لقد توقعت زهرة عدم قراءة عادل للخطاب لذا فتحت هاتفها ووضعت فيه
الشريحة القديمة، ولكنها لم تتوقع معرفة عادل بخبر حملها، عرفته مكانها وقامت
تنتظره ولتطلب منه الطلاق، وليكون الطلاق الآن وليس بعد أسبوع، ولينتهي كل شيء
الآن.
عندما وصل عادل لمنزل زهرة كانت لا تزال تشعر بآلام في أسفل بطنها، هي
الآن قاربت على إنهاء شهرها الثالث، وقد أخبرتها الطبيبة أن هذه الآم خطر في هذا
الوقت، ولابد لها من الراحة والبعد عن الانفعال. ولكن كيف تبتعد عن الانفعالات
والانفعالات تسعى لها؟ فتحت لعادل وأدخلته، كان لايزال في مرحلة العصبية الشديدة
ولأول مرة تراه زهرة بهذه العصبية، احتملته نظرا للعشرة بينهما. صرخ كثيرا في
وجهها، ونهرها أكثر، ولم تسمع كلمة مما يقوله؛ لقد كانت الآمها تزداد –وهو لا يشعر
–حتى انطلقت منها صرخة؛ خرجت رغما عنها من شدة الألم الذي تشعر به، وأعقبها نزيف
حاد أخرج ذلك عادل عن عصبيته. لقد وقعت زهرة مغشيا عليها، أخذها عادل على في
سيارته وبحث في هاتفها عن رقم طبيبتها المعالجة.
تحدث مع الطبيبة وذهب بزهرة للمستشفى الذي حددته له، علم عادل أن
زوجته حامل في شهرها الثالث وقاربت على إنهائه، أي أنها حملت بعد أن علمت بزواجه.
وهنا حدد عادل وقت علم زوجته بزواجه الجديد، إنها تعلم منذ ما يقارب الأربعة أشهر
عندما قرأت رسالة الموبايل التي أرسلتها له ندى. شعر بتأنيب الضمير لأنه لم يلحظ
للمرة العشرين ألمها وتعبها، ولم يرحمها في تعبها. ذهب بها للمستشفى، وانتظر
الطبيبة المتابعة لها. فقدت زهرة حملها الذي كانت تنتظره، وبعدما أفاقت من العملية
التي أجريت لها ورأت عادل ينتظر بجانبها كانت أول كلمة وجهتها له، ولكن هذه المرة
بعيونها فيض من الدموع "طلقني".
لم يفهم عادل إصرار زهرة على الطلاق، خاصة وأنها كانت تحمل ولده في
أحشائها. كم شعر بالحزن الشديد لفقد ولده، ولكنه تيقن أنه لم يعرف زهرة يوما، ولم
يحبها. كان رده عليها "سأنتظر حتى ترتد إليك عافيتك ثم يتم الطلاق، لن
أتركك في هذه الحال، أنت زوجتي وحبيبتي" استنكرت زهرة الجملة الأخيرة، لا
هي شعرت يوما أنها زوجته أو أنها حبيبته، ولكن رضخت لرغبته لأنها ليس لها الآن من
يقوم على رعايتها.
لم يعرف عادل لما قال لها أنها حبيبته، هل مازال يحبها في أعماقه؟ هل
قال ذلك لشعوره بالذنب تجاهها لجرحه لها؟ هل شعر أنه جرحها وأهان كرامتها عندما
علم من الطبيبة أن سبب الإجهاض العصبية المفرطة والانفعال المفرط الذي تعرضت له؟
هل كان غير مدرك لما فعله لهذه المرحلة؟ ماذا حدث له؟ وكيف يتصرف على هذا المنوال
الذي لم يعهد نفسه عليه؟
أسئلة كثيرة جالت بخاطره أفاقه منها صوت زهرة وهي تتألم، وأيضا لم
يلحظ آلامها كم هو أناني –هكذا قال لنفسه –استدعى الممرضة لتعطيها المسكن، واستأذن
يهاتف زوجته الثانية؛ يخبرها أنه لن يأتي لها هذا الأسبوع نظرا لمرض زهرة. كما
اعتذر عن المدرسة والمجموعات والدروس حتى تسترد زهرة عافيتها. كان يرى أن ذلك هو
أقل تعبير عن اعتذاره لها، لما سببه من ألم.
خرجت زهرة من المستشفى على منزل عادل حتى استردت عافيتها، وطالبت عادل
بالوفاء بوعده لها وإطلاق صراحها، وبالفعل طلقها وأعطاها كافة حقوقها المادية ولم
يبخسها شيء. كم حزن على فراقها وبعدها عنه.
لم يعلم عادل هل هذا الحزن بحكم العشرة والحب القديم أم أنه كان
لايزال يحبها دون أن يدري؟ هو لا يدري الإجابة، لكنه يعلم يقينا ان هذه الزهرة لم
تعد له ولا من نصيبه، وأصبحت سيدة المنزل الجديدة هي ندى.
ذهبت ندى لشقة عادل التي يقيم بها هو ووالدته، أقامت بها هي الأخرى مع
ابنتها. لم ترع ندى أم عادل كما كانت تفعل زهرة، بل إنها وبعد أقل من أسبوع، بدأت
تتذمر من ذلك الوضع وتطالب عادل أن يخدم والدته؛ فهي ليست مسئولة منها، وأصبحت
عصبية المزاج.
لم تكن حالة ندى تلك بسبب والدته حقيقة، ولكن سببها شعورها بالغيرة من
زهرة والحالة التي أصبح عليها عادل. ورفضه ورفض والدته تغيير أية ديكورات أو قطع
أثاث في المنزل. حتى حجرة نوم زهرة أصبحت ندى مجبرة أن تعيش فيها. لا أنثى تحتمل
أن تعيش على أثاث تعلم أن أخرى كانت تشاركها زوجها عليه، بل واختارته وعاشت عليه.
تشعر أن ذكريات عادل وزهرة تطاردها، وأصرت على العودة مرة أخرى لشقتها والعيش بها،
وليتصرف عادل مع والدته.
وبعد إصرار ندى وافق عادل على طلبها، ولكن دون أن يدري شعر كم كانت
زهرة تعينه على بر والدته وخدمتها دون تذمر، وكم كان يستاء من عدم تذمرها. ها هو
الآن يرى أمامه كل ما كان يرفضه في زهرة ويتمنى أن يراه، كم كان أنانيا لا يحب غير
نفسه، ماذا سيفعل مع والدته الآن، لا هي أحبت ندى، ولا ندى استطاعت أن تكسبها
لصفها، وهو مشتت بينهما. ودعى ربه أن يعينه على ما وصل إليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق