كانت اللقاءات بين ليلى وشمس كثيرة أثناء فترة حملها، لم تغفل شمس أن تسأل ليلى عن البسمة التي لا تفارق ثغرها وعن مدى غيرتها من ضرتها
شمس: اعتدت على ظهروك الآن، رغم شعوري ببعض الخوف، مع الخوف من شعور
مراقبة دوما إنه بئس الشعور
ليلى: أعرف، ولذلك لم أكن أنتظر معك لفترات طويلة حتى تعتادي على
ظهوري ولا يسبب لك الخوف
شمس: أصدقك القول لم أعرف حتى الآن كيف كنت أنت تحديدا من يبشرني
بحملي بل وتشعرين بالفرحة لأجله، وتوصيني أن أحافظ عليه، ألا تشعرين بالغيرة؟
ليلى: ولماذا أغار منك الآن وقد غادرت دنيا البشر؟ لقد كنت أغار منك
قبل وفاتي، أما الآن فأنا روح وطيف لست بشرا ولا أشعر بمشاعر البشر من غيرة وكره
وحقد، كل ما أشعر به هو الحب والخوف على من أحب، ولقد علمت يقينا أن الدنيا ليست
باقية لأحد من العالمين
شمس: ولماذا ظهرتي؟
ليلى: لأنك في حاجة لمن يهتم لأمرك ويكون بجانبك دوما؛ نيغار وخوشيار
ليسوا متفرغين لكِ ولرعاية شئونك طوال الوقت وأنتِ تحتاجين من يكون دوما بجانبك
لذا أنا هنا بجانبك
شمس (باستغراب): لماذا؟
ليلى: أرجو أن تعتادي أن الأسئلة ليست دوما لها إجابات وأن الإجابات
أحيانا تأتي متأخرة
شمس: كنت أريد أن أسألك على شيء قبل وفاتك، فهل يمكن أن أسأله الآن؟
ليلى: بالتأكيد، تفضلي
شمس: عندما أتيتي مع خوشيار هانم لخطبتي لعثمان كنت استغرب قوتك وجلدك
وصمودك، كأنك تفعلين شيئا معتادا لا شيء فيه ولا ألم تشعرين به، كيف؟
ليلى: كي أصدقك قولا، عندما صارحني عثمان برغبته في الزواج لكي يحظى
بالذرية استغربت طلبه كثيرا وشعرت بالغيرة. ولكن عندما طلبك أنتِ تحديدا فهمت أنه
يحبك وهو سر تغيره وشروده في الفترة السابقة على طلبه الزواج. المرأة تستطيع أن تشعر بتغير زوجها، خاصة إذا
أحب أخرى وهو كان يحبك. شعرت بغيرة شديدة ورغبة قوية في رؤية من سرقت مني قلب
حبيبي وزوجي وأنسته سنوات الحب والعِشرة. ولكني شعرت ناحيتك بشعور غريب عندما
رأيتك، لقد كان من المفترض أن أكرهك ولكني أحببتك كأنك ابنتي التي لم أنجبها. ويوم
الزفاف لم أستطع أن أتخيل زوجي وحبيبي في أحضان امرأة غيري. يمكن للمرأة أن تشعر
أن زوجها يفكر بالزواج من أخرى وتغفر له ذلك ولكنها لا تغفر له أبدا مصارحتها
بذلك، يوم الزواج ظللت أبكي حتى وجدتني طيف يتحرك ويصول ويجول عبر الأماكن
والأزمنة. عرفت أنك لم تسرقيه مني وأنه أحبك من نظرة عابرة شاهدك فيها ولم يستطع
أن ينساها، كما عرفت كم أحبني، وكم تقبلتِ حزنه وأطمأن قلبي وهو معك لأنك تحبينه.
شمس: أتحبيه لتلك الدرجة ؟!!!!!
ليلى: لقد تزوجت عثمان وعمري لم يتجاوز السادسة عشر وعشت معه ما يزيد
على العشر سنوات، كان كل ما لي في هذه الحياة الدنيا. كان الحب والأمان والحنان،
كان الأب والأخ والزوج والحبيب، لم يكن سبب لحزني طوال سنوات زواجنا. كان كثير
السفر والترحال وكنت أحفظه في ماله وبيته وعرضه وأراعي أمه وأخته في غيابه أكثر من
وجوده، كان يقدر ذلك ويحترمه كثيرا، خفت أن أفقده بعد زواجه من أخرى، وهذا الحب هو
سبب ظهوري لك الآن لكي أرعاك أنت وحملك.
شمس: لقد قلت لي أنك ستظهرين لي ولذريتي من بعدي، كما قلت إنني لن
أنجب سوى إسماعيل فهل يمكن أن أعرف سبب ذلك؟
ليلى: لا شيء أسرع من مرور الزمن، كل شيء ستعرفينه في آذانه، ولكن
لابد أن تعرفي أني أحببتك بالفعل ولا أحمل لك أية ضغينة. هل تحتاجين لأي شيء؟
شمس: أشكرك. لقد اعتدت وجودك معي وعلى قلقك عليّ، أشعر أن والدتي
مازالت معي ولم تتوفى وتتركني وحيدة.
ليلى: يمكنك أن تعتبرينني أمك يا شمس وأفهمي ولدك أنني جدته
واختفت ليلى من الغرفة تماما، مازالت شمس غير مصدقة لما يحدث، لا تصدق
أنها بالفعل تحب زوجة أخرى لزوجها تنازعها حبه، تحب من شاركتها قلب زوجها حية
وميتة، من شعرت من قبل أنها سرقت منها زوجها بوفاتها. الآن تحبها! عجبا لهذه
الحياة وهذه الأقدار التي تسوقنا نحو كل ما نعتقد أنه مستحيل أن يحدث!
فهمت شمس من كلام ليلى أن ليلى ستظهر لها في أوقات سفر عثمان لتكون
مؤنثا لها في وحدتها، رغم حب خوشيار ونيغار لها إلا أن كلاهما منشغلة دائما. نيغار
منشغلة بالموسيقى وتلقي العلم، وخوشيار منشغلة بابنتها ومتابعة أخبار عثمان –حيث
لم يكن خبر وفاة عثمان قد وصل بعد ومازالت جدتي تشعر بقلق شديد عليه وتصحو من
نومها تهتف باسمه، أصبح صوت خوشيار يهز المنزل ويخلخل صمت الليل باسم عثمان أمرا
معتادا حتى وصل خبر الوفاة.
مازالت شمس تذكر موعد ولادتها، عندما بدأت آلام المخاض، لم تعلم سر ذلك
الألم الشديد الذي بدأ يداعبها في بداية الليل، فجأة وجدت ليلى أمامها تسألها عما
تشعر به وظلت جوارها حتى بدأت الآلام تشتد عليها وطلبت منها ليلى أن تصرخ بكل ما
أوتيت من قوة ليعلم الجميع أنها تلد، رأت شمس طيف ليلى يخرج من غرفتها ليطوف
القصر، لا تعلم ماذا حدث ولكن يبدو أن ليلى ظهرت لهم جميعا في منامهم لتقول لهم إن
شمس تلد الآن وأن يستيقظوا. وجدتهم شمس جميعا أمامها والكل يقول إنه حلم بليلى
توقظه لأن شمس تلد الآن، لم يكن ذلك سبب لاستغراب شمس، ابتسمت رغم آلامها ولم يفهم
الجميع السبب، لقد أوفت ليلى بوعدها في حمايتها وراعيتها ولكن الآن لابد لها أن
تركز في المخاض وإنجاب ولدها الوحيد.
وبالفعل تمت الولادة، وخلال نوم جدتي وعمتي كانت ليلى ترعى أمي وتسهر
عليها وتظل بجانبها، إذا احتاجت لأحد ظهرت له ليلى في منامه لتوقظه ليذهب لشمس.
كان ذلك بمثابة علامة تعجب كبيرة لديهم لماذا ليلى تحديدا من تظهر لهم؟! ولماذا
توقظهم كلما احتاجت شمس لشيء؟! بل السؤال الأهم كيف تعرف ليلى أن شمس تحتاج شيء ما
في ذلك الوقت تحديدا وتطلبه منهم؟!
كان ذلك سببا في سؤال خوشيار لشمس عن ليلى وعن علاقتهما التي لا تجد
لها تفسير، وكانت إجابة شمس أنها لم تكره ليلى قط، وأنها تحبها كأنها والدتها، حيث
أن شمس لم ترى والدتها، لقد توفت عقب ولادتها لإصابتها بحمى النفاس، وشمس لا تزال
طفلة رضيعة لا تدرك معنى فقد الأم، ولا تدري لماذا شعرت بليلى منذ رأتها أول يوم
أنها بمثابة والدتها. كان رد شمس على خوشيار بمثابة علامة استفهام كبرى، تعلم
خوشيار مدى الغيرة التي كانت تشعر هي بها بسبب جواري زوجها وغيرة الجواري منها،
ولكن أن تحب زوجة ابنها زوجته الأخرى التي تشاطرها حبه وقلبه شيء غريب، ثم تتذكر
ليلى وكيف كان الجميع يحبها، حتى أن عثمان تخلى عن الجواري لأجلها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق