الاثنين، 27 أبريل 2015

المتمردة- الفصل السابع


كان عادل يرى زهرة من آن لآخر في النادي، ويحاول الكلام معها ومعرفة أخبارها، ولكنه لم يعلم هل أصبح مهتما بها لأنها تغيرت بالفعل للنموذج الذي يحبه؟ أم لأنه شعر تجاهها بالذنب؟ ولم يحاول أبدا الإجابة على ذلك السؤال، لأنه يعلم يقينا أن زهرة بالفعل تغيرت، ولن ترغب أن تعود له كما كانت، إلى جانب أنه لا يعلم ما هو رد فعل ندى إن زهرة رضيت بالعودة له؟ فهو لا يريد أن يخسر ندى وابنه محمود، كما خسر زهرة وطفله منها من قبل.
أما زهرة فكانت تعرف أنها لن تعود يوما لعادل، لقد كان جرحها أكبر من النسيان. جرحها جرح غائر لن يندمل، جرها في أنوثتها وذكائها وأمومتها التي سلبها منها. لم تنس ما حدث منه، وتعلم يقينا أنها لن تفعل، ولكنها لم تفكر في الانتقام؛ فالعشرة بينهما تجعله يسأل عنها من آن لآخر، وهي تسعد أن يسأل عنها أحد، تشعر أنه يحاول أن يداوي جرحا، هو من جرحه لها.
شعر عادل بالحيرة من زهرة ومن تقبلها لسؤاله عنها والرد عليه دون إهانة أو إبداء رغبتها في أن يبتعد عنها، كأنه لم يفعل بها شيئا، وبين عدم سؤالها أو اهتمامها به إذا غاب عنها.
لاحظت ندى انشغال عادل بالتفكير في زهرة، ولكنها حاولت تجاهل هذا الشعور الذي كان يقتلها، وكانت تبرر ذلك الاهتمام –لنفسها –أنه بسبب العشرة التي جمعت بين عادل وزهرة يوما.  إلا أنها لم تستطع تحمل المزيد، فصارحت عادل بمخاوفها وشعورها بالقلق وطلبت منه عدم الكلام أو التعامل مع زهرة، وأن يرسل لها النفقة بالبريد أو يضعها مباشرة بحساب زهرة بالبنك.
كان تردد عادل إشارة لندى أن شعورها بتغيره وميله نحو زهرة صحيح، وبدأت تفكر في حيلة تبعد بها زهرة عن طريق عادل، ارتاحت من استقالت زهرة من المدرسة وبالتالي لم يبق لها سوى النادي الذي يقابلها عادل به، لذا شغل تفكيرها كيف تبعد عادل عن النادي وتبعده نهائيا عن زهرة، وظلت تفكر في حيلة تستطيع بها ذلك.
**********************************************************************************

تابعت زهرة تعليمها وعملها وحضور الندوات وجلسات العلاج النفسي، ركزت في كل ذلك ومر عليها على هذا الحال فترة طويلة، لم تشعر فيها بالملل، وكانت تقرأ الروايات والأشعار الرومانسية وتسأل نفسها دوما لما لم تحب يوما كما في هذه الروايات.
ولا تعلم لماذا –وفي كل مرة تسأل نفسها هذا السؤال –تتذكر ساقي الورد، فهي حتى الآن لا تعلم عنه شيئا، مع أنه يعلم عنها الكثير، مر على معرفتها به ما يقارب العام ولم يمر يوما دون أن يتحدثا فيه وتحكي عن كل ما حدث، وتسمع لآرائه.
لم تعلم لما تثق به، وتحكي له كل ما تمر به.  تشعر أحيانا أنه مثل والدها، فدائما ما يقول لها يا بنيتي ويتحدث معها بطيبة الأب المعهودة، ولكن عندما بدأ حديثهم صوتا لم تتخيل أن تسمع هذا الصوت العذب، فمع صوته توقعت أنه لا يمكن أن يزيد عمره على نهاية الثلاثينات لا يمكن أن يكون أكبر من ذلك، إنه حدس الأنثى ولكنها لا تثق به كثيرا؛ فهي حتى الآن تشك في كونها أنثى بالفعل.
ومنذ أسبوع تقريبا،عقد النادي ندوة ثقافية لمناقشة رواية الأديبة التركية إليف شافاق "قواعد العشق الأربعون". كانت زهرة قد قرأت الرواية وشعرت أنها في حياتها مع عادل كانت أشبه بحياة بطلة الرواية مع زوجها، قبل أن تهجره وتسافر مع حبيبها. وشعرت أن الفارق بينهما هو أن زهرة لم تجد حتى الآن ذاك الحب الذي يجعلها تتخلى عن كل شيء لأجله.
