الآن
أخيرا تتنفس كوثر الصعداء وتتنسم عبير الحرية، التي لم تشعر بها مطلقا طوال
حياتها، تنسمته لأول مرة بعد أن حازت على لقب مطلقة؛ وهو اللقب الذي كانت تتحاشاه
طوال عمرها. الآن تشعر بأن هذا اللقب نعمة حرمت منها سنوات عمرها السابقة ولم
تنلها إلا بعد أن تمت عامها الستين. لم تشعر بحلاوة وجمال الحياة إلا عندما أمسكت
ورقة طلاقها من برهان، الطلقة الثالثة التي ضمنت أنه لن يرجعها مرة أخرى بعدها
لعصمته.
إن لحظة مثل لحظة إمساك ورقة الطلاق قد تكون لحظة موت وإنهيار لأي امرأة
عدى كوثر، عدت هذه اللحظة لحظة ميلادها الجديد، فالآن والآن فقط ولدت من جديد،
تشعر أنها طفل صغير؛ ستفعل ما تريد كيفما تريد، دون أن تحسب حساب لأي شخص كان.
رتبت كوثر حياتها بعد الطلاق وإحالتها للمعاش، فلا توجد أية قيود الآن
عليها وعلى حريتها ستسافر لفترة للولايات المتحدة الأمريكية لقضاء بعض الوقت مع
ابنتها رضا وفارس زوجها، ثم تسافر بعد ذلك لقضاء بعض الوقت في الإمارات مع هادية
وزوجها محمود وبناتها رحمة وضحى، ثم تسافر للمغرب لابنتها ايمان وزجها أمجد
وبناتها علا وفريدة، وعندما تشتاق لبلدها وتشعر بالحنين له ستذهب للإسكندرية أو
الغردقة وترى هناك –لأول مرة –جمال وسحر هذه الأماكن والمناظر الطبيعية بها.
وأثناء شرود كوثر في خططها المستقبلية لحياتها القادمة وما ستفعله في قابل
الأيام وجدت جرس الباب يدق؛ فخافت ظنا منها أن الطارق هو برهان، جاء لينتقم منها
على طلاقها منه وخروجه من المنزل أو جاء ليضربها كما فعل في المحكمة وكيفما كان
يفعل عندما تنشب بينهما مشاجرة، حاولت السيكرة على مخاوفها وذهبت لترى من الطارق
فوجدت رضا وفارس
كوثر (في لهفة): بنتي حبيبتي وحشتيني، عاملة إيه ؟
وأخذتها كوثر في حضنها، لم تدرِ كوثر أي منهما كانت تحتاج هذه الأحضان الدافئة
الطويلة ولم تدرِ أي منهما كانت تحتضن الأخرى ولم تدرِ رضا لماذا بكت كوثر وهي
تحتضنها أهو الاشتياق لها أم الحاجة لها في مثل هذا الوقت العصيب الذي تمر به
كوثر؟
رضا (وهي ما تزال تحتضن والدتها وتبكي هي الأخرى): إيه يا أمي انتي لسه بتعيطي لما تفرحي؟ مش
ح تبطلي العادة دي بقى. وحشتيني جدا، طمنيني عليكي.
كوثر (وهي لا تريد ترك ابنتها): انتي، صحيح، ايه اللي جابك دلوقتي؟ وليه ما
قولتيش انك جاية؟
فارس (وهو يضحك): ايه يعني يا ماما نسافر تاني؟
كوثر: سامحني يا ابني المفاجأة ولهفتي على رضا نستني أسلم
عليك
فارس: ولا يهمك يا ماما، انتي أخبارك إيه؟ وحشتينا جدا، انتي
عاملة إيه وأخبار عمو معاكي إيه، عمل حاجة بعد الحكم؟ والله حاولت آجي أنا ورضا
نحضر معاكي الجلسة وما تبقيش لوحدك بس للأسف ما عرفناش عشان الأجازات.
كوثر: ولا يهمك يا ابني، فرحتي بمجيكم ربنا وحده أعلم بيها
رضا: ماشي يا ست الكل، بصي بقى إحنا بقى قررنا – أنا وأخواتي
–إنك مش ح تقعدي لوحدك تاني. كفاية عليكي وحدة لحد كده، مفيش قاعدة لوحدك بعد كده.
وعلى فكرة هادية وإيمان نازلين واحدة بعد بكرة والتانية اليوم اللي وراه وانتي بقى
قرري تحبي نقعد هنا في القاهرة ولا نسافر نغير جو شوية بره القاهرة.
كوثر: كلفتم نفسكم جامد والله يا ولاد، أنا كنت بفكر أسافر
أقعد مع كل واحدة فيكم شوية أو أسافر إسكندرية أو الغردقة، نفسي أتفسح وأشم هوا
فارس: خلاص يا ماما انتي تجيبي الباسبور بتاعك أطلع لك فيزا
زيارة لينا تقعدي معانا شوية ورضا كمان تحاول تظبط وقتها في الشغل عشان نعرف نفسحك
شوية وما تقعديش لوحدك ولا تزهقي من القاعدة معانا.
كوثر: أنا مش عايزة أبقى حمل عليكم أنا لو جيت يبقى حياتكم
تمشي زي ما هي، كفاية علا أني معاكم
رضا: خلاص اتفقنا يا ست ماما بما إني الكبيرة يبقى أول
السفر بتاعك ح يبقى عندي، اتفقنا؟
كوثر: خلاص اتفقنا يا نور عيني. هما أخواتك جايين لوحدهم ولا
مع أجوازهم؟
رضا (وهي تضحك): جايين مع اجوازهم وولادهم يعني صداع رسمي
فهمي نظمي كمان
كوثر: صداع صداع على قلبي زي العسل وعندي بالدنيا وما فيها
عقبال ما أشوف ولادك يا رضا يا بنت قلبي يا رب. أوضتك جاهزة أدخلي ريحي شوية أنتي
وجوزك وقولي لي نفسك تتغدي إيه؟
رضا: فعلا يا أمي السفر كان متعب يومين سفر، بس شوقي ليكي
أكبر من التعب عايزة أقعد معاكي وتحكي لي إيه اللي حصل بينك وبين بابا، هو عمل معاكي
إيه، أنا عارفة أنه عصبي وطبعه صعب. هو ضربك تاني؟
فارس: طيب أنا داخل أغير هدومي وأعمل قهوة تحبي تشربي حاجة
يا ماما وانتي يا رضا؟
كوثر: دا واجب عليا أنا اللي أقوم أعمل لكم كل حاجة
رضا: سيبيه يا أمي يعمل هو عارف مكان كل حاجة وبعدين هو مش
ابنك ولا ايه؟!!! فارس إعمل لي قهوة معاك
كوثر: يعلم ربنا فارس دا ابني اللي ما خلفتوش، إعمل لي شاي
معاك يا ابني
وقصت كوثر على ابنتها ما كان من برهان في المحكمة من تهديد لها ووعيد،
وضربه لها هناك عقب سماع الحكم، مما دفعها لتقديم بلاغ ضده هناك وإثباته الواقعة
بالشهود وتم تحويل المحضر للنيابة وأخذ على برهان تعهدا بعدم التعرض لكوثر مرة
أخرى. وعندما وصلت للشقة أتى هو الآخر ليدخل، فمنعته من الدخول واستجارت بالجيران
وأعلمتهم أنها طُلقت منه بحكم من المحكمة وأنها الطلقة الثالثة وبالتالي لا يجوز
أن يسكن معها في نفس الشقة، خاصة أن هذه الشقة باسمها وهي من يدفع كل مستحقاتها من
إيجار ومرافق وخلافه. فتدخل الجيران لإقناع برهان بالذهاب الآن وأن يأتي وأخوة
كوثر هنا ويرتب معهم ليأخذ أغراضه من الشقة أما الآن فلا يصح أن يدخل الشقة وهي وحدها،
فكاد يضربها مرة أخرى فهددته بالتعهد الذي وقع عليه وأنها ستتصل بالشرطة فخاف
برهان وتوعدها بالانتقام منها وترك لها الشقة وذهب عند أخته تفيدة وابنتها.
وبكت كوثر مرة أخرى عندما تذكرت برهان وألفاظه وفظاظته وصوته العالي، وكيف
كان يتعمد جرحها والإساءة إليها أمام الناس في المنزل وفي المحكمة. هنا تدخل فارس
في الحديث
فارس: يا ماما كده ما ينفعش تقعدي لوحدك، وكمان لازم تغيري
كالون الشقة.
كوثر: أنا فعلا عملت كده وغيرت الكالون وكمان وصيت على باب
حديد للشقة، بس هو لسه ما أخدش هدومه وحاجته.
رضا: أنا بتصل بيه مش راضي يرد عليا، بعد ما شمتني وبهدلني
قبل الحكم ما يطلع، ومن بعد الحكم مش عايز يرد عليا.
كوثر: أنتي ناوية تعملي إيه؟
رضا: بفكر أروح له عند عمتي وأتكلم معاه وأشوف ح يعمل إيه،
ما ينفعش تفضل الأمور كده وما ينفعش يفضل مقاطعنا كل دا هو برضه أبونا
كوثر: بلاش تروحي له دلوقتي، ممكن يتهور ويضربك
رضا: ما تقلقيش يا أمي، وبعدين كمان أشوف هو محتاج إيهمن
هنا أوديه له هناك
فارس: ما تخافيش يا ماما أنا ح أروح معاها لعمو وهو مش ح
يعمل لها حاجة في النهاية هي بنته من لحمه ودمه.
كوثر: واضح انكم مش عارفين يا ولاد.
رضا (باستغراب): عارفين ايه يا أمي؟
كوثر: برهان رافع عليكي انتي واخواتك دعوى للنفقة ودعوى
تانية إنكار نسب
رضا (بذهول): إنكار إيه!!!!!!!!!!!!!
فارس (مستغربا): إزاي نفقة وإنكار نسب مع بعض؟!!
كوثر: حالف يفضل ورا بناته لغاية ما يتطلقوا من أجوزاهم
فارس: أعوذ بالله طلاق ليه بس، دا المفروض يكون مبسوط إن
بناته متجوزين رجالة بيحبوهم وبيخافوا عليهم
كوثر: فاكر انكم السبب في الطلاق
فارس: السبب في الطلاق إزاي؟ هو ناسي البهدلة اللي شفتيها
معاه وناسي الكلام اللي قاله عليكي، ولادك أول ناس لو كانوا شايفين إن مصلحتك تفضلي
معاه كانوا قالوا لك الكلام دا لكن للأسف كانت مصلحتك في الطلاق والبعد. إيه علاقة
البنات بالطلاق؟
كوثر: فاكر انكم عملتوا كده عشان جايبين لي عريس
لم تتمالك رضا نفسها من هول ما تسمع وانفجرت في بكاء شديد ولم تدري ما تصنع،
ولا كيف تتصرف مع الوضع الحالي، وأخذت تفكر لماذا يتعامل والدها معها بهذا الجفاء
وهذه القسوة ألا تنتهي هذه القسوة، ألم يئن الآوان لإعطاء الحب والحنان، وفكرت في
رد فعل أخواتها عندما يعرفن. وقررت أن تهاتف والدها ولكن هو لا يرد على مكالمتها
ماذا تفعل؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق