الأربعاء، 29 أبريل 2015

المتمردة- الفصل الثامن

عندما كان يذهب محمد للنادي، لاحظ أن هناك سيدة تجلس دائما وحيدة شاردة، تحتسي القهوة ثم تذهب للجري. كان يراقبها دون أن تعرف ذلك، سأل عنها وعلم أن اسمها زهرة، وأنها متزوجة ولكنها نادرا ما تأتي مع زوجها؛ نظرا لانشغاله الدائم. كان يرى في تصرفاتها الحزن والاكتئاب، كان يشعر أنها تعاني من أزمة ما ولكنه لم يعرف تلك الأزمة.
حاول أن يتتبع أي من معارفها حتى وجد بعض الفتيات من طالباتها، كن مشتركات في نفس النادي، عرف منهن البريد الالكتروني الخاص بها، ومنهن عرف الاسم الخاص بها على شبكات التواصل الاجتماعي.
ولكنه لاحظ اسم زهرة الياسمين مشترك في نفس المجموعة التي تشترك بها زهرة، ولا يعلم لما شعر أنها هي زهرة، ولكنه تأكد من شعوره مع أول مشاركة من زهرة، بل علم ما تعاني منه. لقد شعر بالخوف عليها لما يمكن أن يحدث لها وتتعرض له من صدمات على شبكات التواصل بسبب تعليق مثل ذلك الذي كتبته؛ لذا أرسل لها على البريد الخاص بها تلك الرسالة التي ساعدتها على الوصول لقرار لإنهاء مأساتها، ومساعدتها على أن تجد نفسها.
حزن كثيرا عندما علم خبر فقدانها لحملها ولطلاقها، ولكنه كان يعلم أن طلاقها كان لابد منه، إنها أنثى عنيدة تحمل من الكبرياء ما يمنعها من تقبل الخيانة، كان يعلم أن سبب شقاء زهرة ليس زواج عادل ولكنه جرحها في أنوثتها. من حديثه معها على أنه ساقي الورد، علم محمد أن عادل يهجرها كثيرا، كان يقدم الكثير من النصائح، ولا يحاول أن يتكلم معها مباشرة في ذلك الموضوع ولكن كان يحب أن يتركها تتحدث كما تريد.
كان محمد يشعر بتمرد الأنثى داخل زهرة؛ حتى قبل أن تشعر هي بذلك التمرد. ورغم أن محمد كان يعرف زهرة في الواقع، لكنه لم يحاول أبدا أن يقول لها ذلك. كان يرى أنها تتحدث معه على أنه أب لها، وارتاح لذلك الشعور منها، فهو يعرف أن زهرة كانت تفتقد والدها بشدة؛ لذا وجد أن مكانة الأب الذي وضعته فيه زهرة أفضل وتساعده أكثر على مساعدتها.
وعندما وجد المضايقات التي كانت تتعرض لها بعد الطلاق، ساعدها على الذهاب لطبيب نفسي لأنه –بخبرة الطبيب –علم حالة الاكتئاب التي تمر بها وما يمكن أن تسببه لها من آثار سيئة؛ لذا اقترح عليها الذهاب لطبيب نفسي، ولكنه تهرب من ارشادها لأي طبيب ليجعلها تختار لنفسها ما تريده.
لم يحاول محمد مطلقا التقرب من زهرة في النادي، أو حتى الحديث معها. كان يحب أن يراقبها من بعيد ويعرف حالتها، وكان ذلك يشعره بالسعادة الغامرة. في البداية، كان يتعامل مع زهرة أنها مريضة تحتاج لعلاج، ولكن بعد ذلك أصبحت حبيبة. كان حديثهما في كل شيء علم خلاله ثقافتها واطلاعها، وساعدها على التعرف على نفسها.
بدأ حب زهرة يتسلل لقلبه رويدا رويدا حتى أصبح يملأ عليه حياته، ولكنه كان يشعر أن هذا الحب خيانة لحبيبة أخرى توفت وهي تلد له ولده.
كانت الندوة التي عقدها النادي عن رواية "قواعد العشق" سبب تعرف زهرة عليه، لقد أحبت أن تشاركه آرائه حول الرواية، وذهبت له للتحدث عن الرواية، وما كان يستطيع أن يرفض الحديث معها. كيف يرفض أن يتحدث معها وقلبه يرقص فرحا عندما يرى طيفها، كيف يرفض أن يتكلم معها في أول مرة يكون لقائهما مباشرا؟! كم أحبها، وكم شعر بالذنب لذلك الحب!
ندم محمد كثيرا عندما كلم زهرة باسمها الحقيقي عندما كان يحدثها، بصفته ساقي الورد، ولكن تدارك ذلك الموقف، وصدقته زهرة.
عندما توالت لقاءاته مع زهرة، كان يشعر أنها تتوغل داخل نفسه دون أن يشعر، كم أراد أن يقول لها أنه ساقي الورد، ولكنه كان يتراجع في كل مرة. ولأنه يثق في ذكاء زهرة، أعطاها رقم المحمول الخاص به، كي تعلم زهرة من هو في أول اتصال معه. أعطاها محمد الرقم في آخر لقاء لهما في النادي، ولكنه ندم أن تعرف زهرة من هو بتلك الطريقة، كان يخاف رد فعلها وأثناء انشغاله بالتفكير في زهرة لم يلحظ تلك الحفرة ووقع فيها.
عندما كلمته زهرة في المحمول شعر بلهفة صوتها عليه، ولأول مرة وجد عينها تلمع بحبه عندما ذهبت له في المستشفى. كان سيعترف بحبه لها في الهاتف، ولكنه قرر أن يؤجل هذا الاعتراف قليلا، وتراجع في آخر لحظة. لم يعرف ماذا يقول عندما لاحظت زهرة أن صوته مثل صوت ساقي الورد. ومنذ أن كسرت ساقه، لم يستخدم الانترنت. لقد كان الألم والأدوية سببا في كثرة نومه في الأيام الأولى من الكسر، بعدها كان تأنيب الضمير لحبها الذي أصبح يسري في دمه، إلى أن وجد اتصالها فلم يعرف كيف يتحدث معها، كيف يقول لها أنه ساقي الورد وأنه يحبها، وكيف يتلافى خجلها وغضبها لأنها اعترفت بحبها له قبل أن يفعل هو ذلك. لذا قرر أن ساقي الورد لابد أن يختفي فترة من الزمن؛ حتى يصارحها بحبه ثم يعترف لها أنه ساقي الورد.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...