السبت، 29 أغسطس 2015

الفصل التاسع (لست عاهرة)


حانت اللحظة الفارقة في حياة علياء، اليوم هو زفافها على عادل، حلمها القديم الذي لوثه عادل بفعلته معها –التي لم تعرف لها سببا حتى الآن، ولا تدري لما فعلها –عليها أشياء كثيرة لابد من اتمامها، أنهت خديجة وفردوس تحضير العروس وتحضير الطعام للمدعوين وإلباسها فستان زفافها، كم بدت كفراشة رقيقة في فستانها، كم كانت رقيقة كما الزهرة، لم توجد فتاة أو سيدة في الزفاف إلا وحسدتها على رقتها وجمالها، لم تكتف علياء بجمال الشكل والروح ولكنها حازت معهم النسب والخلق والدين والمال.
فرحت عبير لفرحة علياء بالزواج، ولكنها كانت فرحة يشوبها بعض الحزن عندما علمت من خيري كيف سيتم البناء بها، كم استنكرت ذلك، واستغربته، وكم شعرت بمدى حبها لخيري عندما جنبها تلك التجربة القاسية، إنها تشعر أنه ملاك بالفعل، ولكن عدم حملها بعد فترة طويلة من الزواج كان يؤرقها، وفجأة وأثناء الفرح شعرت بدوار شديد أفرغت بعده ما في جوفها، حدثت بعض الجلبة، وعلى الفور فحصتها الطبيبة –التي أرسل عبد الخالق على الفور في طلبها –وبعد الفحص المبدئي وبعض الأسئلة شكت الطبيبة في حملها فطلبت أن يذهب أحدهم لها ليشتري لها تحليل حمل منزلي وأجرت التحليل لعبير التي اكتشفت –توا –أنها تحمل جنينا من زوجها ليتوج هذا الزواج، رجحت الطبيبة أن عمر الحمل شهران ونصف الشهر بناء على بعض الحسابات المعروفة في ذلك الشأن، مرة أخرى تعالت الزغاريد والمباركات على عبد الخالق وخيري، لقد كان زواج علياء خيرا على عبير وبشرى خير للعائلة.
لقد تغيرت معاملة خديجة الجافة مع عبير منذ تلك اللحظة التي علمت فيها بحملها، لقد كانت تتعامل معها كما لو كانت أرض بور لا تطرح الثمار، كما فكرت في تزويج خيري من أخرى ولا بأس أن يحتفظ بعبير، ولكن الآن لا داعي لهذا الزواج الذي رفضه خيري، الآن عبير وجبت لها الراحة، والمعاملة الحسنة.
وحان الآن موعد اتمام الزواج والبناء بعلياء، الذي أعقبه صرخات متتالية، صحبها كره شديد من علياء لعادل، لقد ذكرها بكل ما أرادت أن تنساه، وأقسمت أنها لن تمكنه منها حتى يتغير، حتى يموت الحيوان المتخفي في هيئة إنسان، والذي لم يتركها بعد خروج خديجة وفردوس، أكمل ما أراده منها كانت صرخاتها متعة له، ورفضها وعدم قدرتها على المقاومة تثيره كثيرا، وعندما وجدت منه ذلك أرادت أن تكسره وتكسر هذه الفرحة. لقد علم الجميع الآن أنها بكرا ولن يجرؤ عادل على قول غير ذلك، وعندما انتهى قالت له أنه حيوان لا يدري كيف يسعد زوجته أو يتعامل معها.
كانت مفاجأة عادل كبيرة عندما قالت له علياء ذلك، لقد توقع أن تتقوقع على نفسها وتبكي كما تفعل والدته ولكنها لم تفعل، لم تبك حبست دموعها وآلامها، فقط أخبرته أنه ليس رجلا! كانت كلماتها بمثابة جرح وزلزال هز كيانه، كيف تجرؤ على محادثته على هذا النحو، وكيف تقول له أنه لا يعرف كيف يمتع زوجته لم يشعر بنفسه حتى قال لها " أنت عاهرة" فما كان منها إلا أن نظرت له نظرة حملت في طياتها الاستهزاء والتحدي وردت عليه "لست عاهرة، أريد حقي من زوجي بالطريقة التي أريدها أنا، وفي الوقت الذي أحدده، لست جارية لك، ولست أنت سيدي، يجب أن تعلم من أنا، وتتعلم كيف تعامل النساء، لست واحدة من العاهرات والساقطات اللاتي تقضي وقتك في أحضانهن".  
لم يدر عادل كيف يتصرف، لا يستطيع أن يتكلم، فماذا عساه يقول، لذا تركها واغتسل وخرج ليجلس في الحديقة مع الضيوف الذين تمنوا له زواجا سعيدا، منهم من أعطاه بعض المخدرات وآخرين بعض الحبوب المقوية، وأعزى الجميع ذهوله لأنه عريس جديد، ولكن عبد الخالق شعر أن هناك شيء ما على غير ما يرام، لكنه آثر الصمت في حفل زفاف ابنته التي تأكد الجميع من عذريتها، لذا اعتقد أن المشكلة تكمن في عادل، وكان يفكر كيف يتصرف، ولكن الصمت الآن هو الأفضل للجميع وليجعل فردوس تطمئن على قيام عادل بواجباته الزوجية من علياء.
عندما خرج عادل من الغرفة، أطلقت علياء لنفسها العنان في البكاء الصامت –الذي اعتادت عليه منذ صغرها –لم تتخيل أن يكون أول يوم في حياتها مع عادل بهذا القدر من السوء، لم تتخيل مدى تمسكه بالعادات حتى التي أصبح يتخلى عنها البعض، بكت دون صوت، وانسالت دموعها شلالا على وجنتيها ثم قررت الكف عن البكاء فقامت واغتسلت وصلت ودعت ربها أن يقويها حتى تربي عادل وتغيره. مازالت تحبه رغم ما فعله، ولكنها تعلم أن تحديها لعادل هو ما يغيره، لذا قررت أن تخوض التجربة حتى النهاية إما أن يتغير عادل أو يطلقها.
وقامت لتحضر ما تحتاج إليه أثناء السفر لها ولزوجها، سيكون السفر في مساء يوم الصباحية –بعد أن يأتي الجميع للمباركة للعروسين وجلب الهدايا التي تتناسب وقدر عائلتهما –لم يستطع عادل التملص من السفر، وباءت كافة محاولاته بالفشل، لقد أصر عبد الخالق على سفرهما لما وجد عادل ساهما، أما عادل كان يحاول التملص من السفر لخوفه من كشف أمره وكذا لمواجهة علياء وتحديها له.
في المساء وبعد ذهاب الضيوف، طلب عبد الخالق من زوجته الاطمئنان على علياء في الصباح وعلى عادل وهل قام بواجبه، خاصة أن حجرة العروسين لم يصدر منها أية أصوات، وهذا ما كان يقلق عبد الخالق كثيرا.
جاء الصباح، كان عادل ينتظره لعدم قدرته على مواجهة تحدي علياء له، لقد حاول الحصول عليها مرة أخرى ولكنه لم يستطع، نظرات التحدي التي تملأ عينها وتركها له وقضاء الليل في الصلاة، وتعاملها معه على أنه غير موجود، جعله كالمجنون لا يفهم ما يحدث ولا كيف يتصرف، وأيضا انشغاله بما فعله والخوف من كشفه، كان يتوسل للصباح أن يأتي.
أما عبد الخالق ظل يعاني من الأرق ولا يقوى على النوم، يريد الاطمئنان على ابنته، ماذا لو كان عادل يحتاج لعلاج ما أو يعاني من خطب ما وكان يغطي على ذلك بسمعته السيئة مع النساء، كيف يتصرف وكيف يثبت ذلك، لقد تذكر انكاره لما قالته زميلته في الجامعة عن حملها منه واغتصابه لها، كان هو الآخر يتوسل النهار أن يأتي.
كانت فردوس مذهولة من تصرفات عبد الخالق وقلقه، هي تعلم أنه كبر ولم يعد يقدر على المعاشرة، وهي أيضا كبرت، كانت تتوقع أنه يفكر في الزواج من أخرى وأن زواج عادل شجعه على ذلك، فحاولت أن تسأله عن سبب انشغاله وتفكيره، وذهلت عندما صارحها عبد الخالق بما يفكر به، وخافت هي الأخرى على ولدها فظلت مستيقظة تتوسل النهار أن يظهر.
نام الجميع بعد أن أجهدهم التفكير، واستيقظوا على صوت خديجة توقظ العرسان لتناول الفطور توقظ عبد الخالق وفردوس –لأول مرة يستغرقا وقتا طويلا في النوم –لم تكن خديجة تعرف ما يفكر به كل منهم، فهي كانت في حالة نفسية سيئة؛ اختفت بعد البناء بعلياء مباشرة ولم يلحظ أحدهم ذلك، لم تستطع النوم تلك الليلة لذا انتظرت آذان الفجر وصلت، ثم قامت لتباشر شئون المنزل وتحضر فطور العروسين والطعام الذي سيتناولانه أثناء السفر، كم تشعر أنها أم العروس بالفعل والجميع يبارك لها زواج علياء، تشعر أن ابنتها قد تزوجت ولن تفارقها، ستعلمها الآن كيف تكون سيدة الدار، أصبحت لعلياء كافة المقومات، الزواج والذكاء والفطنة وكذا هي ابنة العمدة وأخت العمدة، فمحمد على الرغم من صغر سنه ولكنه العمدة، لن تكون له زوجة حتى تتمكن علياء من السيطرة على الدوّار واحتياجاته وإدارته، بالتالي ستصبح هي سيدة الدار دون منازع.
كم مرت الأيام سريعة وأصبحت وليدة الأمس عروس اليوم، لقد صادف يوم زواج علياء اليوم السابق ليوم مولدها لم يذهب أحد اليوم للمقابر ولن تقام سنوية احسان التي مر على وفاتها حتى الآن اثنى وعشرون عاما، وذلك حتى لا تفسد فرحة العرس، وكذا الفرحة بحمل زوجة خيري، كم تعجبها كلمة "عمة" التي تقولها عبير –بعد أن كانت تقول لها "طنط" طلبت منها خديجة أن تناديها "عمة" فلا توجد في قاموسها كلمة "طنط" وانساقت عبير لرغبتها، وكم تحب كلمة "أمي" التي تقولها علياء –رغم أنها تقولها أيضا لفردوس –ولكن خديجة كانت تفتقد شعور الأمومة وعوضتها علياء ذلك الشعور، فكانت نعم الابنة، وها هي الابنة تصبح زوجة.
ايقظت خديجة كل من في الدوّار، عملت بكد واجتهاد حتى حضرت كل شيء، واستيقظ الجميع لتناول طعام الإفطار، ولكن لم يحضر مأمون طعام الإفطار لأول مرة منذ ولد؛ عندما سأل عليه عبد الخالق أثناء الإفطار علم من خديجة أنه استيقظ مبكرا، وذهب للمدينة لإحضار محاسب لتولي أعمالهم بدلا من ذلك المحاسب سليط اللسان، تغير لون وجه عادل، ولكن لم يلحظ ذلك سوى علياء، فغيرت مجرى الحديث، وسألت والدها عن وسيلة السفر وتأكيد حجز الفندق، فطمأنها على كل شيء، وطلب عبد الخالق من خيري البقاء بعض الوقت حتى يطمئن على زوجته وحملها، ولكن خيري أصر على السفر لتتابع زوجته الحمل في طبيبتها في الاسكندرية وتكون مع والدتها لتعينها على أعمال المنزل، واستغرب عبد الخالق أن عبير تتابع مع طبيبة وطلب أن يتحدث مع خيري بعد تناول الإفطار.
عبد الخالق: لماذا تذهب زوجتك قبل الحمل للطبيبة؟
خيري: عندما تأخر الحمل، وأصيبت عبير بنزيف مستمر ذهبنا للكشف عليها، وهناك اكتشفنا وجود ورم حميد في الرحم واضطررنا لاستئصال الورم وكانت تتابع علاجها، وعلمنا أن الورم هو سبب منع الحمل والنزيف
عبد الخالق (بقلق وحنان الأب): ولماذا لم تخبرنا يا ولدي، لنقف بجانبك؟ هل تحتاج لأي شيء؟
لم يجد خيري ردا أبلغ على ما شعر به من حنان عبد الخالق واهتمام به سوى أن يحتضنه، كأنه يحتضن والده، كم كان يشعر أنه يحتاج لذلك الحضن والإحساس أن هناك من يهتم لأمره، عجبا لعمه، الذي تجتمع فيه كل النقائض، الحب والحنان مع القسوة، تدينه مع عدم مخالفة العادات والتقاليد التي تخالف الدين، عجبا له! أخبره خيري أن كل شيء على ما يرام وأن تجارته هي الأخرى على ما يرام، وطلب منه أن يأتي لزيارته وقضاء بعض الوقت معه في الإسكندرية، كم يفتقدهم جميعا.
سعد عبد الخالق بكلمات خيري، لقد كان يشعر دائما أن خيري يمقته ولا يرغب في وجوده معهم دون أن يدري سبب ذلك، لقد كان يحسن معاملتهم جميعا كأنهم أبنائه وليسوا أبناء أخيه، لم يبخس أي منهم نصيبه في ميراث أبيه –عدا فردوس طبعا، فلا ميراث لأنثى –ولكنه بدأ يشعر بتغير خيري منذ زواجه؛ لقد تغير وأصبح شخصا آخر، وها هو الآن تغير ثانية للأفضل عندما علم أنه سيصبح أبا. لقد كبر أبناؤه جميعا وأصبحوا رجالا، كم يمتنى أن يصبح محمد مثلهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...