فارس وهو متوتر: خير مالها ولاء؟ إيه اللي حصل؟
الطبيب: ولاء كويسة الحمد لله، بس كلمتني وكانت في حالة هيستيرية، كانت
عايزة تنتحر.
فارس وهو ذاهل مما يسمع وقلق على زوجته: تنتحر؟ ولاء؟ ازاي دي مؤمنة وعارفة إنها لو انتحرت في عذاب وعقاب، وقبل
كل ده ليه تفكر كده وانهار فارس تمامًا.
الطبيب: أستاذ فارس، زوجة حضرتك بتعاني من حالة اكتئاب شديدة، واحنا عارفين
ده كويس بقالها أكتر من سنة بتتعالج من الاكتئاب بس للأسف هي وصلت لمرحلة من
الاكتئاب خلت عندها رغبة في الموت وبتدفعها للانتحار.
فارس وهو قلق: طب ممكن أشوفها واطمن عليها؟
الطبيب: للأسف في الوقت الحالي ممنوع عنها الزيارة تمامًا والمكالمات لغاية
لما حالتها تستقر، وتقدر حضرتك تستلم حاجتها من أمانات المستشفى، وأنا هتصل بحضرتك
بعد ما أقعد معاها شوية عشان محتاج منك شوية تفاصيل ومعلومات.
فارس: أمر حضرتك يا دكتور، بس يا ريت أعرف ولاء محتاجة إيه خلال إقامتها
في المستشفى عشان أجهزه وأجيبه.
الطبيب: متقلقش هتصل بحضرتك وأقولَّك على كل حاجة.
امتثل فارس لتعليمات الطبيب، لأول مرة يدخل منزله دون أن تكون ولاء
به، لأول مرة يشعر أن المنزل لا روح له، يجده باردًا لا حياة فيه، لأول مرة يجد
الفراش أشواكًا تجرحه، وعلى الفراش وجد رسالة ولاء، بعد قراءته لرسالة ولاء، شعر بالذنب تجاهها، كيف
لم يستطع أن يوفر لها الأمان الذي تحتاج إليه، ماذا فعل لتشعر هي أنها عبء عليه، راجع
ما كان بينهما من حياة، طوال ما يزيد عن الخمس سنوات -هي عمر زواجهما- بذل أقصى جهده ليشعرها بالحب
والأمان، كيف لم يستطع أن يشعرها أنها حياته، وأنها سر وجوده، أسئلة كثيرة دارت في
خلده، يؤنب نفسه على حالة ولاء التي وصلت إليها، وظل يصلي ليله ويدعو لها بالشفاء
ويستغفر الله من تقصيره في حقها.
في صباح اليوم التالي، ذهب فارس للعمل وقدم لأجازة مرضية لزوجته بناء
على التقرير الطبي الذي كتبه الطبيب المعالج لها، لم يعرف أي من زملائهما في العمل
سبب الإجازة ولكن تكهنات البعض أسفرت أن ولاء حامل لذلك طلبت الأجازة، أما فارس لم
يجب بالنفي أو الإيجاب عن أيٍّ من هذه التكهنات وتركهم في تكهناتهم وذهب إلى
المستشفى ليطمئن على حال ولاء حبيبته.
لم ينتظر فارس أن يتصل به الطبيب كما طلب منه بالأمس، بل ذهب إلى
المستشفى مباشرةً ليطمئن من الطبيب على حالة ولاء، ويحاول أن يراها، قابل الطبيب
الذي طمأنه على حالتها، وطلب منه الطبيب الصبر على زيارة ولاء، لم يستطع فارس سوى
الامتثال لأوامر الطبيب خوفًا على حياة حبيبته، وطلب من الطبيب طمأنته على ولاء باستمرار.
بعد ذهاب فارس إلى المستشفى، كان هناك هم آخر ينتظره، كيف سيبرر غياب
ولاء لوالدته وإخوته، لقد قال له الطبيب إنها ستظل لمدة طويلة بالمستشفى لن تقل عن
الشهر، فماذا سيقول ليعلل غيابها تلك الفترة الطويلة، خاصة وهو يعلم عدم حب والدته
وأختيه لولاء؛ لذا وحفاظًا على سر علاج ولاء اتصل بوالدته وأخواته وأخبرهن أنه
سيسافر مع ولاء في أجازة للأسكندرية، وأنه سيطيل البقاء هناك ولا يعلم متى سيعود
تحديدًا، كان ذلك هو الحل الوحيد أمام فارس لتبرير غياب ولاء وغيابه هو الآخر.
عندما وصلت ولاء للمستشفى كانت في حالة من البكاء الهيستيري، لم
تستطع أن تكمل كلمة واحدة دون أن تقطعها نوبة من البكاء الشديد، لذا أعطاها الطبيب
حقنة مهدئة وطلب من التمريض فحصها كل فترة، والتأكد من عدم وجود أي شيء يمكنها أن
تنتحر به.
ظلت ولاء في حالة البكاء الهيستيري لمدة أسبوع كامل، كلما نامت
تستيقظ وهي تصرخ بشدة ترعب التمريض في الخارج، تضطرهم للاتصال بالطبيب ليكتب لها
مهدئًا جديدًا لتنام، ولا تكاد تكمل الساعة حتى تستيقظ صارخة مرة أخرى.
استدعى الطبيب فارس ليعرف منه بعض المعلومات عن ولاء، وبالفعل وصل
فارس في الموعد المحدد وجلس مع الطبيب المعالج لها.
الطبيب: أستاذ فارس، هو حضرتك قلتلي اتجوزت من إمتى بالتحديد؟
فارس: من حوالي خمس سنين.
الطبيب: كانت ولاء فيهم طبيعية قبل ما تبدأ تتعالج بعد وفاة ابنكم؟
فارس: مش فاهم طبيعية ازاي يعني؟
الطبيب: هل كانت بتصحى من النوم تصرخ، بتشوف حاجات مش موجودة، يعني حاجات زي
كده.
فارس: من يوم ما اتجوزنا وهي يدوب تنام وبعد أقل من ساعة تصحى تصرخ، أديها
تشرب وتقرأ قرآن ويا دوب تنام تصحى تصرخ تاني، لكن هلاوس معتقدش، غير بعد وفاة
ابننا أحمد.
الطبيب: طيب وعدد مرات الصراخ في اليوم الواحد بعد وفاته زادت عن بداية
الجواز؟
فارس: زادت جدًا.
الطبيب: هو حضرتك كنت قلتلي إن أحمد مات قضاء وقدر صح كده؟
فارس: فعلًا احنا صحينا الصبح لقيناه توفى، والدكتور قال قضاء وقدر، بس من
ساعتها وولاء حاسة إنها سبب موته لأنها نامت وسابته في السرير مش في حضنها وتعبت
أقول لها إنه قضاء الله، بس من بعد وفاته وهي في حالة غريبة؟
الطبيب: ازاي؟
فارس: على طول باصة للهوا، بتنسى كتير لدرجة إنها ساعات بتنسى إننا
اتجوزنا.
الطبيب: فترات النسيان بتمر بسرعة ولا بتطول مدتها وبتفتكر ازاي؟
فارس: بتمر بسرعة جدًا يعني أقل من دقيقة وتفتكر وتعتذر إنها نسيت.
الطبيب: وهي باصة للهوا هل بتحس إنها بتتكلم أو بتهمس؟
فارس: ساعات، ولما بسألها بتقولي إنها بتفكر تعمل إيه في الشغل أو البيت
ومتطلباته، بس ساعات بسمعها بتكلم أحمد وتقوله متخافش أنا جاية وساعات بتكلم ناس
تانية بس مش بسمع الإسم.
الطبيب: تمام كده، طيب ما تعرفش إيه الكابوس اللي ملازمها، يعني محكتش عنه
أي حاجة ليك؟
فارس: أبدًا، حاولت كتير أعرف منها بس هي مكانتش بترضى تحكي وانا مش بحب
أضغط عليها.
الطبيب: تمام كده، عمومًا احنا كده إن شاء الله قربنا نوصل لأساس المشكلة، مدام ولاء حالتها لسه مش مستقرة
عندها هيستريا بكاء مش قادر أعرف منها أي حاجة، عمومًا احنا كده عرفنا شوية
معلومات نقدر نتعامل من خلالها، فين والدها أو والدتها محتاج أتكلم معاهم.
فارس: ولاء يتيمة والدها ووالدتها اتوفوا في حادثة سيارة وهي الناجية
الوحيدة.
الطبيب: طب ومين اللي رباها؟
فارس: اتربت في دار أيتام لغاية لما تمت 18 سنة وبعدها سابت الملجأ وكملت
الجامعة بعد لما خرجت من الملجأ.
الطبيب: شكرًا أستاذ فارس، وإن شاء الله نسمحلك بزيارتها قريب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق