تزوجت من توفيق عام 1958، ووجدت نفس الثلاث أشخاص الذين حضروا طلبه
الزواج مني لا يبارحونه، بل وجدته يتحدث معهم في الغرفة الأخرى التي خصصها لخلوته
وصلاته النافلة، لم يترك توفيق منذ عرفته صلاة الفرض في المسجد، أما البيت فيخصه
بصلاة النافلة وقراءة القرآن، ما أحلى صوته وهو يرتله. كان صوته وهو يقرأ كأنه
يقرأ من السماوات العلا، وأنه يرتقي هناك بتلاوته، ويأخذك صوته بخشوعه وحلاوته
ليرتفع بك عن هذه الدنيا، ما أجمل الوقت الذي كنت استمع فيه لتوفيق وهو يقرأ.
بعد زواجي من توفيق بحوالي الشهرين ذهبنا لزيارة والداي والاطمئنان
عليهما، لم نتركهما منذ زواجنا ولكن كانت هناك واقعة غريبة في ذلك اليوم. عندما
ذهبنا لوالدي وجدنا هناك هاني جارنا، استغربت مجيئه لنا، هاني ألحد منذ فترة، مع
ظهور الشيوعية وتشجيع الحكومة الجديدة للثورة على الشيوعية وترك الدين. رغم تشجيع
الحكومة على الشيوعية والإلحاد ومحاربة أي وجه للتقرب لله بادعاء التطرف والإرهاب،
كانت الأهالي تبعد عن كل من بعد عن الله وتركه، كان ينبذ تلقائيا ويلفظ خارج
المجتمع الصغير ليجد من هو مثله ويكونوا مجتمعهم الخاص بهم. ولكن ما سبب مجيء هاني
لدارنا، ولكني لم أشرع التفكير في ذلك بعد أن فتحت لنا أمي الباب وقالت لي أن هاني
في الداخل مع أبي حتى وجدت حال البيت انقلب، بدأ الأثاث يتطاير والنار تنشب في كل
مكان، وجدت توفيق يكلم السيدة ويقول لها ليلى، ويطلب منها حمايتنا، وطلب مني
الدخول في الغرفة الأخرى مع أمي وقراءة ما تيسر من القرآن.
لم أشعر بالخوف وقتها، لقد اعتدت ظهور هذه الأشباح وقلبها حال المنزل،
ثم يعود كل شيء كما كان وكأن شيء لم يكن. دخلت مع أمي وقرأت مما أحفظ من القرآن،
ومع بداية القراءة كانت ليلى هي الأخرى تتلو القرآن وتؤمر بعض الجان بحماية المكان
وحرق من يجرؤ على الاقتراب منه.
لم يشغلني وقتها من هي ليلى ولا ماذا تفعل ولا كيف أرى الجان، لقد كنت
أعتقد أني أرى الأطياف والأشباح فقط. رأيت الجان على الهيئة التي أرادوا الظهور
بها لتوفيق لترفع عنه الرعب من مظهرهم الحقيقي، كانت أمي مرعوبة جدا فكنت أقرأ من
الآيات ما يبث في روحها السكينة والهدوء؛ حتى هدأ كل شيء وعاد كأن لم يحدث شيء.
لاحظت ليلى أني لم أخف وأني كنت أراها منذ الوهلة الأولى، فكلمتني لتتأكد من ذلك
وألقت عليّ السلام، رددت عليها السلام وحييتها واختفت هي وطلب أبي مني تجهيز حمام
المنزل ليغتسل به هاني.
استغربت طلب والدي، ولكني ما لبثت أن عرفت حكاية هاني كلها، وعرفت
حكاية الجان العاشق معه وما فعلته به، واستغربت خوفها مني ومن توفيق. ولكني بعد أن
عرفت ما يسع توفيق فعله فهمت سبب خوفها من توفيق، وبعد كلامي مع ليلى عرفت أن لي
من الإمكانات ما يمكنني أنا الأخرى من فعله. لقد عاد هاني عن إلحاده ونطق
بالشهادتين وكان لابد له من الاغتسال والوضوء والصلاة، لقد كانت تجربه صعبة عليه،
لم يتوقع أن يحدث له كل ذلك لكفره بالله وإلحاده، ولم يعرف هاني حتى بعد عودته
لدينه مرة أخرى ونطقه بالشهادتين سبب ذهابه لوالدي، لقد دخل البيت قبلنا دخولنا
بثواني قليلة، كان يقول أنه شعر بمن يدفعه لزيارة والدي رغم أنها المرة الأولى
التي يدخل فيها دارنا، فذهب وهو لا يدري ماذا يقول، ولكنه علم سبب الزيارة بعد
دخول توفيق، لقد كانت دعوة والدته ليهديه الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق