتجاه".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...