ولكن كانت تأخذ على الرواية الأسلوب الصوفي الذي أخذته، وأيضا كيف يكون شخص متدين ويشرب الخمر ولا يأتمر بأوامر الله عز وجل وينتهي عما نهاه عنه؟! وكيف تخون زوجة زوجها وتهجره وتسافر مع غيره دون زواج!!!!!!!!!!!!!!!
حضرت زهرة الندوة التي عقدها النادي، وطرحت آرائها في الرواية –والتي لم تعجب البعض –واتهمها بعض الحضور بأنها لم تقرأ الرواية أو تفهمها. لكن ردها عليهم بوصف تفاصيل المشاعر التي في الرواية جعلت الجميع ينصت لها بشدة، لم يشعر أي منهم بهذا الكم من المشاعر من قبل في هذه الرواية. وضمن من أنصت معها وشرد في سردها للمشاعر الموجودة بالرواية د.محمد، فهو أيضا مثل زهرة شعر بهذا الفيض من المشاعر في الرواية ولكنه كان يأخذ عليها الكثير الذي يتنافى مع أصل العقيدة.
بعد انتهاء الندوة، اقترب محمد من زهرة للحديث عن الرواية والرؤية المشتركة لكل منهما عنها، وانبهر كل منهما بثقافة الآخر ومعرفته.
تعرف كل منهما على الآخر، واتفقا على اللقاء –خاصة بعد أن عرف كل منهما أنه معتاد المجيء يوميا للنادي. كانت الصدفة وحدها هي ما جمعت بينهما، الفارق أن محمد يبحث عما ينسيه آلام فقد زوجته وحرمانه منها، وزهرة كانت تبحث عن نفسها وحياتها وعن حب ومشاعر يمكن أن تكون موجودة في الواقع لم تجربها يوما.
أصبح اللقاء اليومي بين زهرة ومحمد روتين، يتقابلان صباحا ويتناولان الفطور، ثم يذهبان للمكتبة لاختيار الكتب الصالحة للقراءة، ثم بعض الرياضة والجلوس والقراءة وسط الخضرة والهواء النقي.
لم يمل أي منهما هذا الروتين اليومي، بل كان كل منهما عندما يدخل النادي يبحث عن الآخر. حكى محمد لزهرة عن زواجه ووفاة زوجته وإخلاصه لها، ولكنه لم يذكر أنه طبيب نفسي، فقط ذكر أنه طبيب. وحكت له زهرة كل شيء عنها؛ وفاة والدها، وزواجها، ووفاة والدتها، ثم طلاقها. ولكنها لم تحك شيئا عن ساقي الورد أو ذهابها لطبيبة نفسية، إلا أن محمد كان يعلم أنها تتلقى علاجا نفسيا.
بدأت زهرة تشعر بتغير يحدث معها، فهي تنتظر موعد ذهابها للنادي بلهفة لم تعهدها على نفسها. وتبحث عن محمد لا شعوريا، إذا لم تجده. لم تعلم زهرة ما يمر بها ولكنها لاحظت أنها أصبحت تهتم لأمره. ولكن هنا خافت زهرة، وشعرت أنها لابد أن تبتعد.
عندما ذهبت زهرة للنادي، بدأت تلاحظ همسات ونظرات من بعض رواد النادي لم تعهدها قبل ذلك. وكذا لاحظت أن خبر طلاقها من عادل انتشر كما النار في الهشيم، وترامت لمسامعها بعض الشائعات عن علاقة محرمة بينها وبين محمد، لقد أصبحت هي حديث النادي!
انهارت زهرة لما سمعته عنها، ولاحظت أن محمد أيضا اختفى. ربطت زهرة بين ذلك وبين معرفة محمد كل شيء عنها. أيعقل أن يكون هو من وشى بطلاقها وافتعل شائعات علاقته بها؟ لماذا اختفى في ذلك التوقيت؟ جالت على خاطرها العديد من الأسئلة التي لم تجد لها إجابة، ذهبت للطبيبة وحكت لها ما حدث
د.رقية: زهرة انتي حبيتي محمد؟
زهرة: مش عارفة، بس بقى ليه مكانة في حياتي، ودا خوفني
د.رقية: ليه؟
زهرة: خايفة أعيد حكايتي مع عادل
د.رقية: انتي بتحبي محمد، وما كنتيش بتحبي عادل، مفيش وجه مقارنة
زهرة: عادل طلقني لأنه حس إني مش ست، مفيش أي رد فعل على حياتي معاه كزوجة، هو قالها بنفسه إني كرهته في لقاءه بيا كزوجة، مش عارفة أقولها ازاي
د.رقية: أنا فهكماكي يا زهرة، بس الموضوع الخاص بالعلاقة الزوجية أنتم الاتنين غلطانين، مش انتي لوحدك. يعني هو غلطان زيك.
زهرة: ازاي؟
د.رقية: البنت أول لما بتتجوز بسبب عادات المجتمع عندنا وجهلها بالثقافة الزوجية، وخجل الأم في شرح الموضوع دا للبنت، بيخلي تجربة الزواج وفض البكارة مأساة في معظم البيوت، نتيجتها كره الزوجة للمعاشرة الزوجية. وبتخجل تصارح زوجها بدا، وهنا بتحصل المشكلة
زهرة: مش فاهمة
د.رقية: المفروض إن الراجل يبقى فاهم إن الست بتجيله صفحة بيضا هو اللي بيكتب عليها اللي هو عايزه، وبيبقى عايز الست فاهمة وعارفة كل حاجة، رغم إنه لو لاقاها كده بيشك فيها ويتهمها في سلوكها. بيبقى محتار بين رغبته في إنها تكون عارفة وفي نفس الوقت الخوف من معرفتها والشك في سلوكها، زدا بيترتب عليه مشاكل كتيرة. دا إلى جانب إن الست بتمر بأسوا تجربة في حياتها بسبب عدم خبرة الزوج وخوفه من ليلة الدخلة واحساسه انه في معركة ولازم يخرج منتصر فيها. كل دا بيخلي موضوع العلاقة الزوجية سبب الطلاق في كتير من الحالات. إلا حالات قليلة بيكون فيها الحب والتفاهم بين الزوجين وثقافتهم قادر على تخطي الحاجز بين الزوجين وبتكون الزوجة قادرة تصارح زوجها بكل مشاعرها ومخاوفها، وهو قادر على تفهم دا وبيمر الموضوع بسلاسة وبتشاركه في متعته. اللي أنا متاكدة إنك ما حستيش بيها.
أطرقت زهرة رأسها للأرض خجلا، ولكنها أومأت لرقية أن نعم، هي على صواب.
د.رقية: علاقتك بمحمد بقى المفروض تكوني واعية فيها. لازم تتأكدي من مشاعرك ناحيته، وبعد كده لازم تعرفي إن حياء الأنثى حلو قبل الزواج وبعد الزواج لو وصل لأوضة نومها ح يكون سبيلها للطلاق. حددي مشاعرك، واعرفي انتي عايزة ايه وقرري. بس لازم تفهمي انك ليكي حياتك وشخصيتك المستقلة، ليكي رأيك ما ينفعش يا زهرة تكوني تابع لحد لمجرد إنه زوج أو حبيب. ولازم مع الاشاعات دي تواجهي، الهرب ما ينفعش.
زهرة: يعني أعمل ايه؟
د.رقية: متأكدة إنك بتفكري ما تروحيش النادي ولا تكلمي محمد، صح؟
زهرة: صح
د.رقية: دا أكبر غلط، انتي ما عملتيش حاجة غلط، كونك بتشوفيه وتقابليه في النادي قصاد الناس دا مش غلط، الغلط إنك تخلي الناس تتحكم في حياتك، كده كده الناس ح تتكلم ومش ح تسكت، خصوصا لما اتعرف انك مطلقة، لكن لو بعدتي الناس ح تصدق الاشاعة، لازم تعيشي حياتك طبيعي حتى لو سمعتي كلمة ضايقتك من حد ردي عليه بجرأة بدون خجل، الجرأة بتوقف الناس عن الكلام. بتقولي محمد مختفي بقاله فترة؟
زهرة: أيوة
د.رقية: ليه ما سألتيش عنه؟
زهرة: كنت خايفة ومحتارة، عايزة ابعد عنه، لأني حبيته
د.رقية: غلط يا زهرة، سيبي مشاعرك، عيشي يا بنتي، دا حقك. انتي لسه صغيرة حقك انك تحبي وتتجوزي، الطلاق عمره ما كان اخر الحياة. بالعكس ممكن يكون بداية حياتك من تاريخ طلاقك.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...