السبت، 19 ديسمبر 2015

عقيلة- الفصل التاسع عشر (أطياف من الماضي)

بلغت آمال وهي في الرابعة عشرة من عمرها، كانت في الصف الثالث الاعدادي، كان ذلك عام 1973، بلغت وكان لابد لها من تلاوة العهد. ترددت مرارا قبل أن أخرجه من مكانه وأحضرها لتلاوته، كانت قد أتمت حفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية، قرأت الكثير من الصحاح، ولكني لم استوعب فكرة أن يكون لها عهدا مع الجان.
كم ظلت ليلى تقنعني بأهمية ذلك، كم حاولت أن أفهم أن هذا العهد مع جان مسلم وأنه لا يوجب الشرك بالله، وفي النهاية امتثلت لوصية توفيق وكلامه. طلبت من آمال الاغتسال والصلاة، وكلمتها مرارا أن النافع هو الله وأعدت عليها تلك الآيات، التي تحرم السحر والاستعانة بغير الله، ثم أعطيتها العهد، وبمجرد أن لمسته ظهر لها توفيق ووقف أمامنا وهي تتلوه، احتضنها في حضنه الدافئ كي لا تخاف من ظهور إدريس، تلك الوردة الرقيقة، لم تخف وتلت العهد وظهر إدريس.
الحقيقة أنني لم أتحمل تلك اللحظة، وفضلت تركها مع والدها ومع ليلى حتى انتهى كل شيء، ولكني قررت أن أفهم منها، كيف تراهم ومنذ متى حدث ذلك. وعرفت منها أنها تراهم من سن صغيرة جدا، بل وتتحدث معهم ولكن توفيق طلب منها أن يظل ذلك سرا بينهما ولا يعرف به مخلوق، ولكنه بعد وفاته وظهوره لها، طلب منها أن تشاركني هذا السر. لذلك قالت لي أنها رأت الشبح القاتل، كنت قد نسيت في خضم صراعي مع الحياة تلك المسألة، لذا قررت أن تكون تلك الليلة هي ليلة الأسئلة، أريد أن أعرف وأن أفهم
عقيلة: ماذا حدث في ذلك اليوم يا ابنتي، لقد قلت لي أن ذلك الشبح قتلهم
آمال: انه ليس شبح يا أمي، انه نفر من الجان
عقيلة (باستعحاب): ماذا!!!!
آمال: أتذكرين ذلك المريض الذي أتى لك المستشفى والجميع يظن أنه يعاني الصرع؟
هنا تملكتني الدهشة، لم احك يوما لآمال عن حالات المرضى، وخاصة تلك الحالة، كنت في فترة التمرين على التمريض وقتها؛ آثرت ادعاء النسيان، رغم أنه يوما لا ينسى
عقيلة: لا أذكر
آمال: ذلك الشاب الذي أتى به أهله المستشفى وهو في نوبة من التشنج الحاد وعالجه الأطباء على أنه مصاب بالصرع، ولكنك فطنتي للجان المصاحب له، وانتظرتِ حتى كنتِ وحدك معه في الغرفة وقرأت عليه القرآن حتى مات ذلك الجان، أتذكريه
عقيلة (هنا لم أقو على عدم السؤال وأنا في اندهاش مما أسمع): ماذا حدث؟ وكيف عرفتيه؟
آمال: ما حدث هو أنه في ذلك اليوم وعقب قتلك له، لم تقومِ بتلاوة العهد عليه لكي يترك الشاب ولكنك قتلته؛ فكان لابد لأهله من الانتقام منك وكان والداك هما البداية، ثم أنا وتعذيبك حتى الموت. في ذلك اليوم ظهر والدي وحفظت منه العهد الذي أتلوه ليتركنا الجان ولكني لم أكن بالسرعة لكي أنقذهما ولكن استطعت انقاذك والحمد لله. أما كيف عرفت بالأمر، رأيته في نومي كأنه حلم استيقظت منه سريعا لأجد قبيلته بالفعل تبدأ في الانتقام
بعد حديث آمال، لم أستطع منع دهشتي مما أسمع، وخوفي من ملكات ابنتي لقد فاقتني وفاقت والدها، كانت تستيقظ من نومها وتأتي لغرفتي تربت على كتفي وتحتضني لتقول لا تخافي الله معنا، اتركيهم يتحدثون كما يريدون واشكي إلى الله فإليه المشتكى.
كبرت آمال ودخلت الثانوية العامة وبعدها كلية الحقوق، وتركت أنا العمل لعدم قدرتي على التحمل، لقد مرض جسدي الهزيل، وعملت وحيدتي في احدى الوزارات الحكومية، في الشئون القانونية، وكأنني كنت انتظرها تبدأ العمل حتى وافتني المنية في ذات يوم تسلمها عملها، لأكمل حياتي معها وأنا طيف يزورها ويربت على كتفها ليهون عليها الأيام والبشر وقسوتهم عليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...