الثلاثاء، 1 سبتمبر 2015

الفصل الحادي عشر (لست عاهرة)


بعد أن ازداد الألم على عادل وانعدمت قدرته على التنفس، لم يشعر بشيء حتى وجد نفسه غير قادر على تحريك جسمه وغير قادر على التحكم في أي شيء أو فتح عينيه، سمع كلام شخص مع علياء من الكلمات فهم أنه في المستشفى، سمع من حديث علياء معه وهو في الغيبوبة كلمات غير واضحة له، لم يكن قادرا على الكلام أو الرد، أو حتى التفكير فيما قالت.
بعد أن بدأ وعي عادل يعود له بعد أيام من وصوله المستشفى، كان ما يشغل تفكيره هو كيف سيواجه الجميع –بخاصة عبد الخالق –عندما يعلموا باختلاسه أموالهم وسرقتها، وكلما فكر في ذلك ازداد حنقه وغضبه من علياء، وبدأت الأجهزة في الصراخ من جديد.
لم يعلم الأطباء سبب التدهور الذي حدث بعد استقرار الحالة، ولكن عادل يعلم أنه استشاط غضبا من علياء وخوفا من عمه مما جعله غير قادر مرة أخرى على تحمل تبعات تصرفاته، ومر أسبوع على عادل وهو في هذه الحال، حتى قرر أن يواجه مصيره ويحاول جمع شتات نفسه ويؤجل الغضب والخوف حتى ينهي هذه المسألة.
خلال هذه الفترة وصل محمد مع والده ليقفا جوار علياء، حمدت الله أن محمدا معه، كم تحب محمد وتستمع بكلامها معه، رغم أنه يصغرها بعشرة أعوام إلا أنها تشعر أنه أكبر من عمره بكثير، يفهمها ويحبها ويقدرها وجعلها مثله الذي يحتذى به. تذكر كيف ثار على الجميع لرفضه العادات والتقاليد التي تفضح ما ستره الله عن الناس، وكيف ثار على عادل عندما اشترط عدم اكمالها لتعليمها ولكنها تعرف أن الكلمة الأخيرة في يد والدها؛ ولكن محمد هو سندها الذي تحتمي به من الأيام وتدعو الله أن يظل هكذا ولا يتغير.
عندما وصل والدها وأخوها طلبا منها الذهاب للفندق للراحة بعد أن سمعا منها ما حدث، وطلبت من أبيها الصبر على عادل وعدم محاسبته حتى يسترد صحته مرة أخرى، ووافق والدها على ذلك، إذ لم يكن من الممكن محاسبة عادل وهو يرقد على فراش المرض، ففي النهاية عبد الخالق هو من رباه وإذا أخطأ عادل فلابد أن أساس المشكلة من عبد الخالق.
عندما تدهورت حالة عادل مرة أخرى بعد استقرارها خاف عليه عبد الخالق كثيرا، فكان يشعر أن سبب ما يمر به عادل هو خوفه من الفضيحة ومن رد الفعل، وكان عبد الخالق في حيرة من أمره ماذا يفعل، وتشاور مع علياء ومحمد في الأمر واستقر بهم التفكير على أن يغرم عادل ما اختلسه وسرقه منهم مقابل أن يبعد تماما عن أي إدارة لأملاكهم ويقوم مأمون ومحمد بإدارة الأملاك تحت اشراف عبد الخالق. لقد أراد عبد الخالق ألا يدع أي مجال لوسوسة النفس الأمارة بالسوء أن تدخل بين أفراد الأسرة وفي ذات الوقت كان يرفض فكرة سجن عادل ومقاضاته ويخاف عليه إن هو طرده.
رحب مأمون أيضا بهذه الفكرة، حيث كان يخاف من عقاب عبد الخالق وبطشه أن يطالا أخيه. كان الجميع في انتظار استرداد عادل لصحته، وجميعهم ينتابهم القلق عليه وعلى حالته الصحية ويدعون الله أن يمر هذا الأمر بسلام.
******************************

استقرت حالة عادل الصحية وخرج من المستشفى وذهب إلى بيته في قنا مع زوجته وعمه محمد أخيه وابن عمه في ذات الوقت، لم يتحدث أي منهم في موضوع السرقة والاختلاس وكشفهم ما كان يقوم به عادل. نفذت علياء أوامر الطبيب حرفيا، وكانت تراعي نوعية الأكل المسموح بها ومواعيد الأدوية والراحة التي أمر بها الطبيب، وعندما وجد عبد الخالق من عادل استقرار حالته الصحية طلب أن يتحدث معه في وجود مأمون. طرح عبد الخالق ما توصلوا له في شأن ما قام به عادل، ووافق عادل على ما اتفقوا عليه، لقد كان بالفعل يخاف مما يمكن أن يحدث له ووفر ما أشاروا به عليه عناء ما كان يتوقع حدوثه من سجن وطرد من المنزل والمحافظة بأسرها.
فكر عادل فيما يمكن أن يقوم به، واهتدى إلى أن ينشئ مصنع لتغليف الخضروات واللحوم والأعلاف التي تنتجها مزارعهم، يكون المصنع ملك له ويكون في المدينة أو القاهرة وهم الموردين له، على أن يكون هو المسئول الأول والأخير عن المصنع ويكون من نصيبه من أملاكه، طلب عبد الخالق وقتا للتفكير في ذلك الأمر؛ فما يقترحه عادل يتطلب أن يكون المصنع في المدينة وليس القرية وكان يحتاج للتفكير وحساب عائد ذلك الأمر وكذا أن يحاول وأد أية فكرة أو محاولة قد تجول بخاطر عادل لمعاودة سرقة أموال أخوته.
أراد عادل بفكرته هذه أن يبعد كل البعد عن التعامل في أملاك غيره، وهو يثق في أخوته محمد ومأمون وكذا عمه يثق في نزاهتهم في إدارة باقي ممتلكاته، كم شعر باحتقار نفسه عندما طغت عليه شهوته في السرقة وخيانة الأمانة. كما أراد بذلك أن يبتعد عن أي نظرة لوم أو عتاب من الجميع، وفي الوقت نفسه يبعد علياء عن مكمن قوتها وهو أبوها وعمتها ليعاقبها عما فعلته.
كان عادل شارد الذهن عندما دخلت عليه علياء الغرفة لتعطيه الدواء، نهرها عندما شعر بغتة بوجودها، لم تنبت ببنت شفة أعطته الدواء ولمعت عيناها واحمر أنفها ولكنها لم تبك، خرجت دون أن تقول كلمة، وشرد عادل مرة أخرى ولكن شرد في علياء وطريقة معاملته لها.
يعلم عادل أنه يحب علياء واسترجع ذكرياته معها يتذكر يوم ولادتها وكيف ظلمت في هذا اليوم، لقد قالت له أمه "أنها مسكينة فقدت أمها وفقدت معها الأمان وستظل عمرها كاملا تحمل نفسها ذنب وفاة أمها وقت ولادتها وذنب كونها فتاة" في ذلك الوقت ورغم صغر سنه قال لوالدته أنه هو أمانها وحمايتها، وظل يراعي علياء ويراقبها من بعيد إذا حاول أحد إيذائها أو مضايقتها وجد عادل له بالمرصاد، ثم جاء ختانها ومنع من اللعب والجلوس معها. كانت كلما كبرت كبر حبها في قلبه، ولكنه كبر هو الآخر ووجد أن خروجها من المنزل للتعليم يعرضها لمخاطر جمة ويعرضها لشباب السوء ويكثر عنها الكلام، ورغم حجابها كان يعارض دخولها الثانوية العامة.
تذكر عادل أول مرة له مع عالم النساء، لقد كانت مع أصدقاؤه في المرحلة الثانوية، كان هو وأصدقاؤه يذهبون للمدينة ويبتعدون قدر إمكانهم عن القرية ويقفون أمام المدرسة الثانوية والإعدادية للبنات. كانت البنات تستجيب لهم إذا كن بعيدات عن أهلهن، فلا يخفن إذا ما شاهدهن أحد، لا ينسى يوم سأل احداهن عما إذا كانت لا تخشى علم أهلها بما تفعله، فكان جوابها هي تعيش في قرية بعيدة عن المدينة ومادامت عذراء فلا يهم أي شيء آخر. كما تذكر عادل أول يوم عرفه أصدقاؤه على بيوت المتعة، كانت كلها منزل لسيدات ابتعدن عن ذويهم فلا رابط لهن ولا ضابط، هناك تعلم كيف يأخذ ما يريد دون أن يترك حملا أو يفض بكارة. تذكر ما فعله في الجامعة مع الفتيات وكيف سلمن له بكلمة حلوة ونظرة من عينيه، لم تقاومه أيهن، ولكنه تذكر أنه كان يختار من يعرف أنها لن تقاوم، لم يفكر أبدا في فتاة يعرف أنها من طريقة تعاملها في الجامعة أنها سترفضه. كان يعرف الفتيات من نظراتهن له، من وجد في نظرتها رغبة أن يتكلم معها أو يقيم علاقة لم يتردد أبدا في ذلك، وهن كن يقعن في شراك حبه المزعوم حتى يسأم منهن ويبحث عن أخريات.
لقد كانت تجربة قاسية عليه، تعلم منها أن النساء طبعهن الغدر والخيانة، ولا يعرف لماذا تذكر علياء، هل هي مثلهن؟ طرد عن عقله الفكرة تماما، هي من تربت على يديه ولا تترك القرية ولا تتحرك دون خفر أبيها، سيتزوجها عندما تنهي التعليم الإعدادي مادامت عمته وعمه يصران على تعليمها حتى المرحلة الإعدادية، ولكن كيف يتكلم في ذلك الموضوع، أيتكلم مع عمه أم عمته. كانت تلك أفكاره عندما أنهت علياء السنة الأخيرة في المرحلة الإعدادية، وتفاجأ بما فعلته خديجة لتدخل علياء الثانوية العامة، ثم ما فعله هو ليتأكد من أخلاقها.
وتذكر ما فعله معها، لقد كان يعتقد أنها مثل الأخريات اللائي قابلهن في الجامعة في مصر، أو من قابلهن بعد إنهاء دراسته الجامعية وجد المتزوجات وغيرهن من تسلم له نفسها نكاية في زوجها أو في العادات والتقاليد، من أدراه أن علياء لم أو لن تفعل ذلك، لن يتحمل أن تفعل ذلك، وكان لابد له من اختبارها الاختبار الأقصى، لقد هيأ لها كل ظروف التي تلقي فيها باللائمة عليه، خدر عمتها ودلس عليها حتى دخلت غرفته وهما في محافظة أخرى بعيدون كل البعد عن أهلها، لقد كان يحبها ولكن يخاف أن تكون مثل البقية، لقد خطط كل شيء منذ البداية، يعرف أن سمعته تسبقه في موضوع النساء وسوء خلقه من هذه الناحية، ولكن لابد أن يخوض التجربة، يعلم أنه سيتزوجها سواء قضى على شرفها أو لم يقض في الأولى ليستر عرضها وعرض عمه من فضيحة كبرى والثانية لأنه يتأكد من أخلاقها.
لا ينكر بينه وبين نفسه أنه في ذلك اليوم رغم أنه كان يعرف أنه اختبار لها ويتمنى أن تعترض وترفض حتى إن ماتت، ولكنه كان يتمنى أن يشتم رائحتها ويلمس جسدها ويشعر به، لقد أقدم على ما فعله بكل ما أوتي من قوة من حبه لها وخوفه من النساء.
بعدما ضربته وأنقذت نفسها من براثنه كان يريد أن يتزوجها ولكن كيف يفعل ذلك وهي تريد أن تدخل الجامعة، أي ستجد هناك ألف عادل، وهو يحبها ويرغب في الزواج منها، يرغب أن يكون قربها. كان يمنع نفسه كثيرا من لمسها ومحاولة تقبيلها كم كان يود ذلك، حذره مأمون من عاقبة نظراته لعلياء وما تشمله من رغبة إذا ما لاحظه أحد.
مسكين هو مأمون. لا يعرف كم يخاف عادل على علياء ويحبها كما يرغبها تماما، ولكنها الغيرة التي جعلته يعارض دخولها الجامعة، ويبحث عن غيرها زوجة له، لقد ساعدته كثيرا خديجة بطلبها منه أن يتقدم لعلياء ويتزوجها، لا يعلم أحد منهم كم يحبها ولكنها عنيدة وكانت تحارب من أجل التعليم والجامعة وها هو قبل أن يتقدم لها يشترط عدم خروجها من المنزل، أراد أن يتأكد أنها لا تحب وتواعد، لقد أحكم عليها الرقابة دون أن تشعر هذه الفترة، لقد ظلت عامين منذ تقدم لها عادل، عامين لا تخرج فيهما من الدوّار، إلا مرات تعد على أصابع اليد الواحدة، مرة عندما ذهبوا لزيارة خيري في الإسكندرية، وأخرى في رحلة الأقصر التي وعد بها عبد الخالق علياء. أغلق عليها الحصار فقط ليتأكد من سلوكها وعدم مواعدتها أحد.
كان قراره أن يكون الزواج وفق العادات والتقاليد بمثابة درس لها، أن تخضع وتخشع لهذه العادات ولا تحاول أن تتخطاها.
ثم تذكر عادل ما حدث يوم زفافه وما قالته، وتحديها له. حتى الآن لا يعرف عادل كيف أتتها الجرأة والقدرة على أن تقول ما قالت! كيف تفعل سيدة محترمة ما فعلته وكيف تقول ما قالته! من منهما الرجل ومن منهما القائد في الحياة، بالطبع هو من يقود هذه العلاقة، أليس هو الرجل؟ والرجال قوامون على النساء، أي فقه قرأته لتنازعه قيادة زواجهما. ثم تذكر تهديدها له بكشف أمره لوالدها إذا هو لمسها مرة أخرى، ولكن ها هو والدها علم ما فعله وتم تسوية المشكلة، ماذا ستفعل بعد ذلك إذا هو أخذ حقه منها.

لقد كان دائما يحبها ولا يحتمل أن يجرحها أحد ولكن العادات والتقاليد أهم من الحب، العادات والتقاليد لابد أن تتبع، العادات والتقاليد هي من تحكم الناس في هذا البلد، لذا كان يفكر في ابعادها حتى يتثنى له إعادة تربيتها من جديد وفق ما يروق له، وليعاقبها على ما قالته وما فعلته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...