ابريل 1976
بعد المقابلة الأولى بين كوثر وتفيدة، لم
ترتح كل منهما للأخرى؛ كلاهما تشعر بالغيرة من الأخرى. تشعر كوثر بالغيرة من تفيدة
لشعورها أن برهان يحب تفيدة ويخاف منها، كما تتضايق كوثر من محاولات تفيدة السيطرة على المنزل. أما تفيدة،
لم تعتد أن يكون غيرها في المنزل، واعتادت أنها الأنثى الوحيدة الموجودة في
المنزل، الأنثى المدللة صاحبة الكلمة الأولى به، ولكن عندما جاءت في أجازتها هذه
المرة، وجدت أخرى تتعامل في المنزل كأنه مملكتها هي الخاصة – وهو ما رفضته تفيدة
وقررت أن تعاقبها عليه- وتتصرف في كل شيء في البيت وتتحكم في كل كبيرة وصغيرة ولا
يعترض عليها أحد، كما وجدت هدى تتعامل مع هذه المرأة كأنها أمها وهذا ما سبب الجرح
لتفيدة، جرح غائر؛ كيف تشعر ابنتها أن أي امرأة أخرى غيرها هي أمها؟ ألم تسافر
وتتغرب لكي توفر لها المال الذي تحتاج إليه ؟
تعرف تفيدة تماما ما يمكن أن يضايق امرأة،
لذا قررت أن تقوم بكل عمل من شأنه أن يضايق كوثر ويجعلها تكره حياتها في هذا
المنزل طوال فترة الأجازة، كما فكرت في إنهاء عملها بالخارج، ولكنها تراجعت عن هذه
الفكرة لأنها ستخسر مبالغ كبيرة تكسبها من عملها هناك.
منذ أن انتهت أجازة زواج كوثر- التي استمرت
ثلاثة أسابيع- وهي تذهب يوميا إلى عملها، هي تخاف جدا على عملها؛ فهي سكرتيرة
لمدير أحدى الإدارات الكبرى بالهيئة التي تعمل بها، وهو منصب تخاف عليه كل من تعمل
به لما تتمتع به من صلاحيات ومميزات. فكانت كوثر تهتم كثيرا بملابسها ومكياجها
وتسريحة الشعر والحذاء الذي تلبسه، مما كان يثير حمية برهان كثيرا ويجعله يختلق
المشاجرات معها.
وبعد أن جاءت تفيدة في أول أسبوع لها، في
حديث لها مع برهان
تفيدة : ايه يا برهان اللي انت اتجوزتها دي ؟
برهان: مالها يا تفيدة، أهي واحدة غلبانة ومالهاش حد وبتخدمنا
تفيدة (بمكر): عشان كده كل يوم الأحمر والأخضر اللي بتحطه في وشها، هو انت مش راجل
وتعرف تشكمها ولا ايه؟
برهان (باستغراب): طب ما انتي كمان بتحطي في وشك الأحمر والأخضر ايه
المشكلة؟
تفيدة : انت مش شايف مشكلة، هي خارجة تروح شغلها ولا تروح حفلة؟
برهان: طبيعة شغلها كده يا تفيدة، هي سكرتيرة ولازم تخلي بالها من منظرها وشكلها
تفيدة (بمكر وقد أتت إليها الفرصة سانحة): آه قولت لي بقى، طبعا لازم يبقى البيه المدير مبسوط
منها، وهي لازم تخلي بالها من مزاجه
برهان (بدأ تظهر عصبيته): قصدك ايه، مش فاهم؟
تفيدة (بفرحة تدرايها حتى لا ينتبه لها
أخوها): لا قصدي ولا حاجة، شوف انت بقى
انهت تفيدة حديثها مع برهان وهي تدرك جيدا
حساسية برهان وغيرته الشديدة العمياء، وتدرك أن ذلك قد يتسبب في إنهاء عمل كوثر
بمكانها الذي تعمل به، وقد يتسبب في طلاقها، لشعور برهان الدائم أن كل النساء
خائنات. وذلك –من وجهة نظرها- أول عقاب يجب أن تتلقاه كوثر لكي تعرف من هي سيدة
المنزل وصاحبة الكلمة الأولى والأخيرة به ومن هي المسيطرة على برهان. وبالفعل
استشاط برهان غضبا، وفي اليوم التالي ذهب إلى إدارة كوثر ووجدها عند المدير في
مكتبه لكتابة أوراق سرية خاصة بالعمل، علم بذلك من زميلتها في المكتب. وبالطبع لم
يصدق برهان ما قالته زميلة كوثر ودار في ذهنه ما قالته تفيدة، فلم يدرِ برهان
بنفسه إلا وهو يدفع بقوة باب مكتب المدير ويدلف إلى داخل المكتب ويسب المدير ويسب
كوثر بأحط الألفاظ وكاد أن يضرب رئيس كوثر. أدى ما قام به برهان إلى تحويله
للتحقيق معه بتهمة الاعتداء على رؤسائه والتهجم على موظفة حكومية أثناء تأدية
عملها، وأيضا صدر قرار بنقل كوثر إلى إدارة أخرى، غير هذه الإدارة.
في هذا اليوم كانت كوثر في أسوأ حالاتها
النفسية، كيف يقوم برهان بذلك؟ كيف يخطر بباله أنها تفعل شيء يغضب الله منها ويجعل
سيرتها على كل لسان؟ ولكنها سكتت وقررت أن تذهب لتزور والدتها وتتكلم معها عسى أن
تجد معها حلا لما تعانيه، أو تعرف سبب ما قام به برهان اليوم.
ومر اليوم، ولم تصل كوثر لأي شيء يدفع برهان
لذلك أو تصل لحلول غير الصبر. وعندما دخلت كوثر حجرتها وجدت تفيدة في الحجرة مع
بعض النساء من أقاربها وأصدقائها أمامها ملابس كوثر الخاصة بالمنزل وقمصان نومها
توزع منها على قريباتها، لم تتمالك كوثر نفسها مما رأت
كوثر (بعصبية ): انتي بتعملي ايه في أوضتي ودولابي؟
تفيدة (بفرحة تظهر على وجهها لمضايقتها كوثر): دا بيتي وبيت أبويا وكل حاجة فيه هنا ملكي أنا، أعمل
اللي يريحني
كوثر (وقد ازدادت عصبيتها): بس دي أوضتي أنا، ودا دولابي أنا واللي انتي بتعمليه
دا اسمه سرقة وبجاحة وقلة أدب
تفيدة (شعرت بالغضب لسب كوثر لها، فهي لم
تتوقع ذلك): أنتي نسيتي نفسك ولا ايه، انتي يا دوب
خدامة جابها اخويا تخدمه وتخدمنا كلنا، يعني مالكيش حاجة هنا، واحمدي ربنا اني
بسيبك تنامي في الأوضة مش في المطبخ. اطلعي بره
لم تشعر كوثر بنفسها بعد كلام تفيدة لها، إلا
وهي تصفعها على وجهها وتجرها من شعرها خارج الغرفة، وهنا جاء برهان، وذعر مما رآه.
لم يعرف كيف يتصرف غير أن يضرب كوثر فصرخت. جاء والد برهان على صوت الصراخ والسباب
المتبادل بين النساء؛ فوجد برهان يضرب كوثر وتفيدة تبكي وتقول أن كوثر أهانتها
أمام ضيوفها، وكوثر تقول أنها أهانتها. هنا تدخل حما كوثر ليسمع من كوثر ومن ابنته
ما حدث، وطلب من برهان أن يخرج مع كوثر ويحاول أن يثري عنها ما قامت به تفيدة، لم
يكن برهان قادرا على مواجهة تفيدة بخطئها في حق زوجته، أو لنقل أنه لم يشعر أنها
أخطأت في حق زوجته، فهو يرى أن تفيدة لا يمكن أن تخطئ أو أنه لا يجرؤ على أن يقول
لها ذلك، لأنها ستحرمه من هدايا السفر والسجائر المستوردة التي تحضرها له.
كورنيش النيل
برهان (بعصبية): يعني أنا أجيبك من أوضة المدير الصبح، وألاقيكي جايبة اختي من شعرها
دلوقتي، انتي جنس جبلتك ايه؟ ايه مفيش احساس؟!!!!
كوثر (غير مستوعبة لكلام برهان): انت بتقول ايه، اسمه مكتب المدير مش أوضته، انت مش
جايبني من شقة
برهان (بنفاد صبر): أنا مش ح استنى يا هانم لما الاقيكي في شقته
كوثر (بعصبية وقد احمر وجهها): انت انسان غريب، أول مرة أشوف حد فاقد الثقة بنفسه
للدرجة دي؟ لا وكمان أسهل حاجة عندك الخوض في الأعراض، طب افتكر اني مراتك، وبعدين
لو شايف اني واحدة من الشارع من أصله اتجوزتني ليه؟
كان يمر من أمامهم مجموعة من الشباب في منتصف
العشرينات، وعندما شاهدوا كوثر وهي مع برهان لم يخطر ببالهم أنها زوجته للفرق
بينهما من الناحية الشكلية. كوثر شابة في بداية العقد الثاني من عمرها تصغر برهان
بأربع سنوات، جميلة بيضاء البشرة ومع ما تضعه على وجهها من مساحيق التجميل تصبح
أكثر جمالا، طولها يعتبر ممتاز لسيدة ممشوقة القوام. أما برهان فلم يكن وسيما
نهائيا، كان أسمر البشرة، غير متناسق الملامح أنف كبير وفم غليظ مع وجه مستطيل،
حتى فرد شعره لم يعطه جمالا بل زاده نفورا.
أحد الشباب (بتهريج): هو القمر ماشي مع القرد ليه، من قلة الرجالة؟ احنا
موجودين يا قمر
برهان (بعصبية لطم كوثر على وجهها): انتي تعرفيه منين يا هانم؟
كوثر (تبكي): انت انسان مش طبيعي
برهان (بعصبية وهو يكمل ضربها): انتي طالق واخذ يرددها بعصبيه وهو فاقد السيطرة علي
نفسه
خلص المارة كوثر من برهان، وقد أراد بعضهم
منها أن تحرر له محضرا بالواقعة، ولكن كان المهم لدى كوثر في هذا الوقت أن ترتمي
في حضن والدتها وتبكي، فقط تبكي.
لقد شعرت كوثر بالخطأ الكبير الذي ارتكبته في
حق نفسها عندما وافقت على برهان وهي تعرف سيرته وسمعته في العمل، ادركت أنها أخطأت
عندما أرادت فقط أن تتزوج ولا يهم من الزوج، وها هي تدفع ثمن هذا الخطأ الآن، في
عملها وفي حياتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق