الخميس، 30 أبريل 2015

المتمردة- الفصل الثامن الجزء الثاني

بعد أن تحدثت زهرة مع محمد لأول مرة من خلال الهاتف المحمول لاحظت أن صوته يشبه صوت ساقي الورد، حتى أسلوب في الحوار وانتقاء الكلمات، علمت أنه هو ساقي الورد. ولكنها لم ترد أن تصارحه بعلمها ذلك، أرادت أن تعرف ماذا ينوي؟ وهل يريد بها سوءا أم أنه يريدها أن تكتشف ذلك بنفسها؟ لذا لمحت له أن صوته يشبه صوت أحدا تعرفه، لم تكن إجابته بالنفي أو الإثبات لذا لم تفتح زهرة معه ذلك الموضوع وهو في المستشفى.
لقد تذكرت أيضا أن ساقي الورد اختفى منذ دخول محمد المستشفى، لذا فهذا يؤكد ظنها أن ساقي الورد ومحمد شخص واحد. أرادت زهرة أن تؤكد لنفسها أن محمد هو ساقي الورد، لذا أرسلت لساقي الورد على الفيس رسالة تعاتبه فيها على اختفائه المفاجئ، وهي تعلم أنه لن يكون موجودا.
مرت فترة وجود محمد في المستشفى وهو يعلم أن زهرة عرفت هويته، وهي تعلم من هو؛ لذا أراد محمد أن يوفر عليها عناء الكلام، خرج محمد من المستشفى وذهب للنادي كما اعتاد ووجد زهرة أيضا هناك
محمد: زهرة أنا عايز أقولك حاجة
زهرة: عارفة
محمد: ايه؟
زهرة: انت ساقي الورد
محمد: هو فعلا أنا ساقي الورد بس مش دا اللي عايز أقول لك عليه
زهرة: مقاطعة، عايز تقول ايه؟
محمد: أنا بحبك، وعايز اتجوزك
زهرة: بص يا محمد، أنا بحبك كمان وانت عارف دا، بس أنا محتاجة وقت أقدر أعدي فيه تجربة غيرت حياتي كلها أنت كمان عارفها
محمد: عارف يا زهرة، وعايز أقولك إني بحبك من زمان قوي، من قبل ما تطلقي. أنا كلمتك وأنا عارف انتي مين من الأول، أنتي غيرتي حياتي يا زهرة. بعد ما كنت فاكر إني عمري ما ح أحب واحدة تانية بعد المرحومة، حبيبتك من ساعة لما شوفتك في النادي، كنت باشوفك كل يوم وانتي لوحدك، ما كنتش عارف انتي مين ولا عارف إنك متجوزة دورت وزعلت لما عرفت انك متجوزة ووصلت للايميل بتاعك وعرفت اسمك، ما حاولتش اكلمك لأني عارف انك كنتي على ذمة واحد تاني. حسيت بألمك معاكي واتضايقت عشانك، كنت بتقطع وأنا نفسي كل يوم أقولك بحبك ومش قادر أقولها، حتى بعد طلاقك، خفت تفتكري أني بستغلك يا زهرة، بحب كل حاجة فيكي، بحبك وكلمة بحبك مش كفاية عليكي
فوجئت زهرة بكلام محمد، لم تكن تتوقع أن يحبها شخص ويفعل كل ذلك من أجلها. دمعت عيناها فرحا، فأكمل محمد
-         زهرة ممكن أقابل معاكي الدكتورة اللي بتعالجك؟
زهرة: ممكن طبعا، أول مرة أحس أني واحدة ست
محمد: أنتي أجمل ست وأجمل زهرة عرفتها
لم تكن زهرة تتوقع أن من محمد كل ذلك، وكان ما يشغلها كيف تحب دون أن تتأذى كما حدث معها قبل ذلك. كيف تحب دون أن تجرح مرة أخرى. أرادت زهرة أن تتركك نفسها لتحب وتجد الحب الذي حرمت منه ولم تشعر به قبلا.
ما أجمل الحياة التي تجدها زهرة الآن، أصبحت تحب الحياة وترى الأشياء بشكل مختلف تماما ولكنها كانت تخشى أن يصدم محمد مما سمعه عنها من شائعات، أو أن يصدق ما قيل عنها.
أما محمد لقد تضايق لما علم أن زهرة تحملته من كلام يسئ إليها وإلى سمعتها، ولكنه توقع أن يكون مصدر الكلام زوجة عادل. كان اهتمام محمد بزهرة كبير جدا، علم عنها كل شيء حتى زوجة عادل عرفها دون أن يكلمها وكان يتابع عادل ويتابعها، لذا عندما سمع الشائعات ووصلت له عرف مصدرها، إنه يرى الحقد في عيون زوجة عادل على زهرة. إنها غيرة الأنثى، ولكن ما كان يجعله يشعر بالحيرة نظرات عادل عندما يرى زهرة ويتكلم معها.
كانت نظرات عادل لزهرة نظرات تتراوح بين الندم والحب والاشتياق، ولكن لم يعلم إن كانت زهرة تشعر بذلك أم لا، ولكنه تأكد أن عادل مازال يحب زهرة بسبب غيرة ندى من زهرة، رغم أن ندى هي الزوجة الوحيدة لعادل الآن، وزهرة ليست زوجته.
كان محمد متأكدا من حب زهرة له، إنها ذات النظرات المليئة بالفرحة واللمعة. هي ذاتها التي كان يراها في عيون حبيبته، نظرات الحب والشوق. لم يرد محمد أن يضغط على زهرة في طلب الزواج والإسراع به، رغم شدة اشتياقه لها، ورغبته أن يجمعهما بيت واحد، أراد أيضا أن يعرف ما هي حقيقة مشكلة زهرة، وهل لها علاقة بالعلاقة الزوجية، كانت الطبيبة هي الوحيدة التي يمكنها الإجابة على أسئلة محمد.



الأربعاء، 29 أبريل 2015

المتمردة- الفصل الثامن

عندما كان يذهب محمد للنادي، لاحظ أن هناك سيدة تجلس دائما وحيدة شاردة، تحتسي القهوة ثم تذهب للجري. كان يراقبها دون أن تعرف ذلك، سأل عنها وعلم أن اسمها زهرة، وأنها متزوجة ولكنها نادرا ما تأتي مع زوجها؛ نظرا لانشغاله الدائم. كان يرى في تصرفاتها الحزن والاكتئاب، كان يشعر أنها تعاني من أزمة ما ولكنه لم يعرف تلك الأزمة.
حاول أن يتتبع أي من معارفها حتى وجد بعض الفتيات من طالباتها، كن مشتركات في نفس النادي، عرف منهن البريد الالكتروني الخاص بها، ومنهن عرف الاسم الخاص بها على شبكات التواصل الاجتماعي.
ولكنه لاحظ اسم زهرة الياسمين مشترك في نفس المجموعة التي تشترك بها زهرة، ولا يعلم لما شعر أنها هي زهرة، ولكنه تأكد من شعوره مع أول مشاركة من زهرة، بل علم ما تعاني منه. لقد شعر بالخوف عليها لما يمكن أن يحدث لها وتتعرض له من صدمات على شبكات التواصل بسبب تعليق مثل ذلك الذي كتبته؛ لذا أرسل لها على البريد الخاص بها تلك الرسالة التي ساعدتها على الوصول لقرار لإنهاء مأساتها، ومساعدتها على أن تجد نفسها.
حزن كثيرا عندما علم خبر فقدانها لحملها ولطلاقها، ولكنه كان يعلم أن طلاقها كان لابد منه، إنها أنثى عنيدة تحمل من الكبرياء ما يمنعها من تقبل الخيانة، كان يعلم أن سبب شقاء زهرة ليس زواج عادل ولكنه جرحها في أنوثتها. من حديثه معها على أنه ساقي الورد، علم محمد أن عادل يهجرها كثيرا، كان يقدم الكثير من النصائح، ولا يحاول أن يتكلم معها مباشرة في ذلك الموضوع ولكن كان يحب أن يتركها تتحدث كما تريد.
كان محمد يشعر بتمرد الأنثى داخل زهرة؛ حتى قبل أن تشعر هي بذلك التمرد. ورغم أن محمد كان يعرف زهرة في الواقع، لكنه لم يحاول أبدا أن يقول لها ذلك. كان يرى أنها تتحدث معه على أنه أب لها، وارتاح لذلك الشعور منها، فهو يعرف أن زهرة كانت تفتقد والدها بشدة؛ لذا وجد أن مكانة الأب الذي وضعته فيه زهرة أفضل وتساعده أكثر على مساعدتها.
وعندما وجد المضايقات التي كانت تتعرض لها بعد الطلاق، ساعدها على الذهاب لطبيب نفسي لأنه –بخبرة الطبيب –علم حالة الاكتئاب التي تمر بها وما يمكن أن تسببه لها من آثار سيئة؛ لذا اقترح عليها الذهاب لطبيب نفسي، ولكنه تهرب من ارشادها لأي طبيب ليجعلها تختار لنفسها ما تريده.
لم يحاول محمد مطلقا التقرب من زهرة في النادي، أو حتى الحديث معها. كان يحب أن يراقبها من بعيد ويعرف حالتها، وكان ذلك يشعره بالسعادة الغامرة. في البداية، كان يتعامل مع زهرة أنها مريضة تحتاج لعلاج، ولكن بعد ذلك أصبحت حبيبة. كان حديثهما في كل شيء علم خلاله ثقافتها واطلاعها، وساعدها على التعرف على نفسها.
بدأ حب زهرة يتسلل لقلبه رويدا رويدا حتى أصبح يملأ عليه حياته، ولكنه كان يشعر أن هذا الحب خيانة لحبيبة أخرى توفت وهي تلد له ولده.
كانت الندوة التي عقدها النادي عن رواية "قواعد العشق" سبب تعرف زهرة عليه، لقد أحبت أن تشاركه آرائه حول الرواية، وذهبت له للتحدث عن الرواية، وما كان يستطيع أن يرفض الحديث معها. كيف يرفض أن يتحدث معها وقلبه يرقص فرحا عندما يرى طيفها، كيف يرفض أن يتكلم معها في أول مرة يكون لقائهما مباشرا؟! كم أحبها، وكم شعر بالذنب لذلك الحب!
ندم محمد كثيرا عندما كلم زهرة باسمها الحقيقي عندما كان يحدثها، بصفته ساقي الورد، ولكن تدارك ذلك الموقف، وصدقته زهرة.
عندما توالت لقاءاته مع زهرة، كان يشعر أنها تتوغل داخل نفسه دون أن يشعر، كم أراد أن يقول لها أنه ساقي الورد، ولكنه كان يتراجع في كل مرة. ولأنه يثق في ذكاء زهرة، أعطاها رقم المحمول الخاص به، كي تعلم زهرة من هو في أول اتصال معه. أعطاها محمد الرقم في آخر لقاء لهما في النادي، ولكنه ندم أن تعرف زهرة من هو بتلك الطريقة، كان يخاف رد فعلها وأثناء انشغاله بالتفكير في زهرة لم يلحظ تلك الحفرة ووقع فيها.
عندما كلمته زهرة في المحمول شعر بلهفة صوتها عليه، ولأول مرة وجد عينها تلمع بحبه عندما ذهبت له في المستشفى. كان سيعترف بحبه لها في الهاتف، ولكنه قرر أن يؤجل هذا الاعتراف قليلا، وتراجع في آخر لحظة. لم يعرف ماذا يقول عندما لاحظت زهرة أن صوته مثل صوت ساقي الورد. ومنذ أن كسرت ساقه، لم يستخدم الانترنت. لقد كان الألم والأدوية سببا في كثرة نومه في الأيام الأولى من الكسر، بعدها كان تأنيب الضمير لحبها الذي أصبح يسري في دمه، إلى أن وجد اتصالها فلم يعرف كيف يتحدث معها، كيف يقول لها أنه ساقي الورد وأنه يحبها، وكيف يتلافى خجلها وغضبها لأنها اعترفت بحبها له قبل أن يفعل هو ذلك. لذا قرر أن ساقي الورد لابد أن يختفي فترة من الزمن؛ حتى يصارحها بحبه ثم يعترف لها أنه ساقي الورد.



الثلاثاء، 28 أبريل 2015

المتمردة- الفصل السابع الجزء الثاني


كانت ندى سعيدة لنشرها الشائعات حول زهرة وتشويه سمعتها، كانت هذه الطريقة هي سبيلها لإبعاد عادل عن زهرة وجعله يكرهها.
لم يصدق عادل حرفا مما سمعه عن زهرة في النادي، ولكنه لم يخطر له أبدا أن ندى هي مصدر هذه الشائعة حول زهرة. فهو يعرف زهرة جيدا، إنها متدينة وتخاف ربها، ولا تفعل ما يعصيه، لذا كان متأكدا أن هناك خطب ما. وحاول البحث لمعرفة مصدر الشائعة، ولكن ككل الشائعات عندما تنطلق لا تعرف أبدا مصدرها.
حاول عادل التقدم مرة أخرى للزواج من زهرة –لكي يبعد عنها كل الشبهات التي تدور حولها، وعندما علمت ندى ما يفكر فيه –حيث كان يتحدث معها في كل ما يفكر فيه –رفضت الفكرة بشدة. رفضت أن يتزوج أخرى لأي سبب كان، بل هددته أنه إذا تزوج سيكون أخر ما بينهما ولينسى أيضا أن يرى ابنه محمد.
كم كانت ندى قاسية! لم يعرف عادل هل كانت كذلك؟ أم أنه هو من فعل ذلك بها لكثرة كلامه عن زهرة؟ هل تسبب –دون قصد منه –في جعلها تشعر بالغيرة من زهرة؟ كانت كلها أسئلة تجول بخاطر عادل، أخرجه منها صوت بكاء محمد، وذهاب ندى له لتعرف سبب بكائه.
وعلى قدر دهشة عادل من موقف ندى من زواجه، كانت دهشته من قوة زهرة وصلابتها تجاه هذه المشكلة. لقد توقع أن تنهار وتبعد عن النادي والناس، إلا أن تصرفها كان صدمة لكل من عادل وندى، لقد ذهبت إلى النادي كما تفعل.
كانت ندى تتوقع أن تترك زهرة النادي وتبتعد عن الأنظار، فهي تعرف جيدا أن الشائعات حول سمعة أي فتاة أو سيدة هي أول أسباب انهيارها؛ لذا كانت تتوقع ندى أن يكون رد فعل زهرة التلقائي هو أن تبتعد عن أي مصدر للشائعات الخبيثة تلك، لكن زهرة لم تبتعد ولم تغير أي من روتين يومها المعتاد.
وكعادة كل الشائعات ماتت دون أن تعيرها زهرة أدنى اهتمام، كانت زهرة صلبة أمام الناس ولكنها في داخلها كانت تموت في كل لحظة ألف مرة. كانت تذهب للنادي وهي تتمنى ألا تذهب، ولكن لابد لها من المواجهة لجعل الشائعة تندثر، وكما توقعت الطبيبة، لم تستمر الشائعة سوى بضعة أيام.
رفضت زهرة طلب عادل الزواج منها، فهي –رغم تألمها مما قيل عنها –كانت تعلم أنها إذا تسرعت في قرار الزواج سوف تدمر حياتها للنهاية، كما أنها تحب د. محمد فهي تعرف ذلك. لقد أصبح د. محمد حياتها، تحبه بشده ولكنها لم تصرح له حتى الآن بحبها له. تنتظر ككل فتاة اللحظة التي يأتي لها فارس أحلامها ويقول لها الكلمة السحرية "أحبك، هل تقبلي الزواج مني".
أدركت زهرة حبها لمحمد عندما اختفى فترة طويلة، مع ظهور الشائعات، ولكنها عملت بنصيحة الطبيبة واتصلت به لتعرف إن كان هو مصدر الشائعة أم لا، فوجدته في المستشفى مصاب بكسر في قدمه، ولا يدري شيئا عما قيل عن علاقته بزهرة، ولم تقل له زهرة شيئا عما قيل عنهما؛ خافت أن يظن فيها السوء، أو أن يعتقد أنها ترغمه على التقدم لها.
***************************************************
زهرة: السلام عليكم، د. محمد معايا؟
محمد: وعليكم السلام، أيوة أنا محمد، مين حضرتك؟
زهرة: أنا زهرة، فاكرني!
محمد: أيوة يا زهرة ازيك عاملة ايه، معلش أصل دي أول مرة نتكلم فيها على الموبايل
 زهرة: فعلا أول مرة نتكلم موبايل، بس لقيتك اختفيت مرة واحدة، افتكرت أنك اديتني رقمك عشان لو حبيت أكلمك في أي وقت، بس صوتك بيفكرني بحد أعرفه.
محمد: بجد والله دا شرف ليا.
زهرة: ايه انت مختفي ليه؟
محمد: واضح إنك ما تعرفيش، أنا في المستشفى بقالي أكتر من أسبوعين
زهرة (بلهفة واضحة): خير مالك؟
محمد: مفيش يا ستي بعد ما كنا مع بعض اخر مرة وأنا رايح العربية أركب ما أخدش بالي إن في حفرة وقعت ورجلي انكسرت ومتجبس في المستشفى
زهرة: كسر بس ولا حاجة تانية، لو كسر كان المفروض تخرج وترجع على ميعاد فك الجبس
محمد: لا كسر بس، أنا لوحدي والمستشفى خاص والدكتور صاحبي وعارف ان مفيش حد يخدمني أو يقعد معايا، وافق إني أفضل في المستشفى لغاية ما افك الجبس وأقدر اتحرك، (محمد بمزاح) يعني مصلحة ليه طبعا وللمستشفى، أصلي مريض لُقطة.
زهرة: آسفة اني أتأخرت في السؤال عنك، أنا كمان كلمتك وأنا محرجة جدا
محمد (مستغربا): محرجة ليه! أنا اللي اديتك الرقم يعني عادي تكلميني، (وكاد أن يقول شيئا آخر ولكنه تراجع عنه).
زهرة: كنت بتقول ايه؟
محمد (متلعثما): لا أبدا مفيش
زهرة: طيب عايزة رقم الأوضة واسم المستشفى
بعد أن تأكدت زهرة من براءة محمد مما قيل عنهما، زارته في المستشفى. وأصبح مرورها عليه بصفة يومية، تحضر له خلالها الكتب التي يقرأها وتمضي معه بعض الوقت، ثم تذهب للنادي ومحاضراتها.
كان تفكيرها في محمد يطغى عليها، ويشغل تفكيرها. أصبحت صورته مطبوعة على كل شيء تراه، في الكتب والروايات. وتأكدت زهرة أن لها قلبا يحب ويهوى مثل باقي البشر، لقد تأكد لها حبها له، ولكنها تحبسه داخلها، فزهرة –رغم حبها لمحمد –يمنعها كبريائها أن تصرح له بهذا الحب، إلى جانب أنها تعرف مدى وفائه وإخلاصه لزوجته السابقة.
كانت نظرات زهرة تفضحها أمام محمد، كان يشعر هو الآخر بشيء ما في قلبه يتحرك تجاه زهرة. كان قلبه يتحرك نحوها، ولكن شعوره بالذنب تجاه حبيبته السابقة كان حائلا بينهما. كان يشعر بحب زهرة له، وعلم أنها تحبه عندما كانت تتحدث معه بصفته ساقي الورد.
لقد صرحت زهرة بكل مشاعرها تجاه محمد في حديثها مع ساقي الورد، الذي لم تعرف زهرة حتى الآن أنه هو محمد، ولا يدري محمد لما لم يخبرها منذ البداية أنه ساقي الورد.
كان يستخدم محمد أثناء حديثه معها على برامج المحادثة بعض الخلفيات الصوتية التي تغير في الصوت بعض الشيء، لم يكن يود أن تعرف زهرة حقيقته منذ البداية.

الاثنين، 27 أبريل 2015

المتمردة- الفصل السابع


كان عادل يرى زهرة من آن لآخر في النادي، ويحاول الكلام معها ومعرفة أخبارها، ولكنه لم يعلم هل أصبح مهتما بها لأنها تغيرت بالفعل للنموذج الذي يحبه؟ أم لأنه شعر تجاهها بالذنب؟ ولم يحاول أبدا الإجابة على ذلك السؤال، لأنه يعلم يقينا أن زهرة بالفعل تغيرت، ولن ترغب أن تعود له كما كانت، إلى جانب أنه لا يعلم ما هو رد فعل ندى إن زهرة رضيت بالعودة له؟ فهو لا يريد أن يخسر ندى وابنه محمود، كما خسر زهرة وطفله منها من قبل.
أما زهرة فكانت تعرف أنها لن تعود يوما لعادل، لقد كان جرحها أكبر من النسيان. جرحها جرح غائر لن يندمل، جرها في أنوثتها وذكائها وأمومتها التي سلبها منها. لم تنس ما حدث منه، وتعلم يقينا أنها لن تفعل، ولكنها لم تفكر في الانتقام؛ فالعشرة بينهما تجعله يسأل عنها من آن لآخر، وهي تسعد أن يسأل عنها أحد، تشعر أنه يحاول أن يداوي جرحا، هو من جرحه لها.
شعر عادل بالحيرة من زهرة ومن تقبلها لسؤاله عنها والرد عليه دون إهانة أو إبداء رغبتها في أن يبتعد عنها، كأنه لم يفعل بها شيئا، وبين عدم سؤالها أو اهتمامها به إذا غاب عنها.
لاحظت ندى انشغال عادل بالتفكير في زهرة، ولكنها حاولت تجاهل هذا الشعور الذي كان يقتلها، وكانت تبرر ذلك الاهتمام –لنفسها –أنه بسبب العشرة التي جمعت بين عادل وزهرة يوما.  إلا أنها لم تستطع تحمل المزيد، فصارحت عادل بمخاوفها وشعورها بالقلق وطلبت منه عدم الكلام أو التعامل مع زهرة، وأن يرسل لها النفقة بالبريد أو يضعها مباشرة بحساب زهرة بالبنك.
كان تردد عادل إشارة لندى أن شعورها بتغيره وميله نحو زهرة صحيح، وبدأت تفكر في حيلة تبعد بها زهرة عن طريق عادل، ارتاحت من استقالت زهرة من المدرسة وبالتالي لم يبق لها سوى النادي الذي يقابلها عادل به، لذا شغل تفكيرها كيف تبعد عادل عن النادي وتبعده نهائيا عن زهرة، وظلت تفكر في حيلة تستطيع بها ذلك.
**********************************************************************************

تابعت زهرة تعليمها وعملها وحضور الندوات وجلسات العلاج النفسي، ركزت في كل ذلك ومر عليها على هذا الحال فترة طويلة، لم تشعر فيها بالملل، وكانت تقرأ الروايات والأشعار الرومانسية وتسأل نفسها دوما لما لم تحب يوما كما في هذه الروايات.
ولا تعلم لماذا –وفي كل مرة تسأل نفسها هذا السؤال –تتذكر ساقي الورد، فهي حتى الآن لا تعلم عنه شيئا، مع أنه يعلم عنها الكثير، مر على معرفتها به ما يقارب العام ولم يمر يوما دون أن يتحدثا فيه وتحكي عن كل ما حدث، وتسمع لآرائه.
لم تعلم لما تثق به، وتحكي له كل ما تمر به.  تشعر أحيانا أنه مثل والدها، فدائما ما يقول لها يا بنيتي ويتحدث معها بطيبة الأب المعهودة، ولكن عندما بدأ حديثهم صوتا لم تتخيل أن تسمع هذا الصوت العذب، فمع صوته توقعت أنه لا يمكن أن يزيد عمره على نهاية الثلاثينات لا يمكن أن يكون أكبر من ذلك، إنه حدس الأنثى ولكنها لا تثق به كثيرا؛ فهي حتى الآن تشك في كونها أنثى بالفعل.
ومنذ أسبوع تقريبا،عقد النادي ندوة ثقافية لمناقشة رواية الأديبة التركية إليف شافاق "قواعد العشق الأربعون". كانت زهرة قد قرأت الرواية وشعرت أنها في حياتها مع عادل كانت أشبه بحياة بطلة الرواية مع زوجها، قبل أن تهجره وتسافر مع حبيبها. وشعرت أن الفارق بينهما هو أن زهرة لم تجد حتى الآن ذاك الحب الذي يجعلها تتخلى عن كل شيء لأجله.
ولكن كانت تأخذ على الرواية الأسلوب الصوفي الذي أخذته، وأيضا كيف يكون شخص متدين ويشرب الخمر ولا يأتمر بأوامر الله عز وجل وينتهي عما نهاه عنه؟! وكيف تخون زوجة زوجها وتهجره وتسافر مع غيره دون زواج!!!!!!!!!!!!!!!
حضرت زهرة الندوة التي عقدها النادي، وطرحت آرائها في الرواية –والتي لم تعجب البعض –واتهمها بعض الحضور بأنها لم تقرأ الرواية أو تفهمها. لكن ردها عليهم بوصف تفاصيل المشاعر التي في الرواية جعلت الجميع ينصت لها بشدة، لم يشعر أي منهم بهذا الكم من المشاعر من قبل في هذه الرواية. وضمن من أنصت معها وشرد في سردها للمشاعر الموجودة بالرواية د.محمد، فهو أيضا مثل زهرة شعر بهذا الفيض من المشاعر في الرواية ولكنه كان يأخذ عليها الكثير الذي يتنافى مع أصل العقيدة.
بعد انتهاء الندوة، اقترب محمد من زهرة للحديث عن الرواية والرؤية المشتركة لكل منهما عنها، وانبهر كل منهما بثقافة الآخر ومعرفته.
تعرف كل منهما على الآخر، واتفقا على اللقاء –خاصة بعد أن عرف كل منهما أنه معتاد المجيء يوميا للنادي. كانت الصدفة وحدها هي ما جمعت بينهما، الفارق أن محمد يبحث عما ينسيه آلام فقد زوجته وحرمانه منها، وزهرة كانت تبحث عن نفسها وحياتها وعن حب ومشاعر يمكن أن تكون موجودة في الواقع لم تجربها يوما.
أصبح اللقاء اليومي بين زهرة ومحمد روتين، يتقابلان صباحا ويتناولان الفطور، ثم يذهبان للمكتبة لاختيار الكتب الصالحة للقراءة، ثم بعض الرياضة والجلوس والقراءة وسط الخضرة والهواء النقي.
لم يمل أي منهما هذا الروتين اليومي، بل كان كل منهما عندما يدخل النادي يبحث عن الآخر. حكى محمد لزهرة عن زواجه ووفاة زوجته وإخلاصه لها، ولكنه لم يذكر أنه طبيب نفسي، فقط ذكر أنه طبيب. وحكت له زهرة كل شيء عنها؛ وفاة والدها، وزواجها، ووفاة والدتها، ثم طلاقها. ولكنها لم تحك شيئا عن ساقي الورد أو ذهابها لطبيبة نفسية، إلا أن محمد كان يعلم أنها تتلقى علاجا نفسيا.
بدأت زهرة تشعر بتغير يحدث معها، فهي تنتظر موعد ذهابها للنادي بلهفة لم تعهدها على نفسها. وتبحث عن محمد لا شعوريا، إذا لم تجده. لم تعلم زهرة ما يمر بها ولكنها لاحظت أنها أصبحت تهتم لأمره. ولكن هنا خافت زهرة، وشعرت أنها لابد أن تبتعد.
عندما ذهبت زهرة للنادي، بدأت تلاحظ همسات ونظرات من بعض رواد النادي لم تعهدها قبل ذلك. وكذا لاحظت أن خبر طلاقها من عادل انتشر كما النار في الهشيم، وترامت لمسامعها بعض الشائعات عن علاقة محرمة بينها وبين محمد، لقد أصبحت هي حديث النادي!
انهارت زهرة لما سمعته عنها، ولاحظت أن محمد أيضا اختفى. ربطت زهرة بين ذلك وبين معرفة محمد كل شيء عنها. أيعقل أن يكون هو من وشى بطلاقها وافتعل شائعات علاقته بها؟ لماذا اختفى في ذلك التوقيت؟ جالت على خاطرها العديد من الأسئلة التي لم تجد لها إجابة، ذهبت للطبيبة وحكت لها ما حدث
د.رقية: زهرة انتي حبيتي محمد؟
زهرة: مش عارفة، بس بقى ليه مكانة في حياتي، ودا خوفني
د.رقية: ليه؟
زهرة: خايفة أعيد حكايتي مع عادل
د.رقية: انتي بتحبي محمد، وما كنتيش بتحبي عادل، مفيش وجه مقارنة
زهرة: عادل طلقني لأنه حس إني مش ست، مفيش أي رد فعل على حياتي معاه كزوجة، هو قالها بنفسه إني كرهته في لقاءه بيا كزوجة، مش عارفة أقولها ازاي
د.رقية: أنا فهكماكي يا زهرة، بس الموضوع الخاص بالعلاقة الزوجية أنتم الاتنين غلطانين، مش انتي لوحدك. يعني هو غلطان زيك.
زهرة: ازاي؟
د.رقية: البنت أول لما بتتجوز بسبب عادات المجتمع عندنا وجهلها بالثقافة الزوجية، وخجل الأم في شرح الموضوع دا للبنت، بيخلي تجربة الزواج وفض البكارة مأساة في معظم البيوت، نتيجتها كره الزوجة للمعاشرة الزوجية. وبتخجل تصارح زوجها بدا، وهنا بتحصل المشكلة
زهرة: مش فاهمة
د.رقية: المفروض إن الراجل يبقى فاهم إن الست بتجيله صفحة بيضا هو اللي بيكتب عليها اللي هو عايزه، وبيبقى عايز الست فاهمة وعارفة كل حاجة، رغم إنه لو لاقاها كده بيشك فيها ويتهمها في سلوكها. بيبقى محتار بين رغبته في إنها تكون عارفة وفي نفس الوقت الخوف من معرفتها والشك في سلوكها، زدا بيترتب عليه مشاكل كتيرة. دا إلى جانب إن الست بتمر بأسوا تجربة في حياتها بسبب عدم خبرة الزوج وخوفه من ليلة الدخلة واحساسه انه في معركة ولازم يخرج منتصر فيها. كل دا بيخلي موضوع العلاقة الزوجية سبب الطلاق في كتير من الحالات. إلا حالات قليلة بيكون فيها الحب والتفاهم بين الزوجين وثقافتهم قادر على تخطي الحاجز بين الزوجين وبتكون الزوجة قادرة تصارح زوجها بكل مشاعرها ومخاوفها، وهو قادر على تفهم دا وبيمر الموضوع بسلاسة وبتشاركه في متعته. اللي أنا متاكدة إنك ما حستيش بيها.
أطرقت زهرة رأسها للأرض خجلا، ولكنها أومأت لرقية أن نعم، هي على صواب.
د.رقية: علاقتك بمحمد بقى المفروض تكوني واعية فيها. لازم تتأكدي من مشاعرك ناحيته، وبعد كده لازم تعرفي إن حياء الأنثى حلو قبل الزواج وبعد الزواج لو وصل لأوضة نومها ح يكون سبيلها للطلاق. حددي مشاعرك، واعرفي انتي عايزة ايه وقرري. بس لازم تفهمي انك ليكي حياتك وشخصيتك المستقلة، ليكي رأيك ما ينفعش يا زهرة تكوني تابع لحد لمجرد إنه زوج أو حبيب. ولازم مع الاشاعات دي تواجهي، الهرب ما ينفعش.
زهرة: يعني أعمل ايه؟
د.رقية: متأكدة إنك بتفكري ما تروحيش النادي ولا تكلمي محمد، صح؟
زهرة: صح
د.رقية: دا أكبر غلط، انتي ما عملتيش حاجة غلط، كونك بتشوفيه وتقابليه في النادي قصاد الناس دا مش غلط، الغلط إنك تخلي الناس تتحكم في حياتك، كده كده الناس ح تتكلم ومش ح تسكت، خصوصا لما اتعرف انك مطلقة، لكن لو بعدتي الناس ح تصدق الاشاعة، لازم تعيشي حياتك طبيعي حتى لو سمعتي كلمة ضايقتك من حد ردي عليه بجرأة بدون خجل، الجرأة بتوقف الناس عن الكلام. بتقولي محمد مختفي بقاله فترة؟
زهرة: أيوة
د.رقية: ليه ما سألتيش عنه؟
زهرة: كنت خايفة ومحتارة، عايزة ابعد عنه، لأني حبيته
د.رقية: غلط يا زهرة، سيبي مشاعرك، عيشي يا بنتي، دا حقك. انتي لسه صغيرة حقك انك تحبي وتتجوزي، الطلاق عمره ما كان اخر الحياة. بالعكس ممكن يكون بداية حياتك من تاريخ طلاقك.



الأحد، 26 أبريل 2015

المتمردة- الفصل السادس


عاد محمد من عيادته في تمام العاشرة مساءا –كما هو معتاد. لم يكن يحب أن يتأخر في عادته، يبدأ العيادة من الساعة الرابعة عصرا ويظل هناك حتى التاسعة مساءا ويعود في تمام العاشرة مساءً. يبلغ محمد من العمر ثمانية وثلاثين عاما، تخرج من كلية الطب وتخصص في الطب النفسي.
محمد أرمل، تزوج عن حب مباشرة بعد تخرجه من زميلته في الكلية، بعد قصة حب طويلة دامت طيلة أعوام الدراسة. تزوجها وظل الحب يجمعهما حتى توفت بعد أول عام زواج وهي تلد أول طفل لهما، وتوفى الطفل هو الآخر بعد ولادته مباشرة-كأنه لم يرد أن يعيش بلا أم ويحرم محمد منه ومن أمه. بعد وفاة زوجته لم يفكر محمد في الزواج مرة أخرى، ربما لأنه لم يجد من تنسيه أحزانه وآلامه على فقد حبيبة قلبه وولده.
اعتاد محمد منذ زواجه أن يذهب صباحا هو وزوجته لتناول طعام الإفطار والغداء في النادي، ثم يذهب لعيادته الخاصة من الساعة الرابعة وحتى التاسعة ثم يكون في منزله في تمام العاشرة. حتى بعد وفاة زوجته، لم يتخلى عن الروتين اليومي لحياته، يتناول طعام الإفطار والغداء في النادي، ثم يذهب للعيادة ويعود في تمام العاشرة لمنزله.
منذ وفاة زوجته منذ ما يقارب ثلاثة عشر عاما وهو لم يغير حياته، عندما كان يذهب للنادي كان يحب أن يذهب للمكتبة ليقرأ هناك أو يستعير بعض الكتب. وفي أحيان أخرى كان يجلس يراقب أعضاء النادي وتصرفاتهم، الروتين الوحيد الذي تغير أنه أصبح يقضي يوم أجازته في النادي، ويجلس ليلا على مواقع التواصل المختلفة ليتابع المجموعات والمنتديات ويراقب تصرفات الأفراد على شبكات التواصل، وكيف تتغير عنها في الواقع.
وفي الآونة الأخيرة، انشغل كثيرا بمتابعة المجموعات المختلفة على الفيسبوك والمشاكل التي تنشر عليه. كان يحب متابعة المشاكل والمشاركة في حلها دون أن يعرف أحد أنه طبيب نفسي؛ حتى يتقبل الجميع مشورته دون خجل، كان يشعر بالسعادة الغامرة في كل مرة كان يساعد أحدهم على تخطي مشاكله.
كم حاولت والدته رحمها الله اقناعه بالزواج من أخرى، ولكنها فشلت. وكان رد محمد عليها دائما أن زوجته لم تمت قط، وأنها تحيا في قلبه ولم تستطع أي أنثى –حتى الآن –أن تشغل مكانها.
كان وفيا حقا لزوجته، لم ينسها يوما. لا يفعل ذلك الكثير من الرجال؛ فبعد مضي الوقت يخبو الحب وتخبو الذكرى وتصير في طي النسيان، وسرعان ما يبحثوا عن زوجة أخرى. أما محمد لم يكن كذلك، ظل وفيا لزوجته وحبيبة قلبه.
**********************************************************


قبل مرور الثلاثة أشهر، أرسل عم زهرة لها رسالة يعتذر عن عدم قدرته على القدوم إلى مصر ولكن طلب منها أن ترسل له نسخة من أوراقها لاستقدامها وعمل عقد عمل لها هناك كي تعيش بجانبه وجانب زوجته.
لم ينجب عم زهرة، تزوج عن حب ولم ينجب. وعندما أصبح الجميع يضايق زوجته بسؤالها عن عدم انجابها، ومحاولة والدته مضايقتها واختيار زوجة له كل فترة؛ بحث عن عقد عمل في أي دولة خارج مصر ليذهب مع زوجته بعيدا عن الجميع.
وعندما علمت زوجته بما حدث مع زهرة اتفقت معه أن تكون زهرة ابنتهما، وطلبت منه استقدامها للعيش معهم. كانت آية –زوجة عمر، عم زهرة –طيبة بحق، تحب الجميع. وكانت تحب زهرة جدا، فهي أكثر من والدتها، تألمت كثيرا من أجل ما حدث لزهرة وخاصة موضوع اجهاضها.
تحدث عمر مع زهرة، وشرح لها سبب عدم قدرته على القدوم لمصر. تفهمت زهرة الأسباب أو ربما لم تفهم، ولكنها اعتادت أن يتركها الجميع. لذا بدأت في تجهيز أوراقها كما طلب عمها منها وأيضا ذهبت للطبيبة النفسية.
ذهبت زهرة للعيادة لا تعرف ماذا تقول أو لماذا ذهبت من الأساس للطبيبة، ولكنها شردت في العيادة لم تجد فيها المشاهد المعتادة في الأفلام العربية، ولكنها وجدتها أنيقة جدا وبسيطة جدا. تتكون العيادة من صالة للانتظار، وغرفة لكشف الطبيب على مرضاه، وغرفة أخرى بها مكتبة كبيرة لمن يرغب من المرضى الدخول والقراءة، ويتم بها عقد جلسات العلاج الجماعي، الذي لم تفهم معناه في البداية.
زاهية جدا الألوان المستخدمة في العيادة، كم أعجبت بها زهرة كثيرا. فهي تداخل الأصفر الفاتح مع الأبيض والأخضر الفاتح تركيبة الألوان معا وتداخلها وتراصها يعطي العين إحساس كبير بالراحة، كما أن غرفة المكتبة ألوانها مع لون خشب المكتبة تعطي إحساس كبير بالراحة.
خرجت زهرة من شرودها عندما نادت عليها الممرضة لدخولها للطبيبة. دخلت زهرة للطبيبة، اسمها كما عرفته هو د. رقية، في العقد الخامس من عمرها، محجبة، شديدة بياض البشرة ذات عيون خضراء لا تصدق أبدا أنها مصرية، ممشوقة القوام، رغم أنها في عقدها الخامس إلا أنك لا يمكن أن تصدق أنها ليست في الثلاثين من عمرها.
د.رقية: ازيك، اسمك زهرة صح؟
زهرة: أيوة، اسمي زهرة
د.رقية: طيب يا زهرة، ايه هي مشكلتك؟
زهرة: مش عارفة، أنا أصلا مش عارفة أنا جيت ليه، يمكن عشان ساقي الورد قالي لازم أروح لدكتور نفسي، يمكن عشان لسه حاسة إني مجروحة بعد طلاقي، صدقيني لو قلت مش عارفة!
د.رقية: مصدقاكي طبعا
من كلام زهرة للطبيبة، أدركت د.رقية مشكلتها. إن زهرة –مثل معظم النساء المصريات –لا تعرف ماذا تريد؛ فهي، مثلهن، تعودت أن تكون تابعا لآخر يريد لها أن تكون شيئا فتكونه، لآخر يريد لها أن تفعل ذلك فتفعله، دون رغبة منها في فعله.
د. رقية: ممكن تحكي لي عن نفسك اللي تحبي أني أعرفه؟
صمتت زهرة كثيرا، فهي لأول مرة لا تعرف ماذا تحب أن تقول، ولكنها فوجئت من قولها، لقد قالت لها
 "عندما ننسى أنفسنا ونكرس حياتنا لآخرين، هنا نضيع بلا رجعة لأننا عندما نفيق نجد أننا فقدنا هويتنا وضاعت منا أحلامنا. وفي هذا الوقت نندم على فاتنا في رحاب الآخرين؛ خاصة إذا لم يشعروا بنا وبما نقوم به من أجلهم. فتبًا لهم وتبا لنا. سحقا لكل من أساء لقلب أهديناه لهم، وسحقا لكل من لم يقدر ما أعطيناه لهم من حب. حتى الآن لا أعرف من أنا ولا ماذا أريد، أحاول أن أستكشف نفسي في غياهب الجب التي أحيا بها، أحاول أن أعرف هل فات أوان استكشافي لذاتي أم أنني قررت ذلك قبل فوات الآوان. أنا المتمردة على أوضاعي، أنا المتمردة على حياتي، أنا المتمردة على كل شيء، أنا زهرة عبد الخالق"
هكذا بدأت زهرة تعرف نفسها أمام الطبيبة المعالجة لها، لقد اتخذت زهرة قرارها بالذهاب للطبيب النفسي؛ بعدما أضناها البحث عن ذاتها، وأخذتها دوامات الحياة؛ فقررت أن تذهب للعلاج النفسي علّها تجد نفسها، وتستطيع أن تجد أحلامها قبل فوات الأوان.
لم تفاجأ رقية من التحول الذي ظهر على ملامح زهرة عندما تكلمت عن نفسها، إنها تتوقع أن يكون داخلها امرأة متمردة. توقعت أن مشكلة زهرة تكمن في تمردها على مجتمع وتقاليد حبستها وجردتها من حريتها، ولكنها في ذات الوقت تخاف من هذا التمرد، ولا تعرف كيف تقوده، إنها تنتظر من يساعدها على تمردها.
د.رقية: مين ساقي الورد دا يا زهرة؟
زهرة: دا واحد عرفته عن طريق الفيسبوك، قبل ما اتطلق. وعلى فكرة أنا اتطلقت عشان جوزي اتجوز عليا مش عشان ساقي الورد
د.رقية:  وايه اللي خلاكي تتوقعي أني أفكر انك اتطلقتي عشانه؟
زهرة: عشان احنا هنا في مصر
لقد أنار كلام زهرة الطريق أمام طبيبتها، لقد صدق حدسها. إن ما تشكو منه زهرة هو رغبتها في أن تتمرد وأن تجد نفسها، وخوفها من خروجها من دور التابع الذي تربت عليه لدور القائد المسئول.  واسترسلت زهرة في الحديث عن نفسها، دون أن تقاطعها رقية –التي كانت تكتب ملاحظتها على زهرة –حتى مرت ساعة كاملة لم تشعر بها إلا بعد أن قاطعتها الطبيبة
د.رقية: زهرة بصي، انتي مشكلتك الأساسية، زيك زي ستات وبنات كتير غيرك عايزة تلاقي نفسك. دا خطأ تربية للأسف بتقع فيه أمهات كتير بتربي بنتها على أنها لازم تكون تابع لحد، انتي المفروض تكوني نفسك وتعرفي انتي عايزة ايه، انتي مش محتاجة ادوية رغم إني ملاحظة حالة الاكتئاب دي، خدي أجازة وغيري جو، روحي النادي، سافري. شوفي نفسك تعملي ايه واعمليه واشوفك كمان اسبوع، اتفقنا.
أطاعت زهرة طبيبتها، قدمت على أجازة طويلة من المدرسة ومن المجموعات. لكن المدرسة رفضت الأجازة لقرب فترة الامتحانات، لذا قامت زهرة بأكثر شيء حسبت أنها لن تقوم به يوما، لقد قدمت استقالتها من العمل. وطالبت بشهادة الخبرة ومستحقاتها المالية، لم يصدق عادل الخطوة التي أقدمت عليها زهرة، وتوقع أنها تفعل ذلك هربا منه. ووافق مدير المدرسة على استقالتها ظنا منه أنها لا تريد العمل في مكان يعمل به طليقها.
وحاول عادل أكثر من مرة أن يسألها عن سبب استقالتها من العمل، إلا أنه كان يتراجع في آخر لحظة، بأي حق يسألها؟ وبأي وجه يتكلم معها، إنه يشعر أنه طعنها وجرحها حرجا كبيرا لا يمكن أن تشفيه الأيام. لذا آثر الصمت، ولكنه قال لها أنه موجود إذا احتاجت أي شيء، كما أن نفقتها ستزيد من اليوم حتى تجد ما يكفيها، وإذا أرادت أن يزيد عليه سيزيد.
كانت زهرة تدرك أن عادل يمر بحالة من الندم، لذا لم تقبل منه أي من مقترحاته، اكتفت بنفقتها الشرعية التي يؤديها لها شهريا. وتفرغت للبحث عن ذاتها، فهي لم تحب يوما عملها في التدريس ولم تحب الفلسفة. لذا كانت تذهب يوميا للنادي وتحضر كافة الندوات الثقافية هناك وتدخل المكتبة، وبدأت تلاحظ شغفها باللغات والترجمة. هنا قررت زهرة أنها لابد أن تصقل هذه الرغبة في تعلم اللغات والترجمة، وأن تعمل بهذا المجال الذي يتيح لها التعامل مع الثقافات المختلفة، خاصة العمل في مجال الترجمة.
التحقت بدورات تعليم اللغات والترجمة، وحضرت الندوات الثقافية المختلفة. وبدأت بالفعل بالتدريب العملي في أحد مكاتب الترجمة لتتعلم أصول العمل المهني. وكتبت رسالة لعمها تقول له فيها أنها لا تريد السفر الآن، وأن هناك من الأعمال الكثيرة التي تنتظرها هنا في مصر.
أخيرا اختارت زهرة بنفسها ما تراه مناسبا لها، اختارت بنفسها دون أن يعرض أحد عليها أو يقول لها ماذا تفعل.
وفي خضم ذلك، لم تنسى زهرة يوما التحدث مع ساقي الورد. لقد أصبح كلامها معه روتين يومي، لم تكتفي بالكتابة بل أصبحت تتحدث معه صوتيا عن طريق برامج المحادثات المختلفة. حتى الآن لم تأخذ زهرة قرار تبادل أرقام الهاتف-رغم شعورها الشديد بالراحة معه.



السبت، 25 أبريل 2015

المتمردة -الفصل الخامس الجزء الثاني


ذهبت زهرة بعد طلاقها لشقة والدتها، التي كانت تتمنى أن تعيش بها منذ علمت زواج عادل. ولكن كانت تشعر بالحزن لفقد طفلها. ذهبت للمدرسة بعد الطلاق لتمارس حياتها الطبيعية، وكانت تذهب للنادي بعد المدرسة، وتقضي بقية اليوم على الفيسبوك ومواقع التواصل الأخرى باسمها "زهرة الياسمين".
في المدرسة –وكما كانت تتوقع –بدأت المضايقات ومحاولات التودد من بعض المدرسين صائدي المطلقات، والذين يرون المطلقة أنثى تسعى للحصول على متعتها –وبدأت مضايقات أخرى؛ مثل، تهرب زميلاتها منها خوفا أن تخطف زهرة منهن أزواجهن. إن ما يحدث الآن مع زهرة كانت تتوقعه؛ فهي كانت تعرف كيف ينظر المجتمع ويتعامل مع المطلقة، دائما ما يتعامل معها على أنها جرثومة ومرض يجب القضاء عليه. وكما هي عادة زهرة لم تكترث لكل ذلك. أما في النادي فلم يكن أحدا يعرفها أو يعرف زوجها؛ فهي لم تكن تذهب معه إلى هناك، حيث كانت دائما تذهب وحدها. وقررت زهرة أن يكون لها معارف وأصدقاء، لابد أن تنتهي فترة الوحدة هذه.
حاولت التواجد أكثر في النادي، والاشتراك في المسابقات الثقافية المقامة به، والذهاب للمكتبة للقراءة، كم كانت تحب القراءة –خاصة الشعر والروايات –والغريب أن زهرة لم تشعر بالوحدة والفراغ بعد الطلاق؛ فكان وقتها مشغول دائما بالقراءة والعمل والنادي والمسابقات والندوات. وعندما ينتهي يومها وتذهب للمنزل تفتح الفيسبوك وتبحث عن ساقي الورد لتتحدث معه.
لم تعرف زهرة من هو ساقي الورد ولا شخصيته الحقيقية، ولا هو يعرف شخصيتها الحقيقية ولكنها كانت تثق في آرائه، كانت تحكي له ما تمر به وينصحها بما تفعل. ولكن المضايقات التي كانت تتعرض لها زهرة كانت كثيرة وشديدة لم تحتملها، وفي احدى المرات وهي تتحدث معه كانت منهارة، اضطر مع انهيارها أن يحدثها صوتا لأول مرة وطلبها على برنامج المحادثة
ساقي الورد: مالك يا زهرة الياسمين؟ في ايه؟
زهرة الياسمين (منهارة): تعبانة مش قادرة اللي بيحصل دا كتير قوي، دا حرام وانهارت باكية
ساقي الورد: شغلتيني ارجوكي قولي ايه اللي حصل؟
زهرة الياسمين: مش قادرة، بجد مش قادرة، كل اللي أقدر أقوله إني كرهت الناس كلها وتعبت
ساقي الورد: بصي الحل الوحيد دلوقتي يا زهرة إنك تروحي لدكتور نفسي، لازم وضروري
زهرة الياسمين (باندهاش وهي لا تزال تبكي): انت عرفت اسمي منين؟
ساقي الورد: ايه دا انتي اسمك الحقيقي زهرة؟ انا قلته اختصار لزهرة الياسمين
ندمت زهرة على تسرعها في أن يعرف اسمها الحقيقي، ولكنها قبلت فكرة أن تذهب لطبيب نفسي. إنها تعلم من داخلها أنها تحتاج من يرشدها للطريق الذي تمشي به، لا يمكن أن يكون أحد لا يعرف عنها شيء، بل لابد أن يكون شخص يعلم عنها كل كبيرة وصغيرة. بحثت زهرة عن أسماء الأطباء النفسيين، حتى أنها سألت ساقي الورد إذا كان يرشح طبيب بعينه، حتى قررت الذهاب لطبيبة كانت قد قرأت لها مقالات عدة في عدة دوريات وأعجبها أسلوبها وطريقتها في الكتابة وتشخيص الحالات المجتمعية.

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...