الأحد، 14 فبراير 2021

الفصل السابع

 

رغم مرور أُسبوع كامل على وجود ولاء في المستشفى، لم تتكلم كلمة واحدة لأي طبيب، إما تبكي أو تصرخ جراء كابوس أو تتكلم بصوت خفيض لا تتبين منه ما تقول، فشلت جهود الأطباء في حثها على الكلام، كما فشلت المهدئات في تهدئة الحالة الهيستيرية لها، اضطر الأطباء طوال ذلك الأسبوع إلى استخدام المهدئات والمنوم حتى تستقر الحالة، وبالفعل بدأت الحالة في الاستقرار ولكنها لا تزال ترفض الكلام بصوت مسموع لم يعرف طبيبها تحديدًا إن كان رفضها الكلام بإرادتها أم رغمًا عنها؛ لذا طلب منها أن تكتب إذا كانت غير قادرة على الكلام.

استجابت ولاء لفكرة الكتابة وأول ما كتبته "مش عايزة اتكلم أنا عايزة فارس" .

الطبيب: حاضر يا ولاء فارس هسمحله بالزيارة، بس أنا عايز أعرف مالك؟ إيه اللي حصل وصلك لحالة الانهيار دي؟

كتبت ولاء: مش عارفة، أنا مخنوقة ومش عايزة أعيش، اللي زيي مينفعش تعيش، عايزة أموت عايزة أموت وانهارت باكية.

الطبيب: الموت والحياة مش بإيدينا دي أقدار ربنا كتبها، ومفيش حاجة تستاهل نخسر أخرتنا عشانها.

كتبت ودموعها تبلل الورق: حماتي صح، أنا عالة على المجتمع جيت غلط، حتى ابني معرفتش آخد بالي منه، أنا اللي قتلته.

الطبيب: ولاء اهدي إنتِ مش مسئولة عن موت أحمد، ده قدر ربنا وقضاؤه، وبعدين إنتِ كنتِ قائمة بمسئولياتك على أكمل وجه، ده كلام أستاذ فارس، أما حماتك فانتِ عارفة إنها مش بتحبك وعايزة تخلص منك، يبقى ليه تسمحي لكلامها إنه يهزمك ويوصلك للمرحلة دي؟

كتبت: فارس دايمًا شايفني مثالية في كل حاجة، بس أنا مش كده، فارس يستحق واحدة أحسن مني مليون مرة، مش واحدة تربية ملاجىء.

الطبيب: ولاء فيه إيه مش عايزة تقوليه؟ وإنتِ مش عايزة تتكلمي وألا مش قادرة؟

لم تُجب ولاء على سؤاله ولكنها انهارت في البكاء مرة أخرى، طلب الطبيب من الممرضة إعطاء ولاء حقنة مهدئة، وعدل في الأدوية المعطاة لها، كما طلب من التمريض إعطاء ولاء أوراقًا وأقلامًا لتكتب فيها ما يجول بخاطرها أيًا كان للوصول لسبب الحالة التي تمر بها حتى يستطيع تشخيص مرضها وسبب حالة الاكتئاب والميول الانتحارية التي تمر بها.

وفرت الممرضة لولاء أوراقًا وأقلامًا بجانب فراشها، وكانت تسمع ولاء تُكلم أشخاص ولكنها لم تسمع تحديدًا ما تقوله ولاء، ولكنها فهمت مما تسمعه أنها تحدث ولدها، كانت تلاحظ كلام ولاء وتصرفاتها دون أن تشعر ولاء بذلك.

عادت ولاء بالذاكرة لأيام حياتها في الملجأ، تذكرت الحياة هناك، كما تذكرت المدرسة الابتدائية وأبلة سلوى الأخصائية الإجتماعية بالمدرسة، كانت أبلة سلوى أقرب المدرسين لقلب ولاء، عندما وجدت نفسها تتذكر أيامها السابقة أمسكت بالأوراق لتسطر بها كل ما تتذكره، لا تعلم لماذا تكتب ولكنها شعرت بالرغبة في كتابة حياتها السابقة لتتحول إلى سطور تقرؤها لتعينها على فهم ما مضى وكتابة سطور جديدة لمستقبلها، ولكنها أخفت هذه الأوراق عن الطبيب المعالج لها وعن فارس أيضًا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...