أحب عادل زهرة منذ أن رآها أول مرة في المدرسة عندما التحقت بها للعمل
كمدرسة لمادة الفلسفة. أحب منها خجلها وحيائها الذي عز أن يوجد في فتاة في هذا
الزمن –وهو أيضا ما كرهه منها بعد الزواج –أحب فيها طيبتها وطاعتها لوالدتها وبعد
ذلك طاعتها له.
مازال يحبها من كل قلبه ولكنه في النهاية رجل، رجل يريد أن يتمتع بزوجته
ويشعر معها بفحولته، إلا أنها ومنذ أول يوم وأول مرة يلتقيها كزوجة له كانت خجولة
وشديدة الحياء. إنه مازال يذكر كيف عانى معها أسبوع كامل حتى اقتنعت أنها يجب أن
تخلع الحجاب أمامه، لأنه زوجها وأن ترتدي ملابس النوم التي في دولاب ملابسها
أمامه، لقد كانت تبكي دائما خاصة عندما طلب منها أول مرة حقه الشرعي كزوج لها. في
البداية لم تفهم ماذا يقصد وبعدما وجدها لا تفهم وبدأ يشرح لها كانت تبكي، ولجأ
لوالدتها وحكى لها ما كان حتى استطاعت بما يشبه المعجزة أن تقنعها أنه زوجها وأن
له عليها حقوق وعليها الطاعة في كل ما يقول.
بعد ذلك وعندما لمسها أول مرة كانت مثل الحجر لا تتحرك، حتى عندما
تألمت عندما فارقت عهد العذرية ودخلت عالم النساء لم يسمع منها صرخة أو تألم ولكنه
لمح في عيونها الدموع التي سالت دون أن تصدر أي شيء أو تعلن عنه.
لقد احتضنها بشدة حتى تهدأ، لامها لأنها لم تخبره بألمها ولكنه رغم
حبه لها وخوفه عليها لم يشعر أنه أرتوى منها أو أنه شبع، لاطفها حتى سكنت وبدأ
معها من جديد لم تبد أي رد فعل ولكنه هذه المرة لم يستطع التحكم بنفسه حتى أنهى ما
بدأه ولكنه وجدها قد أغشي عليها. منذ ذلك الوقت وهو يخاف لمسها ولكنه عندما كان
يحاول كان رد فعلها دائما لا شيء.
لم يفهم هو سبب ذلك، ولكنه أراح عقله من عناء التفكير واعتقد أنها كما
يطلق على النساء التي لا تشعر "باردة الاحساس". لم يستطع عادل أن يخونها
ولكنه أيضا كره خجلها وحيائها الذي منعها منه ومنعه عنها، الحياء جيد في الانثى
ولكنه ككل شيء إذا زاد عن حده أصبح شيء كريه.
تذكر عادل القسم الذي أقسمه لوالدتها وهي تحتضر بأن يراعي زهرة ولا
يجعلها تحتاج لبشر وأن يكون مسئول عنها، وبذلك أزاح فكرة طلاقها من تفكيره. كما
أنه مازال يحبها، فهي لا تقول له لا على أي شيء، وكل ما يقوله لها بمثابة أمر غير
مكتوب تنفذه كما هو. ولكن عادل يشعر أن زهرة لا تحبه كما يحبها فهي لا تبادله نفس
المشاعر، إن الحب دائما ما يعلن عن نفسه إذا أحببت شخصا فضحتك نظراتك وآهاتك،
فضحتك عيناك كلما رأيته أو مر أمامك بلمعانها وعدم قدرتها على مفارقة من تحب؛ لم
ير من زهرة أي من ذلك لم يشعر يوما أنها تحبه أو تتلهف على لقائه.
ولكي يثبت أن ما يشعر به حقيقة، بعد شهر واحد من الزواج قرر أن يبدأ
الدروس والمجموعات وأخبرها بذلك ولم تعترض، أخبرها أنه سيقضي معظم يومه خارج
المنزل لم تعترض، حتى عندما بدأ يغيب عن المنزل ولا يعود سوى على وقت النوم لم
تعترض، انتظر أن تظهر منها أية إشارة على لهفتها عليه ليكون بجانبها، كان يعود
ويجدها في كامل زينتها نائمة لا شيء في رجوعه متأخرا، لا شيء تشعر به من هجره لها
بمدد تصل لما يقرب من الشهر.
كانت هذه الحقيقة التي توصل لها عادل، أنه لا وجود له في حياة حبيبته،
شعر أنه تسرع في الخطبة والزواج وأنه كان يجب أن يعرف حقيقة مشاعرها ولكن لا وقت
للندم الآن.
بدأ عادل دوامة الدروس والمجموعات ليهرب من واقعه المرير، وحياته التي
أساء فيها الاختيار وأحب فيها قلبه من لا تستحق الحب ولكنه القدر. ومنذ عامين تعرف
على والدة احدى الطالبات شابة أرملة ولكنها صغيرة السن كانت آنذاك في التاسعة
والعشرين من عمرها وكان هو في الثلاثين من عمره، والحقيقة أنه تعجب أن تكون أم
احدى طالبات الثانوي في هذا السن.
تعرف عليها أثناء قدومه لإعطاء ابنتها الدرس، اسمها ندى تزوجت وهي في
سن الخامسة عشر من ابن عمها –هكذا كانت تقاليد عائلتها –ولكنه توفي فجأة بسكتة
قلبية أودت بحياته وهي في العشرين من عمرها، وترك لها ابنة وحيدة هي ضحى.
كانت ضحى عندما تعرف عليها وعلى والدتها في الصف الأول الثانوي، وهي
الآن في الصف الثالث الثانوي، عامان مرا على تعرفه على ندى وعام ونصف العام على
زواجه منها، هي الآن تحمل في أحشائها أول طفل يرى النور يحمل اسم عادل.
كم كان عادل سعيدا عندما علم خبر حملها، رغم أنه هو من طلب من زهرة
عدم الانجاب، كان ينتظر أن ترفض أن تعترض ولكنها كما عرفها لا رأي لها في أي شيء.
كان عادل ينتظر من زهرة أن يكون لها رأي وقرار في أي شيء يخص حياتها
أو يخص حياتهما معا ولكنها لم تحاول أبدا أن تأخذ هذه الخطوة، حتى ألوان ملابسها
وذوقها كانت في البداية من اختيار والدتها ثم أصبحت من اختياره هو.
كان عادل كثير التعجب من عدم ملاحظته أن زهرة لا شخصية لها، فهي تابعة
لأي شخص يقود زمام حياتها -كانت أمها ومن بعدها هو-ولكنه تعجب من اخفائه خبر زواجه
عليها؛ فهو يعلم أنها لن يكون لها رأي حتى لو آلمها ذلك، لن تصرح وستكتفي بالبكاء
الصامت الذي عهدها عليه منذ أول مرة لمسها فيها.
هذه هي زهرة التي يعرفها، تفني نفسها في خدمة من يعولها، نعم من
يعولها وليس من تحب؛ ففي رأي عادل أنها لم تحبه هي تزوجته –وهناك فارق كبير بينهما
–ولكنه لا يعلم حقا هل كانت تحب والدتها، أم أنها كانت تفني نفسها في خدمتها لأنها
هي من كانت تعولها بعد وفاة والدها؟ لم يعرف الإجابة؛ فزهرة كتومة لأقصى درجات
الكتمان، لا يعرف أحد ما يجول بخاطرها ولا ما بداخلها، وهو لا يعلم إن كانت حزنت
بالفعل على والدتها، أم أنها لم تشعر بفارقها.
هي تفني نفسها في خدمته وخدمة والدته –التي أصر هو أن تعيش معهم بعد
زواج أخيه الصغير في شقة والده- وأصر أنه بما أنه أكبر أخوته أن تكون في رعايته.
وبالطبع عندما أصبح يقضي معظم يومه خارج المنزل أصبحت زهرة هي المسئولة عنها، وعن
رعايتها وحتى ذهابها للطبيب، ومواعيد الأدوية مسئولية زهرة وهو لا يعلم عنها شيئا.
انتظر كثيرا أن تعترض زهرة أو تتذمر ولكنها لم تفعل أي منهما.
يعلم عادل كم تحب والدته زهرة، وكم عاتبته وتألمت عندما تزوج من ندى،
حتى أنها رفضت أن تراها. وكم كانت ساخطة عليه عندما علمت حمل ندى رغم رفضه حمل
زهرة. شعر عادل أن والدته لا تفهمه ولا تفهم ما يشعر به كرجل، ربما لو كان والده
على قيد الحياة لشعر بما يشعر هو به ورحب بزيجته الثانية وباركها.
كان عادل يشعر أن ندى على النقيض في كل شيء من زهرة، فندى انثى كما
يجب أن تكون الانثى –هكذا كان يراها عادل –فهي تهتم بنفسها إلى أقصى درجة وتعتمد
على نفسها في كل شيء كثيرا ما تعترض على قراراته بل وتناقشه فيها لتقنعه برأيها
هي.
حتى عندما طلب منها عدم الانجاب طاوعته في السنة الأولى لاقتناعها أن
كل منهم لابد أن يعطي نفسه فرصة التعرف على الطرف الآخر ولكن عندما اطمأنت إليه
وإلى حبه لها وحبها له أصرت أن يكون لها طفل منه –وكم كان يتمنى أن يرى ذلك
الإصرار من زهرة-وفي النهاية استجاب لها وفعلا حدث الحمل.
بعد زواج عادل اعتذر عن المجموعات وبعض الدروس وأبقى على مجموعة من
الدروس التي تساعده على أن يفتح بيتان على نفس المستوى من الرفاهية وكان طلب ندى
أن يقضي معها الليل حتى الساعة الثانية عشرة ليلا ثم ينام إذا أراد مع زهرة
واستجاب لها عادل.
كان يشعر أنه كالمنوم مغنطيسيا مع ندى، يلبي لها كافة طلباتها. وكيف
لا يفعل وهو يشعر معها أنه رجل كامل الرجولة. كم كانت تسعده آهاتها وهي معه
وعنادها لكلامه ومناقشته في كل قرار يأخذه. كان كثيرا ما يقارن ذلك مع زهرة
وتصرفاتها ويجد أن المقارنة تذهب في صالح ندى، كان ما يقلق عادل في تلك الفترة،
وبعد حمل ندى، إصرار ندى على أن تعلم زوجته الأولى بأمر زواجه الثاني وحمل الزوجة
الثانية.
وكان قلقا من وقع ذلك الخبر على زهرة، فرغم أنه يكره منها طاعتها
العمياء وبرودتها معه، هو يحبها بل ويعشقها ويخشى جرحها. كم كان يحتار في نفسه كيف
يحب ندى وزهرة لاختلافهما وكيف يحب من زهرة ما يكرهه فيها، ولكن كما قالت والدته
أيضا من حقها أن تعرف أنه تزوج ولكن كيف سيفعلها؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق