عندما رأى يوسف الصبي لم يكن يتوقع أن يكون لطفل هذه الطبيعة، لقد عرف
عنه الطفل كل شيء منذ أول وهلة رآه فيها، لم يتكلم ولكن طلب الانفراد بخاله ليتحدث
معه، كشف الصبي لخاله حقيقة الشيخ وكفره وخدمته لإبليس اللعين.
لم يصدق إبراهيم كلام إسماعيل حتى ذهب مرة أخرى للغرفة المتواجد بها
يوسف وسمع يوسف يتحدث مع أشخاص كثر لم يستطع رؤية وجودهم في المكان، مما أكد له صدق
كلام إسماعيل ولكن ما العمل، لم يستطع أن يفكر حتى انقلب حال البيت، وامسكت
النيران بكل شيء في المنزل ووجد يوسف خدامه وشياطينه يحترقون كلما أراد الاستحواذ
على الصبي.
لم يتوقع يوسف ذلك أبدا، كان يريد الاستحواذ على إسماعيل لنفسه
ليساعده ويكون ساعده الأيمن، مع بعض الشك الذي ساوره حول إمكانيات الصبي، التي
يمكن أن يكون خدامه قد بالغوا في تقديرها، كان يعلم أنه قادر على أن يسيطر على
الفتى. ولكن الحقيقة التي أيقن يوسف أنه أغفلها، لم يتوقع أبدا أن تكون معركته مع
ملائكة وحراس إسماعيل، لم يتوقع أن يكون إسماعيل من الذين قال الله عنهم في سورة
الحج "إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا
وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)" لقد احتمى إسماعيل وإبراهيم بالله، ولم يستعن أي منهم بغير الله،
فاحترقت شياطين يوسف واحد تلو الآخر، حتى الجان احترقوا، وجد يوسف أن هذه المعركة
ستنتهي حتما بفوز إسماعيل لذا هرب وفر، وظل يجري حتى خرج من القصر، وأمر ما تبقى
من خدامه أن يذهب به للقصر في الحال.
كان يريد أن يلتقي بملكه وسيده، ليعلم منه كيف يتغلب على ذلك الصبي،
وكذا كان يملأه حقد كبير على إبراهيم وشمس، أراد أن يقتلهما أثناء سيطرته
واستحواذه على إسماعيل، ولكن باءت محاولاته بالفشل. كان يرى أن ذنب هؤلاء أن خديجة
خالتهم، ولو كانت أمهم على قيد الحياة لانتقم منها هي الأخرى، ولكنه لعن إبراهيم ونيغار
زوجته بألا يكون لهما من الذرية غير ابنتهما خديجة التي سميت على اسم خالة
إبراهيم.
كان يعلم أن نيغار حتما ستأتي إليه طلبا للدعم والمساعدة، طلبا أن
يكون لها من الأولاد غير خديجة، وأن تعلم لما يسقط حملها وحمل جواري إبراهيم كلما حملت
إحداهن. لم تكن نيغار تعلم أن ذلك هو مس من يوسف لهم عقابا على قرابتهم لطليقته
ووالدها الذي هددهم بفضح أمره. وعندما ذهبت إليه كان يعلم أن إيمانها لم يكن بقوة
إيمان زوجها أو ابن أخيها؛ لذا كانت مدخله للسيطرة على إسماعيل.
لقد قدم لها سحرا قال لها أنه ليساعدها على الحمل، فشربته كله، ولكن
حقيقة الأمر كان ما شربته هو سحر ومس لجان قوي يجعلها تمرض ولكي يخرجه منها
إسماعيل لابد ان يصاب هو بأذاه. لن يخرج هذا الجان إلا ليلبس جسد إسماعيل وهذا هو
ما يريده، ثم يقدم إسماعيل قربانا لسيده.
سنوات طويلة كان يمتص فيها يوسف قوى إسماعيل ويحاول معه كي يستحوذ
عليه، ولكن قوة إيمان إسماعيل لم يجد مثلها، كان يقاومه بكل قوة، وكان يوسف يزداد
رغبة في الانتقام، حتى وجد ابن خديجة وحاول أن يؤذيه ولكن الولد كان مؤمنا شان
عائلته، كان الله هو حسبه ووكيله لم يستطع يوسف أن يؤذيه ولكنه اكتشف شيء آخر لم
يقوله له خدامه، ذلك الولد هو ولده، علم ذلك بعد أن توفى ولده وهو في طريقه للسفر
لبلاد الشام.
لم يستطع أن ينقذه أو يؤذيه كان لديه من الملائكة ما يكفيه لحفظه
وحمايته، ولكن الندم اعتصر قلبه، هو من كان يدفعه للسفر والبعد، هو من حاول قتله
أكثر من مرة، كيف لم يعرف ذلك. لقد تربى ولده مع شمس وإبراهيم وكلا منهما أحسن
إليه واهتم لأمره. ولأول مرة منذ سلك يوسف ذلك الدرب يسأل نفسه لماذا عصيت ربي
لماذا أفعل كل ذلك، رغم معرفتي بكل شيء، أخفى عليّ خدامي بأمر من سيدهم أمر ولدي،
ماذا أفعل يا ولدي كي ألحق بك، وهنا تذكر عهده القديم، لذا كان عليه أن يأمر خدمه
من الجان والشياطين الذهاب لإسماعيل وخدمته وتنفيذ أوامره.
كان يعلم مدى إيمان إسماعيل، كان يعلم أنه سيفك كل باطل قام به هو؛
لذا بعد أن تركه خدمه نطق بالشهادة ليعود في دين الله مرة أخرى، ودخل واغتسل وقام
ليصلي، كان خائفا يعلم سلفا مصيره، ولكن الفرق أنه راض بذلك ليموت جزاءً له على ما
اقترف من ذنوب، ولكن يجب أن يتوب ويعود لدينه ويرتد إليه رشده، ماذا دهاه ليفعل
ذلك، كم علم من السحرة، كم قدم من القرابين، فليسامحه الله على ما اقترف، ومات يوسف
بعد فترة؛ حيث اختفى تماما. وفك إسماعيل السحر والأعمال والمس، وحتى توفى الله إسماعيل
لم يكن يعلم لماذا فعل يوسف ذلك، بل إنه لم يكن يعرف حتى أن اسمه يوسف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق