الأربعاء، 17 فبراير 2021

الفصل الثالث والعشرون

 

ذهبت ولاء لغرفتها، وكانت رقية تترقب رد فعل ولاء بعد بداية حديثها معها وطلبت من الممرضة مراعاة ولاء ومراقبتها جيدًا وفك قيودها وإخلاء الغرفة من أي شيء يمكن لولاء الانتحار من خلاله والاتصال بها إذا جد أي شيء على حالة ولاء.

كان أثر الحديث على ولاء شديدًا، حيث عاد بها إلى ماضٍ ظنت أنه انتهى من حياتها نهائيًا وفوجئت أنها ما تزال تعاني منه حتى بعد أن سطرته على أوراقها وحرقته، إلا أنها اكتشفت أنها هي من يحترق بتلك الذكريات التي لا تعرف كيف تتخلص منها، وجدتهم جميعًا يتكلمون معها في آنٍ واحد زجرتهم جميعًا وطردتهم من غرفتها وطلبت الممرضة وطلبت منها أي منوم، اتصلت الممرضة برقية التي أوصت الممرضة بالدواء الذي تعطيه لولاء، وبالفعل أخذت ولاء المنوم ونامت وفي نومها رأت كل ما حدث منذ وعيها على الدنيا حتى دخولها المستشفى، لم تفق من حلمها إلا عندما أيقظتها الممرضة وطلبت منها الخروج معها للحديقة لتناول الإفطار والجلوس مع المرضى.

فرحت ولاء بفك قيودها وخروجها، وجدت أمامها أحمد ووالدتها يزجرونها على الخروج، تركتهم وراءها وخرجت، كانت شهيتها للطعام لاتزال ضعيفة ولكنها أرادت أن تأكل وطلبت تناول بعض الحلوى، وبالفعل أعطتها الممرضة الحلوى التي طلبتها، تأملت ولاء السماء وهي ترى الشمس تحارب لكي تنشر نورها والسحب تحارب كي تحجب هذا الضوء، لم تعرف لماذا وجدت نفسها في مكان الشمس التي تحارب لنشر الضوء والدفء في ذلك الشتاء العنيد الذي يأبى أن يأتي بالدفء قطع تأملها صوت رقية وهي تحدثها.

رقية: صباح الخير يا مدام ولاء، يا ترى سرحانة في إيه؟

ولاء: مش عارفة شفت نفسي مكان الشمس بحارب عشان انشر النور والدفا والسُحب بتحاربني عشان تغطي النور والدفا وتسيب البرد يفرض سيطرته على حياتي.

رقية: مكنتش أعرف إنك حساسة قوي كده!!

ولاء: مش حساسية ومش عارفة حسيت كده ليه؟؟

رقية: عادي يا ولاء إنتِ قررتي تبدأي العلاج وتخرجي وطبيعي هتبقى فيه مقاومة من عقلك الباطن، احنا وقفنا امبارح عند دخولكم المدرسة مع بعض متشوقة أعرف الباقي.

ولاء: كنا في دار الأيتام وكانت الزيارات كتيرة من الناس بعضهم بيجيب لنا حلويات وهدوم ويلعب معانا ويسيبنا في كل مرة كنا بنلاقي الحنان الحقيقي من أي حد يختفي من حياتنا وكأننا مكتوب علينا اليتم كل يوم، شفت أمي في ستات كتير وكنت بتمنى أي واحدة منهم تبقى أمي كنت بتخيل نفسي بخرج معاها تفسحني وتجيبلي حلويات وهدوم وتوديني المدرسة وأروح معاها البيت ألعب وتذاكرلي دروسي، ناس بتيجي وناس بتروح وكل مرة تختفي فيها أم ليا بحس بحزن وحسرة إني مش زي كل الولاد ليهم أب وأم وبعدين دخلنا المدرسة وخلصنا المرحلة الابتدائية وطلعنا إعدادي وسيبنا الدار.

قاطعتها رقية: استني إيه اللي حصل في المرحلة الابتدائية إنتِ كان المفروض تحكيلي عن الفترة دي.

ولاء وهي تبكي: من فضلك بلاش.

رقية: طول ما أنتِ مش قادرة تتجاوزي المرحلة دي هتفضلي تعبانة ومش هتقدري تقاومي لازم تحكي وحد يساعدك احكي حتى لو بيوجعك وأنا دوري أداوي الوجع ده يا ولاء.

ولاء: لما روحنا المدرسة الابتدائي كان عندنا مدرس اسمه نبيل وهو اللي اغتصبنا احنا التلاتة.

رقية باستغراب: عمل إيه؟

ولاء: أيوه اغتصبنا احنا التلاتة لمدة شهر كامل لغاية لما اشتكيت للأخصائية الاجتماعية وبعدها نقلوا المدرس لمدرسة تانية وسكتوا لأننا مالناش أهل ولا حد يسأل علينا.

رقية: وما اتعاقبش؟

ولاء: أيوه احنا مين عشان حد يهتم بينا أو يخاف علينا، أخدنا الدرس كويس وعرفنا إننا مالناش ضهر يحمينا، الضرر النفسي علينا كان كتيرعارفة لما تلاقي نفسك ضعيفة ومحدش بيخاف عليكِ والكل بيعاملك على إنك حد جه الدنيا غلط، لما تشيلي ذنب ملكيش يد فيه، لما تتعاملي على إنك لقيطة لمجرد كونك ظروف اتفرضت عليكِ ولقيتي نفسك في ملجأ، تعبنا جدًا آه محدش اغتصبنا بعد كده بس نظرات الناس وأهالي زمايلنا في المدرسة كانت بتموتنا كل يوم.

عرفنا في سننا ده إن ملناش غير بعض واتعاهدنا نفضل أصحاب وكل يوم بنكبر فيه بنخسر تعاطف الناس معانا اللي كانوا بيجوا يشوفوا أطفال سنهم صغير قبل سن المدرسة وبمجرد إنك تكبري يكبر معاكِ ذنبك ويتكسر ضهرك وتنكسر نفسك قدام الناس نظراتهم بتموتك وتقطع فيكِ، كانت أبلة سلوى ملاذ ليا في المدرسة كنا بنروحلها احنا التلاتة نقعد معاها نتكلم معاها ونحكيلها، الوحيدة اللي حسيت إنها أمي، كانت بتساعدنا وبتقول للولاد تلعب معانا واتكلمت مع أولياء أمور الطلبة في مجلس الآباء بس للأسف كلامها مفرقش أي حاجة كنا بنعرف لما الولاد يطلعولنا لسانهم ويقولوا لنا برضه مش هنلعب معاكم خلوا أبلة سلوى تلعب معاكم.

 وعدت السنين وانتقلنا لدور تانية لسن الإعدادي والثانوي في الفترة دي كانت البنات لوحدها والولاد لوحدهم احنا روحنا الدار بتاعتنا وداوود راح دار تانية ومدرسة تانية، بس اتفقنا نتقابل ونفضل على صلة مع بعضنا، في الدار التانية تقريبًا مكانش فيه زيارات عشان كبرنا مبقناش بالنسبة لهم الأطفال الصغيرين احنا بقينا كبار ولازم نشيل ذنبنا معانا الميزة الوحيدة في المرحلة دي إن المدرسة كانت تبع الدار وكل اللي فيها زينا كلنا على راسنا نفس البطحة محدش أحسن من حد، خلصنا الاعدادي اتفقنا إننا لازم ننجح ونجيب درجات كبيرة عشان نقدر نثبت نفسنا جبنا مجموع كبير في الإعدادية أنا وداوود أما ايمان فكان مجموعها ضعيف من البداية قالت مش هتدخل ثانوي عام هتدخل ثانوي تجاري ويبقى معاها مؤهل متوسط وخلاص على كده.

 ولبست الحجاب من إعدادي بس إيمان رفضت تلبسه وفكرتني بالجرح القديم دعيت ربنا يهديها دخلنا أنا وداوود ثانوي عام وبعدها قدمنا في الجامعة ودخلنا كلية الحقوق وكانت المشكلة إننا بنخرج من الدار في سن 18 سنة يعني سنة تانية جامعة، في المرحلة دي اشتغلنا عشان نقدر نغطي مصاريفنا اشتغلت في محل تصوير بنضف المحل وأقف أصور في الوقت اللي مفيش فيه محاضرات عشان ألاقي فلوس اشتري بيها الكتب لأنها ما كانتش ضمن الإعفاء من المصاريف،  أجَّرت أنا وإيمان أوضة فوق السطوح في بين السرايات، وإيمان اشتغلت في محل كوافير حذرتها منه الناس بتتكلم دايمًا عليه وردت إيمان ساعتها إنه هو المحل الوحيد اللي قبل يشغلها.

 داوود اشتغل في توصيل الطلبات وبرضه شاف أوضة في بين السرايات وكان بيشتغل في الوقت اللي مفيش فيه محاضرات اتفق مع صاحب المحل على كده، وذاكرنا ونجحنا داوود اتعين معيد في الكلية وأنا دورت على شغل، المرحلة دي كانت نقلة في حياتنا احنا التلاتة إيمان اتقبض عليها زي ما قلتلك وداوود شاف إنها مبقتش مناسبة ليه واتجوز بنت عمه وساب الأوضة اللي في بين السرايات ونسينا كلنا، وأنا سيبت الأوضة لإيمان وأجَّرت أوضة تانية لغاية لما اتجوزت من فارس.

المرحلة دي أكدتلي إن مفيش رحمة في الناس نظراتهم كانت بتدبحني إحساس إن كل راجل بيبصلك بيعري كل حتة في جسمك، رغم إني هدومي كلها واسعة ومش شفافة ولا مبينة أي حاجة مني ولا كنت بحط مكياج زي غيري، كنت بخاف من الرجالة ومن الناس خفت من كل حاجة وأي حاجة وأي حد، إحساس غريب بالخوف سيطر عليا تعبني جدًا، اخترت ما اعرفش حد وأعيش لوحدي، في الشغل محدش عرف إني اتربيت في الملجأ الكل كان عارف إني عايشة مع عمتي عشان والدي ووالدتي متوفيين خوفت إن أي حد يعرف إني لوحدي خوفت من طمعهم فيا، حسيت إني لوحدي في غابة لغاية لما عرفت فارس، هو الوحيد اللي حسيت معاه إن الناس لسه بخير، شعوره اللي ما اتغيرش لما عرف إني تربية ملاجىء واجه أهله وستر سري في الشغل.

رقية: طب سؤال، هو فارس يعرف موضوع الاغتصاب ده؟

ولاء: لأ معرفش حاجة.

رقية: ازاي؟

ولاء: لما اتقدملي فارس مكنتش عارفة أعمل إيه قلتله على إني اتربيت في دار أيتام بس مقدرتش أقوله على اللي حصل ده، وأنا في كوافير حريمي لقيت إيمان شغالة هناك، غصب عني جريت عليها وحضنتها وهي حضنتني بس مش بنفس القوة، افتكرت اللي حصل بينا وكانت فاكرة إني لسه أعرف داوود أو إننا اتجوزنا خلصت مشوار الكوافير واتفقنا نتقابل بعد ميعاد شغلها اتكلمنا كتير وحكيت لها على فارس ساعتها قالت لي أجي معاها لدكتور شاطر وهو هيرجعني زي ما كنت، سمعت كلامها ورحت للدكتور وفعلا سترعليا وفارس معرفش، بعدها حاولت إيمان تتقرب ليا تاني لكني رفضت وهي حلفت إنها تنتقم مني، بطلت أروح الكوافير ده ومعرفتهاش مكان شغلي ولا بيتي خفت منها تفضحني قدام فارس وتنتقم مني لأنها فاكرة إني سبب بُعد داوود عنها، كفاية كده النهاردة أنا تعبت.

رقية: تمام، نتكلم بكرة إن شاء الله.

رقية: هالة رجَّعي مدام ولاء أوضتها وخلي بالك منها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...