راجعت رقية ما حصلت عليه من معلومات مع دكتور عصام، الذي أُعجب
بالمعلومات التي توصلت إليها رقية من ولاء، وطلب منها أن تعرف بعض المعلومات من
ولاء وأعلمته أنها طلبت فك قيد ولاء على أن تظل في غرفة العزل، ووافق عصام على ذلك
لما رآه من تحسن ملحوظ على حالة ولاء وأوصى إن استمر التحسن على ذلك المنوال أن
تُنقل ولاء لغرفة عادية.
كان تحسن ولاء علامة على نجاح رقية وأنها على الطريق السليم، إنها
تُثبت للجميع بتحسن أول حالة تشرف عليها وتتابعها أنها طبيبة ممتازة وتستطيع العمل
مثل أي طبيب رجل، إنها تعمل في نوبتجيات مختلفة، كم كان صعبًا عليها إقناع والدتها
بمبيتها خارج المنزل لتكون في المستشفى لحاجة المرضى لها وأن ذلك دورها في المبيت
مثل كل زملائها الأطباء، كانت والدتها تحاول منعها المبيت واتصلت بأعمام رقية لكي
يمنعوها من ذلك حتى لو ترتب عليه تركها للعمل.
قاومت رقية كثيرًا هذه الضغوط وكانت تُنفذ ما تريده كل مرة، ورأت
والدتها ضرورة أن تزوجها حتى لا يتكلم عنها الجيران بالسوء، عندما تتزوج سيخرس
الجميع لأن لها رجلًا يحميها وتكون في عصمته، في تلك الأثناء كان فريد ابن عم رقية
عائدًا من دراسته في الخارج، سافر منذ سبع سنوات للحصول على الماجستير، ثم اختار
أن يكمل الدكتوراه أيضًا هناك، كان فريد يُحب رقية ولكنه لم يُصرح لأحد بحبه لها
حتى يُكوَّن نفسه ويكون قادرًا على تحمل مسئولية الزواج، وأراد أن يترك الفرصة
لرقية لتحقيق حلمها في أن تصبح طبيبة نفسية، يكبرها فريد بثلاث سنوات، وعندما عاد
وجد الحرب المستعرة ضد رقية.
كان الجميع يرغب في تزويجها حتى يتخلصوا من حملها، فالمرأة الشرقية
بلا رجل تعتبر عبئًا على من تعيش معه حتى ولو كانت أمها، وعندما عايش فريد ذلك
اتصل برقية وطلب لقاءها، وطلبت منه أن يكون في المستشفى حتى تستطيع أن تقابله ولا
تتأخر على موعد عودتها للحرب التي شنتها عليها والدتها.
كان فريد موجزًا في كلامه وقال لها مباشرة: "رقية أنا بحبك من زمان ونفسي نتجوز، أنا جيت أكلمك الأول عشان
أعرف ردك سواء بالموافقة أو الرفض لأني عارف لو اتقدمت لوالدتك ممكن تغصبك على
الجواز وده أنا رافضه تمامًا".
رقية: فريد قبل ما أوافق أو أرفض أنا
شغلي مهم جدًا في حياتي مش هقدر أسيبه.
فريد: ومين قالك تسبيه، سبب سكوتي
الفترة اللي فاتت إني أديلك فرصة تحققِ فيها حلمكِ بأنكِ تكوني دكتورة نفسية.
رقية: فريد إنت إنسان ممتاز وأي واحدة
تتمنى تتجوزك، بس أنا محتاجة وقت أفكر.
فريد: خدي وقتك محدش هيعرف إني اتكلمت
معاكِ في حاجة وياريت تفكري كويس، لأنك لو وافقتي ما تتصوريش سعادتي هتكون أد إيه.
رقية: غريب إنت عن كل أهلي، حتى أمي مش
فهماني.
فريد: إنتِ عارفة إني طول عمري رافض كل
محاولات التمييز بين الولد والبنت حتى مع أخواتي البنات رفضت التمييز وزعلت جدًا
أنهم رفضوا سفرك للبعثة عشان تكملي دراسة واستغربت استسلامك.
رقية: العناد كان أخره مش هكمل خالص
بابا قالي ساعتها يا إما تكملي هنا يا مفيش، فاخترت إني أكمل هنا.
فريد: عمومًا فكري في كلامي ولو وافقتي
صدقيني معاكِ حريتك تثبتي نفسك في شغلك ودراستك وحياتك العملية ونجاحك هيبقى من
نجاحي.
بعد لقاء رقية مع فريد التقت مع ولاء، كان من الصعب عليها الفصل بين
ما حدث توًا وبين عملها ولكنها أرادت أن تثبت لنفسها أنها قادرة على الفصل
والتوفيق بين حياتها المهنية وحياتها الشخصية، وركزت رقية على بعض المعلومات أرادت
أن تعرفها من ولاء.
رقية: صباح الخير يا ولاء، واضح إنك
أحسن النهاردة ونمتي كويس امبارح.
ولاء: صباح الخير، فعلًا أنا أحسن لأول
مرة أحس إن في حمل كبير جوايا اتشال لما شاركتك اللي حصل كنت فاكرة إني اتغلبت
عليه بس اللي لقيته إني مسيبتش الماضي لغاية النهاردة لسه ناره بتحرق فيا.
رقية: ولاء إنتِ حاولتي تنتحري قبل
كده؟
ولاء: يوووه كتير ولا مرة نجحت.
رقية: أول مرة كانت إمتى؟
ولاء: بعد لما أستاذ نبيل اغتصبنا
حاولت أموت نفسي وشربت زجاجة المضاد الحيوي وللأسف باءت المحاولة بالفشل، بعدها
حصل كتير تقطيع شرايين إيدي، التعدية وسط العربيات اللي بتجري وبرضه معرفتش فضلت
المحاولات دي لغاية لما جيت هنا المستشفى.
رقية: إنتِ ليه حاسة إن الموت هو الحل.
ولاء: لما نموت هنروح لربنا وهو العدل
وبيعاملنا بالعدل والرحمة والمغفرة اللي مش موجودة في حد دلوقتي.
رقية: طيب إنتِ كنتِ بتحسي ساعات
بحزن شديد من غير سبب أو فرح شديد من غير سبب؟
ولاء: كتير كنت بلاقي نفسي مبسوطة
وفرحانة من غير سبب وساعات تانية بحس إني عايزة أصرخ وعايزة أعيط وأخبط راسي في
الحيطة بمعنى الكلمة.
رقية: طيب في الملجأ كانوا بيتعاملوا
ازاي مع محاولات الانتحار دي كنت بدخل المستشفى والمشرفة علينا تسمم بدني بكلام زي
الزفت بيخليني أكره نفسي وأكره كل حاجة وكل الناس.
ومر الأُسبوع على ولاء مع رقية التي تأكدت من حقيقة مرض ولاء وناقشته
مع د.عصام.
رقية: صباح الخير يا دكتور أخبار حضرتك
إيه النهاردة؟
عصام: أهلًا بالدكتورة العظيمة، بجد
مكنتش متوقع سرعة استجابة ولاء للعلاج معاكِ.
رقية: هي كانت واصلة لمرحلة محتاجة
تتكلم مع حد، بس المشكلة إنها مش عايزة تتعامل مع أي ذكر ومحتاجة حد تثق فيه
وطبعًا لازم ميكونش ذكر لأنها مش بتثق فيهم نهائيًا.
عصام: المهم الدكتورة الهمامة وصلتي
لتشخيص نهائي للحالة؟
رقية: فعلًا يا دكتور الحالة دي معقدة
شوية مصابة باضطراب وجداني ثنائي القطب مع اضطرابات في الشخصية، وده بيخلي الحالة
بتعاني من حالات اكتئاب شديدة وميول انتحارية بس هنا الرغبة في الانتحار بيكون
الهدف منها الهرب من واقع مش قادرة تتعامل معاه وبيؤدي لهلاوس وحالات هيستيرية ما
بين فرح وحزن.
عصام: يبقى ده كمان سبب تصرفات ولاء
المتهورة.
رقية: لأ أفهم بقى؟
عصام: ولاء لما جت كانت بتعاني من
اكتئاب ومش عارف سببه وبعد ما خرجت من
المستشفى أول مرة عملت صفحة على الفيس منحرفة وكانت عايزة فارس يشوفها كانت عايزة
تنتقم من كل الرجالة.
رقية: كده بقى محتاجين نعرف معلومات
جديدة عن علاقة فارس بولاء وكمان عايزة أعرف علاقتها بأهل فارس.
عصام: حماتها وأخوات فارس منهم اتنين
زي أمهم مش طايقين ولاء ودايمًا بيفكروها إنها تربية شوارع وأخت واحدة بتحبها ولاء،
دايمًا بيخلوها تحس إنها أقل منهم وإن جوازها من فارس غلطة بيندموا عليها ودايمًا
هي السبب في أي مشكلة تحصل، حتى موت ابنها اتهموها بالتقصير في رعايته وإنها السبب
في موته وده سبب اكتئابها بتعاقب نفسها على موت ابنها.
رقية: مريضة باضطراب وجداني واضطرابات
شخصية تمر بأزمة زي موت ابنها وحدها كفيلة توصلها للمرحلة دي لو ما اتعالجتش صح، وكمان
معاه اضطهاد ليها بسبب حالتها الاجتماعية إنها يتيمة، المشكلة بقى إن فارس ميعرفش
إنها أُغتصبت قبل كده ومش عارفة هنتعامل مع ده ازاي.
عصام: محتاجين نعرف تفاصيل العلاقة
بينهم وهل فارس بيراعي مشاعرها وألا لأ؟ بالمناسبة هو فارس جه وألا لسه؟
رقية: المفروض ييجي بعد نص ساعة هنعمل
إيه؟
عصام: هييجي نقابله أنا وإنتِ عشان
نقدر نوصل للمعلومات اللي احنا محتاجينها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق