الخميس، 20 أغسطس 2015

الفصل الأول (لست عاهرة)


قنا 1970
دوار العمدة
يتعالى صوت صراخ من داخل المنزل، وتوجد حركة غير عادية للنساء داخل الدوّار، الصراخ يزيد ويعلو صوته؛ إنها احسان تلد أول مولود لها وللعمدة عبد الخالق القناوي، ولكن يبدو أن هناك شيء غير طبيعي في ولادتها؛ حيث ترتسم علامات الحزن على وجه البعض، والبعض الآخر علامات القلق والتوتر. تخرج القابلة لتخبرهم شيء ما وتبدو علامات القلق والتوتر على ملامحها
-         لابد أن تذهب للمستشفى، لا أستطيع أن أفعل شيء
-         ماذا تقصدي بذلك؟ أتريدي أن تكشف نسائنا على الرجال، ء اجن عقلك يا امرأة!
-         إنها تنزف ووضع الطفل غير طبيعي، من الضروري أن تذهب لمستشفى المركز
كان ذلك الحوار بين أخت العمدة والقابلة، وعلى الرغم مما سمعته خديجة من القابلة إلا أنها أرادت أن تنهي ذلك، فلا سيدة في عائلتهم تكشف على رجل غير زوجها، هذه هي التقاليد والعرف الذي تعارفوا عليه؛ لذا طلبت من القابلة المحاولة مرة أخرى حتى لو ماتت احسان ولكن لابد أن تحافظ على المولود الذي يجب أن يكون ذكرا!
كانت خديجة تعتقد أن النساء في عائلتهم يجب أن يلدوا الذكور، والذكور فقط، وإلا من سيرث منصب العمدة بعد أخيها عبد الخالق.
تزوجت احسان –ابنة عمهم –من عبد الخالق منذ تسعة أشهر، تبلغ هي من العمر ستة عشر عاما، بينما يبلغ عبد الخالق تسعة وعشرين عام. كانت آية من الجمال، يتسابق الشباب في القرية على الزواج منها، فهي ممشوقة القوام، خمرية اللون، سوداء العيون، شعرها ذو لون أسود حالك كظلام الليل، طويل وناعم ينسدل على كتفيها. هي عروس ممتازة لأي شاب؛ فهي ذات مال وجمال وحسب ونسب، ولكنها حاصلة على الشهادة الابتدائية فقط. لم يوافق الحج سرحان –والدها –أن تخرج ابنته للتعليم؛ فلا حاجة لها به –كما كان يرى –إنها لن تخرج من بيتها إلا على بيت زوجها، حتى لا تتناولها الألسن بالسوء.
كان الجمال نقمة على احسان، فكان جمالها سبب عدم اكمالها التعليم، وسبب في التعنيف المستمر لها من أهلها، فالجمال والمال يغريان الطامعين في العائلة وحسبها ونسبها. عندما أكملت خمسة عشر عاما، تقدم لها ابن عمها عبد الخالق، فوافق الأب على الفور. وكيف لا يوافق وهو يحافظ على تقاليد عائلته، لن تخرج ابنته للغرباء، كما تزوجت من عصبها كما هو معمول به في العائلة، وهو ذا مال وسلطان، إنه عمدة القرية.
لم تكن احسان الزوجة الأولى لعبد الخالق، إنها الزوجة الثالثة له. لقد تزوج عبد الخالق قبلها من نبوية وفردوس. طلق نبوية وهي الزوجة الأولى لأنها لا تنجب. وكان قد تزوجها من خارج القرية، كانت متعلمة –وذلك في عرف عائلة القناوي عيب فادح –ولم تراع التقاليد التي كانت عليها العائلة، تعرف عليها عبد الخالق أثناء دراسته الجامعية في كلية الزراعة، وتزوجها وهو مازال في سنته الثانية بالكلية. وبعد مرور أكثر من عام على زواجهما ولم تحمل نبوية، وذهب بها للطبيبة التي قالت لهما أن نبوية تعاني من مشاكل صحية تمنعها من الحمل؛ فكان مصيرها الطلاق. لم يشفع حب عبد الخالق لها، فقد كانت العادات والعرف هما سيدا الموقف. أما فردوس فهي لا تزال زوجته وتعيش معه في نفس الدوار مع احسان، فردوس هي ابنة خالته، تزوجها بعد تخرجه من الجامعة مباشرة أي منذ ما يقارب التسع سنوات. تزوجها عبد الخالق لأنها كانت زوجة أخيه وأنجبت منه ثلاثة ذكور، لذا لابد أن تتزوج من أخي زوجها –هذه هي العادات في عائلتهم –تزوجت من عبد الخالق لأنه لم يتزوج بعد، ولأنه الأخ الأوحد لزوجها الراحل، وتزوجها هو لأنها العادات والتقاليد حتى لا تخرج أملاك أخيه من سطوته، ولا يربي الغرباء لحمه ودمه.
كانت فردوس تعيش مع والديها في الاسكندرية، ولم تعرف شيئا عن الصعيد وعاداته وتقاليده عندما تزوجت من حامد أخي عبد الخالق، والذي توفى بعد زواجهما بعد إنجابها منه عادل ومأمون وخيري. زاد عنادها لتلك العادات عندما أجبرت على الزواج من عبد الخالق –طبقا لعادات الصعيد وإلا فإنها لن ترى أولادها مرة أخرى –لذا كانت عنيدة، وكان تتمنع على عبد الخالق، لكن كان عنادها يزيده رغبة فيها. كانت لها أملاك والدها فهي وحيدة والديها وآل إليها ميراث والدها، وأصرت على الحصول على ميراثها من زوجها؛ فماطلها عبد الخالق حتى تزوجها، ولم تستطع الحصول منه على شيء، ففضلت البقاء معه حفاظا على إرث أولادها، وحفاظا على وجودهم جانبها، لم تستطع فردوس تخيل حياتها بعيدا عن أولادها. كان عمر أولادها عندما تزوجها عبد الخالق عادل ثلاث سنوات ومأمون عامان وخيري لم يكمل عامه الأول.
كانت جميلة جدا، تشعر أنها لا تنتمي لذلك المكان؛ فهي بيضاء شقراء، ذات عيون عسلية اللون، بدينة قليلا، ولكنها البدانة المحبوبة التي تحب أن ترى بها سيدة، مرحة وتحب المرح، ولكنها نست ذلك في دوار عبد الخالق، بعد أن تزوجته. أنجبت من عبد الخالق محمد وحامد وتوفى كل منهما فور ولادته ولم تنجب منه حتى الآن.
لم يكن عبد الخالق يحصل على حقه من فردوس برغبتها ولكن كان يأخذه غصبا، وكان ذلك يجعله دائما عصبي المزاج، ولم يدر لماذا تعامله فردوس بهذا الأسلوب. ولكن وفي نفس الوقت كان يشعر بنشوة الانتصار في كل مرة يأخذ حقه منها غصبا، يشعر أنه يدخل معركة يخرج منها المنتصر دائما.
كان عبد الخالق الطفل الثاني للحج محمد القناوي عمدة القرية، لم ينجب الحج محمد سوى عبد الخالق وحامد –زوج فردوس الذي توفاه الله – أنجب بعد ذلك ابنته خديجة؛ لذا كان عبد الخالق الطفل المدلل، أكمل تعليمه الجامعي وتخرج من كلية الزراعة، أراد والده الحج محمد أن يكون ابنه متعلما ويتعلم كيف يحافظ على أرض العائلة ويزرعها، وكان يؤمن أن ذلك لن يتأتى إلا بالدراسة، فشجع عبد الخالق على الدراسة ودخول كلية الزراعة؛ بعد أن رفض حامد أن يكمل تعليمه الجامعي، واكتفى بدبلوم التجارة.
كان عبد الخالق أسمر البشرة، طويل القامة، عريض المنكبين، ذا شعر أسود حالك سواده كسواد الليل، ملامحه رقيقة –لا تعكس طباعه الغليظة –كانت الفتيات يتهافتن عليه لوسامته، كان أناني الطبع، يعشق جمع المال والأفدنة، ولكنه لم يتطاول على حق ليس له، ولم يسرق حق غيره. كان يخاف الله، ولا يدخل على نفسه وبيته مالا حراما، أما حق فردوس وخديجة ووالدته وميراثهن –وفقا لعادات الصعيد –حقا مشروعا له ولأبناء فردوس، فلا حق لأنثى في ميراث، هكذا هي العادات.
سئم عبد الخالق من تمنع فردوس عليه، واقترحت عليه خديجة أن يكسر أنفها ويتزوج من فتاة بكر شابة وجميلة، تزيد من غيظ فردوس، وربما كانت السبب أن تتسابق كلاهما لرضائه. واقترحت عليه احسان ابنة عمهم، وذهبوا لزيارتها. عندما رأى احسان سلبت منه لبّه، كما لم تفعل امرأة من قبل. حتى نبوية –رغم حبه لها –لم تفعل به كما فعلت احسان، يا لها من حسناء غرّاء. وتزوج من احسان وحملت مباشرة بعد زواجها، وها هي تلد له الولد الذي يرث منصب العمدة من بعده.
كانت احسان في طباعها على العكس من فردوس؛ فعلى الرغم من ألمها من قرب عبد الخالق لها، إلا أنها لم تكن تمتنع عنه، كانت سهلة المنال. لم يشعر يوما بألمها من قربه ولا من دموعها التي تسيل من عيونها كلما اقترب منها، كان حملها وتعبها أثناء الحمل خير مانع يمنعه قربها، وكانت تحمد الله على هذه النعمة.
جاء عبد الخالق للدوّار ليرى أخبار زوجته وولده، وعلم من خديجة أن احسان في حال خطر، وأن القابلة طلبت أن تذهب احسان للمستشفى. رفض عبد الخالق أيضا أن تكشف زوجته على رجل غريب؛ لذا أرسل في طلب طبيبة المركز الجديدة، وبالفعل جاءت، وحاولت قدر المستطاع إنقاذ احسان والمولود. وأخيرا صمتت احسان، ولم تعد تصرخ بعد أن صرخ المولود، وملأ صراخه أرجاء المنزل، الذي امتلأ فور صراخ المولود بزغاريد النساء فرحة بالمولود.
عندما خرجت الطبيبة من حجرة احسان قالت لهم أن المولود أنثى، وأن احسان توفت نتيجة للنزيف الشديد جراء صعوبة الولادة، وأنها كان لابد أن تذهب للمستشفى. صمت عبد الخالق ولم ينطق ببنت شفة، لقد كان يحب احسان رحمها الله، ولكن كان ينتظر أن يكون المولود ذكر، ولكنها لاقت ربها، بل وزادت على ذلك بولادتها أنثى! وامتلأت أرجاء المنزل بالصراخ مرة أخرى، ولكن هذه المرة لوفاة احسان، ولكن هل كان حقا ذلك الصراخ لموت إحسان أم لأنها أنجبت أنثى؟؟؟؟

كان لابد أن يختار عبد الخالق اسما للمولودة، فسأل الطبيبة عن اسمها وكان اسمها علياء؛ فأطلق نفس الاسم على ابنته، لم يختر اسما لأنثى، كان قد اختار اسم والده رحمه الله ليطلقه على ولده، ولكن ها قد ولدت له احسان بنتا، لا يعلم ان كان سيكتب لها الحياة أم ستلقى ربها هي الأخرى كما فعل أخواها من قبل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...