بعد ما حدث لي أدركت حقيقة واحدة، لن أستطيع الزواج والإنجاب كما
البشر، كنت أعلم أني لن أنجب من ليلى وشمس لأني آخر نسل عائلتي، ولكني لم أكن أعرف
أني سآخذ قرار عدم الزواج بنفسي. كانت مواهبي نقمة عليّ، كنت أتألم وأنا أرى وأسمع
ما يقال عني من أفظع الكلام ومن الحقد الذي تشعر به النساء لجمالي وخوفهم من
انعزالي عنهم.
كنت استاء مما أسمعه من كلام زملائي من الرجال عني ووصفهم لجسدي،
كانوا ينتهكونني لفظيا، كنت أرى نظرات الاشتهاء، وأكظم غيظي كي لا أخالف وصية
والدي ويحل عليهم عقابي، من الصعب على أي فتاة أن تتحمل أن تعريها نظرات الرجال
ولعابهم الذي يسيل فور رؤيتها.
اكتفيت بأطياف الماضي لعائلتي وأحببتها وعشنا سويا، رأيت العديد من
التغيرات التي تحدث، ولكني كما عهدتني وعهدت عائلتي نمقت كل ما هو عسكري، لذا لن
أذكر لهم أية محاسن، كفى انتشار الجهل والأمية وانتشار المشعوذين والدجالين
وانتشار كتب السحر الأسود. لم يعد العلم الديني متاح، وانتهت الأخلاق والرجولة والنخوة
وسادت العادات الغربية والغريبة، أصبح التدين تطرف، والعادات والتقاليد رجعية
وتخلف، لم يعد هناك ضابط للتصرفات، وانتشر السحر والسحرة وساد الفساد، ولم يعد
لأمثالي مكان في عالمكم حتى أطياف الماضي استاءت مما رأت وعاشت وقررت أن تظل في
الماضي ولا تذهب للمستقبل.
مع اختلاف الحياة كبرت ومرت أيامي مع أطيافي من الماضي ومع إدريس،
وظهرت الخصل البيضاء وظهرت التجاعيد في وجهي، حاولت أن أداريها بشتى الطرق ولكن
هيهات، يأبى العمر إلا أن يظهر نفسه، سأذهب لعملي الآن لآخر مرة، اليوم حفل تكريمي
لوصولي سن المعاش، كنت محبوبة من زملائي وزميلاتي ومكروهة من البعض الآخر، كنت
أعرف ما يقال وأسمعه ولكني مع الوقت تعلمت الصفح والنسيان والغفران.
كم أتمنى أن أصبح أنا الأخرى طيفا من الماضي، أشعر أنني سأصبح ذلك
الطيف اليوم، ولكن متى وكيف لا أعرف، سأذهب لعملي اليوم في المواصلات كما اعتدت أن
أذهب.
وصلت لعملي وحضرت حفلة تكريمي، وفرحت كثيرا بمحبة زملائي لي، كم
أحببتهم كإخوة لي، وكم كنت أمقت تكبر بعضهم وغروره، ولكن يغلب الحب في النهاية.
حضر والدي ووالدتي وشمس وليلى وإدريس وإسماعيل وعثمان حفل تكريمي ولكن مهلا من
هذا؟ إنه يوسف يجلس مثل آخر مرة رأيته فيها في العمل بجانب فتاة جميلة صغيرة، يا
ويلتي لقد ابتسم لي وفتح مجال أفكاره ليقول لي: "قبلت بي لأتزوجها لا تملك
كل مهاراتك وإمكاناتك ولكني منحتها كل شيء مقابل أن تكفر بالله وتقتلك وهي قد
فعلت"، في تلك اللحظة وجدت خنجرا ينغرس في قلبي والجميع يجري ليبعد تلك
المجنونة عني، زائغة النظرات كانت تبحث عن يوسف الذي اختفى فور غرسها الخنجر في
قلبي، قلت الشهادة ووجدتني طيفا أحلق عاليا مع أطياف الماضي وتحررت من جسدي
ومعاناتي.
تسأل عن مصير تلك الفتاة، أمرت النيابة بحبسها على ذمة التحقيق لفترة
وأثبت محاميها أنها مجنونة حتى اختفت من سراي النيابة ولا يعرف أحد أين ذهبت ولا
كيف اختفت ولكني كنت أعرف، لقد تزوجت من ذلك اللعين وتوجت ملكة لمملكته، وكنت أنا
أول قربان لها، ومازالت هي تبحث عن قرابين لترضي الملك ولتظل الملكة المتوجة ولكن
إلى متى ستظل الملكة، لابد أن يأتي أجلها وهنا كيف ستقابل ربها بعد أن أشركت به،
هي لا تعرف و لا تشغل بالها بتلك الأسئلة، أما أنا فهنا أسعد بقرب أحبابي وأهلي
جمعتنا طاعة الله قبل الموت وجمعتنا طاعته بعد الموت ولم نفترق فلك الحمد كل الحمد
يا الله حتى ترضى.
انتظروا الخاتمة بعد غد إن شاء الله تعالى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق