السبت، 28 نوفمبر 2015

عقيلة -الفصل العاشر (أطياف من الماضي)

المحروسة 1790
يجتمع علية القوم في قصر خليل باشا خليل في المحروسة، الزينة مضاءة وصخب شديد والخدم يملئون جنبات القصر لخدمة المهنئين، اليوم زواج كريمته المصون خديجة من الشيخ يوسف علي، وهو أحد شيوخ الأزهر، حافظ للقرآن ويدرس علومه في الأزهر، ولكنه تركه قبل الزواج بأيام قليلة، ولا يعلم أحد لماذا ترك عمله الذي شهد الجميع له فيه بالكفاءة، كان الشيخ دائم الابتسام والكرم، من أسرة الشيخ علي عبد الرحيم شيخ عمود في الأزهر الشريف، عائلة تعمل جميعها في الأزهر وفي خدمة تعاليم الإسلام، ميسوري الحال.
كان المدعوون من الرجال في حديقة القصر، أما النساء فكانوا في الدور العلوي يحتفلون بالعروس ويغنون لها. كما تتهامس النساء من شدة حسنها وبهائها، حاسدات لها على زواجها من أسرة الشيخ علي عبد الرحيم، يا لها من محظوظة! ولكن طبعا لم يفت النساء التساؤل عن سبب ترك الشيخ للأزهر وما يخطط له وينوي عمله بعد الزواج. بالطبع لم يعلم أحد حتى العروس لماذا ترك الشيخ الأزهر وهي وظيفة ومقام رفيع يتشرف به أي شخص، ولكن كان الزفاف حدد موعده ولا سبيل للتأخير، خاصة أن الشيخ ميسور الحال ولن يعجز عن الانفاق على زوجته.
انتهى حفل الزفاف وذهبت خديجة مع زوجها يوسف في عربة الحنطور لتذهب إلى قصر زوجها وتعيش هناك مع أسرته. قصر يوسف مكون من حديقة واسعة غناء، وثلاث مبان كبيرة، الحديقة مساحتها شاسعة تزرع فيها الورود والفاكهة، أما المبنى الأول فهو مبني استقبال الضيوف وهو مكون من دورين الأول به عدة أماكن لجلوس الضيوف ومكان كبير لسفرة لتناول الطعام والدور الثاني كله غرف نوم للضيوف. أما المبنى الثاني وهو ثاني مبنى تراه وأنت في طريقك لداخل القصر بعد أن تكون مررت على المبنى الأول، هو مبنى مخصص لمعيشة الخدم والجواري وإقامتهم حيث غرف نومهم وأماكن طعامهم، وكذا غرف الغسيل الخاصة بالقصر والمقيمين به، وفرن لخبز الطعام وتسويته. أما المبنى الثالث وهو المبنى الأخير الذي تقابله وأنت تدخل القصر، هو أكبرهم على الإطلاق، مكون من ثلاث أدوار، الدور الأول مخصص لاستقبال الأقارب وتناول الطعام وكذا أكثر من غرفة مكتب للاستذكار والقراءة للمقيمين بالقصر، الدور الثاني منه مخصص لجلوس نساء القصر وممارستهم القراءة أو الحياكة أو الرسم، حيث عادة تعتبر القراءة والحياكة والرسم من أكثر من يشغل النساء في تلك الفترة، الدور الثالث مخصص لغرف النوم للزوجات والبنات، وغرفة نوم لسيد القصر وابناه يوسف وإبراهيم مع الجواري خاصتهم. كان لكل من علي ويوسف وإبراهيم جواري، وكل الجواري تعيش في مبنى الخدم ولا يأتين إلا إذا أرسل في طلبهن.
في ذلك القصر تزوجت خديجة من يوسف، كانت خمرية اللون، ذات ملامح مصرية أصيلة، شعرها أسود طويل وناعم، ممتلئة بعض الشيء ولكنها ليست بدينة إطلاقا، خفيفة الظل، لا يعرف ثغرها سوى الضحك. تحب ارتداء الألوان الفاتحة لا سيما الوردي والأصفر، تزوجت من يوسف، كانت تعلم أن الطبقة العليا من القوم لابد لهم من جواري، لذا تعايشت مع ذلك الوضع، ولكنها استغربت عدم إنجاب أي جارية من الجواري.
كان يوسف ذا ملامح مصرية، خمري البشرة، ذا شعر أسود أكرت، تعلم في الأزهر الشريف، وأصبح يٌدرس به، يبلغ من العمر خمسة وعشرين عاما، ويكبر خديجة بعشرة أعوام. استقال يوسف من الأزهر، بل وترك القرآن والعمل به.
كان يوسف في غرفة المكتب ينهي ترجمة المخطوطة الغريبة التي حصل عليها صدفة، أعطاها له طالب يدرس في الأزهر قدم من المغرب وطلب من الشيخ أن يقرأها ويقول له رأي الدين فيما يقرأ. كانت تلك الحادثة منذ ما يقارب العام، قرأها الشيخ وهو لا يعلم ما تحويه هذه المخطوطة، لقد كانت بلغة غير العربية وتحوي تعويذات لحضور الجان والشياطين السفلية، ولكن يوسف لم يفهم طبيعة تلك المخطوطة آنذاك لأنها لم تكن بالعربية؛ لذا احتاج للبحث عن ترجمة لتلك المخطوطة ومعاني الرموز، استغرق منه ذلك العمل أكثر من ستة أشهر، واستغرق وقتا أطول ليدرك أنها تعاويذ لتحضر الجان.
انتهى من تلك ترجمة وفهم تلك المخطوطة ليلا، وعندما قرأها بعد ترجمتها وجد أنه يقول مجموعة من التعاويذ لتحضير الجان والشياطين، وجد نور الشمعة يتراقص مرة واحدة دون أن يدري ثم انفتح شباك غرفة المكتب وانغلق وحده. كان ما حدث كفيلا أن يوقف قلبه، ولكنه تشجع لقد فهم الآن أنه أحضر هؤلاء ويجب أن يسمع من طلباتهم ويتلو عليهم العهد الذي يطالبوه به.
لقد فهم منذ بداية ترجمته لهذه المخطوطة أنها تعويذة لشيء ما، ولكنه استغرب أن ذلك الطالب اختفى تماما عقب أن أعطاه المخطوطة ولم يره مرة أخرى، وعندما سأل الطلبة عنه لم يتعرف عليه أحد.
فهم يوسف الرسالة، هذه المخطوطة مرسلة له لترجمتها وقراءتها إذا أراد، ولكن عليه إذا قرأها أن يتلو العهد ويلبي طلبات من يحضر جراء قراءة هذه التعويذة. لم يكن غبيا، لقد أدرك مسبقا قبل تلاوتها أنها إذا كانت صحيحة سيكفر بالله ويتحالف مع الجان، واختار هو الاختيار الأسهل له، سيطلب منهم تحقيق ما يريد مقابل أن يكفر إذا هم طلبوا ذلك.
قرأ التعويذة وتراقصت أنوار الشموع، فتحت الشبابيك وأغلقت، ثم شعر أنه ليس في غرفة مكتبه، إنه في مكان لا يعلم أين هو، أتى له الآن شخصان، وهو لا يدري من هما وإن كانا شخصين بالفعل أم شيئين! لقد كانا كائنان يرتديان عباءة سوداء لا يظهر منهما سوى مكان محجر العين ذو لون أحمر بلون النار، أما المكان الذي وجد نفسه به كأنه في صحراء تحيطه الجبال من كل جانب، عندما اقتربت منه الكائنات عرف أنهما ليسا من عالم البشر، اقتاداه في نفس مكانه نزولا لقاع الأرض ولا يدري كيف حدث ذلك حتى وجد نفسه في مكان جبلي النار مشتعلة في كل شيء، الجبال كأنها حمم بركانية المكان كله بلون الدم والسواد، ثم ما هذا؟
لقد رأى يوسف ملك له نفس سمات الغريبان، ولكن يعلو رأسه تاج ويجلس على عرش من جماجم البشر، دب الخوف في قلب يوسف وسمع هذا الملك
الملك: لماذا قرأت التعويذة أيها البشري؟
يوسف (مرتجف خوفا): لم أدر أنها تعويذة؟
الملك: لا فائدة فيكم معشر البشر نهيتم عن الكذب ولازلتم تكذبون، ولكن اعلم أنا لست رحيما، لذا اصدقني القول وإلا لن تعود لعالمك مرة أخرى. لماذا قرأت التعويذة؟
هنا دب الخوف في جميع أوصال يوسف، لقد استطاع هذا الملك أن يقرأ أفكاره، وهو يشعر بقوته وسطوته، إنه يستطيع بالفعل منعه من العودة لعالمه، ولم يكن أمامه بد من الصدق
يوسف (صوته يرتجف مع كل حرف يخرج من فاه): علمت بعد أن أخذت هذه المخطوطة أثناء ترجمتها، أن من يقرأها تكون له سطوة ولكن لابد أن يتلو العهد وينفذ ما يؤمر به
الملك (بحزم): وهل تعلم ما هو العهد، وما ستؤمر به، اصدقني القول وإلا لن تعرف ما سيحدث لك، كما قلت أنا لست رحيما
يوسف (الخوف يزداد منه تملكا ويظهر ذلك مع كل حرف ونفس): أعرف
الملك (يبتسم منتصرا): إذن افعل ما تعرفه
سجد يوسف أمام الملك وأعلن كفره بربه ونبيه، وأن إبليس هو ربه وهو ملكه، وهو من يأمر فيطاع، فقال له الملك
الملك (بنبرة المنتصر): أظنك تعرف من أنا أيها الإنسي؟
يوسف (مازال خائفا متوترا): نعم أعرف من أنت
الملك: ومن أنا؟
يوسف (بتوتر): أنت إبليس، ربي وسيدي
الملك: لقد صدقتني أيها البشري؛ لذا فستتلو الآن العهد، ولك مني كل جان وشياطين الممالك السفلية في خدمتك، ولكن إن تراجعت عن العهد أو نكست به، فاعلم أن الموت سيكون أفضل لك وأرحم عما سأفعله بك، ولكن لا يجب أن يعرف أحد أنك كفرت بدينك، بالعكس أريد منك أن تظهر كراماتك على أهلك وجيرانك، وأن تكون صاحب كرامات يتحاكى عنها الناس، وأنا سأسخر لك من الجان والشياطين من يساعدك على ذلك، حتى يظهر لك صبي من آل عثمان، كشف عنه الغيب، هو من أبغ الحصول عليه، وقت تجده هو لي، وإن لم تفعل فانتظر عذابي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...