بعد أن تخرج عادل ومأمون من الجامعة، حصل كل منهما على نصيبه من إرث
أبيه وجده. وفضل عادل أن يساعد عمه في تجارته وأعماله وبرع فيها، إلا أنه لم يكن
أمينا على أموال عمه، كان يعشق المال –كما يفعل عبد الخالق –ولكنه لم يستطع أن
يمنع نفسه عن الحرام كما فعل عمه.
وفضل مأمون أن يكمل دراسته في الحقوق ويحصل على الماجستير والدكتوراه،
فهو الأول على دفعته وعين معيدا في الكلية، وأوكل عمه في إدارة أملاكه مقابل نسبة
من الأرباح يحصل عليها عبد الخالق، ووافق عبد الخالق، وقدر ثقة ابن أخيه فيه.
حصل خيري على نصيبه من الميراث بعد أن أتم عامه الحادي والعشرين، وطلب
الزواج من إحدى قريبات والدته، والتي تعيش في الاسكندرية، وقرر أن يبيع نصيبه لعبد
الخالق ويسافر ويعمل في الاسكندرية ويتزوج هناك. كانت رغبة خيري كارثة على والدته،
التي وجدت نفسها تبعد عن ولدها مجبرة، وتواجه الثورة العارمة التي أثارتها رغبته
في بيع أرضه ونصيبه من الميراث، حتى عبد الخالق رغم أنه المستفيد من ذلك، كانت
العادات والتقاليد أقوى من مصلحته الخاصة. لم تكن المشكلة أبدا كونه سيترك القرية
وقنا كاملة ليعيش في الإسكندرية، ولكن كانت المشكلة في رغبته التخلي عن أرضه.
لم يعبأ خيري بكل ذلك، رغم تحذير عمه له، وأصر على البيع. وبالفعل باع
نصيبه كاملا ليسافر للإسكندرية للزواج والعمل. لقد كره خيري قريته بل وقنا والصعيد
كاملا، لم يستطع تحمل كل هذا القدر من الظلم الذي تعاني منه والدته وابنة عمه،
أراد أن يبعد عن كل ذلك، أراد أن يبدأ في مكان ظن أن نسائه لا تظلم، ولكنه أدرك
خطأه بعد ذلك. لم يكن الظلم قاصرا على نساء الصعيد، فالنساء في كل مكان أيضا
يظلمن، ولكن مع اختلاف شكل الظلم وطريقته.
تزوج خيري من عبير ابنة خالة والدته، تعيش في المنشية، لذا اختار سكنه
بالقرب من أهلها في المنشية. وعمل في التجارة هناك، اشترى بنصيبه شقة من الشقق
الكبيرة على البحر ومحل لبيع الأثاث، كان يهوى ذلك المجال، لذا اختار العمل به،
وساعده حماه على ذلك بعلاقاته المتعددة مع التجار على النجاح وأثبت نفسه في ذلك
المجال.
أصر خيري أن يكون الزفاف في الاسكندرية وألا تفضح عروسه كما تفضح كل
النساء في القرية، كم فرحت به فردوس كثيرا –خاصة عندما وجدته يخاف على مشاعر عبير –كم
افتقدت خوف حامد عليها وحرصه الشديد على مشاعرها، كم تمنت أن يكون حامد هنا الآن
بجانب ولده يساعده في زواجه.
لم يبخل عبد الخالق على خيري في شيء، بل ساعده كثيرا في تأسيس شقته في
الاسكندرية وحجز قاعة الزفاف، وكانت هدية عبد الخالق له ولعروسه بالإضافة لمبلغ
كبير من المال أن حجز لهما في فندق خمس نجوم من الفنادق التي لا يرتادها إلا
السادة الكبار، حجز لهما كذلك طائرة من الاسكندرية ليسافرا إلى شرم الشيخ حيث حجز
لهما هناك لقضاء شهر العسل.
على الرغم من رفض عبد الخالق لتصرفات خيري، وخروجه من القرية والزواج
من الاسكندرية، فهو يشفق عليه أن تكون علاقته مع زوجته كما هو مع فردوس –فكان
يعتقد أن ذلك سببه أن فردوس نست جذورها الصعيدية –ولكنه وقف بجانبه، كان يعلم أن
السفر وقضاء شهر العسل من عادات سكان وجه بحري، لذا حجز له هدية منه، فعبد الخالق
يعلم أنه عم خيري وفي مكان والده –رحمه الله –لذا وجب عليه أن يحسن لابن أخيه،
ويجذل له ما يريد حتى لو خالف ذلك هواه. كل ما كان يضايق عبد الخالق أن خيري باع
أرضه، أي باع عرضه، وكان ذلك في عرف القرية وصمة عار، ولكن بعد المفاوضات الكثيرة
ولأن البيع سيكون لعبد الخالق، كان شرطه الوحيد على خيري ألا يعلم أي شخص كان أنه
باع نصيبه من الأرض، ووافق خيري على ذلك.
وعلى الرغم من كره خيري لعمه، وذلك لما يشعر به من ألم كلما سمع صراخ
والدته عندما يأتيها عبد الخالق، وأنه بلا حيلة ليمنع عنها ذلك؛ إنها أصعب لحظة
تمر على الرجل أن يشعر أنه بلا حيلة لمنع الضرر على أقرب الناس له، عن والدته التي
يحبها، فما فائدته إذن! حتى علياء ابنة عمه كم رأى والدته تتألم كثيرا وقت ختانها
وكم آلمه سماع بكائها عقب الختان، وسماع صراخها أثناء الختان. لم يستطع أن يمنع
الضرر عن أي شخص، لذا قرر أن يبتعد. ولكن ما فعله معه عبد الخالق وشعوره بحب عبد
الخالق له ووقوفه جانبه في زواجه وإعدادات الزواج جعلته يعدل عن فكرة الانتقام،
وأن يكتفي بالدعاء لوالدته ولعبد الخالق أن يهدئ الله حالهما.
لم يعرف خيري أنه كبر وأنه يحب عمه إلا بعد ما رأى منه من وقوف جانبه
في زواجه، وخوف عليه وعلى صورته أمام الناس، هو يعلم أن جزء من خوف عبد الخالق على
صورة العائلة بكاملها وطمع الطامعين في الدخول في ميراث عائلة القناوي، لكن ذلك لم
يمنع من شعور خيري بحب عمه وكرهه في ذات الوقت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق