السبت، 31 يناير 2015

ضياع (الفصل العاشر: حكايات البنات 1)


القاهرة الآن
بعد أن قصت كوثر على فارس ورضا ما حدث في الطلقة الثانية لها، سألت نفسها لما عادت لبرهان بعد هذه الطلقة خاصة وأنها ليست المرة الأولى التي يفعل فيها برهان ذلك، وليست المرة الأولى التي يوجه لها إهانة أمام المارة في الشارع أو أمام زملائها وزميلاتها في العمل. وقالت في نفسها أنها لم يكن أمامها خيار آخر، في مجتمع يسيء الظن بالمطلقة ويظل طلاقها سُبة في وجهها ووجه بناتها، إنه نفس المجتمع الذي يكرم الرجل لأنه يعرف الكثيرات ويباهي بعلاقاته المتعددة على زوجته، في مجتمع يهين البنت لأنها ابنة لمطلقة أو أرملة –كأنه ذنب عليها تكفيره –فكيف في هذه الظروف أن ترفض العودة لبرهان والصبر على بخله وعدم اكتراثه بأحد سوى نفسه فقط لكي تحافظ على لقب زوجة وتحارب بكل ما أوتيت من طاقة حتى لا تكون مطلقة.
عادت البنات إلى بيت أمهن وسلمن عليها، وبالطبع وكعادة كل الأمهات وغير الأمهات المصريات البكاء عند الفرح بلقاء الغائب، وخاصة الحفيدات. قصت عليهن كوثر كل ما كان من برهان وإهانته المستمرة لها والقضايا التي بدأت في السير فيها ضدهن، وكيف كان يحارب كوثر بكل قوته حتى يطردها في الشارع ولا تجد في سنها هذا مكان يؤويها. واتفقت البنات على توكيل نفس المحامي الذي وكلته كوثر لمتابعة القضايا التي رفعها برهان على بناته وبالفعل قمن بعمل التوكيل للمحامي وأصبح هو المسئول عن كافة الإجراءات القانونية وهن يرسلن إليه أتعابه من الدول التي يقمن بها.
حاول البنات إقناع كوثر بمطالبة برهان بكافة مستحقاتها المالية لديه؛ فهو على الرغم من أنه الآن مر على خروجه للمعاش أكثر من خمس سنوات إلا أنه لديه من "تحويشة عمره" ما يكفيه ويكفي الانفاق على كوثر وحصولها على كافة حقوقها ومستحقاتها، فهي الآن محالة للمعاش ومعاشها بالكاد يكفيها لتأكل وتشرب ولا يكفي باقي النفقات الشهرية الطبيعية لأي بيت، إلا أنها كانت لا تريد أي شيء يكون له صلة ببرهان ولا حتى مستحقاتها المالية، يكفيها أنها الآن لا تربطها به صلة. الآن أصبح أسوأ كوابيسها سابقا هو فرحتها، حصلت الآن على لقب مطلقة، ولا تخشى أحدا ولا حتى على بناتها، بعد أن تأكدت أن المجتمع الذي لا يرحم النساء فيه إذا طلقن لا يرحمهن إذا لم يطالبن بحقهن في العيش الكريم مع أزواجهن وبالتالي فلا يهم كيف ينظر لها المجتمع ولا حتى لبناتها لسبب بسيط هو أنهن تركن هذا المجتمع بغير رجعة لا يربطهن به سوى أهلن تأتين في زيارة ثم تسافرن مرة أخرى.
"أه يا كوثر ستسافرين لبناتك وحفيداتك، وأنتي مطلقة، ما أحلى هذا اللقب وما يعطيه من شعور بالحرية" هكذا كانت كوثر تحدث نفسها وهي تعد لبناتها وحفيداتها الطعام الذي يحببنه كثيرا، وقد اطمأن قلبها على بناتها وأزواجهن وعلى حياتهن ومستقبلهن الذي اخترنه بعيدًا عن هذه القرية الظالم أهلها.
أما البنات فبعد السلامات والقبلات الحارة، وترتيب كيفية العيش مع كوثر في غرف المنزل، ذهبن مع أمهن لتحضير الغداء، ثم بعد ذلك تناول الجميع الغداء ونامت الحفيدات وجلس الجميع لشرب الشاي والحديث عن الأحوال الحالية لكل منهم والعمل وغيره من احاديث السمر، ثم استأذن الأزواج للخروج لزيارة الأصدقاء القدامى على أن يعودوا مساءً لترتيب الزيارات العائلية.
وجلست البنات مع أمهن لحديث الحب والأشواق الدائمة بين الأم وبناتها، كان الجميع يفتقد هذه الجلسة الصافية والتجمع معا منذ فترة طويلة فلم يتجمعن منذ سفرهن معا إلا مرات قليلة وأحيانا لم تكن في القاهرة، بل كانت عند احدى البنات. تذكرن المشاكل الطفولية البريئة التي كانت تحدث بينهن وضحكن عليها كثيرا، فيا ليت مشاكل الطفولة لم تكبر معهن كما كبرن بل زادت عليها مشاكل الأبناء.
وتذكروا أيضا برهان وكيف كان يرى أن كل ما وصلن إليه من حقه هو، فهو من أنفق عليهن في المدارس والجامعات وساعدهن على الحصول على عمل، وبذلك فإن كل دخلهن حق له وهو يتنازل عنه لهن ولا يطالبهن بإعطائه راتبهن، أما كوثر فمن وجهة نظره أنها في وظيفة تحقق لها دخل طائل هو المتسبب فيه. وبالتالي من وجهة نظره أن هذا الوقت هو وقت حصوله على حقه منهن بقضية النفقة.
وطلبت منهن إيمان أن ينسوا المشاكل ولو لليلة واحدة ويفرحوا بتجمعهن معا منذ فترة طويلة وشغلت لوالدتها معشوقتها صباح في أغنيتها "ساعات ساعات"
ساعــــــــــــــــــات ساعـــــــــــــــــــات ساعــــــــــــــــــات ساعـــــــــــــــــــات
أحــــــــب عمرى وأعشـــــــق الحاجات
وساعــــــــــــــــــات ساعـــــــــــــــــات ساعــــــــــــــــــات ساعـــــــــــــــــــات
أحــــــــب عمرى وأعشـــــــق الحاجات
أحب كل الناس وأتملى احساس  أحب كل الناس وأتملى احساس
وأحس جوايا بميت نغــــــــــــم          ميت نغــــم يملو السكــــــــــات
ساعات ساعات ..
وساعــــــــــــــــــات ساعـــــــــــــــــات ساعــــــــــــــــــات ساعـــــــــــــــــــات
أحــــــــب عمرى وأعشـــــــق الحاجات
آآآآآآآه آآآآآآآآآآآآآآآآآآه
وساعات ساعات..
أحس أد ايــــــــــــــــــــــــــــــــه وحيدة       وأد ايه الكلمة فى لسانى ماهيش جديدة
أحس أد ايــــــــــــــــــــــــــــــــه وحيدة        وأد ايه الكلمة فى لسانى ماهيش جديدة
وأد ايه مانيش سعيدة                    مانيش سعـــــــــــيدة
وان النـــــــــــــــجوم                   النجوم بعيـــــــــــــدة
وتقيلة خطوة الزمن                     تقيلة دقة الساعات
ساعات ساعات ..
وساعــــــــــــــــــات ساعـــــــــــــــــات                 ساعــــــــــــــــــات ساعـــــــــــــــــــات
أحــــــــب عمرى وأعشـــــــق الحاجات
آآآآآآآه آآآآآآآآآآآآآآآآآآه
وساعات ساعات..
أضحك وألعب زى عصفورة ربيــــــع               زى النسيــــــــــــم
زى النسيم ما يعدى وفى لحظة يضيع                أضيـــــــــــــــــــع
أفرح أوى ..                                           وأضحك أوى أوى..
وأحب عمرى وأعشق اليوم اللى فات
ساعات ساعات ..
وساعــــــــــــــــــات ساعـــــــــــــــــات            ساعــــــــــــــــــات ساعـــــــــــــــــــات
أحــــــــب عمرى وأعشـــــــق الحاجات
آآآآآآآه آآآآآآآآآآآآآآآآآآه
وساعات ساعات..
غريبـــــــــــــــة..         وغريبـــــــــــــة
نفس اللى بيفرحنى ما يفرحنى
وغريبة
نفس اللى بيريحنى ما يريحنى
وأحس ان عمرى فـــــــــــــــــــــــــــــات         من غير ما أحب عمرى وأعشق الحاجات
وأحس ان عمرى فـــــــــــــــــــــــــــــات              من غير ما أحب عمرى وأعشق الحاجات
كدا ساعات             وكدا ساعات
آآآآآآآآآآآآآآآآآه
وغريبة غريبة                     دقة الزمن..
وغريبة غريبة                    لعبة الساعات..
غريبة غريبة..                   لعبة الساعات
ساعات ساعات..
وساعــــــــــــــــــات ساعـــــــــــــــــات                 ساعــــــــــــــــــات ساعـــــــــــــــــــات
أحــــــــب عمرى وأعشـــــــق الحاجات
آآآآآآآآه آآآآآآآآآآآآه
أحب كل الناس وأتملى احساس                  وأحس جوايا بميت نغــــــــــــم
ميت نغــــم يملو السكــــــــــات                   ساعات ساعات ..
ساعــــــــــــــــــات ساعـــــــــــــــــــات          ساعــــــــــــــــــات ساعـــــــــــــــــــات
أحــــــــب عمرى وأعشـــــــق الحاجات
آآآآآآآآه آآآآآآآآآآآآه
شرد الجميع في الأغنية وكلماتها كم هي غريبة فعلا تلك الحياة التي تقلبهم بين السعادة والحزن والشقاء، وكأنها مرت بهم مثل ساعات قصيرة، وتذكرت رضا – ولا تعلم لماذا- وقت أن تاهت من والديها في الإسكندرية وقت أن كانت طفلة صغيرة بعد ولادة إيمان بشهر تقريبا
رضا : فاكرة يا أمي لما تهت في اسكندرية؟ يااااااااااااااه كان يوم صعب قوي
كوثر: أيوة طبعا، هو دا يتنسي، اتشغلت يومها شوية بإيمان كانت لسه بيبي مولودة يا دوب شهر تقريبا، وكانت رحلة يوم واحد وراجعين منها ساعتها قلت خروجة تغيروا جو انتي وأختك وأفوق شوية أنا كمان، خصوصا ان برهان كان فرحان جدا بيها ودي من الحاجات النادرة اللي بيتبسط فيها انه خارج معانا كلنا
هادية: أنا ساعات بحس ان بابا دا طيب جدا وحنين جدا، بس في لحظة بيقلب تاني ويبقى على النقيض جامد جدا وقاسي قوي لدرجة اني ساعات بحس أنه لا يمكن يكون أبونا
كوثر: برهان شاف كتير وتعب كتير بس مفهومه عن الحب لأولاده للأسف مش موجود في قاموس حياته
رضا: أنا اتكلمت معاه قبل كده انه ليه مش بيحبنا، زعل يومها قوي وقالي ان الحب مش كلمة تتقال ، الحب يتحس من التصرفات ومن خوف اللي قدامك عليك، وهو بيخاف علينا قوي ودا بيخليه عصبي ولازم يشد علينا ويضربنا عشان احنا بنات
كوثر: هي دي المشكلة، انكم بنات، من يوم ما ولدت رضا وطلعت بنت وبعدها هادية وإيمان وهو بيعايرني ان خلفتي بنات، عارفين أنا فكرت أجوزه واحدة تانية يمكن تجيب له الولد اللي نفسه فيه بس لو اتجوز والولد ما جاش وجاب بنات ساعتها مصيركم انتم وانا ح يبقى ايه ولو جاب الولد ح يعمل فينا ايه؟ كل دي أسئلة دارت في راسي كتير وما كنتش لاقية ليها إجابة
رضا: بابا كان بيتبسط لما كنت بتصرف زي الولاد، بس للأسف برضه كان متردد يفرح بدا ولا يخاف منه، هو ليه يا أمي بابا طول عمره متردد كده ومش بياخد قرارات بسرعة وعلى طول بيدور على حد يشيل مسئولية قراراته؟
كوثر: أنا ما أعرفش حاجات كتير عن حياة أبوكي قبل الجواز، بس من ساعة ما عرفته وهو كده، حتى في شغله مش بياخد قرارات إلا لما يكون غيره مسئول عنها حتى انه يمضي على اي ورقة بيكون خايف من الامضا عليها
هادية: بصراحة حتى جوازنا ما أخدش فيه قرار، احنا اللي أخدنا القرار وبقينا مسئولين عنه، لو كان اخد قرار ما كنش فيه خطوبات حصلت وما كملتش ولا كان حد فينا اتجرح
إيمان: عندك حق يا هادية، بابا بسبب تردده علمنا ازاي نكون مسئولين عن نفسنا وعن قرارتنا
هادية: فاكرة يا رضا لما كنتي ح تغرقي وفضلتي تندهي على بابا وهو يقولك عومي وتعالي وهو عارف انك مش بتعرفي تعومي
رضا: طبعا فاكرة مواقف كتير حصلت أكدت لي اني لازم اعتمد على نفسي، بصراحة كتير بحس اني يتيمة وأبويا عايش على وش الدنيا. بس الحمد لله ربنا عوضنا احنا التلاتة باجوازنا ربنا يخليهم لينا ويخلي لنا ست الكل
شردت كوثر في كلام البنات حول عدم مسئولية برهان وتردده المستمر ولم يخطئن فهو فعلا دائم التردد والتهرب من المسئولية مهما كانت صغيرة، هذا هو برهان الذي عرفته، وتحتفل الآن بانفصالها عنه، ولكن بعد أن نتج عن هذه الغلطة التي استمرت أكثر من 35 سنة ثلاث بنات وأربع حفيدات هن كل حياتها الآن.

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...