كان عادل أكبر أولاد حامد عم علياء –رحمه الله – هو الآن في الصف الثالث
الإعدادي، لقد أحب أن يكون مثل عمه عبد الخالق، كان يراه مثله الأعلى، لذا أراد أن
يدخل الجامعة وهو يجتهد في مذاكرته ليدخل كلية الزراعة مثلما فعل عبد الخالق،
مأمون الآن في الصف الثاني الإعدادي في ذات مدرسة عادل، أما خيري لم تكن له رغبة
في التعليم فمازال في الصف الرابع الابتدائي لكثرة رسوبه؛ فهو لا يحب الدراسة
وينوي أن يصل للدبلوم وكفى، كما فعل والده.
كان عادل أشبه ما يكون بعبد الخالق فهو وسيم الطلعة، هادئ الملامح،
تخفي ملامحه غلظة شديدة تكتنف باطنه، يحب عبد الخالق، شديد التعصب للعادات
والتقاليد، ينتظر حتى ينهي دراسته ليطالب عمه بنصيبه من ميراث أبيه ليشرف عليه
ويتولى شئونه. حيث يرى عادل أن عمه ظل عاكفًا على حقوقه وحقوق أخوته فترة طويلة
ويجب أن يشاركه أحدهم هذا العبء.
مأمون هادئ الطباع وهادئ الملامح، يحب الدراسة، وينوي أن يدرس الحقوق،
فرغم صغر سنه يرى أن النساء في القرية
كما عرفهن لا يحصلن على حقوقهن، ووالدته خير مثال، حيث تغلبت العادات والتقاليد
على الدين في قريته، فكان يحاول جاهدا أن يدرس ويفهم ليعطي كل ذي حق حقه. كان يحب
عمه ولكن يشعر بالضيق منه في بعض تصرفاته.
أما خيري كان يحقد على عمه بشدة، ويرى أنه ظلم والدته. مازال صوت صراخ
والدته عندما يكون عبد الخالق معها يصم آذانه، وصوت صراخ احسان يوم زواجها، كان
الصراخ في القرية يصم آذانه، ولا يعرف لماذا يقترن الفرح دائما في قريته بالصراخ،
لماذا يفرح الجميع بصراخ النساء؟ حتى إنه مازال يتذكر صراخ احسان، وصراخ طفلتها
الذي أعقبته الزغاريد، دائما صراخ النساء يعقبه الفرح. عاهد نفسه أن ينتقم لأمه من
عبد الخالق، ولكنه لم يعرف كيف ينتقم منه حتى الآن، ينتظر هو الآخر حتى يأخذ نصيبه
من ميراث أبيه، فقط ينتظر أن يتم واحد وعشرين سنة.
***********************************************************
قنا 1980
تحمل فردوس الآن في أحشائها طفلها من عبد الخالق، هي الآن في شهرها
الخامس، جعلها حملها تبتعد بعض الشيء عن الجميع، كان تعب الحمل شديد عليها ولم تعد
قادرة عليه، وظل تعب الحمل يلازمها حتى أنجبت ولدها محمد.
كان الدوار مقسم لأكثر من جزء، جزء خاص بالمندرة والمضيفة وهو بعيد عن
الدوار ولا يكشفه، وهناك جزء خاص بالفرن ونشر الغسيل والمطبخ والحظيرة، وفيه يقوم
الخدم بتخضير الطعام وتنظيف الغسيل وتربية الماشية، وأخيرا الدوار الأصلي حيث
ينقسم هو الآخر لطابقين، الطابق الأول ويسكن به أولاد فرودوس الذكور لكل منهم حجرة
خاصة به، حتى محمد له حجرة خاصة به مع الذكور، وبذلك الدور أيضا طاولة الطعام التي
تتجمع عليها العائلة لتناول طعامها، والتجمع عليها من المراسم التي لا يتنازل عنها
أبدا عبد الخالق.
أما الطابق الثاني فيحتوي على غرفة لخديجة وأخرى لعلياء وأخيرة لفردوس
ولكل حجرة الحمام الخاص بها ولكن التليفزيون منع أن يكون في حجرتهن لابد أن يكون
في بهو الدور وهو تليفزيونا واحد لهن جميعا، ومعه أثاث غالي الثمن رفيع الذوق،
اشتراه عبد الخالق من القاهرة، وبه مكتبة كبيرة ترتكن على الحائط الأكبر للبهو تضم
كافة الكتب والروايات التي اشترتها خديجة وعلياء للقراءة.
أطلق عبد الخالق على الطابق الثاني طابق الحريم، ومنذ بلوغ علياء هو
محرم على أولاد فردوس الذكور؛ أراد عبد الخالق منع الاختلاط والحفاظ على حرمة
حريمه، رغم أن الجميع يجتمع في الدور الأرضي ومأمون يساعد علياء في دراستها في
الدور السفلي والجميع يجتمع فيه للطعام ولكن طابق الحريم محرم طابق محرم على جميع
الذكور في المنزل عدا هو وولده محمد.
وكان مولد محمد عيد في دوّار العمدة، لقد ولد العمدة الصغير، أخيرا
ولد لعبد الخالق الولد الذي سيحمل اسمه ويرث منه منصب العمودية. فعلى الرغم من حب
عبد الخالق لابنته، لكنه كان يعلم أنها لن ترث شيئا وهو لن يكتب لها شيئا باسمها،
فالعادات والتقاليد تقضي بذلك؛ ولكنه كان يخاف أن يموت ويتركها قبل أن تتزوج وبلا
أخ يقف بجانبها ويرث اسمه وأمواله ومنصبه، أما الآن فهو يشعر بفرحة عارمة، بمجرد
أن علم أن مولوده ذكر اطمئن على ابنته، كأن هذا الصغير هو من سيحميها ويقف جانبها،
إذا هو توفى الآن.
وبالطبع بعد إنجاب فردوس لمحمد أصبح منصب العمدة من نصيبه وحقه هو دون
أولاد فردوس الذكور، لم يعن ذلك شيئا لعلياء، ولكنها شعرت أنها ستصبح خديجة
الأخرى، ستكون ابنة العمدة وأخت العمدة. هي تحب خديجة كأنها والدتها، وتعلم أنه
لولا إصرار خديجة على إكمالها لتعليمها ما كانت وصلت الآن إلى المرحلة الثانوية، كما
تعلم أنها أرغمتها على الحجاب لتستطيع الخروج من الدوّار دون أن تطالها الألسن، وساعدتها
في رفض كل من تقدم لها منذ بلغت مبلغ النساء؛ حيث أقنعت عبد الخالق أن ابنته تستحق
من هو أفضل، ولكن مازالت تشعر بغصة شديدة تبعدها عن خديجة كلما حاولت أن تقترب
منها.
وقفت خديجة أمام محاولات عادل المستميتة ضد خروج علياء من القرية
للمدرسة الثانوية، فقد اجتهد كي يوقف خروجها من القرية وكان يحارب ألا تدخل
الثانوية وتكتفي في تعليمها بالشهادة الإعدادية وتنتظر زواجها كما تفعل كل الفتيات؛
فلا داعي لخروجها كي لا تطالها الألسن بالسوء. حرصت خديجة على ارتداء علياء للحجاب
وهي ذاهبة للمدرسة، أما عادل فكان يرى أن علياء من حقه أن يتزوجها باعتباره أكبر
أولاد عمها وبالتالي هي من نصيبه، إلا أنه لم تأت له الجرأة للتصريح بذلك، ولم
تواته يوما الشجاعة لكي يعلن سبب ممانعته الحقيقي في خروجها من القرية، أنه يحبها
وعنده يقين أن الفتاة تحافظ على نفسها إذا كانت تحت مرأى أهلها ولكن ما إن تخرج من
نطاق مراقبتهم فهي تفعل ما يحلو لها. كان ذلك هو تفكيره؛ فهو يرى أن مجرد ذهاب
علياء للمدرسة الثانوية خارج القرية، هو بمثابة تصريح لها بعدم الحفاظ على شرف
عائلتها وبالتالي شرفه هو أيضا.
كان عادل يحب النساء كثيرا؛ لذا اختار أن تكون كليته في القاهرة بعيدا
عن الصعيد ومشاكل الثأر والعادات والتقاليد، كما كان يعتقد أن فتيات المدينة لسن
كفتيات الصعيد، ففي الصعيد لو فكر فقط في مغازلة فتاة سيكون مصيره القتل والسمعة
السيئة، أما في المدينة فلا أهمية لمثل تلك الترهات –كما يراها عادل –فالفتيات مثل
الأزهار يعشق أن يشتمها ثم يتركها، كانت له مغامرات غرامية كثيرة في الجامعة،
وكانت له علاقات كثيرة بفتيات منهن من فقدت عذريتها معه وأخريات أعطينه ما يريد
دون أن يفقدن عذريتهن –في مجتمع كانت العذرية هي الطريق الوحيد لإثبات العفة
والطهارة. وكان ينتقي الفتاة التي يشعر أنها لم يلمسها أحد قبله؛ فيعشق أن يكون هو
أول من يأخذ ما يريد منهن ثم يهرب. هو متأكد أنه لن يتزوج من فتاة سلمت له نفسها
ليأخذ منها ما يريد، حتى لو كان ذلك باسم الحب الذي يخدعهن به.
لذلك كان يرى أن علياء ستكون زهرة يشمها غيره، وهو ما لا يرضى به؛ كيف
يتزوج من لمسها غيره حتى وإن كان ذلك مجرد شك في عقله فقط، ففي نظره أصبحت علياء
خارج نطاق سيطرته وسيطرة والدها، ولكن خديجة وقفت في وجهه وأكملت علياء تعليمها
ودخلت المدرسة الثانوية.
أصبحت علياء شابة جميلة ورقيقة، أجبرتها عمتها على ارتداء الحجاب دون
أن تعلم لماذا ترتديه أو ما هو الحجاب؛ لذا كانت تحرص أن تظهر جزء من شعرها من الحجاب.
هي الآن في الصف الأول الثانوي، تعرفت هناك علياء على الكثير من الفتيات، ولكن لم
تكن لها منهن صديقة.
كانت مدرستها بعيدة عن القرية، لذا لم يكن هناك مجال لسطوة عبد الخالق
وسيطرته، لأول مرة تعيش علياء حياتها الدراسية طبيعية دون أن يصانعها أو يداهنها
أحد. كانت تعرف وهي في مدرسة القرية أن الجميع يهابها بسبب سطوة والدها، كم فرحت
والمدرسون يعاملنها كطالبة متفوقة دون مداهنة أو خوف من والدها، أصبحت تشارك
مقعدها مع زميلاتها، تختار مكانها الذي تحبه، وكذا تختار مع من تتحدث.
كانت فرحة علياء شديدة عندما أخبرها والدها أن المحافظ سيكرمها لأنها
الأولى على المحافظة في الصف الثالث الإعدادي، وزادت فرحتها عندما رأت فرحة والدها
بها وافتخاره بأنها ابنته. رغم حب عبد الخالق لها، كانت تشعر أنه يخجل منها لأنها
أنثى وليست ذكرا، كم تمنت أن تكون ذكرا ليفتخر بها والدها ويسعد، ولكن الحقيقة
والأمر الواقع أنها أنثى، وهو واقع لن يتغير وعليها تقبله كما هو، ولكن فرحة
والدها بها كانت كبيرة وإشارة والدها لتكريمها في كل وقت، جعلها تثق في نفسها
وأنها لن تخذل والدها وستتفوق في دراستها وتكون له فخرا.
في هذه الفترة، تعرفت على الكثير مما كانت لا تعرفه، لقد فهمت الآن ما
حدث لها وهي في التاسعة من عمرها، لقد فعلوا ذلك بها لتكون عفيفة طاهرة، ولكنها
بالحديث مع الفتيات –حيث الحديث عن الختان والموضوعات الجنسية من الموضوعات
المفضلة للفتيات في ذلك السن –علمت أنهن جميعا خضن نفس التجربة، شعرن بذات المشاعر
المختلطة بين الخوف والحزن والكراهية للأهل.
في هذه الفترة قرأت علياء الكثير من الكتب في مختلف المجالات، كانت
تريد أن تعرف وأن تفهم ما يدور حولها، الكثير من الممارسات اليومية في الدوّار
والقرية لم تكن تفهمها وأرادت أن تفهم ذلك من الكتب؛ فقد علمتها خديجة –منذ نعومة
أظفارها –مصادقة الكتب وحبها، وشغفت بالكتب شغفا كبيرا، قرأت في الكثير من
المجالات، الفقه والتفسير والعبادات والطب وغيرها من المجالات، كما قرأت العديد من
الروايات الرومانسية والبوليسية والاجتماعية.
كانت تشعر بشيء ما يجذبها لعادل رغم تشدده معها في أي حديث أو أي
موضوعات تطرح على مائدة الطعام، لم يساعدها في دراستها كما فعل مأمون رغم انشغاله في
دراسته، لم يثن على شيء فعلته، ولكن كانت تشعر بشيء ما يجذبها له، إنه الحب لقد
عرفت ذلك من الوهلة الأولى، كان كبيرا في نظرها؛ كان يحميها منذ وعت على هذه
الحياة، لا تخاف من شيء ولا تهاب أحدا تعرف أن عادل معها لن يضربها طفل أو يسرق ما
معها من حلوى، بل وتعرف أيضا أن عادل سيجلب لها الحلوى.
ولكن مازالت لا تفهم سبب هجوم عادل عليها ورفضه دخولها المدرسة
الثانوية، كانت تتوقع أن يبارك لك ويفرح بتفوقها ويساعد خديجة في اقناع عبد الخالق
بضرورة دخولها الثانوية العامة ثم الجامعة، ولكن فوجئت به يحارب كي لا تكمل
تعليمها.
أصبح عادل شديد القسوة، بل تشعر أحيانا أنه يتعمد هذه القسوة معها منذ
دخلت المدرسة الثانوية؛ حيث كانت تدور بينها وبين والدها وعمتها وأولاد عمها
العديد من المناقشات على مائدة الطعام، تحاول أن تفهم منهم أشياء عدة، منها ما
سمعته من خيري عن حق فردوس في ميراث زوجها الذي رفض عبد الخالق أن يعطيه لها ولا
تنسى ذلك اليوم أبدا لقد تدخل الجميع في النقاش
علياء: والدي لماذا لم تعط أمي خديجة وأمي فردوس نصيبهن في ميراثهما؟
عبد الخالق: لماذا السؤال؟ هل اشتكت لك أي منهما؟
خديجة: انتظر يا عبد الخالق، يا علياء النساء في الصعيد لا ترث، هذا
هو العرف وهذه هي التقاليد
علياء: ولماذا لا ترث، وهذا ما شرعه الله للنساء؟
عبد الخالق: إنها عادات لا يمكننا التخلي عنها،
وقبل أن يكمل
عادل: كيف تأخذ النساء تعب أبيها لتنفقه على رجل غريب، أتريدين أن
يحصد الغريب تعب الأهل؟
علياء: ولكن الله سبحانه وتعالى شرعه لهن، ولم يقل ألا تظل بلا زواج
لترث، حتى التي تظل بلا زواج لا تحصل على شيء
مأمون: ارتاحي من الجدل يا علياء، هنا العادات والتقاليد أقوى من
الدين وأحكامه، هنا تطبق العادات والتقاليد ولا يطبق الشرع إلا على هوى النفس
عبد الخالق (بغضب): استغفر الله العظيم، ماذا تقول يا مأمون، نحن لا
نخاف الله ولا نطبق شرعه؟
مأمون: أجل يا عمي فالعادات والتقاليد أهم من دين الله وشرعه والخوف
من الله تعالى، فقد قال سبحانه وتعالى في سورة النساء الآية السابعة "لِّلرِّجَالِ
نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا
تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً" ويقول
تعالى أيضا في نفس السورة في الآيتان الحادية عشر والثانية عشر " يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ
لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ
ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ
وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن
لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ
فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ
لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ
كَانَ عَلِيما حَكِيماً (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن
لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن
بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ
إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا
تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ
كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ
فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ
يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ
حَلِيمٌ (12)" كما يقول في الآية 176 من نفس
السورة "يسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي
الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ
مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ
فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء
فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " أي
أن الله سبحانه وتعالى أنزل في الكتاب أن النساء ترث ولكن نحن قلنا لن ترث النساء
ولن نطبق شرع الله، هذا ما يحدث.
علياء: ولكن لماذا لم تطالب النساء بحقوقها في الميراث، ألا يساعدها
القانون في الحصول على حقها؟
مأمون: القانون يعطي للمرأة حقها في الميراث، فإذا توفى أي شخص قبل
توزيع التركة لابد من إعلان للوراثة يشمل كل ذوي القربة من المتوفى وتقرر المحكمة
نصيب كل منهم حسب درجة الاستحقاق والقرابة، إلا أن ما يحدث أن غالبية النساء ليست
لهن أوراق تثبت وجودهن ولا يعرفن القراءة أو الكتابة فلا وجود قانوني لهن والتي يستخرج
لها شهادة ميلاد لا تعرف القراءة أو الكتابة وحصلت على ختم مكانه دائما مع الزوج
أو الأخ يتصرف به كما شاء وينقل ملكية ما حكمت به المحكمة للمرأة لصالحه هو.
علياء: ولا عقوبة لذلك؟
مأمون: العقوبة موجودة، ولكن هل قدمت أي سيدة بلاغ بحرمانها من
الميراث؟ الإجابة لا أحد فعل
عادل: وهل تستطيع أي امرأة أن تفعل ذلك، ستجلب العار على العائلة
كلها، وماذا تريد من الميراث وهناك من ينفق عليها وهي لا تنفق شيئا
عبد الخالق: كيف تجرؤ أي امرأة أن تخرج لتقدم بلاغ ضد أب أو زوج،
سيكون القبر –بالطبع –مكانها الطبيعي، ولن تحصل على شيء
علياء: ولماذا لم تعطي زوجتك وأختك نصيبهما؟
عادل: وهل اشتكت أمي من ذلك، وماذا تفعل بصيبها لقد تزوجت من أخي
زوجها وينفق عليها وعلى أولادها، ماذا تريد أكثر من ذلك
عبد الخالق: إذا خطر على بال أي منكن أن تطالب بميراث وترفع قضايا
فالمصير معروف، القبر، انتهى الكلام في ذلك الموضوع
كان الحديث عن ميراث النساء في الصعيد حديثا لن تنساه علياء ما حيت،
فرغم حب والدها لها ولعمتها ولكن كان القبر المكان الطبيعي لهما إذا طالبت أي
منهما بميراثها، حديث لخصه مأمون أن شرع الله لا يطبق إلا إذا كان وفق الهوى
والعادات والتقاليد.
تعلمت علياء أيضا في تلك الفترة ما هو الحجاب وكيف يكون وشروطه
وأحكامه، وعرفت لما يجب عليها ارتدائه؛ فاقتنعت بالحجاب وأحبته، وكانت تسأل نفسها
لماذا لم تقل لها خديجة سبب الحجاب لتحبه، ولماذا لم تقل لها أن إظهار الشعر لا
يتناسب مع الحجاب، أسئلة كثيرة كانت تدور بخلدها، لماذا لا يحاول الأهل شرح أي شيء
للفتيات؟ لماذا عليهن دائما البحث عن إجابات خارج المنزل وخارج نطاق الأهل؟ كلها
أسئلة لم تجد لها إجابة.
ومنذ حديث علياء عن الميراث مع والدها أصبح تركيزها على معرفة أحكام
الدين في أوضاع المرأة وما هو معمول به منها وما هو معطل بسبب العادات والتقاليد،
ووضعت هدفها كما هو هدف مأمون ستحارب حتى تحصل النساء على حقوقها التي فرضها الله
لهن. وشغفت أكثر بالقراءة في هذا المجال وساعدها مأمون على ذلك حيث كان يتخير
الكتب التي يشتريها لها، فهو يعلم مدى شغفها بالقراءة وكان يختار لها الكتب التي
تتحدث عن النساء في الإسلام والنساء في فترة النبوة وحقوق النساء في الإسلام،
أرادها أن تعرف حقوقها لتدافع عنها. كما كان يشتري لها الروايات الاجتماعية
والرومانسية التي لا يشتريها لها عمه.
كان مأمون هو سبيلها لشراء كافة الكتب والروايات التي لا يوافق عليها
عبد الخالق، ليس لأنها غير لائقة أو تحوي ما يشين، ولكن خوفا أن تعرف ابنته حقوقها
وتطالب يوما بها. كانت علياء تحب والدها حبا شديدا وتلتمس فترة وجوده معهم لتتحدث
معه وتناقشه، وكان يسعد بها حقا. إنها تكبر يوما بعد يوم، وهي طالبة متفوقة وأصبح
محمد يحذو حذوها، إنها مثل محمد الأعلى، ولكن لا تزال حقيقة أنها فتاة وليست وذكرا
ولن ترث وليست لها أية حقوق تطالب بها.
رغم أن مأمون يساعد علياء في دروسها ويأتي لها بالكتب التي تقرأها لم تعرف
علياء لماذا تتعلق بعادل وليس مأمون رغم إعجابه الشديد بتفكيرها وعقلها. أما مأمون
رغم اعجابه بتفكيرها فكان يعلم أن عادل يحب علياء، ولكنه كان يستغرب طريقة عادل
معها في التعامل ونظراته الغريبة لها، التي لم تلاحظها علياء أو أي من سيدات الدار،
فقط كان يلاحظها مأمون وحذر عادل أكثر من مرة من عاقبة ذلك إذا لاحظه عمه أو عمته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق