الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

أولاد حارتنا واختلاف الآراء رؤية تحليلية

نشرت هذه المقالة في موقع اخباري للصحافة الشعبية بيتاريخ 24/102/2012
قيل كثيرا عن راوية أولاد حارتنا وهي رواية من تأليف نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1988، وتُعد إحدى أشهر رواياته وكانت إحدى المؤلفات التي تم التنويه بها عند منحه جائزة نوبل. وأثارت هذه الرواية جدلا واسعا منذ نشرها مسلسلة في صفحات جريدة الأهرام وصدرت لأول مرة في كتاب عن دار الآداب ببيروت عام 1962 ولم يتم نشرها في مصر حتى أواخر عام 2006 عن دار الشروق.
وسببت رواية أولاد حارتنا أزمة كبيرة منذ أن ابتدأ نشرها مسلسلة في صفحات جريدة الأهرام حيث هاجمها شيوخ الجامع الأزهر وطالبوا بوقف نشرها، لكن محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الاهرام حينئذ ساند نجيب محفوظ ورفض وقف نشرها فتم نشر الرواية كاملة على صفحات الاهرام ولكن لم يتم نشرها كتابا في مصر، فرغم عدم صدور قرار رسمي بمنع نشرها إلا أنه وبسبب الضجة التي أحدثتها تم الإتفاق بين محفوظ وحسن صبري الخولي -الممثل الشخصي للرئيس الراحل جمال عبد الناصر- بعدم نشر الرواية في مصر إلا بعد أخذ موافقة الأزهر. فطبعت الرواية "دار الآداب في لبنان عام 1962 ومنع دخولها إلى مصر رغم أن نسخا مهربة منها وجدت طريقها إلى الأسواق المصرية.
والجدير بالذكر هنا أن نجيب محفوظ تم تكفيره بسبب هذه الرواية، واتهم بالإلحاد والزندقة، وأُخرج عن الملة، كما فسر النقاد والشيوخ رموزها وفق قواميسهم ومفرداتهم؛ حتى أن الشيخ عمر عبد الرحمن قال: "أما من ناحية الحكم الإسلامي فسلمان رشدي الكاتب الهندي ومثله نجيب محفوظ مؤلف أولاد حارتنا مرتدان وكل مرتد وكل من يتكلم عن الإسلام بسوء فلابد أن يقتل ولو كنا قتلنا نجيب محفوظ ما كان قد ظهر سلمان رشدي" ويعتقد البعض ان لهذا التصريح علاقة مباشرة مع محاولة اغتيال محفوظ إذ حاول شاب اغتياله بسكين في أكتوبر عام 1994 وقال أنهم قالوا له ان هذا الرجل (محفوظ) مرتد عن الإسلام.
وتمت عدة محاولات لنشر الرواية فبعد فوزه بجائزة نوبل أعلنت صحيفة المساء الحكومية القاهرية إعادة نشر الرواية مسلسلة وبعد نشر الحلقة الأولى اعترض محفوظ على النشر فتم ايقافه. وكانت هناك محاولة أخرى بعد الشروع في اغتياله عام 1994 نظرا للمناخ المتعاطف معه تحدياً للتيار الأصولي في ذلك الوقت؛ فتنافست عدة صحف على نشر "أولاد حارتنا" ما بين صحف حكومية "أخبار اليوم" و"المساء" وأخرى يسارية "الأهالي" لكن نجيب محفوظ عارض النشر وأعلن انه لن يوافق على نشرها الا بعد حصوله على موافقة الأزهر. وصدرت أولاد حارتنا كاملة بعد أيام من الحادث في عدد خاص من جريدة الاهالي يوم الاحد 30 أكتوبر 1994 وعقب النشر أصدر بعض الكتاب والفنانين بيانا طالبوا فيه بعدم نشر الرواية في مصر بدعوى حماية حقوق المؤلف الذي نجا قبل أيام من الذبح.
وتجدد الجدل حول "أولاد حارتنا" نهاية العام 2005؛ حيث أعلنت مؤسسة دار الهلال عن نشر الرواية في سلسلة "روايات الهلال" الشهرية ونشرت الصحف غلافا للرواية التي قالت دار الهلال أنها قيد الطبع حتى لو لم يوافق محفوظ بحجة أن الإبداع بمرور الوقت يصبح ملكا للشعب لا لصاحبه إلا أن قضية حقوق الملكية الفكرية التي حصلت عليها دار الشروق حالت دون ذلك. وأعلنت دار الشروق مطلع 2006 أنها ستنشر الرواية مقدمة للكاتب الإسلامي أحمد كمال أبو المجد أطلق عليها اسم "شهادة" كانت قد نُشِرت في السابق في صحيفة الأهرام بتاريخ 29 ديسمبر 1994 ونشرت العديد من الصحف نص هذه الشهادة وتم نشر الرواية في مصر في نهاية عام 2006.
الرواية واقعية رمزية، تدور في أحد أحياء القاهرة كما هي معظم روايات نجيب محفوظ كـالحرافيش وزقاق المدق وغيرها،  وأحيانا تشعر وأنت تقرأها أنك تعيد قراءة الحرافيش أو التوت النبوت وتبدأ بحكاية عزبة الجبلاوي الخاصة التي يملأها أولاده. تندلع حبكة السرد منذ ولادة أدهم ابن السمراء وتفضيل الجبلاوي له على بقية أبنائه، وتمرد ابنه إدريس على ذلك مما أدى إلى طرده من عزبة الجبلاوي لتبدأ رحلة معاناته. وتمر الأحداث في الراوية جيلا بعد جيل ومحاولة التمرد على الظلم والحصول على الحقوق وبعد مرور الوقت يعود الظلم مرة أخرى.
أخذ الكثيرون من الشيوخ ومن غيرهم على الرواية تجرؤها على تمثيل الخالق بالجبلاوي، وإعادتها تمثيل أسطورة الأديان السماوية من جديد في واقع آخر، ثم نحوها منحى متمرداً بالزعم أن العلم قادر على أن ينزع من الناس فكرة الله. وهذا غير موجود في هذه الرواية حيث أنها فسرت وفق أهواء من أرادوا ذلك، فالجبلاوي كما قال عنه محفوظ نفسه هو رمز "الدين" الذي لابد له من الوجود- ومن المعروف عن محفوظ في رواياته أن الدين دائما ما يظهر ضعيفا لا يقدر على شيء ونجد ذلك في العديد من الشخصيات التي ترمز للدين مثل بين القصرين واللص والكلاب- ويضيف أيضا لأن القصة تمثل الصراع بين الدين والعلم وأن شخصية عرفة وهي من المعرفة رمز للعلم المجرد الذي أراد أن يهدم الدين ولكنه في النهاية هزم نفسه.
تُرجمت الرواية إلى الإنجليزية والألمانية وبعض لغات أخرى، وقوبلت باحتفاء كبير.
فيما يلي قائمة بأسماء أهم شخصيات وأحداث الرواية وتفاسيرها القياسية بالاعتماد على التفسيرين الديني والنقدي لها:
الشخصية        الكناية أو التفسير
الجبلاوي:       الدين ولا أعلم كيف قال عنه البعض أنه الله
أدهم:     هو ابن الجبلاوي وطرد من البيت لمخالفته وصية والده وهي من التراث الديني الذي نجده في كثير من الأعمال الأدبية لذا فمن الظلم قبول التفسير الذي يقول أن أدهم هو آدم.
إدريس:          وهو الابن العاق الذي يعق والده وأرى أنه من الظلم أن نقول أنه إبليس لمجرد التشابه بين الاسمين، وفكرة تكبره وكراهيته لأدهم، وخروجه من زمرة الأبناء المفضلين بتمرده على أبيه، فإدريس هو نموذج الابن الضال الذي نجده في جميع الأعمال الأدبية وهو دائما ما يكره الابن الطائع.
جبل:    هو أحد أحفاد الجبلاوي والذي بدأ التمرد على الظلم الموجود بالحارة والتي أرى أنها مصر ولا أعلم كيف شبه بنبي الله موسى عليه السلام.
رفاعة:  هو أحد أحفاد الجبلاوي ورفض المطالبة بحقه ورأى أن السعادة في تطهير النفس ولا مجال للمقارنة التي قال عنها البعض أنه رمز للمسيح عليه السلام.
قاسم:    وهو أحد أبناء حي الجرابيع وهو من أراد المطالبة بالحق والعدل وطارده فتوات الحارة حتى عاد وانتصر وعاد بالحق لأهل الحارة جميعا وهنا من الظلم أن نقول أن قاسم هو رمز لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام لأن قريش كانت من سادة العرب وليست أذلهم.
عرفة: وهو آخر أحفاد الجبلاوي وهو مشتق من المعرفة أو العلم، وهو من أدى إلى قتل الجبلاوي وهو رمز رفض العلم –في بعض الأحيان- للدين مما يسبب الدمار.
ومن وجهة نظري أن السبب الحقيقي في رفض الرواية هو احساس الحكام في مصر في ذلك الوقت من التمرد على حاكم إذ أن الجبلاوي هو كل مصري غني يشاهد سوء أحوال مصر ولا يتحرك ولا يحرك ساكنا ويكتفي فقط بالمشاهدة، وأن الحارة هي مصر التي يريد أهلها نصيبهم من خيراتها التي نهبها الحكام وخاصة منذ بداية حكم العسكر، حيث كان الناظر المسئول عن توزيع أرباح الوقف على الأهالي هو حاكم مصر وهو الحاكم العسكري في ذاك الوقت والذي تمنى أن يجد له من يتمرد عليه ويطالب بحرية الشعب خاصة بعد أن تسبب الناصر في سيطرة الفتوات وإرهاب أهل الحالة وهم هنا في رأيي أمن الدولة (البوليس السياسي) في ذلك الوقت، لذا وجد عبد الناصر ومعاونيه نشر أن هذه القصة تمس الذات الالهية حتى لا يقرأها الناس وتسيطر على أفكارهم، فليس هناك تشابه بين الراوية والتراث الديني إلا التراث الطبيعي الذي تعتمد عليه جميع الراويات الادبية والأعمال الفنية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...