كانت علياء تفكر كيف تغير من عادل وتحاول تقويمه، فاليوم باق ثلاثة
أيام على زواجها من عادل والدوّار يعج بمن فيه من زوار وعلياء تتجول فيه لترى
الاستعدادات التي تتم؛ فقد قررت أن تكون هي صاحبة الكلمة في زواجها وليس أحد آخر
حتى لو كانت خديجة نفسها، أما خديجة فقد فرحت بقرار علياء المفاجئ؛ فهي منذ فترة
طويلة تريد جعلها صاحبة الكلمة في المكان وسيدة الدار، كم كانت خديجة ترى قوة
علياء وأنها نسخة معدلة منها تستطيع أن تقود البيت دون مشاكل ودون أن يشعر أحد
بكللها أو احتياجها لآخرين؛ لذا تركت لها حرية اختيار ما تريد.
أثناء تجول علياء في الدوّار سمعت مكالمة بين عادل وشخص آخر يتحدث فيه
عن ضرورة تعديل السجلات لأن عبد الخالق يود الاطلاع عليها وفهم آخر المستجدات قبل
زواج عادل، فهمت علياء الآن أن عادل ليس سيء الخلق فيما يخص النساء فقط ولكنه أيضا
خائن لعمه وأخوته، ولكن كيف تتغلب عليه وتغيره؟!
قررت علياء أن تمنع نفسها عنه وهي قوية لتفعل ذلك، فقد فعلته سابقا.
لن تحدث جلبة كما تفعل فردوس، ففردوس تحدث الجلبة وفي النهاية يحصل عبد الخالق على
ما يريده، أما عادل فلن يحصل منها على شيء حتى يتغير، ويصبح خوفه من الله هو ما
يسيطر عليه وليس خوفه من الثأر أو العادات والتقاليد، ودعت ربها أن يمنحها القوة
لفعل ذلك.
عندما وصل والدها الدوّار أرادت أن تحادثه وحدها، طلبت منه أن تسافر
في شهر عسل كما فعل مع خيري فعبير زوجة خيري ليست بأفضل منها وطلبت منه أن تكون
فترة العسل شهرا كاملا، استجاب عبد الخالق لطلبها، حيث فرح بقبول علياء الزواج
وطلبها التمتع بهذه الفترة، وأصدر الأوامر لعادل بالسفر مع علياء وسأل علياء عن
المكان الذي تفضل السفر له، فطلبت أن يكون نفس الفندق الذي قضوا به فترة تكريم
علياء في الشهادة الثانوية.
لم يصدق عادل طلب علياء واستجابة عبد الخالق لها، حاول أن يقضي زواجه
كله في البلد، وكان طلب علياء السفر والإقامة في نفس الفندق الذي حاول الاعتداء
عليها فيه بمثابة ضغط عصبي لا يتحمله، ولكن عبد الخالق أصدر الأمر النهائي الذي لا
مناقشة فيه.
لم تعرف علياء كيف تتصرف في أمر سرقة أموال والدها وأبناء عمها، لذا
قررت أن تؤجل مواجهة عادل بهذه الأمور مؤقتا، كل ما عليها فعله الآن هو الاستعداد
لأن تمضي ليلة زفافها على خير، ولتربي عادل بعد السفر، أمامها شهر كامل يربى عادل فيه.
جلست علياء مع عبير تسألها عن تعامل خيري معها وحبه لها، كم كانت تحب
الرومانسية، وكم كانت ترى عادل فارس أحلامها –قبل أن يفعل ما فعله وتعرف عنه خيانة
الأمانة –ولكنها مازالت تحبه، سيتربى عادل ويتغير فعليا.
في محاولات علياء التفكير في شأن المحاسب ومكالمة عادل معه، طرأت
عليها فكرة أن تذهب لوالدها في مكتب الحسابات، كان هذا المكتب يقع في وسط أراضي
عبد الخالق يتعامل من خلاله مع التجار لبيع المحاصيل وشراء الأسمدة، ذهبت بعد أن
تأكدت عدم وجود عادل وعبد الخالق بحجة أنها تريد من والدها أموالا لشراء بعض
المستلزمات والحصول على إذن منه ومن عادل أن تنزل المدينة لشرائها، وافتعلت مشاجرة
مع المحاسب واتهمت المحاسب بالتطاول عليها، جاء عادل وعبد الخالق جريا بعد سماع
أخبار ضرب علياء للمحاسب بعد أن تطاوله عليها، دخل عبد الخالق جريا ليطمئن على
ابنته فوجدها تتوعد المحاسب بعد أن ضربته بالقلم
عبد الخالق مذعورا: ماذا حدث يا ابنتي؟
علياء: جئت لك ولعادل أطلب بعد المال والإذن أن أذهب للمدينة لشراء
آخر مستلزمات الزفاف التي أريدها فلم أجدكم، وتطاول عليّ هذا الشخص بالكلام بحجة
أنه لا يعرفني
عادل وقد استشاط غيظا: كيف تجرؤ على التطاول على زوجتي وابنة ولي
نعمتك
وقبل أن يكمل عادل كلامه تدخل عبد الخالق: اذهب من وجهي واعلم أن عليك
حق سأقتص منك لفعلتك هيا اغرب عن وجهي
هنا انتبه عادل أن الحسابات لم تنتهي كما أراد فحاول تهدئة عبد
الخالق: لينهي عمله اليوم ثم يذهب
علياء: أتتركه يا والدي بعد ما فعل معي؟
عبد الخالق: هيا اذهب من وجهي
عادل موجها حديثه لعلياء بعد أن ذهب كل من في المكان: ألم أقل لك ألا
تغادري البيت
علياء: يا والدي أنا عروس ومن حقي شراء بعد الملابس التي تخص العرائس
ما أحضرته عمتي لم يناسبني، هل أخطأت؟ زفافي غدا متى سأشتريه؟
عبد الخالق ومازال غاضبا: لا عليك يا علياء، هيا للمنزل الآن وفي
البيت نتحدث
فرحت علياء بما فعلته وطرد المحاسب دون أن تقول شيئا عن عادل، وفي
الطريق ظلت تفكر في محاسب جديد وكيف تقنع والدها أن يتولى مأمون إحضاره، وكان هذا
الأمر أسهل من طرد المحاسب لانشغال عادل في التحضر للعرس. بعد وصولهم للمنزل دخل
عادل حجرته وتبعت علياء والدها تعتذر له عما حدث وأنها كان لابد لها من الذهاب له
ولم تعلم أنه غير موجود، ولكن والدها كان يفكر في أمر آخر كيف يتصرف مع المحاسب
وكيف يأتي بآخر جديد، قرأت علياء ما يفكر به،
علياء: آسفة يا والدي ولكني تعودت منك ألا ترد لي طلب وأن لك كلمة على
عادل ولم أعلم أن المحاسب سليط اللسان
عبد الخالق: سليط اللسان!
علياء: نعم يا والدي سليط اللسان، ولكنك تعلم أني ابنة العمدة لا يجب
أن يتطاول أي أحد عليّ
عبد الخالق: لا عليك سأدبه، ولكن كيف آتي بمحاسب آخر وعادل مشغول بأمر
الزواج؟
علياء: أنسيت مأمون؟ يستطيع أن يجد لك محاسبا آخر معروف بأمانته وحسن
الخلق
عبد الخالق: واضح أنه لا حل آخر أمامي، أين مأمون؟
ونادى على مأمون وطلب منه إحضار محاسب جديد، يتولى إدارة شئون الأرض
والأملاك بدلا من ذلك الصفيق، وأضافت علياء طلبا منها لمأمون أن يشرف بنفسه على
شئون الأرض وكل ما يخصها وأن يقوم بجرد عهدة المحاسب القديم.
لم تتخيل أن يتم لها ما أرادت بهذه السهولة، بل أيضا سمح لها والدها
أن تذهب لشراء ما تريد من المدينة، أما عادل فكان خائفا يرتعد مما يمكن أن يكتشفه
عبد الخالق والمحاسب الجديد، وكان يفكر من يمكن أن يأتي به، ولكنه فوجئ بتولي
مأمون مسئولية احضار محاسب جديد وجرد العهدة القديمة مما زاد من خوف عادل
وارتباكه، وفي المغرب كان عليه أن يذهب مع عبد الخالق لعائلة المحاسب القديم
للاقتصاص لعلياء مما فعله معها، لم يعلم ماذا يفعل كان يمشي مع عمه مصدوما مما حدث
ويدعو الله ألا يكتشف ما يفعله، هو يعمل مع عمه منذ تخرجه، منذ تخرجه وهو يسرق
الجميع، ماذا سيحدث لو افتضح أمره؟ ماذا سيحدث؟ لام نفسه على منع علياء من الخروج
فلولا ذلك ما كان حدث ما حدث، ولكن انه وقت لا يجدي فيه الندم.
بعد أن خرج عادل وعبد الخالق وانشغال الجميع في التحضير للعرس وعودة
علياء وشرائها بعض المستلزمات التي أحبت بالفعل أن تشتريها، طلبت أن تتحدث مع
مأمون، فهي تعرف رجاحة عقله، قصت عليه حقيقة ما حدث وما سمعته من عادل وطلبت منه
حكمة التصرف، وقالت له أنها افتعلت المشاجرة فقط لطرد المحاسب دون التسبب بمشاكل
لأخيه، لم يعرف مأمون كيف فعل عادل كل ذلك، ولكنه أثنى على تصرف علياء وعقلها وقرر
أن يكون مسئولا عن الناحية القانونية في العمل ليكون عينا على أخيه، وأن فترة
الشهر هي فترة كافية للتحكم بعد ذلك في عادل وأفعاله فيما يخص الشئون المالية
والإدارية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق