الاثنين، 15 فبراير 2021

الفصل الثاني عشر

 

طلب الطبيب من فارس الدخول وطلب من ولاء الانتظار في الخارج قليلًا، طلب الطبيب من فارس مراقبة ولاء جيدا دون أن تشعر، خوفًا من حدوث محاولة انتحار أخرى، كما طلب منه البحث عن أية أوراق تحاول ولاء إخفاءها؛ لأنه يشعر أنها تُخفي شيئًا ما، معرفته ستساعد في علاجها، كما طلب منه معرفة اسم ومكان دار الأيتام التي تربت فيها ولاء واسم المدارس التي ارتادتها ولاء في سنوات تعليمها المختلفة.

بالفعل التزم فارس بكلام الطبيب وظل يراقب ولاء في الفترات التي يوجد بها في المنزل، ولكنه كان يعلم أنه يغيب لفترات طويلة خارجه للعمل، لذا طلب من والدته أن تقيم معه فترة حتى تتحسن حالة ولاء الصحية، لم يخبرها بمرض ولاء النفسي ولكنه أخبرها أن ولاء أجرت عملية المرارة وتحتاج للراحة، رغم عدم محبة أم فارس لولاء إلا أن علمها بمرض ولاء جعلها تفكر في فارس ومصلحته، وخافت على ولاء، فهي لا تحب في ولاء أنها تربت في ملجأ وليس داخل أسرة، هي تحب ولاء ولكن تكره طريقة تربيتها، تعرف أن ولاء على قدر كبير من التدين والأخلاق، ولكن يعكر ذلك كونها تربية ملاجىء، قررت والدة فارس أن تساعد ولدها في رعاية زوجته، ولتعود كما كانت بعد أن ترد على ولاء عافيتها.

والدة فارس من النساء الطيبات ولكنها تهتم لرأي الناس كثيرًا حتى وإن خالف ذلك شرع الله، كانت العادات والتقاليد بالنسبة لها أهم من الفروض والسنن، كانت تتمنى لولدها أن يتزوج فتاة من عائلة كبيرة محترمة، لا فتاة مثل ولاء، تعلم أن الجيران ينظرون لها نظرة سيئة، وتسمع كلامهم عن فارس "فارس أحلام" فتيات الحي "الذي لافت عليه واحدة تربية شوارع"، كانت تسمع همساتهم عليها وعلى ولدها، كانت كلماتهم سكينًا تُقطع في قلبها، لذا كانت تخرج ذلك في تأنيب ولاء وإذلالها وإهانتها في غير وجود فارس.

مر شهر آخر على خروج ولاء من المستشفى ورعاية والدته لها، إلا أن فارسًا بدا يلحظ تصرفات ولاء الغريبة وتعليق والدته عليها، كانت والدته تراقبها لتجد لها أي خطأ لتأنيبها عليه، وصب اللعنات على رأسها، هي ترى أنها مرت من العملية بسلام، لذا يجب أن تعود لسابق عهدها معها، ولكن هذه المرة لم تكن ولاء كسابق عهدها تسمع كلام حماتها وتشكرها عليه، لقد أصبحت شخصية أخرى ترد على كل كلمة بعشر كلمات، أهانت حماتها مما جعلها تترك له المنزل وتتصل به تشكو من سوء أدب ولاء معها وتخيره بينها وبين ولاء.

لم يعرف فارس كيف يتصرف، لقد تبدلت شخصية ولاء أصبحت سليطة اللسان، لقد سمع بنفسه إساءتها لوالدته، ولكنه لم يتدخل؛ لأنه سمع الموقف من بدايته لقد استفزت والدته ولاء كما اعتادت أن تفعل، إلا أن ولاء هذه المرة ردت لها الكلمة بعشر والصاع صاعين.

لقد عاد إلى البيت في موعده المعتاد، سمع والدته كعادتها تصب لعناتها على ولاء وهي في المطبخ

والدة فارس: إنتِ يا ست هانم لسه البيت ما اتروقش والأكل ما اتعملش أُمَّال الراجل اللي جاي وطفحان الكوتة عشان يأكلك ويصرف عليكِ ياكل إيه؟

ولاء بصوت مرتفع: إنتِ عايزة مني إيه؟، قومي اعملي الأكل هو الراجل ده مش ابنك برضه، ولا أنا الخدامة الخصوصي.

والدة فارس: إنتِ كمان بتردي عليا؟!

ولاء: أيوه أرد عليكي وعلى عشرة زيك..

والدة فارس: وربنا إنتِ ما شوفتي رباية ولا التربية عدت على بيتكم، وألَّا بيت إيه نسيت إنك تربية شوارع.

ولاء: تربية الشوارع دي هي صاحبة البيت وإن كان عاجبك ولو مش عاجبك الباب يفوت جمل.

والدة فارس: أقسم بالله ما اقعد في البيت ده لحظة واحدة، ولا إنتِ تقعدي على ذمة ابني لحظة واحدة.

لم يستوعب فارس ما يحدث، أهذه هي ولاء زوجته وحبيبته؟!، أهذه هي ولاء التي كانت تسمع إهانتها وتصمت ولا ترد؟!، لم يعرف ماذا يفعل؟، حاول أن يهدىء والدته ويعتذر لها.

فارس: أنا آسف يا أمي، امسحي اللي حصل فيا أنا..

والدة فارس: والله ما أنا قاعدة فيه ولا لحظة، ولا أنت تبقى ابني لو ما طلقتش العقربة اللي إنتَ متجوزها دي.

فارس: معلش يا أمي، هي بس عصبية عشان تعبانة من العملية.

والدة فارس: عملية إيه؟ ما هي زي القرد أهي وبتخرج وتنزل ما اعرف رايحة فين ولا جاية منين، والزفت اللي اسمه إيه ده ماب ولا لاب، والله ما أنا عارفة اسمه إيه الهباب ده اللي مش بتسيبه، هي دي اللي اتحديتني عشان تتجوزها؟! اشربها بقى ولا أنتَ ابني ولا اعرفك إلا لما تطلقها.

فارس: اسمعيني بس.

والدة فارس وهي تحمل حقيبتها ووصلت لباب المنزل: خلاص يا فارس أنا قلت لك يا أنا يا هي وإنتَ اختار!!

ندم فارس كثيرًا على تسرعه في خروجها من المستشفى، واتصل بالطبيب المعالج لولاء، ذكره الطبيب بما قاله عندما حاول إخراج ولاء من المستشفى، لم يخبره الطبيب بتشخيص مرض ولاء تحديدا لأنه لم يتأكد منه بعد، ولكن كل ما أخبره به أن ولاء تعاني من اكتئاب شديد وميول انتحارية وعلاجها يحتاج لملاحظة طبية وعلاج لمدة 24 ساعة على مدار اليوم.

امتثل فارس تلك المرة لتعليمات الطبيب، وطلب من الطبيب الاتصال بالمستشفى لحجز مكان لولاء، وبالفعل دخلت ولاء المستشفى مرة أخرى، دون أن تعلم والدته أن ولاء دخلت مستشفى للأمراض النفسية أو سبب دخولها، لقد رفضت والدة فارس أن تجيب على اتصاله بعد أن ترك زوجته تهينها دون أن يردعها أو يعاقبها، ورغم محاولاته المستميتة أن يطيب خاطر والدته وأن يصالحها رفضت والدته كل هذه المحاولات وكان لها طلب أوحد، هو طلاق ولاء.

كان فارس يشعر أنه بين شقي الرحى، يحب ولاء ويعلم مرضها، ولكنه أيضًا يحب والدته ولا يستطيع البُعد عنها ولا يرضى لها الإهانة، كما أن ولاء ومنذ خرجت من المستشفى لم تسمح له بالاقتراب منها، كان يشعر فارس أنه وحيد، لأول مرة يشعر بالوحدة بعد زواجه، لم تعد ولاء تحكي له ما مر بها في يومها، لم تعد تحكي له عما ضايقها وما أضحكها، لم تعد تسأله عن يومه كما اعتادت، كانت دائما تجلس وحدها إما أمام اللاب الخاص بها أو تكلم الفراغ، شعر فارس أنه فقد ولاء وفقد حبها له، وبدا يفكر في الزواج بأخرى لتكون له سكنًا، لقد فقد الأمل في شفاء ولاء، خاصة بعد استسلامها للمرض والاكتئاب، ودعا الله أن يشفيها وأن تعود كسابق عهدها معه قبل وفاة ولدهما.

وفي خضم أفكاره تلك، كان يشعر بالحنين إلى ولاء؛ لذا فتح دولابها ليستنشق عبق رائحتها في ملابسها، ولكنه وجد بعض أوراق ولاء المطبوعة التي عرضتها على الطبيب في آخر زيارة، ولم تحكِ له كلمة واحدة عما تحتويه؛ لذا قرأ هذه الأوراق وبحث عن كل الأوراق في دولابها كما وجد اللاب الخاص بها، قرر أن يبدا بقراءة الأوراق، ثم يفتح اللاب ليرى ماذا تفعل وماذا تكتب عليه، بالفعل فتحه لقد كان يعرف كلمة السر الخاصة به، وعندما فتحته فتحت معه صفحة الفيس التي أنشأتها ولاء قبل دخولها المستشفى للمرة الثانية، وجد صفحة في منتهى المجون ورسائل أشد مجونًا من الصور، لم تكن ولاء ترد على أي من هذه الرسائل، ولكنها كانت تضع الصور الماجنة، شعر فارس فجأة بالدم يغلي في رأسه وعروقه بعد ما قرأه في أوراق ولاء وما وجده على جهاز اللاب الخاص بها، لقد كانت تخونه طوال الوقت، كانت تستغل عدم وجوده وانشغاله بالعمل ليستطيع تدبر نفقات علاجها، ودون أن يفكر قال "إنتِ طالق يا ولاء".

ذهب فارس للطبيب بالأوراق الخاصة بولاء التي وجدها تُخبئها في دولاب ملابسها وأطلع الطبيب على ما رآه في حسابها الذي ذكرته في تلك الأوراق ثم أخبره أنه طلق ولاء، امتص الطبيب غضب فارس وثورته، ثم أخبره أن مرض ولاء يجعلها تتصرف خلاله تصرفات متهورة ومندفعة غير مسئولة، ومع ذلك ركز الطبيب أن ولاء لم ترد على أي من الرسائل الموجودة على الصفحة وأنها ذكرت في أوراقها أنها أرادت أن تنتقم بفتح هذه الصفحة منه ومن كل الرجال، كما أن تاريخ آخر موضوع نشرته قبل دخولها المستشفى بشهر كامل، أي أنها كانت تهرب بتلك الصفحة من تسلط والدته عليها وما مرت به من أحداث، وحتى يراها هو؛ لتصل إلى هذه النتيجة وهي الطلاق!

طلب الطبيب من فارس مراجعة نفسه وإعادة التفكير فيما فعل وأن يحاول أن يجد أية ملفات مخفاة في جهاز اللاب الخاص بولاء أو أية أوراق تخصها وتخص الملجأ والمدرسة والجامعة، إلا أن ثورة فارس كانت تُعمي عينيه عن أي تفكير، ذهب لوالدته وأخبرها أنه طلق ولاء؛ لأنه لا يستطيع البعد عنها، صدقته والدته ولكنها شعرت بشعور مختلف شعرت بالفرح؛ لأن ولدها فضلها على زوجته التي تكره ارتباطه بها، ولكنها في ذات الوقت شعرت بالندم؛ لأنها تسببت في حالة الحزن التي وجدت عليها ولدها.

كانت والدة فارس تعاني من الحزن الذي تراه على وجه ولدها، إنه وحيدها وهي تحبه، إنه الولد الوحيد على ثلاث بنات، هو سندها في هذه الدنيا، ولكنها تذكرت كيف كانت ولاء تتحمل تسلطها عليها، بل إن ولاء قامت بتمريضها عندما مرضت وأجرت أكثر من جراحة عندما أخبرها الطبيب بضرورة استئصاله بعض الأجزاء من جسدها لاشتباه وجود أورام بها يشتبه في كونها أورامًا خبيثة، كانت ولاء معها في المستشفى، ثم مكثت معها في المنزل حتى أتمت شفاءها، تذكرت كيف كانت ولاء تتحمل سلاطة لسانها ولا تشتكي لفارس، لذا ذهبت إليه والدته في غرفته.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...