الجمعة، 21 أغسطس 2015

الفصل الثاني (لست عاهرة)


كانت علياء نسخة من احسان، لها نفس الملامح ونفس الروح. أحبها عبد الخالق كثيرا وقربها منه ودللها، أحضر لها من ترضعها حتى أتمت عامها الأول، لم يتزوج من أخرى، لم يشعر أن امرأة أخرى ستعوضه عن احسان رحمها الله، ووجد أن فردوس تحب علياء وتعاملها كما ابنتها وكذلك خديجة، فاكتفى بفردوس زوجة وأم لابنته داعيا الله أن يرزقه الولد الذي يتمناه.
يعيش في دوار العمدة، العمدة عبد الخالق القناوي (العمدة)، وفردوس (زوجته)، وأولادها الثلاثة من أخيه حامد –رحمه الله، واخته خديجة –التي لم تتزوج حتى الآن، وترفض كل من يتقدم لخطبتها –وابنته علياء وبعض الخدم والخفراء.
خديجة هي الابنة الصغرى للحج محمد القناوي، الشقيقة الصغرى لعبد الخالق، تصغره بعام ونصف العام، ملامحها رقيقة، سمراء البشرة، سوداء العيون والشعر، شعرها طويل ينسدل حتى يغطي ظهرها بالكامل، ولكنها تغطيه دائما بطرحتها السمراء –فلا يصح أن يرى الغرباء شعرها وهي سيدة الدار. تعلمت خديجة القراءة والكتابة، ولكن لعادات العائلة لم تخرج للتعليم النظامي، ولكن أحضر لها والدها من يعلمها القراءة والكتابة والقرآن.
كانت خديجة تخاف من الزواج –في حقيقة الأمر –لقد شاهدت زيجة احسان وما حدث بها، وتسمع صرخات فردوس كلما أرادها عبد الخالق. وكانت تجربة حضور ليلة بناء عبد الخالق بإحسان من أكثر التجارب المؤلمة لها. على الرغم من كونها لم تتزوج –إلا أن والدة احسان ووالدة عبد الخالق متوفيتان، ولا توجد نساء أخريات في العائلة –ووفق العادات والتقاليد لابد أن تحضر سيدة من طرف العريس وأخرى من طرف العروس وقت البناء بالعروس البكر لتشهد فض بكارتها، وتخرج بدليل عفة العروس أمام الجموع، لما كان لا يوجد غيرها من الطرفين أقنعتها النساء بضرورة الحضور لتشهد على عفة احسان، وقد كان.
لا تنسى خديجة ذلك اليوم من ذاكرتها، ولا تفهم حتى الآن لما جرت العادات على ذلك، لما يجب أن تكون ليلة البناء بالبكر هكذا في العلن، حتى فردوس زوجة أخيها حامد خاضت نفس التجربة، ولكن في ذلك الوقت كانت والدتها على قيد الحياة؛ فأعفتها الظروف من هذه التجربة القاسية، ولكنها سمعت الصراخ، ورأت المنديل. وبعد حضور بناء احسان كانت تشعر أن ذلك ليس زواج وإنما هو ذبح لشاة قادتها مقادير الحياة لذلك الوضع، لذلك قررت عدم الزواج. لن تكون احسان أو فردوس أخرى، ولكي تقنع عبد الخالق بذلك، كانت تقول له أن من يتقدم لها طامع في مال وأرض وسلطان لها ولأخيها، ولأن المال والأفدنة والسلطة نقطة ضعف عبد الخالق؛ لذا وافقها دون تفكير، وأصبح هو من يرفض من يتقدم لها دون سؤالها؛ فهو لن يسمح لمتطفل أن يأتي ويطلب منه حق خديجة في أرض أو مال.
رغم جمال خديجة وأنوثتها الطاغية، لم تسمح لأحد أن يقترب منها، وكانت هي سيدة الدار المسيطرة عليه، فلا زوجة من زوجات أخيها تستطيع أن تقف أمام ابنة العمدة وأخت العمدة. لم تستطع ذلك أي منهن، فهن يعرفن مكانتها وقدرها عند عبد الخالق، وكانت احسان تعرف أن خديجة هي من أشارت على عبد الخالق بالزواج منها، وبالتالي كانت خديجة صاحبة معروف لا يمكن أن تنكره احسان. أما فردوس فمنذ زواج عبد الخالق منها، والحرب الضروس التي يشنها عليها عبد الخالق ليحصل على حقه الشرعي منها، كانت تشغلها عن فكرة السيطرة على الدار ومن صاحبة الكلمة فيه.
كانت خديجة هي من تحدد كل شيء في البيت بداية من الطعام والملابس والمشتريات وكل ما يخص الدوار حتى مستلزمات ولادة احسان كانت خديجة هي المشرفة عليها. وموت احسان كانت خديجة هي صاحبة اليد الأولى فيه؛ فلم يكن عبد الخالق ليسمح هو الآخر بذهاب احسان للمستشفى.
بعد وفاة احسان كانت هي المشرفة على المنزل والطفلة الرضيعة، ولكن عبد الخالق طلب منها أن تشارك شئون طفلته مع فردوس، علّها تقدر له ذلك وتتغير. أحبت خديجة علياء كثيرا، وكانت كثيرة المحاولة مع عبد الخالق ليسمح لها بأخذ علياء لنزهة لأهل احسان والخروج من الدوار.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...