كانت ندى سعيدة لنشرها الشائعات حول زهرة وتشويه سمعتها، كانت هذه
الطريقة هي سبيلها لإبعاد عادل عن زهرة وجعله يكرهها.
لم يصدق عادل حرفا مما سمعه عن زهرة في النادي، ولكنه لم يخطر له أبدا
أن ندى هي مصدر هذه الشائعة حول زهرة. فهو يعرف زهرة جيدا، إنها متدينة وتخاف
ربها، ولا تفعل ما يعصيه، لذا كان متأكدا أن هناك خطب ما. وحاول البحث لمعرفة مصدر
الشائعة، ولكن ككل الشائعات عندما تنطلق لا تعرف أبدا مصدرها.
حاول عادل التقدم مرة أخرى للزواج من زهرة –لكي يبعد عنها كل الشبهات
التي تدور حولها، وعندما علمت ندى ما يفكر فيه –حيث كان يتحدث معها في كل ما يفكر
فيه –رفضت الفكرة بشدة. رفضت أن يتزوج أخرى لأي سبب كان، بل هددته أنه إذا تزوج
سيكون أخر ما بينهما ولينسى أيضا أن يرى ابنه محمد.
كم كانت ندى قاسية! لم يعرف عادل هل كانت كذلك؟ أم أنه هو من فعل ذلك
بها لكثرة كلامه عن زهرة؟ هل تسبب –دون قصد منه –في جعلها تشعر بالغيرة من زهرة؟
كانت كلها أسئلة تجول بخاطر عادل، أخرجه منها صوت بكاء محمد، وذهاب ندى له لتعرف
سبب بكائه.
وعلى قدر دهشة عادل من موقف ندى من زواجه، كانت دهشته من قوة زهرة
وصلابتها تجاه هذه المشكلة. لقد توقع أن تنهار وتبعد عن النادي والناس، إلا أن
تصرفها كان صدمة لكل من عادل وندى، لقد ذهبت إلى النادي كما تفعل.
كانت ندى تتوقع أن تترك زهرة النادي وتبتعد عن الأنظار، فهي تعرف جيدا
أن الشائعات حول سمعة أي فتاة أو سيدة هي أول أسباب انهيارها؛ لذا كانت تتوقع ندى
أن يكون رد فعل زهرة التلقائي هو أن تبتعد عن أي مصدر للشائعات الخبيثة تلك، لكن
زهرة لم تبتعد ولم تغير أي من روتين يومها المعتاد.
وكعادة كل الشائعات ماتت دون أن تعيرها زهرة أدنى اهتمام، كانت زهرة
صلبة أمام الناس ولكنها في داخلها كانت تموت في كل لحظة ألف مرة. كانت تذهب للنادي
وهي تتمنى ألا تذهب، ولكن لابد لها من المواجهة لجعل الشائعة تندثر، وكما توقعت الطبيبة،
لم تستمر الشائعة سوى بضعة أيام.
رفضت زهرة طلب عادل الزواج منها، فهي –رغم تألمها مما قيل عنها –كانت
تعلم أنها إذا تسرعت في قرار الزواج سوف تدمر حياتها للنهاية، كما أنها تحب د.
محمد فهي تعرف ذلك. لقد أصبح د. محمد حياتها، تحبه بشده ولكنها لم تصرح له حتى
الآن بحبها له. تنتظر ككل فتاة اللحظة التي يأتي لها فارس أحلامها ويقول لها
الكلمة السحرية "أحبك، هل تقبلي الزواج مني".
أدركت زهرة حبها لمحمد عندما اختفى فترة طويلة، مع ظهور الشائعات،
ولكنها عملت بنصيحة الطبيبة واتصلت به لتعرف إن كان هو مصدر الشائعة أم لا، فوجدته
في المستشفى مصاب بكسر في قدمه، ولا يدري شيئا عما قيل عن علاقته بزهرة، ولم تقل
له زهرة شيئا عما قيل عنهما؛ خافت أن يظن فيها السوء، أو أن يعتقد أنها ترغمه على
التقدم لها.
***************************************************
زهرة: السلام عليكم،
د. محمد معايا؟
محمد: وعليكم
السلام، أيوة أنا محمد، مين حضرتك؟
زهرة: أنا زهرة،
فاكرني!
محمد: أيوة يا زهرة
ازيك عاملة ايه، معلش أصل دي أول مرة نتكلم فيها على الموبايل
زهرة: فعلا أول مرة
نتكلم موبايل، بس لقيتك اختفيت مرة واحدة، افتكرت أنك اديتني رقمك عشان لو حبيت
أكلمك في أي وقت، بس صوتك بيفكرني بحد أعرفه.
محمد: بجد والله دا
شرف ليا.
زهرة: ايه انت مختفي
ليه؟
محمد: واضح إنك ما
تعرفيش، أنا في المستشفى بقالي أكتر من أسبوعين
زهرة (بلهفة واضحة):
خير مالك؟
محمد: مفيش يا ستي
بعد ما كنا مع بعض اخر مرة وأنا رايح العربية أركب ما أخدش بالي إن في حفرة وقعت
ورجلي انكسرت ومتجبس في المستشفى
زهرة: كسر بس ولا
حاجة تانية، لو كسر كان المفروض تخرج وترجع على ميعاد فك الجبس
محمد: لا كسر بس،
أنا لوحدي والمستشفى خاص والدكتور صاحبي وعارف ان مفيش حد يخدمني أو يقعد معايا،
وافق إني أفضل في المستشفى لغاية ما افك الجبس وأقدر اتحرك، (محمد بمزاح)
يعني مصلحة ليه طبعا وللمستشفى، أصلي مريض لُقطة.
زهرة: آسفة اني أتأخرت في السؤال عنك، أنا كمان كلمتك وأنا محرجة جدا
محمد (مستغربا): محرجة ليه! أنا اللي اديتك الرقم يعني عادي تكلميني،
(وكاد أن يقول شيئا آخر ولكنه تراجع عنه).
زهرة: كنت بتقول ايه؟
محمد (متلعثما): لا أبدا مفيش
زهرة: طيب عايزة رقم الأوضة واسم المستشفى
بعد أن تأكدت زهرة من براءة محمد مما قيل عنهما، زارته في المستشفى.
وأصبح مرورها عليه بصفة يومية، تحضر له خلالها الكتب التي يقرأها وتمضي معه بعض
الوقت، ثم تذهب للنادي ومحاضراتها.
كان تفكيرها في محمد يطغى عليها، ويشغل تفكيرها. أصبحت صورته مطبوعة
على كل شيء تراه، في الكتب والروايات. وتأكدت زهرة أن لها قلبا يحب ويهوى مثل باقي
البشر، لقد تأكد لها حبها له، ولكنها تحبسه داخلها، فزهرة –رغم حبها لمحمد –يمنعها
كبريائها أن تصرح له بهذا الحب، إلى جانب أنها تعرف مدى وفائه وإخلاصه لزوجته
السابقة.
كانت نظرات زهرة تفضحها أمام محمد، كان يشعر هو الآخر بشيء ما في قلبه
يتحرك تجاه زهرة. كان قلبه يتحرك نحوها، ولكن شعوره بالذنب تجاه حبيبته السابقة
كان حائلا بينهما. كان يشعر بحب زهرة له، وعلم أنها تحبه عندما كانت تتحدث معه
بصفته ساقي الورد.
لقد صرحت زهرة بكل مشاعرها تجاه محمد في حديثها مع ساقي الورد، الذي
لم تعرف زهرة حتى الآن أنه هو محمد، ولا يدري محمد لما لم يخبرها منذ البداية أنه
ساقي الورد.
كان يستخدم محمد أثناء حديثه معها على برامج المحادثة بعض الخلفيات
الصوتية التي تغير في الصوت بعض الشيء، لم يكن يود أن تعرف زهرة حقيقته منذ
البداية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق