الخميس، 15 يناير 2015

ضياع (الفصل الثالث: شهر العسل)



الفصل الثالث
شهر العسل
كانت شقة برهان شقة واسعة خمسة غرف واسعة المساحة، في أحد الأحياء الشعبية بوسط البلد. وكانت غرفة كوثر من الغرف الداخلية بالشقة؛ حيث لا يكشفها أحد ولا ترى أحد من الضيوف القادمين لتكون بحريتها إلى نوع ما في الشقة. كانت الشقة في دورعلوي تفوح منها رائحة الماضي، طليت غرفة كوثر بالجير –حيث كان ذلك النوع من الطلاء هو السائد والمعروف في ذلك الوقت.
لم تكن تعرف كوثر شيئا ما عن هدى ووجودها معها، ومنذ الليلة الأولى لها في المنزل وجدت طفلة تريد أن تأكل وتستحم ولها كافة متطلبات الأطفال ، التي لا تعرف كوثر شيئا عنها. فوجئت كوثر عندما دخلت غرفتها - وهي خائفة لا تعرف ماذا ستفعل مثلها مثل كل الفتيات عندما تتزوج، بوجود هدى خائفة تريد أن تنام مع خالها وتخاف من كوثر نفسها. فما كان من كوثر إلا أنها احتضنتها وطمأنتها وتعرفت عليها، تخيلت كوثر في البداية أنها ابنة زوجها ولكنها استراحت عندما عرفت أن هذه الطفلة البريئة هي ابنة أخت برهان، طمأنتها كثيرا واحتضنتها حتى نامت بالفعل، فرح جدا برهان بذلك، وأخذ هدى وأدخلها لتنام مع جدها ودخل لكوثر لتنهي كوثر عهدها مع العذرية وتبدأ حياتها كامرأة وسيدة تحمل اسم برهان وعائلته.
برهان (يقترب من كوثر): ايه انتي ح تفضلي قاعدة كده
كوثر (بخجل وهي تنظر للأرض): اعمل ايه، انا مش عارفة؟
برهان (يرفع صوته قليلا وقد بدأ يتعصب): ايه، هي امك ما قالت لكيش المفروض تعملي ايه في ليلة دخلتك؟
كوثر (وقد احمر وجهها خجلا وتلعثمت): لأ، محدش قال لي حاجة، قولي طيب اعمل ايه؟
برهان (بعصبية): انتي لسه ح تتكلمي، قومي غيري هدومك
لم تفهم كوثر سبب عصبية برهان، قامت وهي تشعر بالخجل وغيرت فستان الفرح وارتدت قميص نومها الأبيض كما أخبرتها والدتها، كان أبيض طويل مصنوع من الحرير وارتدى برهان بيجامة العريس الحرير ذو الروب الطويل.
واقترب منها برهان، خافت منه وابتعدت قليلا
برهان (بعصبية): ايه مالك بتبعدي ليه؟
كوثر (وجهها احمر خجلا ولم تدري ماذا تقول): خايفة
لم يعرف برهان كيف يتصرف، وتذكر ما يقوله زملائه ومعارفه، أن الزوج لابد أن يأتي أهله مرة واحدة حتى تعتاد هي على ذلك، لذا لم يقم برهان بالتمهيد لها، بل انقض عليها مرة واحدة وصرخت صرخةً كرهت بها برهان وكرهت الزواج.
في الساعة السابعة صباحا -صباح يوم الزفاف - أيقظها برهان لتحضر الافطار لوالده ولهدى
برهان: انتي يا هانم، انتي لسه نايمة
كوثر (مازالت غير قادرة على الاستيقاظ): ايه، في ايه
برهان (بعصبية): انتي مستنية الخدامين يجوا يخدموا سعادتك ولا ايه، اتنيلي قومي حضري الفطار لأبويا ولهدى
كوثر (بدأت تستيقظ ولم تستوعب ما يحدث): في ايه يا برهان، احنا الساعة كام؟
برهان (بعصبية): على اساس ايه يعني الساعة، ابويا بيصحى بدري ودا وقت الفطار بتاعه، يالا يا هانم قومي حضري له الفطار وشوفي طلباته
بدمعة منها أجابت على برهان، لم تتوقع ذلك، توقعت أنها عروس مثل أية عروس تستيقظ عندما تريد وعندما يستيقظ معها زوجها، واكتشفت أن برهان تزوجها لكي تكون خادمة بلا أجر، وذلك عندما تركها ونام. قامت كوثر وحضرت طعام الافطار لحماها ولهدى، ثم ايقظت هدى وساعدتها على تناول الافطارها وأعدت بعد ذلك الشاي لحماها الذي شكرها على ما قامت به، وطلب منها قائمة لطعام الغداء، لم تتكلم ولم تنطق ولكنها سكتت ووجم وجهها وانتظرت مجيء والدتها.
استيقظ برهان بعد العصر عندما جاءت والدة كوثر ووأخواتها للاطمئنان عليها، وفوجئت أم كوثر بحالة ابنتها، فانتباها القلق الشديد، وطلبت الاختلاء بها، ودخلتا سويا في غرفة الصالون
أم كوثر: مالك يا كوثر، وشك شكله مش عاجبني وشكلك معيط فين المكياج، ايه اللي حصل؟
كوثر (بتبكي): جيت لقيت عيلة صغيرة مطلوب مني أكلها وشربها وطلباتها ، وكمان صحاني من الساعة 7 الصبح أعمل الفطار لأبوه وبنت اخته وعايزين أطبخ للغدا
أم كوثر: ايه!!! هو فيه عروسة بتطبخ وتعمل كده، مش كفاية ان أبوه فضل قاعد معاكوا وكمان ما روحتوش في حتة لوحدكم، أنا لا يمكن اسكت على كده. المهم حصل ايه امبارح
كوثر (بتتكسف وتحط وشها في الأرض مع دمعة نزلت من عنيها لما افتكرت اللي حصل)
أم كوثر: يعني حصل؟
كوثر (بكسوف): ايوة
أم كوثر: هو فين برهان؟
اعتاد برهان أن يختلس السمع لأية أحاديث دون أن يدري من يتكلم أن هناك من يختلس السمع، لذا استمع لما قالته كوثر ووالدتها وهو على باب غرفة الصالون واشتاط غضبا من كلام كوثر وأمها كيف تشتكي كوثر لوالدتها مما حدث، ألا تحمد ربها على أنه رضي أن يتزوجها ومنحها البيت الذي تتمناه أي فتاة، ألا تحمد ربها أنه رضي بها وهي لا تعرف شيئا عن الزواج واحتياجات الرجل فدخل عليهم الغرفة وعلى وجهه غضب وحنق.
برهان (بغضب موجها كلامه لحماته): بقى ينفع اللي بنتك عملته امبارح دا؟ مش تعليميها يعني ايه جواز؟
أم كوثر (تحاول كظم غضبها): في ايه يا برهان مش تسلم الأول يا ابني؟ وبعدين هي مالها البنت ما انت اتجوزتها وعرفت انها بنت بنوت، ايه بقى؟ وبعدين أنت متجوز واحدة تكون مراتك مش خدامة ليك ولأهلك
برهان (مع تصاعد غضبه): يعني هو المفروض انها تكون زيها زي الجثة، ما تعرفش يعني ايه راجل وازاي تتصرف؟
أم كوثر (وبدأ الغضب يظهر عليها وقد احمر وجهها): يا ابني انت متجوز واحدة متربية مش واحدة من الشارع، ودي مراتك يعني المفروض انت اللي تفهمها وتقول لها تعمل ايه، الرجالة بتعمل كده
برهان (يزيد غضبه ويوجه الكلام لحماته): لا اعرفي انتي بتقولي ايه كويس، أنا راجل غصب عنك وعن بنتك. وبعدين مش تحمدوا ربنا أصلا اني رضيت بيها. لا وكمان طلعت لا تعرف يعني ايه جواز ولا عارفة تطبخ
أم كوثر (بعصبية وارتفع صوتها): انت مش متجوز خدامة ولا واحدة من الشارع، مش عاجبك ليها رجالة يتكلموا معاك
برهان (بغضب): طب بصي بقى هي مراتي، ولا انتي ولا غيرك له دعوة أنا بعمل معاها ايه ان شاء الله اشغلها خدامة لعيلتي كلها تحط جزمة في بقها وتسكت
أم كوثر (بعصبية): أنا ما ليش كلام معاك، أنا كلامي مع أبوك هو فين؟ يا حج يا حج
وخرجت والدة كوثر من الغرفة تنادي على والد برهان ليشهد على أفعال ابنه ، وإهانته لها ولكوثر
أبو برهان: ازيك يا حجة، مبروك يا حجة، مالك في ايه؟
أم كوثر: يرضيك يا حج اللي ابنك بيعمله ويقوله، هو متجوز بنتي عشان يبهدلها؟ وكمان يقولي بنتي تحط جزمة في بقها وتسكت ينفع ينكد عليها وهي لسه عروسة ؟
أبو برهان: معلش يا حجة حقك وحق بنتك عليا، دي بقت بنتنا، وانتي يا كوثر لما انتي زعلتي من حاجة ما تقولي لي يا بنتي هو أنا مش زي والدك؟
برهان (بعصبية): وتتهبب أصلا وتشتكي ليه؟ هي كانت تحلم تتجوز واحد زيي
أبو برهان (بعصبية موجها كلامه لبرهان): انت يا زفت لما الكبار يتكلموا انت تحط جزمة في بقك وتقول حاضر وبس
أم كوثر (موجههة كلامها لأبو برهان): لا يا حج ما يرضنيش انك تكلمه كده قصادي وقصاد مراته، اللي يهمني انه يعاملها بما يرضي الله.
برهان يتحدث بعصبية ويسب كوثر وأمها ولا يبالي بوجود والده ولا كلامه ويكاد يضربها، وهنا يمسك والده يده ويمنعه عن ضرب زوجته
أبو برهان (بعصبية): أنا لو كنت عرفت اربيك ما كنتش تمد ايدك على الحريم
أم كوثر (ببكاء): ربنا يخليك يا حج، بس معلش أنا المفروض كنت جاية افرح ببنتي والواضح كده اني عملت مشكلة، كان نفسي أخدها معايا بس كلام الناس محدش مش بيرحم، البنت أمانة عندك يا حج
أبو برهان: دا بيتها يا حجة، ودا بيتك يا بنتي، وسامحيني لو كنت قلت لك تطبخي أصل بصراحة من بعد المرحومة مراتي ما أكلتش طبيخ إلا لما بنتي بتنزل من السفر، وأنا اعتبرتك زي بنتي
كوثر (بتبكي): ولا يهمك يا عمي أنا برضه بقيت بنتك، بس أنا مش بعرف أطبخ ولا أعمل أكل
أبو برهان (يضحك): بس كده، مفيش مشكلة أعلمك تعملي أكل ازاي وربنا يعينا على الوضع دا، النهاردة ح أجيب لك أكل جاهز
أم كوثر: أكل جاهز ايه يا حج، دي عروسة وأنا كنت جاية وجايبه لها الفطار والفطير والكحك، وبعد اذنك أنا ح آجي أعمل لكم الأكل لغاية ما كوثر تسبّع وتكون اتعلمت تطبخ
أبو برهان: مش عايزين نتعبك يت حجة
أم كوثر: مفيش تعب ولا حاجة، بت يا كوثر ، ادخلي خدي لك دش وحطي مكياجك وكلي لقمة انتي عروسة والناس ح تيجي تبارك لك ما ينفعش تبقى معيطة كده، برهان بوس راس مراتك وادخل صالحها وأنا ح أجهز الغدا على ما تغيروا هدومكم قبل ما الناس تيجي
برهان (بعصبية) : حاضر، اتفضلي قدامي
وبالفعل كانت والدة كوثر تذهب لبيت ابنتها كل يوم لمدة أسبوع لتعلمها كيفية الطبخ واعداد الطعام، وكيف تعتني بالصغيرة، وكيف تعتني بالمنزل. فكوثر لأنها كانت موظفة وقبل ذلك طالبة كانت أمها وأختها عبير المسئولتان عن كل شيء.
مر شهران على زواج كوثر وبرهان، وجاءت تفيدة أخت برهان من سفرها في فترة أجازة لمدة شهر ، وعادت لمنزل والدها في مصر.
تفيدة سيدة مطلقة في منتصف الثلاثينات من عمرها، قمحاوية اللون، ذو شعر أسود فاحم لامع، ليست بالسمينة ولا الرفيعة قصيرة بعض الشيء، لا تضع الشعر المستعار ولكنها تحب الشعر الطبيعي وساعدها سواد شعرها ولمعانه على اطلاقه وعدم الحاجة إلى استخدام الشعر المستعار، تطلقت تفيدة بعد زواج استمر لمدة عامان واثمر عن طفلة عمرها عام واحد. انتهى زواج تفيدة بسبب بخلها هي وزوجها كل منهما كان يرى أن الآخر هو الواجب عليه الانفاق على المنزل. وبعد طلاق تفيدة بعام  واحد، سافرت للعمل باحدى البلاد العربية وأخذت أجازة من عملها واستمرت بعملها في الخارج بعيدة عن ابنتها الوحيدة.
دخلت تفيدة المنزل لترى زوجة أخيها التي ستعيش معها في المنزل، رحب الجميع بتفيدة
تفيدة (باشتياق): ازيك يا ابويا عامل ايه وحشتني قوي
الأب (يحتضنها بشوق كبير): ازيك انتي يا بنتي مش كفاية سفر وغربة بقى تقعدي معايا شوية
تفيدة: معلش يا ابويا انت عارف اني محتاجة اعمل قرشين ينفعوني وينفعوا بنتي، صحيح هي هدى فين؟
برهان: هدى مع كوثر جوة في المطبخ، من ساعة ما اتجوزت وهي مش بتسيب كوثر بتحبها قوي
تفيدة (بدأت تشعر بالغيرة من كوثر على ابنتها): غريبة دي هدى لغاية دلوقتي بتخاف مني ازاي بتحبها قوي كده
برهان: كوثر طيبة وغلبانة وبتحب هدى فعلا وهدى حاسة بحبها ليها
تفيدة (والغيرة تأكلها): وهي فين بقى مراتك دي
برهان : في المطبخ، استني اناديها
ودخل برهان لينادي على كوثر لتأتي وتتعرف على تفيدة وتسلم عليها، كان برهان من داخله يرى أن كوثر فعلا طيبة ولكنه عصبي المزاج، تسبقه عصبيته دائما ولا يسيطر عليها، وكان أيضا لا يثق في أية امرأة دائما يشعر أن كل امرأة خائنة وكان ذلك الشعور دائما ما يسيطر عليه عندما يتعامل مع كوثر.
برهان: كوثر تعالي سلمي على تفيدة، ياله يا هدى ماما جت
هدى (تشير على كوثر): دي ماما
برهان: لا يا هدى دي طنط، ماما بره
كوثر: ياله يا هدى نسلم على ماما
خرجت كوثر وهدى تمسك بها لتسلم على تفيدة، التي نظرت لها نظرة غيرة على ابنتها وعلى مكانتها في المنزل،
تفيدة (تجري على هدى لتحتضنها): هدى بنتي وحشتيني
هدى تمسك في كوثر ولا تجيب على تفيدة
تفيدة (بعصبية وتنظر لكوثر بعينها من فوقها لتحتها وقالت لها بتعالي): هو انتي بقى كوثر
جذبت تفيدة هدى من كوثر، وأعطت كوثر ظهرها ودخلت غرفتها مع ابنتها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...