استيقظت زهرة من نومها، وشعرت أنها أصبحت أفضل حالا. فتحت هاتفها
الجديد واتصلت بعلياء لتعرف أخبار المدرسة وقبول أجازتها
زهرة: ازيك يا علياء
عاملة ايه؟
علياء: الحمد لله يا
زهرة، انتي عاملة ايه دلوقتي. مالك كنتي حاسة بإيه؟
زهرة: مفيش شوية مغص
والدكتورة قالت لي لازم راحة ورايحة لها بالليل، هي الأجازة اتوافق عليها؟
علياء: ألف سلامة
عليكي وخلي بالك من نفسك يا زهرة واسمعي كلامها وريحي، ما تقلقيش من الأجازة، خلاص
اتقبلت، على فكرة في حاجة غريبة حصلت النهاردة
زهرة: خير؟
علياء: جوزك سأل
عليكي النهاردة، وبيكلمك موبايلك مقفول. هو عادل ما يعرفش النمرة الجديدة ولا ايه؟
زهرة: تلاقيه نسيها
كالعادة، أصلي نزلت عشان آجي المدرسة، وبعد كده تعبت وأنا سايقة؛ فاستنيت في
العربية شوية لغاية لما هديت، وبعدها كلمتك وكلمت الدكتورة
علياء: ماشي يا حبيبتي، أسيبك تستريحي وخلي بالك من نفسك ولو فيه جديد ح
أكلمك
زهرة: متشكرة يا علياء، سلام
على الرغم من قرب علياء لزهرة، إلا أنها لم تسمح لأي شخص بالقرب من
حياتها الشخصية أو أن يعرف عنها أي شيء. كانت زمالة العمل حدودها العمل وفقط العمل
لا أكثر، لذا لم يكن لديها ما تقوله لعلياء، ولكن زهرة في ذلك الوقت كانت تحتاج أن
تتكلم وتتكلم دون أن يقاطعها أحد. أرادت أن تخرج ما في داخلها لتتخلص منه دون
مقاطعة، أن تتكلم فقط
أمسكت جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بها، وفتحت حسابها الجديد على
الفيسبوك. منذ أن علمت بعلاقته الجديدة قررت أن تنشئ لها حسابا جديدا تتحدث من
خلاله لتقول ما داخلها دون خجل، ودون أن يعرفها أحد. كان اسمها في حسابها زهرة
الياسمين –كان هذا الاسم هو المفضل لها، والذي كان يناديها به والدها. وبعد أن
دخلت على مجموعة نساء حائرات وكتبت تعليقها
" أول مرة أشارك في حياتي في موضوع منشور ولكني عندي
نفس المشكلة وقررت أن أرد على الخيانة بالخيانة، انتظر أرائككم"
وجدت العديد من المعاكسات على البريد الوارد، ولكن استوقفتها رسالة من
ساقي الورد رد عليها "يا زهرة
الياسمين، إن كان قد تزوج فهو لم يخن وإن كان قد خان فخيانتك له انتقاص من قدرك
أنت وليس قدره، فكري يا بنيتي جيدا فأنت من سيقع عليه اللوم وأنت من سيخسر في
النهاية، ستخسرين نفسك. إن لم تقدري على التحمل فاطلبي منه الطلاق، وإلا فاصبري
واحتملي"
كانت رسالته لها وميض ضوء، لقد أعطاها الحل، نعم ستطلب الطلاق منه ولكن
بعد أن تحمل منه ليكون لها طفل ترعاه. كم اشتاقت أن يكون لها طفل منذ أول يوم
تزوجت فيه، كم اشتاقت لتسمع كلمة أمي من وليدها، ولكنه عادل –هو بعد أول أسبوع في
زواجهما –طلب منها أن تذهب إلى الطبيب لتؤجل الانجاب فترة من الزمن؛ كي يستعد كلا
منهما لقدوم طفل لحياتهما، لم تعترض ولم تتذمر. بالرغم من شعورها أنه لا يحبها،
وأنها يجب أن تنجب، فضلت أن تنصاع لرغبته دون جدال. رغم ألمها انصاعت، ولم تنجب
طيلة سنوات زواجها الماضية. ولكن بعد أن عرف امرأة أخرى؛ فرأت زهرة أن من حقها أن
تنجب وليفعل ما يريد، ولكن سيكون لها ولدها.
وبالفعل حملت بعد مرور أقل من شهر على ذهابها للطبيب ليزيل وسيلة منع
الحمل، ويعطيها بعض الأدوية التي تساعدها على سرعة الانجاب، وحملت في جنينها
الحالي. رفضت أن تخبر أي شخص بحملها؛ كي لا يعلم عادل بحملها ويجبرها على إجهاضه،
ولكنها تعلم يقينا أنها لم تكن لتطيعه هذه المرة. لقد جرحها عادل في كبريائها
كأنثى وجرحها كزوجة، لقد اعتاد جرحها وهي اعتادت أن تتألم في صمت، اعتادت أن تعطي
الحب والمودة وتتفانى في خدمة الجميع، حتى لو لم يقدروا هم ذلك، هكذا علمتها
والدتها، كونها أنثى يعني أن عليها أن تكون تابعا ينصاع لرغبات من يتبعه، فهذا
قدرها وإن لم ترض به.
لم يكن عطائها ضعفا، بل كان ما علمها والدها إياه. لقد علمها أن
العطاء هو من يصنع الانسان ويعينه على حياته، ولكنها لم تجد من يقدر هذا العطاء،
بل قابله زوجها بالجحود. لقد جحدها حقها في الزوج والحب والأطفال ولم يقدر ما
أعطته إياه.
استاءت زهرة من العطاء المفرط الذي بذلته لمن لم يستحقه، ولكن ماذا
كان عساها أن تفعل ليشعر بها ويشعر بوجودها في حياته؟ لقد فكرت أن تطلب الطلاق منذ
أول يوم علمت فيه بحملها، ولكن منعها ما وجدته من ردود أفعال على صفحتها على الفيسبوك.
لقد غيرت حالتها الاجتماعية من متزوجة لمطلقة، وجدت بعده آلاف من
طلبات الصداقة والرسائل الخارجة، والكلمات التي جعلتها تتيقن أنها في مجتمع يتعامل
مع الأنثى على أنها تسعى لتحصل على رجل، ولا يتعامل معها على أنها إنسان له مشاعر
وأحاسيس كما الرجل.
كان ما وجدته على الفيسبوك كفيلا بجعلها تتراجع عن الطلاق، خاصة عندما
أضافت بعض أصدقائها في العمل دون أن يعرفوا أنها هي زهرة، كانت تتعامل معهم وتجلهم
في المدرسة، ولكنهم أيضا أول من خذلها بعد علمهم أنها سيدة مطلقة. لم يعلم أي منهم
من هي حقيقة، ولكنهم كانوا كغيرهم مجرد مجموعة من المرضى النفسيين يبحثون عن فريسة
لاصطيادها، ولا يهم من هي. ولكن بعد أن صارحها عادل بزواجه وحمل زوجته لم تحتمل أن
تكمل حياتها، لقد انسحبت في هدوء كما عاشت معه في هدوء.
كتبت له قبل نزولها من المنزل
أنها لن تعود له مرة أخرى، وطلبت منه أن يطلقها ولا يحاول أن يضايقها أو أن يفرض
وجوده في حياتها رغما عنها. لقد كرهت زهرة إرغامها على حياتها وعلى كل ما لا تحبه.
كفاها إرغاما لها واغتصابا لحقوقها، لقد أتى الوقت الذي لابد أن تعيش فيه لنفسها
لتحب نفسها ولو قليلا، لتعرف من هي، وتستكشف حياتها.
ووضعت له الرسالة على الفراش كي يراها، ولكنها توقعت –كما هي عادته
–أنه لن يهتم بما يوجد على الفراش أو في الغرفة، فوضعت شريحة هاتفها القديمة لكي
تنتظر مكالمته فتطلب منه الطلاق وعدم البحث عنها وتنتهي الحياة بينهما، دون أن
تخبره بحملها.
كانت زهرة في ذلك الوقت أيضا تنتظر ردا من عمها عن قدومه إلى مصر،
فعمها مسافر للعمل في الكويت منذ كانت في الخامسة من عمرها، لم تكن الاتصالات
بينها وبينه تحدث باستمرار، ولم يكن قريبا منها ومن والدتها. ولكن في هذا الوقت
بالذات تحتاج زهرة لوجود عمها، لوجود سند لها يعينها على الأيام. لا تعرف زهرة ماذا
سيكون رد فعله عندما يعلم بكتمانها خبر حملها عن زوجها وطلبها الطلاق، ولكن قال إنه
سيأتي بعد ثلاثة أشهر، لتنتظر وليكن الله في عونها.
الفصل الخامس فين
ردحذف