عندما استيقظت علياء لم ترغب أن يرى أحدا ضيقها وحزنها مما حدث يوم
أمس، وجدت عمتها توقظها، ودخلت عندها هي وفردوس للمباركة، كم كانت فردوس قلقة منذ
تحدث معها عبد الخالق عن قلقه على عادل وتنتظر أن تسأل علياء وعادل عن أخبار
الليلة، وكانت خديجة متشوقة لتعطي ابنتها التي لم تلدها النصائح التي تساعدها أن
تكوّن أسرة مستقرة. فتح عادل باب الغرفة لوالدته وعمته، لازال صوت علياء يتردد في
سمعه وتحديها له. لن يتكلم وسيحاول أن يتحكم في أعصابه، مازالت أمامه مشاكل عديدة
منها المحاسب والسرقة وكيف يحافظ على سمعته. ألقى عليهم التحية وخرج من غرفته ليفسح
المجال أمام النساء للحديث.
احتفظت علياء بآلامها لنفسها، كما تعودت أن تفعل دائما، كانت خجلة من
الأسئلة التي وجهتها لها فردوس، وخففت من قلق فردوس بخجلها؛ فكانت حمرة الخجل دليل
فردوس للاطمئنان على ولدها، تركت العروس لتستعد للنزول وطلبت خديجة من فردوس
الانفراد بعلياء.
خديجة: يا ابنتي، لا تعرفي مقدار فرحتي بك اليوم، انت عروس العائلة
وسيدة هذه الدار من بعدي، يجب أن تعرفي ذلك من الآن وتتصرفي على هذا المنوال
علياء وهي تبكي: لماذا يا عمتي؟
خديجة وهي تحتضن علياء: ماذا يا ابنتي؟
علياء: لماذا تركتيه ينتهكني هكذا؟
خديجة: إنها حال كل النساء، كل من تتزوج يحدث لها ذلك
تسمرت علياء من رد خديجة الذي لم تتوقعه، العادات والتقاليد تبا لها!
كل شيء يستباح هنا باسم العادات والتقاليد. فضلت علياء الصمت وتغيير مجرى الحديث، لا
شيء سيتغير من كلامها، يجب أن تتعلم الصبر وتتعلم كيف تفعل ما تريد، سيأتي يوما
تكون هي سيدة الدار والمتحكمة في شئون المنزل والمتحكمة في عادل والعمدة، لن تترك
العادات والتقاليد تتحكم فيها بعد ذلك، ولكن عليها بالصبر ولتفكر كيف تتعامل مع
الوضع الحالي.
بعد تناولهم الإفطار جميعا، وعندما اطمئن عبد الخالق من فردوس على
سلامة عادل البدنية، خطر بباله شيئا لم يكن يتوقعه، ماذا لو كان عادل يخاف من فضح
المحاسب أمر ما، إنه يذكر عصبيته ومحاولاته المستميتة أن يظل المحاسب في العمل
وألا يسافر، وشعر عبد الخالق بالقلق من صحة ما جال بباله، لن يتحمل أن يكون عادل
خائنا للأمانة، ولكنه في الوقت نفسه يخشى إذا كان ذلك صحيحا على العائلة وشملها،
لذا اتصل بالمكتب ليرى إن كان مأمون قد وصل أم لا وعلم أنه وصل المكتب في الأرض
بالفعل ويجلس مع المحاسب الجديد.
***************************************
في الطريق إلى الفندق حيث يقضي عادل وعلياء شهر العسل، لم يتحدث أي
منهما، وفي خلال الطريق كان عادل منشغلا، كانت هي الأخرى بالها مشغول كيف تمنع
عادل عنها، وكيف تتصرف، خطر ببالها ما فعله مع خديجة في اليوم المشئوم، وكان الحل
بسيطا حبوبا منومة تضعها له في أي مشروب دون أن يدري، لتستطيع النوم دون أن تخاف
من محاولاته المستمرة لكسرها.
وصلا إلى الفندق وصعدا لجناحهما، ثم قالت لعادل أنها تريد أن يجلب لها
الفندق بعض الأشياء وإن كان يريد شيئا، واتصلت بالفندق وطلبت منه أن يشتري لها
حبوبا منومة قوية لأنها لا تستطيع النوم وأن يرسل معها بعض الطعام والمشروبات،
وبالفعل حصلت على طلبها دون أن يعي عادل ما حدث.
دخلت لتغيير ملابسها في حمام الغرفة، بعد أن خرج عادل لتوه منه،
واختارت ملابسها الخاصة بالحجاب التي كانت ترتديها وهي في الدوّار، وأثناء وجودها
بالحمام سمعت عادل يتحدث مع شخص ما؛ فأرهفت السمع لتسمع كل ما يقال وصعقت عندما
وجدت عادل يهدد المحاسب إذا اتهمه بأي سرقه، ثم يعود فيلطف من كلامه مرة أخرى. لم
تجد فرصة أفضل من ذلك لتمنع عادل عنها، ويخاف منها ومن فضحها لسره، فهو حتى الآن
لا يعرف أنها تعرف سرقته لعمه واخوته، ويجب أن تستفيد من ذلك، فهي كانت تعرف أن
عليها البحث عن الحجج التي تبعد عادل بها وقد قدمها عادل لها على طبق من ذهب.
تفاجئ بها عادل تخرج من الحمام بعد ارتداء ملابسها بحجابها، وقبل أن
يسألها لما ترتدي الحجاب وهما وحدهما في الغرفة وجدها تقول له أنها سمعت كلامه مع
المحاسب السابق وعرفت أنه خان والدها، ثار عادل وحاول ترضيتها حتى لا تتكلم
فاستغلت الفرصة وطلبت منه عدم القرب منها إلا برغبتها هي ومتى شاءت دون غصب، ولم
يكن أمام عادل بد من الموافقة على ما تقول وإلا فضح أمره وكشف سره.
اتفقت معه ألا يفرض عليها أمرا، وعليها ألا تخجله أمام الناس، ولكنه
شعر بجرح غائر عندما قالت له أنها حتى الآن لم توافق على زواجها منه، وبالتالي
زواجها منه باطل حتى توافق، ولكنها في الوقت نفسه ستحافظ على سمعته ومظهره أمام
الناس وتصون كرامته وعليه أن يفعل ذلك معها، وإلا سيعرف الجميع أنه سارق وسرق من؟
الرجل الذي أحسن إليه ورباه وسرق أمه واخوته.
دخل عادل للبلكونة يحاول أن يستنشق أي هواء، لقد أحس أن الغرفة لا
هواء بها، شعر بالاختناق الشديد، يحاول أن يستنشق الهواء بلا فائدة، في ذلك الوقت اتصل
الاستقبال بعادل يقول له أن هناك مكالمة هاتفيه له فوافق على استقبالها تركته
علياء يتحدث ودخلت للشرفة تشم هواء القاهرة وترى المدينة وهي تعلم أن أمامها أياما
طوالا لتشاهد كافة معالمها ولكنها سمعت عادل وقد ارتفع صوته دون أن يشعر بأقذر
السباب وأدركت من كلامه أن من تحدثه سيدة وأنها تريد أن تنسب ابنها له، ما هذا
الكلام الغريب، لابد أن تحتفظ بهدوئها الآن.
أنهى عادل المكالمة بعد أن سمعت علياء الحديث وفهمت ما به، ألا يخجل
عادل من أفعاله! ألا يكبر! ألا يصير رجلا! وجدته شاردا في الشرفة دخلت وطلبت هاتف
مكتب المحاسب في أرض والدها لتعرف ماذا جرى، رد عليها مأمون أنه اكتشف اختلاس
مبالغ نقدية كبيرة، ومازال هو وعمه يدققون في الدفاتر والحسابات ودون سابق انذار
سمعت عادل يصرخ ويقع في الشرفة فصرخت باسمه وتركت الهاتف وذهبت لترى ماذا حدث،
وجدت عادل ملقى على الأرض لا يتحرك ولا ينطق فجرت على الهاتف وقالت ما حدث لمأمون
وأغلقت الخط معه وطلبت منه الاتصال بوالدها، طلب مأمون منها طلب سيارة اسعاف لأحد المستشفيات
الخاصة الكبرى فورا وإخباره باسمها وتطور الأحداث حتى يصل إليها.
لم يتوقع أي منهم –عادل وعلياء وعبد الخالق ومأمون –أن يحدث مكروه
لعادل، فاليوم هو ثاني يوم على زواجه، لقد سافر من قنا مساء اليوم الأول على
الزفاف ووصل للقاهرة في مساء اليوم التالي.
دخل عادل المستشفى، كان التشخيص المبدئي ذبحة صدرية، وأوصى الأطباء
بضرورة دخوله الرعاية المركزة وطلبت علياء أن تظل بجواره ولا تتركه، سمح لها
الأطباء بالمكوث في غرفة خاصة بالمرضى تكون لها ولكن لا تدخل لعادل فترة طويلة،
وسمح لها الطبيب بالبقاء معه دون اجهاده، اتصلت بمأمون مرة أخرى في المكتب وكان
والدها هناك وأخبرتهم اسم المستشفى.
كان عادل لا يزال فاقدا للوعي ولا يشعر بأحد كما قال لها الأطباء،
فجلست بجانبه وقبلت يده واحتضنتها في يديها، وكانت تتكلم معه وهي تعلم أنه لا
يسمعها أو يشعر بها؛ لذا استرسلت معه في الكلام الذي طالما حلمت أن تقوله له
وتعاتبه به:
"حبيبي وحبيب قلبي، سلمك الله من كل كرب، نعم أحبك، أحبك منذ
نعومة أظفاري، أغار عليك من نساء الدنيا، كم كنت أريد حبك وحنانك، أحببتك لما
وجدتك تحب والدي وتجله –كما أفعل –أحببتك حين جعلته قدوة لك، ثارت غيرتي وجن جنوني
من أفعالك مع النساء، وكثيرا ما سألت نفسي لما تفعل ذلك مع النساء الرخيصات وفي
يدك أن تتزوج. ثم ثارت كرامتي لما فعلته معي في الفندق وقت تكريمي لنجاحي في
الثانوية العامة، لقد كرهتك وقتها كما لم أكره أحدا من العالمين، بعدها كرهتك أكثر
عندما صرت أنا المتهمة أمام عمتي، وكرهتك أكثر عندما هتكت عرضي وكرامتي في العلن،
هكذا أمام الناس.
أتدري كيف كنت أحلم بيوم زواجنا، كم حلمت بكلمة أحبك أسمعها منك، كم
حلمت بضمة يدك ليدي في حب واشتياق، كم اشتقت أن تلمس يدك شعري وتمر عليه، أن تلمس
وجنتي وتهمس في أذني أحبك.
ولكني وجدت يوم زواجي منك يوم مهانتي، يا للصدف أتدري أنه كان اليوم
السابق لذكرى ميلادي ووفاة أمي، وكأن ذلك إعلانا من القدر أن حياتي معك ستكمل
مأساتي، لا أفرح بيوم ميلادي كما تفرح صديقاتي، أنه أشقى أيامي، يوم فقدت والدتي.
أتعلم كم كنت أحتاج إليها يوم حاولت اغتصابي لألقي بنفسي في حضنها
الدافئ وأبكي، كم كنت أحتاج إليها يوم ختاني، يوم كبلتني عمتي لهلاكي، أتعرف كم
كنت أحتاج لحضن أمي أرتمي به بعد أن تحطمت أحلامي الوردية في يوم زفافي بمن أحبه
على صخرة الواقع والعادات والتقاليد، كم كنت أحتاج إليها عندما رفضت خروجي من
البيت لمدة عامين وتركت دراستي لأجلك حتى أنك رفضت خروجي لشراء مستلزمات زفافي،
أكنت تعاقبني بذلك على زواجي منك، صدقني يا عادل لم أفهمك، ولا أعرف كيف تبدلت
أحوالك وتغيرت، كم كنت ودودا طيبا كيف تغيرت لا أعرف، ولكن أتدري مازالت أحبك
وأكره نفسي لحبي لك، وأتألم من نعتك لي بالعاهرة، لا يا عادل أنا لست عاهرة ولكني
أحبك وأذوب في هواك، أذوب عشقا وأتوق أن أكون بجانبك، ولا أعرف حتى الآن هل ستدرك
حبي لك أم لا، لم أقوى على قول ذلك الكلام وأنت تسمعه؛ لذا آثرت أن يخرج لك وأنت
لا تدري عنه شيئا، يا حبيبي شفاك الله وعفاك". صمتت علياء وأكمل دمعها الذي انهمر على وجنتيها حديثها له، قطع عليها
ذلك البكاء نداء الممرضة لها؛ فخرجت علياء من غرفة العناية المحجوز بها
عادل عندما طلبت منها احدى الممرضات الدخول للطبيب المعالج، بالفعل ذهبت له علياء:
علياء: أنا علياء زوجة عادل الموجود بالعناية، قالت لي الممرضة أنك
تريدني
الطبيب: سيدتي كم مر على زواجك؟
علياء: يومان
الطبيب باستغراب شديد: ماذا؟
علياء: نعم يومان فقط، لقد أتينا من قنا للقاهرة لقضاء شهر العسل، حتى
وجدته يصرخ
الطبيب: لقد تعرض لانفعال شديد أدى لإصابته بذبحة صدرية حادة ويحتاج
للراحة، ماذا حدث؟
علياء: لا أعلم لقد كان يتحدث على الهاتف وسمعت أن هناك سرقة حدثت ثم
صرخ ووقع أرضا
الطبيب: إذن السبب في حادثة السرقة، التعليمات الآن، لا انفعال ولا
اجهاد، ولا أية علاقة زوجية حتى تستقر الحالة
علياء: هل سيخرج؟
الطبيب: لن يخرج قبل ثلاثة أيام من الرعاية ولا أستطيع الجزم بأي شيء
حتى استقرار حالته وعودته لوعيه
علياء: سيأتي أبي –وهو عمه – لزيارته والاطمئنان عليه ومحاولة نقله لأي
مستشفى في قنا، فهل يمكن ذلك؟
الطبيب: لا يمكن الآن على الأقل، لابد أن تستقر حالته، وقبل أن تنصرفي
أريدك أن تمري على الحسابات لتسوية بعض الأمور المالية
علياء: حاضر
اتصلت علياء بوالدها بعد حديثها مع الطبيب، وطلبت أن تتحدث مع مأمون
لتخبره بما قالته للطبيب، فعلمت من مأمون علم عبد الخالق بالسرقة وما حدث، لقد سمع
المكالمة التي كانت بين علياء ومأمون، وانتظرت حتى يصلا للقاهرة لتجد من يقف
بجانبها، ولترجو والدها أن يسامح عادل ولا يخبره بعلمه بسرقاته حتى يسترد عافيته
مرة أخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق