الأحد، 30 أغسطس 2015

الفصل العاشر (لست عاهرة)


عندما استيقظت علياء لم ترغب أن يرى أحدا ضيقها وحزنها مما حدث يوم أمس، وجدت عمتها توقظها، ودخلت عندها هي وفردوس للمباركة، كم كانت فردوس قلقة منذ تحدث معها عبد الخالق عن قلقه على عادل وتنتظر أن تسأل علياء وعادل عن أخبار الليلة، وكانت خديجة متشوقة لتعطي ابنتها التي لم تلدها النصائح التي تساعدها أن تكوّن أسرة مستقرة. فتح عادل باب الغرفة لوالدته وعمته، لازال صوت علياء يتردد في سمعه وتحديها له. لن يتكلم وسيحاول أن يتحكم في أعصابه، مازالت أمامه مشاكل عديدة منها المحاسب والسرقة وكيف يحافظ على سمعته. ألقى عليهم التحية وخرج من غرفته ليفسح المجال أمام النساء للحديث.
احتفظت علياء بآلامها لنفسها، كما تعودت أن تفعل دائما، كانت خجلة من الأسئلة التي وجهتها لها فردوس، وخففت من قلق فردوس بخجلها؛ فكانت حمرة الخجل دليل فردوس للاطمئنان على ولدها، تركت العروس لتستعد للنزول وطلبت خديجة من فردوس الانفراد بعلياء.
خديجة: يا ابنتي، لا تعرفي مقدار فرحتي بك اليوم، انت عروس العائلة وسيدة هذه الدار من بعدي، يجب أن تعرفي ذلك من الآن وتتصرفي على هذا المنوال
علياء وهي تبكي: لماذا يا عمتي؟
خديجة وهي تحتضن علياء: ماذا يا ابنتي؟
علياء: لماذا تركتيه ينتهكني هكذا؟
خديجة: إنها حال كل النساء، كل من تتزوج يحدث لها ذلك
تسمرت علياء من رد خديجة الذي لم تتوقعه، العادات والتقاليد تبا لها! كل شيء يستباح هنا باسم العادات والتقاليد. فضلت علياء الصمت وتغيير مجرى الحديث، لا شيء سيتغير من كلامها، يجب أن تتعلم الصبر وتتعلم كيف تفعل ما تريد، سيأتي يوما تكون هي سيدة الدار والمتحكمة في شئون المنزل والمتحكمة في عادل والعمدة، لن تترك العادات والتقاليد تتحكم فيها بعد ذلك، ولكن عليها بالصبر ولتفكر كيف تتعامل مع الوضع الحالي.
بعد تناولهم الإفطار جميعا، وعندما اطمئن عبد الخالق من فردوس على سلامة عادل البدنية، خطر بباله شيئا لم يكن يتوقعه، ماذا لو كان عادل يخاف من فضح المحاسب أمر ما، إنه يذكر عصبيته ومحاولاته المستميتة أن يظل المحاسب في العمل وألا يسافر، وشعر عبد الخالق بالقلق من صحة ما جال بباله، لن يتحمل أن يكون عادل خائنا للأمانة، ولكنه في الوقت نفسه يخشى إذا كان ذلك صحيحا على العائلة وشملها، لذا اتصل بالمكتب ليرى إن كان مأمون قد وصل أم لا وعلم أنه وصل المكتب في الأرض بالفعل ويجلس مع المحاسب الجديد.
***************************************

في الطريق إلى الفندق حيث يقضي عادل وعلياء شهر العسل، لم يتحدث أي منهما، وفي خلال الطريق كان عادل منشغلا، كانت هي الأخرى بالها مشغول كيف تمنع عادل عنها، وكيف تتصرف، خطر ببالها ما فعله مع خديجة في اليوم المشئوم، وكان الحل بسيطا حبوبا منومة تضعها له في أي مشروب دون أن يدري، لتستطيع النوم دون أن تخاف من محاولاته المستمرة لكسرها.
وصلا إلى الفندق وصعدا لجناحهما، ثم قالت لعادل أنها تريد أن يجلب لها الفندق بعض الأشياء وإن كان يريد شيئا، واتصلت بالفندق وطلبت منه أن يشتري لها حبوبا منومة قوية لأنها لا تستطيع النوم وأن يرسل معها بعض الطعام والمشروبات، وبالفعل حصلت على طلبها دون أن يعي عادل ما حدث.
دخلت لتغيير ملابسها في حمام الغرفة، بعد أن خرج عادل لتوه منه، واختارت ملابسها الخاصة بالحجاب التي كانت ترتديها وهي في الدوّار، وأثناء وجودها بالحمام سمعت عادل يتحدث مع شخص ما؛ فأرهفت السمع لتسمع كل ما يقال وصعقت عندما وجدت عادل يهدد المحاسب إذا اتهمه بأي سرقه، ثم يعود فيلطف من كلامه مرة أخرى. لم تجد فرصة أفضل من ذلك لتمنع عادل عنها، ويخاف منها ومن فضحها لسره، فهو حتى الآن لا يعرف أنها تعرف سرقته لعمه واخوته، ويجب أن تستفيد من ذلك، فهي كانت تعرف أن عليها البحث عن الحجج التي تبعد عادل بها وقد قدمها عادل لها على طبق من ذهب.
تفاجئ بها عادل تخرج من الحمام بعد ارتداء ملابسها بحجابها، وقبل أن يسألها لما ترتدي الحجاب وهما وحدهما في الغرفة وجدها تقول له أنها سمعت كلامه مع المحاسب السابق وعرفت أنه خان والدها، ثار عادل وحاول ترضيتها حتى لا تتكلم فاستغلت الفرصة وطلبت منه عدم القرب منها إلا برغبتها هي ومتى شاءت دون غصب، ولم يكن أمام عادل بد من الموافقة على ما تقول وإلا فضح أمره وكشف سره.
اتفقت معه ألا يفرض عليها أمرا، وعليها ألا تخجله أمام الناس، ولكنه شعر بجرح غائر عندما قالت له أنها حتى الآن لم توافق على زواجها منه، وبالتالي زواجها منه باطل حتى توافق، ولكنها في الوقت نفسه ستحافظ على سمعته ومظهره أمام الناس وتصون كرامته وعليه أن يفعل ذلك معها، وإلا سيعرف الجميع أنه سارق وسرق من؟ الرجل الذي أحسن إليه ورباه وسرق أمه واخوته.
دخل عادل للبلكونة يحاول أن يستنشق أي هواء، لقد أحس أن الغرفة لا هواء بها، شعر بالاختناق الشديد، يحاول أن يستنشق الهواء بلا فائدة، في ذلك الوقت اتصل الاستقبال بعادل يقول له أن هناك مكالمة هاتفيه له فوافق على استقبالها تركته علياء يتحدث ودخلت للشرفة تشم هواء القاهرة وترى المدينة وهي تعلم أن أمامها أياما طوالا لتشاهد كافة معالمها ولكنها سمعت عادل وقد ارتفع صوته دون أن يشعر بأقذر السباب وأدركت من كلامه أن من تحدثه سيدة وأنها تريد أن تنسب ابنها له، ما هذا الكلام الغريب، لابد أن تحتفظ بهدوئها الآن.
أنهى عادل المكالمة بعد أن سمعت علياء الحديث وفهمت ما به، ألا يخجل عادل من أفعاله! ألا يكبر! ألا يصير رجلا! وجدته شاردا في الشرفة دخلت وطلبت هاتف مكتب المحاسب في أرض والدها لتعرف ماذا جرى، رد عليها مأمون أنه اكتشف اختلاس مبالغ نقدية كبيرة، ومازال هو وعمه يدققون في الدفاتر والحسابات ودون سابق انذار سمعت عادل يصرخ ويقع في الشرفة فصرخت باسمه وتركت الهاتف وذهبت لترى ماذا حدث، وجدت عادل ملقى على الأرض لا يتحرك ولا ينطق فجرت على الهاتف وقالت ما حدث لمأمون وأغلقت الخط معه وطلبت منه الاتصال بوالدها، طلب  مأمون منها طلب سيارة اسعاف لأحد المستشفيات الخاصة الكبرى فورا وإخباره باسمها وتطور الأحداث حتى يصل إليها.
لم يتوقع أي منهم –عادل وعلياء وعبد الخالق ومأمون –أن يحدث مكروه لعادل، فاليوم هو ثاني يوم على زواجه، لقد سافر من قنا مساء اليوم الأول على الزفاف ووصل للقاهرة في مساء اليوم التالي.
دخل عادل المستشفى، كان التشخيص المبدئي ذبحة صدرية، وأوصى الأطباء بضرورة دخوله الرعاية المركزة وطلبت علياء أن تظل بجواره ولا تتركه، سمح لها الأطباء بالمكوث في غرفة خاصة بالمرضى تكون لها ولكن لا تدخل لعادل فترة طويلة، وسمح لها الطبيب بالبقاء معه دون اجهاده، اتصلت بمأمون مرة أخرى في المكتب وكان والدها هناك وأخبرتهم اسم المستشفى.
كان عادل لا يزال فاقدا للوعي ولا يشعر بأحد كما قال لها الأطباء، فجلست بجانبه وقبلت يده واحتضنتها في يديها، وكانت تتكلم معه وهي تعلم أنه لا يسمعها أو يشعر بها؛ لذا استرسلت معه في الكلام الذي طالما حلمت أن تقوله له وتعاتبه به:
"حبيبي وحبيب قلبي، سلمك الله من كل كرب، نعم أحبك، أحبك منذ نعومة أظفاري، أغار عليك من نساء الدنيا، كم كنت أريد حبك وحنانك، أحببتك لما وجدتك تحب والدي وتجله –كما أفعل –أحببتك حين جعلته قدوة لك، ثارت غيرتي وجن جنوني من أفعالك مع النساء، وكثيرا ما سألت نفسي لما تفعل ذلك مع النساء الرخيصات وفي يدك أن تتزوج. ثم ثارت كرامتي لما فعلته معي في الفندق وقت تكريمي لنجاحي في الثانوية العامة، لقد كرهتك وقتها كما لم أكره أحدا من العالمين، بعدها كرهتك أكثر عندما صرت أنا المتهمة أمام عمتي، وكرهتك أكثر عندما هتكت عرضي وكرامتي في العلن، هكذا أمام الناس.
أتدري كيف كنت أحلم بيوم زواجنا، كم حلمت بكلمة أحبك أسمعها منك، كم حلمت بضمة يدك ليدي في حب واشتياق، كم اشتقت أن تلمس يدك شعري وتمر عليه، أن تلمس وجنتي وتهمس في أذني أحبك.
ولكني وجدت يوم زواجي منك يوم مهانتي، يا للصدف أتدري أنه كان اليوم السابق لذكرى ميلادي ووفاة أمي، وكأن ذلك إعلانا من القدر أن حياتي معك ستكمل مأساتي، لا أفرح بيوم ميلادي كما تفرح صديقاتي، أنه أشقى أيامي، يوم فقدت والدتي.
أتعلم كم كنت أحتاج إليها يوم حاولت اغتصابي لألقي بنفسي في حضنها الدافئ وأبكي، كم كنت أحتاج إليها يوم ختاني، يوم كبلتني عمتي لهلاكي، أتعرف كم كنت أحتاج لحضن أمي أرتمي به بعد أن تحطمت أحلامي الوردية في يوم زفافي بمن أحبه على صخرة الواقع والعادات والتقاليد، كم كنت أحتاج إليها عندما رفضت خروجي من البيت لمدة عامين وتركت دراستي لأجلك حتى أنك رفضت خروجي لشراء مستلزمات زفافي، أكنت تعاقبني بذلك على زواجي منك، صدقني يا عادل لم أفهمك، ولا أعرف كيف تبدلت أحوالك وتغيرت، كم كنت ودودا طيبا كيف تغيرت لا أعرف، ولكن أتدري مازالت أحبك وأكره نفسي لحبي لك، وأتألم من نعتك لي بالعاهرة، لا يا عادل أنا لست عاهرة ولكني أحبك وأذوب في هواك، أذوب عشقا وأتوق أن أكون بجانبك، ولا أعرف حتى الآن هل ستدرك حبي لك أم لا، لم أقوى على قول ذلك الكلام وأنت تسمعه؛ لذا آثرت أن يخرج لك وأنت لا تدري عنه شيئا، يا حبيبي شفاك الله وعفاك". صمتت علياء وأكمل دمعها الذي انهمر على وجنتيها حديثها له، قطع عليها ذلك البكاء نداء الممرضة لها؛ فخرجت علياء من غرفة العناية المحجوز بها عادل عندما طلبت منها احدى الممرضات الدخول للطبيب المعالج، بالفعل ذهبت له علياء:
علياء: أنا علياء زوجة عادل الموجود بالعناية، قالت لي الممرضة أنك تريدني
الطبيب: سيدتي كم مر على زواجك؟
علياء: يومان
الطبيب باستغراب شديد: ماذا؟
علياء: نعم يومان فقط، لقد أتينا من قنا للقاهرة لقضاء شهر العسل، حتى وجدته يصرخ
الطبيب: لقد تعرض لانفعال شديد أدى لإصابته بذبحة صدرية حادة ويحتاج للراحة، ماذا حدث؟
علياء: لا أعلم لقد كان يتحدث على الهاتف وسمعت أن هناك سرقة حدثت ثم صرخ ووقع أرضا
الطبيب: إذن السبب في حادثة السرقة، التعليمات الآن، لا انفعال ولا اجهاد، ولا أية علاقة زوجية حتى تستقر الحالة
علياء: هل سيخرج؟
الطبيب: لن يخرج قبل ثلاثة أيام من الرعاية ولا أستطيع الجزم بأي شيء حتى استقرار حالته وعودته لوعيه
علياء: سيأتي أبي –وهو عمه – لزيارته والاطمئنان عليه ومحاولة نقله لأي مستشفى في قنا، فهل يمكن ذلك؟
الطبيب: لا يمكن الآن على الأقل، لابد أن تستقر حالته، وقبل أن تنصرفي أريدك أن تمري على الحسابات لتسوية بعض الأمور المالية
علياء: حاضر
اتصلت علياء بوالدها بعد حديثها مع الطبيب، وطلبت أن تتحدث مع مأمون لتخبره بما قالته للطبيب، فعلمت من مأمون علم عبد الخالق بالسرقة وما حدث، لقد سمع المكالمة التي كانت بين علياء ومأمون، وانتظرت حتى يصلا للقاهرة لتجد من يقف بجانبها، ولترجو والدها أن يسامح عادل ولا يخبره بعلمه بسرقاته حتى يسترد عافيته مرة أخرى.



السبت، 29 أغسطس 2015

الفصل التاسع (لست عاهرة)


حانت اللحظة الفارقة في حياة علياء، اليوم هو زفافها على عادل، حلمها القديم الذي لوثه عادل بفعلته معها –التي لم تعرف لها سببا حتى الآن، ولا تدري لما فعلها –عليها أشياء كثيرة لابد من اتمامها، أنهت خديجة وفردوس تحضير العروس وتحضير الطعام للمدعوين وإلباسها فستان زفافها، كم بدت كفراشة رقيقة في فستانها، كم كانت رقيقة كما الزهرة، لم توجد فتاة أو سيدة في الزفاف إلا وحسدتها على رقتها وجمالها، لم تكتف علياء بجمال الشكل والروح ولكنها حازت معهم النسب والخلق والدين والمال.
فرحت عبير لفرحة علياء بالزواج، ولكنها كانت فرحة يشوبها بعض الحزن عندما علمت من خيري كيف سيتم البناء بها، كم استنكرت ذلك، واستغربته، وكم شعرت بمدى حبها لخيري عندما جنبها تلك التجربة القاسية، إنها تشعر أنه ملاك بالفعل، ولكن عدم حملها بعد فترة طويلة من الزواج كان يؤرقها، وفجأة وأثناء الفرح شعرت بدوار شديد أفرغت بعده ما في جوفها، حدثت بعض الجلبة، وعلى الفور فحصتها الطبيبة –التي أرسل عبد الخالق على الفور في طلبها –وبعد الفحص المبدئي وبعض الأسئلة شكت الطبيبة في حملها فطلبت أن يذهب أحدهم لها ليشتري لها تحليل حمل منزلي وأجرت التحليل لعبير التي اكتشفت –توا –أنها تحمل جنينا من زوجها ليتوج هذا الزواج، رجحت الطبيبة أن عمر الحمل شهران ونصف الشهر بناء على بعض الحسابات المعروفة في ذلك الشأن، مرة أخرى تعالت الزغاريد والمباركات على عبد الخالق وخيري، لقد كان زواج علياء خيرا على عبير وبشرى خير للعائلة.
لقد تغيرت معاملة خديجة الجافة مع عبير منذ تلك اللحظة التي علمت فيها بحملها، لقد كانت تتعامل معها كما لو كانت أرض بور لا تطرح الثمار، كما فكرت في تزويج خيري من أخرى ولا بأس أن يحتفظ بعبير، ولكن الآن لا داعي لهذا الزواج الذي رفضه خيري، الآن عبير وجبت لها الراحة، والمعاملة الحسنة.
وحان الآن موعد اتمام الزواج والبناء بعلياء، الذي أعقبه صرخات متتالية، صحبها كره شديد من علياء لعادل، لقد ذكرها بكل ما أرادت أن تنساه، وأقسمت أنها لن تمكنه منها حتى يتغير، حتى يموت الحيوان المتخفي في هيئة إنسان، والذي لم يتركها بعد خروج خديجة وفردوس، أكمل ما أراده منها كانت صرخاتها متعة له، ورفضها وعدم قدرتها على المقاومة تثيره كثيرا، وعندما وجدت منه ذلك أرادت أن تكسره وتكسر هذه الفرحة. لقد علم الجميع الآن أنها بكرا ولن يجرؤ عادل على قول غير ذلك، وعندما انتهى قالت له أنه حيوان لا يدري كيف يسعد زوجته أو يتعامل معها.
كانت مفاجأة عادل كبيرة عندما قالت له علياء ذلك، لقد توقع أن تتقوقع على نفسها وتبكي كما تفعل والدته ولكنها لم تفعل، لم تبك حبست دموعها وآلامها، فقط أخبرته أنه ليس رجلا! كانت كلماتها بمثابة جرح وزلزال هز كيانه، كيف تجرؤ على محادثته على هذا النحو، وكيف تقول له أنه لا يعرف كيف يمتع زوجته لم يشعر بنفسه حتى قال لها " أنت عاهرة" فما كان منها إلا أن نظرت له نظرة حملت في طياتها الاستهزاء والتحدي وردت عليه "لست عاهرة، أريد حقي من زوجي بالطريقة التي أريدها أنا، وفي الوقت الذي أحدده، لست جارية لك، ولست أنت سيدي، يجب أن تعلم من أنا، وتتعلم كيف تعامل النساء، لست واحدة من العاهرات والساقطات اللاتي تقضي وقتك في أحضانهن".  
لم يدر عادل كيف يتصرف، لا يستطيع أن يتكلم، فماذا عساه يقول، لذا تركها واغتسل وخرج ليجلس في الحديقة مع الضيوف الذين تمنوا له زواجا سعيدا، منهم من أعطاه بعض المخدرات وآخرين بعض الحبوب المقوية، وأعزى الجميع ذهوله لأنه عريس جديد، ولكن عبد الخالق شعر أن هناك شيء ما على غير ما يرام، لكنه آثر الصمت في حفل زفاف ابنته التي تأكد الجميع من عذريتها، لذا اعتقد أن المشكلة تكمن في عادل، وكان يفكر كيف يتصرف، ولكن الصمت الآن هو الأفضل للجميع وليجعل فردوس تطمئن على قيام عادل بواجباته الزوجية من علياء.
عندما خرج عادل من الغرفة، أطلقت علياء لنفسها العنان في البكاء الصامت –الذي اعتادت عليه منذ صغرها –لم تتخيل أن يكون أول يوم في حياتها مع عادل بهذا القدر من السوء، لم تتخيل مدى تمسكه بالعادات حتى التي أصبح يتخلى عنها البعض، بكت دون صوت، وانسالت دموعها شلالا على وجنتيها ثم قررت الكف عن البكاء فقامت واغتسلت وصلت ودعت ربها أن يقويها حتى تربي عادل وتغيره. مازالت تحبه رغم ما فعله، ولكنها تعلم أن تحديها لعادل هو ما يغيره، لذا قررت أن تخوض التجربة حتى النهاية إما أن يتغير عادل أو يطلقها.
وقامت لتحضر ما تحتاج إليه أثناء السفر لها ولزوجها، سيكون السفر في مساء يوم الصباحية –بعد أن يأتي الجميع للمباركة للعروسين وجلب الهدايا التي تتناسب وقدر عائلتهما –لم يستطع عادل التملص من السفر، وباءت كافة محاولاته بالفشل، لقد أصر عبد الخالق على سفرهما لما وجد عادل ساهما، أما عادل كان يحاول التملص من السفر لخوفه من كشف أمره وكذا لمواجهة علياء وتحديها له.
في المساء وبعد ذهاب الضيوف، طلب عبد الخالق من زوجته الاطمئنان على علياء في الصباح وعلى عادل وهل قام بواجبه، خاصة أن حجرة العروسين لم يصدر منها أية أصوات، وهذا ما كان يقلق عبد الخالق كثيرا.
جاء الصباح، كان عادل ينتظره لعدم قدرته على مواجهة تحدي علياء له، لقد حاول الحصول عليها مرة أخرى ولكنه لم يستطع، نظرات التحدي التي تملأ عينها وتركها له وقضاء الليل في الصلاة، وتعاملها معه على أنه غير موجود، جعله كالمجنون لا يفهم ما يحدث ولا كيف يتصرف، وأيضا انشغاله بما فعله والخوف من كشفه، كان يتوسل للصباح أن يأتي.
أما عبد الخالق ظل يعاني من الأرق ولا يقوى على النوم، يريد الاطمئنان على ابنته، ماذا لو كان عادل يحتاج لعلاج ما أو يعاني من خطب ما وكان يغطي على ذلك بسمعته السيئة مع النساء، كيف يتصرف وكيف يثبت ذلك، لقد تذكر انكاره لما قالته زميلته في الجامعة عن حملها منه واغتصابه لها، كان هو الآخر يتوسل النهار أن يأتي.
كانت فردوس مذهولة من تصرفات عبد الخالق وقلقه، هي تعلم أنه كبر ولم يعد يقدر على المعاشرة، وهي أيضا كبرت، كانت تتوقع أنه يفكر في الزواج من أخرى وأن زواج عادل شجعه على ذلك، فحاولت أن تسأله عن سبب انشغاله وتفكيره، وذهلت عندما صارحها عبد الخالق بما يفكر به، وخافت هي الأخرى على ولدها فظلت مستيقظة تتوسل النهار أن يظهر.
نام الجميع بعد أن أجهدهم التفكير، واستيقظوا على صوت خديجة توقظ العرسان لتناول الفطور توقظ عبد الخالق وفردوس –لأول مرة يستغرقا وقتا طويلا في النوم –لم تكن خديجة تعرف ما يفكر به كل منهم، فهي كانت في حالة نفسية سيئة؛ اختفت بعد البناء بعلياء مباشرة ولم يلحظ أحدهم ذلك، لم تستطع النوم تلك الليلة لذا انتظرت آذان الفجر وصلت، ثم قامت لتباشر شئون المنزل وتحضر فطور العروسين والطعام الذي سيتناولانه أثناء السفر، كم تشعر أنها أم العروس بالفعل والجميع يبارك لها زواج علياء، تشعر أن ابنتها قد تزوجت ولن تفارقها، ستعلمها الآن كيف تكون سيدة الدار، أصبحت لعلياء كافة المقومات، الزواج والذكاء والفطنة وكذا هي ابنة العمدة وأخت العمدة، فمحمد على الرغم من صغر سنه ولكنه العمدة، لن تكون له زوجة حتى تتمكن علياء من السيطرة على الدوّار واحتياجاته وإدارته، بالتالي ستصبح هي سيدة الدار دون منازع.
كم مرت الأيام سريعة وأصبحت وليدة الأمس عروس اليوم، لقد صادف يوم زواج علياء اليوم السابق ليوم مولدها لم يذهب أحد اليوم للمقابر ولن تقام سنوية احسان التي مر على وفاتها حتى الآن اثنى وعشرون عاما، وذلك حتى لا تفسد فرحة العرس، وكذا الفرحة بحمل زوجة خيري، كم تعجبها كلمة "عمة" التي تقولها عبير –بعد أن كانت تقول لها "طنط" طلبت منها خديجة أن تناديها "عمة" فلا توجد في قاموسها كلمة "طنط" وانساقت عبير لرغبتها، وكم تحب كلمة "أمي" التي تقولها علياء –رغم أنها تقولها أيضا لفردوس –ولكن خديجة كانت تفتقد شعور الأمومة وعوضتها علياء ذلك الشعور، فكانت نعم الابنة، وها هي الابنة تصبح زوجة.
ايقظت خديجة كل من في الدوّار، عملت بكد واجتهاد حتى حضرت كل شيء، واستيقظ الجميع لتناول طعام الإفطار، ولكن لم يحضر مأمون طعام الإفطار لأول مرة منذ ولد؛ عندما سأل عليه عبد الخالق أثناء الإفطار علم من خديجة أنه استيقظ مبكرا، وذهب للمدينة لإحضار محاسب لتولي أعمالهم بدلا من ذلك المحاسب سليط اللسان، تغير لون وجه عادل، ولكن لم يلحظ ذلك سوى علياء، فغيرت مجرى الحديث، وسألت والدها عن وسيلة السفر وتأكيد حجز الفندق، فطمأنها على كل شيء، وطلب عبد الخالق من خيري البقاء بعض الوقت حتى يطمئن على زوجته وحملها، ولكن خيري أصر على السفر لتتابع زوجته الحمل في طبيبتها في الاسكندرية وتكون مع والدتها لتعينها على أعمال المنزل، واستغرب عبد الخالق أن عبير تتابع مع طبيبة وطلب أن يتحدث مع خيري بعد تناول الإفطار.
عبد الخالق: لماذا تذهب زوجتك قبل الحمل للطبيبة؟
خيري: عندما تأخر الحمل، وأصيبت عبير بنزيف مستمر ذهبنا للكشف عليها، وهناك اكتشفنا وجود ورم حميد في الرحم واضطررنا لاستئصال الورم وكانت تتابع علاجها، وعلمنا أن الورم هو سبب منع الحمل والنزيف
عبد الخالق (بقلق وحنان الأب): ولماذا لم تخبرنا يا ولدي، لنقف بجانبك؟ هل تحتاج لأي شيء؟
لم يجد خيري ردا أبلغ على ما شعر به من حنان عبد الخالق واهتمام به سوى أن يحتضنه، كأنه يحتضن والده، كم كان يشعر أنه يحتاج لذلك الحضن والإحساس أن هناك من يهتم لأمره، عجبا لعمه، الذي تجتمع فيه كل النقائض، الحب والحنان مع القسوة، تدينه مع عدم مخالفة العادات والتقاليد التي تخالف الدين، عجبا له! أخبره خيري أن كل شيء على ما يرام وأن تجارته هي الأخرى على ما يرام، وطلب منه أن يأتي لزيارته وقضاء بعض الوقت معه في الإسكندرية، كم يفتقدهم جميعا.
سعد عبد الخالق بكلمات خيري، لقد كان يشعر دائما أن خيري يمقته ولا يرغب في وجوده معهم دون أن يدري سبب ذلك، لقد كان يحسن معاملتهم جميعا كأنهم أبنائه وليسوا أبناء أخيه، لم يبخس أي منهم نصيبه في ميراث أبيه –عدا فردوس طبعا، فلا ميراث لأنثى –ولكنه بدأ يشعر بتغير خيري منذ زواجه؛ لقد تغير وأصبح شخصا آخر، وها هو الآن تغير ثانية للأفضل عندما علم أنه سيصبح أبا. لقد كبر أبناؤه جميعا وأصبحوا رجالا، كم يمتنى أن يصبح محمد مثلهم.

الجمعة، 28 أغسطس 2015

الفصل الثامن (لست_عاهرة)


كانت علياء تفكر كيف تغير من عادل وتحاول تقويمه، فاليوم باق ثلاثة أيام على زواجها من عادل والدوّار يعج بمن فيه من زوار وعلياء تتجول فيه لترى الاستعدادات التي تتم؛ فقد قررت أن تكون هي صاحبة الكلمة في زواجها وليس أحد آخر حتى لو كانت خديجة نفسها، أما خديجة فقد فرحت بقرار علياء المفاجئ؛ فهي منذ فترة طويلة تريد جعلها صاحبة الكلمة في المكان وسيدة الدار، كم كانت خديجة ترى قوة علياء وأنها نسخة معدلة منها تستطيع أن تقود البيت دون مشاكل ودون أن يشعر أحد بكللها أو احتياجها لآخرين؛ لذا تركت لها حرية اختيار ما تريد.
أثناء تجول علياء في الدوّار سمعت مكالمة بين عادل وشخص آخر يتحدث فيه عن ضرورة تعديل السجلات لأن عبد الخالق يود الاطلاع عليها وفهم آخر المستجدات قبل زواج عادل، فهمت علياء الآن أن عادل ليس سيء الخلق فيما يخص النساء فقط ولكنه أيضا خائن لعمه وأخوته، ولكن كيف تتغلب عليه وتغيره؟!
قررت علياء أن تمنع نفسها عنه وهي قوية لتفعل ذلك، فقد فعلته سابقا. لن تحدث جلبة كما تفعل فردوس، ففردوس تحدث الجلبة وفي النهاية يحصل عبد الخالق على ما يريده، أما عادل فلن يحصل منها على شيء حتى يتغير، ويصبح خوفه من الله هو ما يسيطر عليه وليس خوفه من الثأر أو العادات والتقاليد، ودعت ربها أن يمنحها القوة لفعل ذلك.
عندما وصل والدها الدوّار أرادت أن تحادثه وحدها، طلبت منه أن تسافر في شهر عسل كما فعل مع خيري فعبير زوجة خيري ليست بأفضل منها وطلبت منه أن تكون فترة العسل شهرا كاملا، استجاب عبد الخالق لطلبها، حيث فرح بقبول علياء الزواج وطلبها التمتع بهذه الفترة، وأصدر الأوامر لعادل بالسفر مع علياء وسأل علياء عن المكان الذي تفضل السفر له، فطلبت أن يكون نفس الفندق الذي قضوا به فترة تكريم علياء في الشهادة الثانوية.
لم يصدق عادل طلب علياء واستجابة عبد الخالق لها، حاول أن يقضي زواجه كله في البلد، وكان طلب علياء السفر والإقامة في نفس الفندق الذي حاول الاعتداء عليها فيه بمثابة ضغط عصبي لا يتحمله، ولكن عبد الخالق أصدر الأمر النهائي الذي لا مناقشة فيه.
لم تعرف علياء كيف تتصرف في أمر سرقة أموال والدها وأبناء عمها، لذا قررت أن تؤجل مواجهة عادل بهذه الأمور مؤقتا، كل ما عليها فعله الآن هو الاستعداد لأن تمضي ليلة زفافها على خير، ولتربي عادل بعد السفر، أمامها شهر كامل يربى عادل فيه.
جلست علياء مع عبير تسألها عن تعامل خيري معها وحبه لها، كم كانت تحب الرومانسية، وكم كانت ترى عادل فارس أحلامها –قبل أن يفعل ما فعله وتعرف عنه خيانة الأمانة –ولكنها مازالت تحبه، سيتربى عادل ويتغير فعليا.
في محاولات علياء التفكير في شأن المحاسب ومكالمة عادل معه، طرأت عليها فكرة أن تذهب لوالدها في مكتب الحسابات، كان هذا المكتب يقع في وسط أراضي عبد الخالق يتعامل من خلاله مع التجار لبيع المحاصيل وشراء الأسمدة، ذهبت بعد أن تأكدت عدم وجود عادل وعبد الخالق بحجة أنها تريد من والدها أموالا لشراء بعض المستلزمات والحصول على إذن منه ومن عادل أن تنزل المدينة لشرائها، وافتعلت مشاجرة مع المحاسب واتهمت المحاسب بالتطاول عليها، جاء عادل وعبد الخالق جريا بعد سماع أخبار ضرب علياء للمحاسب بعد أن تطاوله عليها، دخل عبد الخالق جريا ليطمئن على ابنته فوجدها تتوعد المحاسب بعد أن ضربته بالقلم
عبد الخالق مذعورا: ماذا حدث يا ابنتي؟
علياء: جئت لك ولعادل أطلب بعد المال والإذن أن أذهب للمدينة لشراء آخر مستلزمات الزفاف التي أريدها فلم أجدكم، وتطاول عليّ هذا الشخص بالكلام بحجة أنه لا يعرفني
عادل وقد استشاط غيظا: كيف تجرؤ على التطاول على زوجتي وابنة ولي نعمتك
وقبل أن يكمل عادل كلامه تدخل عبد الخالق: اذهب من وجهي واعلم أن عليك حق سأقتص منك لفعلتك هيا اغرب عن وجهي
هنا انتبه عادل أن الحسابات لم تنتهي كما أراد فحاول تهدئة عبد الخالق: لينهي عمله اليوم ثم يذهب
علياء: أتتركه يا والدي بعد ما فعل معي؟
عبد الخالق: هيا اذهب من وجهي
عادل موجها حديثه لعلياء بعد أن ذهب كل من في المكان: ألم أقل لك ألا تغادري البيت
علياء: يا والدي أنا عروس ومن حقي شراء بعد الملابس التي تخص العرائس ما أحضرته عمتي لم يناسبني، هل أخطأت؟ زفافي غدا متى سأشتريه؟
عبد الخالق ومازال غاضبا: لا عليك يا علياء، هيا للمنزل الآن وفي البيت نتحدث
فرحت علياء بما فعلته وطرد المحاسب دون أن تقول شيئا عن عادل، وفي الطريق ظلت تفكر في محاسب جديد وكيف تقنع والدها أن يتولى مأمون إحضاره، وكان هذا الأمر أسهل من طرد المحاسب لانشغال عادل في التحضر للعرس. بعد وصولهم للمنزل دخل عادل حجرته وتبعت علياء والدها تعتذر له عما حدث وأنها كان لابد لها من الذهاب له ولم تعلم أنه غير موجود، ولكن والدها كان يفكر في أمر آخر كيف يتصرف مع المحاسب وكيف يأتي بآخر جديد، قرأت علياء ما يفكر به،
علياء: آسفة يا والدي ولكني تعودت منك ألا ترد لي طلب وأن لك كلمة على عادل ولم أعلم أن المحاسب سليط اللسان
عبد الخالق: سليط اللسان!
علياء: نعم يا والدي سليط اللسان، ولكنك تعلم أني ابنة العمدة لا يجب أن يتطاول أي أحد عليّ
عبد الخالق: لا عليك سأدبه، ولكن كيف آتي بمحاسب آخر وعادل مشغول بأمر الزواج؟
علياء: أنسيت مأمون؟ يستطيع أن يجد لك محاسبا آخر معروف بأمانته وحسن الخلق
عبد الخالق: واضح أنه لا حل آخر أمامي، أين مأمون؟
ونادى على مأمون وطلب منه إحضار محاسب جديد، يتولى إدارة شئون الأرض والأملاك بدلا من ذلك الصفيق، وأضافت علياء طلبا منها لمأمون أن يشرف بنفسه على شئون الأرض وكل ما يخصها وأن يقوم بجرد عهدة المحاسب القديم.
لم تتخيل أن يتم لها ما أرادت بهذه السهولة، بل أيضا سمح لها والدها أن تذهب لشراء ما تريد من المدينة، أما عادل فكان خائفا يرتعد مما يمكن أن يكتشفه عبد الخالق والمحاسب الجديد، وكان يفكر من يمكن أن يأتي به، ولكنه فوجئ بتولي مأمون مسئولية احضار محاسب جديد وجرد العهدة القديمة مما زاد من خوف عادل وارتباكه، وفي المغرب كان عليه أن يذهب مع عبد الخالق لعائلة المحاسب القديم للاقتصاص لعلياء مما فعله معها، لم يعلم ماذا يفعل كان يمشي مع عمه مصدوما مما حدث ويدعو الله ألا يكتشف ما يفعله، هو يعمل مع عمه منذ تخرجه، منذ تخرجه وهو يسرق الجميع، ماذا سيحدث لو افتضح أمره؟ ماذا سيحدث؟ لام نفسه على منع علياء من الخروج فلولا ذلك ما كان حدث ما حدث، ولكن انه وقت لا يجدي فيه الندم.
بعد أن خرج عادل وعبد الخالق وانشغال الجميع في التحضير للعرس وعودة علياء وشرائها بعض المستلزمات التي أحبت بالفعل أن تشتريها، طلبت أن تتحدث مع مأمون، فهي تعرف رجاحة عقله، قصت عليه حقيقة ما حدث وما سمعته من عادل وطلبت منه حكمة التصرف، وقالت له أنها افتعلت المشاجرة فقط لطرد المحاسب دون التسبب بمشاكل لأخيه، لم يعرف مأمون كيف فعل عادل كل ذلك، ولكنه أثنى على تصرف علياء وعقلها وقرر أن يكون مسئولا عن الناحية القانونية في العمل ليكون عينا على أخيه، وأن فترة الشهر هي فترة كافية للتحكم بعد ذلك في عادل وأفعاله فيما يخص الشئون المالية والإدارية.



الأربعاء، 26 أغسطس 2015

الفصل السابع (لست عاهرة)




انساقت علياء لرغبة أهلها في زواجها من عادل، ولكن كان ما يؤرقها هو كيف سيقربها عادل بعد محاولته اغتصابها قبل ذلك، ماذا تفعل معه، تتركه يأخذها كيف شاء، لم تقل لها خديجة شيئا، ووجدت أن تسأل فردوس ولكن دون أن تخبرها ما فعله عادل معها قبل ذلك.
لأول مرة تشعر علياء بأنها تحتاج لأمها بجانبها الآن، كانت تفتقد أمها كثيرا في ذلك الوقت، كيف تسأل فردوس، ولكن وجدت أن تعرف من فردوس شيء واحد فقط: هل من الضروري الصراخ والبكاء كلما قربها زوجها؟ كانت تعتقد قبل أن تتحدث مع فردوس –وكما أفهمتها خديجة –أن السيدة العفيفة تفعل ذلك، بل وتكره قرب زوجها لها.
دخلت علياء غرفة فردوس وخديجة مشغولة في شراء مستلزمات العرس من المركز،
علياء: أمي أردت أن أتحدث معك قليلا
فردوس: تفضلي يا بنيتي
علياء: أنا خائفة
ضمتها فردوس لحضنها، وربتت على ظهرها وقالت لها: كلنا عندما كنا عذروات وكنا نخاف من الزواج ولكنه شيء سهل يا ابنتي وخوفك كلنا مررنا به
علياء: ولكن أنا لا أريد أن أبكي وأصرخ كلما قربني زوجي
شعرت فردوس بغصة من كلام علياء ونظرت لها نظرة تعني أن أكملي
وشعرت علياء أنها جرحت فردوس دون أن تدري فقالت لها: عندما كنت أقوم فزعة على صوت صراخك كلما كان أبي معك أخبرتني أمي خديجة أن كل النساء العفيفات يفعلن ذلك عندما يريدهن أزواجهن، وأنا لا أريد ذلك، أنا خائفة
ضمتها فردوس لحضنها مرة أخرى وقالت لها: بنيتي الأمر ليس كذلك، عمتك لا تدري لأنها لم تتزوج، عندما تزوجت من عمك حامد رحمه الله لم تكن الدموع تعرف طريقي، لم أكن أبكي ولا أصرخ وكان الضحك هو ما يخرج من غرفتي ولا شيء آخر
نظرت لها عليا نظرة متحيرة وسائلة ولكنها لم تتكلم
فردوس: لا تتعجبي يا بنيتي، فحامد رحمه الله كان حبيب قلبي وكان رجل بمعنى الكلمة، كان يحبني وأحبه، لم يجبرني يوم أن أفعل ما لا أرضى على العكس من والدك، تزوجته مرغمة وفقا للعادات بعد وفاة زوجي وذلك بعد أن هددتني خديجة بترك البيت وأولادي وألا أراهم ثانية، ولم يكن أمامي لأظل جانب أبنائي سوى الامتثال والزواج من والدك سامحه الله. لم يعطني فرصة لأحبه، كانت رغبته أقوى منه، وبمرور الوقت أصبح تمنعي عليه يزيده رغبة وخروجه منتصرا في كل مرة يجعله يشعر بالمتعة، لست نموذجا وما يحدث معي لا يحدث مع كل النساء.
علياء: ولكن كيف يتزوجك وهو يعلم رفضك له، الدين يشترط موافقة العروس ويعتبر عقد الزواج باطلا إذا لم توافق
فردوس: الدين شيء والعادات المعمول بها شيئا آخر يا علياء، في الصعيد العادات والتقاليد أقوى من أي شيء آخر
علياء: ولكن من حقك فسخ عقد الزواج مع والدي، ما لم ترض بالزواج، لقد كبر أولادك وحصل كل منهم على نصيبه من ميراث أبيه
فردوس: تكلم معي مأمون في ذلك، ولكن عادل هددني إذا فعلت ذلك أن يقطع علاقته بي، سامحه الله وأعانك على إصلاحه يا ابنتي
كان كلام علياء مع فردوس بمثابة كابوس آخر علمته عن عادل، لا تعلم حتى الآن كيف تتعامل معه، كيف تتقبله كزوج لها، كيف وهو الجاني أن تكون مكافأته الزواج من الضحية، وكيف يكون رأيها غير ذي معنى، ولكنها سلمت لقضاء ربها وانتظرت الفرج من عند الله.

كان كلامها مع فردوس عن عادل وتحكمه وتعصبه للعادات والتقاليد ما يؤرق علياء، ولكن أكثر ما كان يؤرقها هو حبها لعادل وخوفها منه بعد ما فعله معها في القاهرة، ولكنها قررت أن تنتقم من عادل وتعلمه أن الدين هو الأقوى من العادات والتقاليد، وظلت تفكر فيما ستفعله مع عادل.

الثلاثاء، 25 أغسطس 2015

الفصل السادس (لست عاهرة)


ذاعت في القرية سمعة عادل السيئة وأنه يتردد على نساء سيئات السمعة؛ مما اضطر عبد الخالق لردعه عما يفعل حفاظا على سمعة الأسرة والعمودية، وطلب منه البحث عن زوجة. لا يمكن أن تكون سمعة عادل سيئة لأن ذلك يؤثر على سمعة العائلة، كما يخاف عبد الخالق من الثأر إذا طالب به زوج أي سيدة من السيدات.
كان عبد الخالق يتمنى أن يتزوج عادل من علياء ليطمئن عليها؛ فهو يرى أن نصيب عادل يكفيه لتعيش ابنته في أرغد العيش، وأنه لتعلمه قد يسمح لها بإكمال تعليمها، ولكنه لا يقوى على أن يقول ذلك لعادل، يراعي عبد الخالق كبرياء ابنته وكبرياؤه هو أيضا، كيف يطلب من عادل أن يتزوج علياء، ويرى أيضا أن ابنته لا يليق بها أحد سوى ابن أخيه، إنها في الثانوية العامة وبالتالي لن يليق بها إلا شخص متعلم ولا يقل في مستواه الاجتماعي عن عبد الخالق.
أطاع عادل عمه وطلب من والدته أن تبحث له عن عروس مناسبة، وحدد لها بعض العائلات ليرى بناتهن، وكان طلبه أن تكون جميلة ومطيعة له، لم يطلب علياء، لأنها خرجت خارج نطاق القرية وأصبح يشك في تمسكها بشرف العائلة والمحافظة عليه، فمن يدري ماذا تفعل وهل تذهب حقا للمدرسة، وماذا تفعل بعدها؛ لذا لم يطلب علياء من والدته، ولأن فردوس تعلم ابنها وطباعه لم تقترح عليه الزواج من علياء –وذلك لحبها الشديد لعلياء.
أنهت علياء تعليمها الثانوي وكانت من الطلبة الأوائل، اتصل المأمور بعبد الخالق ليخبره أن علياء يجب أن تسافر للقاهرة ليكرمها رئيس الجمهورية فهي من العشر الأوائل على الجمهورية. فرح عبد الخالق بذلك كثيرا، فكما توقع من ابنته أن ترفع رأسه عاليا، وتجعل الجميع يشير إليه بالبنان وها هي قد حققت له ذلك مرة أخرى. ولكن كيف يسافر معها لتكرم وهو وراءه العديد من المشاغل، لن يستطيع أن يترك البلد ليسافر معها، لذا كان الحل أن تسافر خديجة مع علياء وعادل للقاهرة لتكرم علياء وتأتي في اليوم التالي.
إلا أن علياء طلبت من والدها أن يسمح لها بزيارة بعض المعالم التي قرأت عنها في الكتب وأن تذهب لزيارة المتحف والأهرامات، فهي كانت تحب مشاهدة آثار بلدها، ووافق عبد الخالق على الفور، كما وعدها بزيارة يكون معها فيها للأقصر لتشاهد الآثار هناك. ووجد عبد الخالق أن فرصة تواجد عادل مع علياء قد تكون مناسبة أن يعرف كل من عادل وعلياء بعضهما وربما يتقدم لها.
كان طلب علياء السفر للقاهرة ومشاهدة المعالم الأثرية بالنسبة لعادل، أنها بالفعل أصبحت مثل بنات المدينة، لذا لم يتعامل معها على أنها ابنة عمه، وأنها الأمانة التي وضعها عبد الخالق في رقبته، كما أنه استغرب من موافقة علياء على السفر معه، ورغم أن خديجة معهما وأن خديجة وعلياء لها غرفة منفصلة عن غرفته، إلا أنه كان يشعر أن علياء أصبحت مثل أية فتاة من المدينة، وكان لابد له أن يختبر مدى حفاظها على نفسها.
سافرت علياء مع خديجة وعادل، كانت الفرحة تسيطر عليهم جميعا، حجز لهم عبد الخالق حجرتين في أحد الفنادق ذات الخمس نجوم في وسط العاصمة ليكونوا قريبين من مكان التكريم وكذا يستطيع عادل مرافقتهما لزيارة الأماكن التي ترغب بها علياء.
كانت مدة السفر التي سمح بها عبد الخالق هي أربعة أيام، زارت خلالها علياء كافة الأماكن التي أرادتها، ولأول مرة يتحدث عادل مع علياء ويشرح لها وهي تكمل له وتصحح له أحيانا بعض المعلومات، أذهلته معرفتها ومعلوماتها، وجمالها. لم يتخيل يوما أنها على هذا القدر من المعرفة والجمال، وعلى قدر جمالها شعر عادل برغبة شديدة تجاهها، أراد أن يأخذها، لم يخف من والدها ولا عمته، وخطط أن يختبر مدى حفاظ علياء على نفسها وعلى شرف العائلة.
بالفعل اشترى حبوب منومة ووضعها في كأس العصير الخاص بخديجة –دون أن تدري –ونامت خديجة بالفعل وهم يتناولون طعام العشاء، وساعد عادل علياء في اصطحاب خديجة للغرفة، ثم تظاهر بالإعياء وصدقته علياء وطلب منها أن تساعده ليدخل غرفته، كانت غرفتهما متلاصقتان، ساعدته علياء على الدخول لغرفته، فطلب منها أن تساعده حتى يصل للفراش وساعدته علياء بالفعل. ودون أن تعلم ماذا يحدث وجدته يحاول أن ينقض عليها ويأخذها عنوة، تذكرت في هذه اللحظة الطبيبة والختان، شعرت أن هناك وحش أمامها في الغرفة تذكرت صراخ فردوس الذي اعتادت أن تسمعه كل يوم تقريبا، قاومته دون أن تشعر ماذا تفعل، حتى وجدته ملقى على الأرض وقد جرحت رأسه، خافت أن يكون قد مات ولكنها وجدته يتنفس، خرجت وأغلقت عليه باب الغرفة ودلفت لغرفتها.
لم تستطع علياء أن تنام في تلك الليلة صورة عادل ومحاولته اغتصابها، وصوت فردوس وصراخها كل ليلة وصور الختان وكافة المشاعر السيئة التي مرت بها في هذه التجربة كانت تتوالى كلما أغمضت عينيها، صرخت دون وعي منها فاستيقظت خديجة على صراخها، واحتضنتها، ظنت أنها راودها كابوس سيء.
لقد اعتادت خديجة أن تصرخ علياء في منتصف الليل كلما نامت بعد صراخ فردوس، منذ أن علمت سبب صراخ فردوس. دائما تراودها الأحلام المزعجة والكوابيس، لم تستطع أن تشفيها من تلك الكوابيس، وكيف تفعل وهي الأخرى ترى ذات الكابوس. لم تستطع علياء أن تعلن ما فعله عادل معها، ولم تعرف ماذا سيقول عادل عما حدث له، لابد من السفر الآن.
سافر الجميع في اليوم التالي، كانت خديجة تشعر بسعادة غامرة، لقد سافرت للقاهرة وتنزهت بها، لقد أصبحت علياء مشهورة ومن الأوائل في دراستها، والآن سيقتنع عبد الخالق بتركها تذهب للجامعة.
عندما ذهبت خديجة لغرفة عادل لتوقظه، بعد أن تأخر في الاستيقاظ، فتح لها الغرفة وفوجئت عندما شاهدته، ورأت جرح يعلو رأسه وآثار لأظافر التي تملأ وجهه ورقبته، ولكنها لم تقتنع بتبريره للجرح وآثار الأظافر.
خديجة تجري على عادل وتحتضنه: ما هذا يا ولدي، ما هذه الجروح؟
عادل وهو مرتبك قليلا ولا يستطيع النظر لعلياء ولكنه فهم أن عمته لا تعرف شيئا: لقد وقعت يا عمتي من على الفراش دون أن أشعر وضرب رأسي بجانب الفراش
خديجة غير مصدقة ولكنها تتظاهر بعكس ذلك: وما تلك الخدوش؟
عادل: لا شيء يبدو أنني خدشت نفسي أثناء النوم
لم تصدق خديجة حرفا مما قاله عادل، ولكنها شعرت ببعض التوتر بسبب نظرات عادل وعلياء لبعضهما، كانت نظرات علياء مملوءة بالغضب والحقد والرغبة في الانتقام، أما عادل كانت نظراته بها خوف وتردد، نظرات من ارتكب جريمة ولكنه يخاف من العقاب. كانت نظرات عادل لعلياء تريح خديجة؛ إذ أنها تعلم أن الرجل إذا حصل مبتغاة من المرأة لن تكون نظراته نظرات خوف وتردد بل ستكون نظرات المنتصر الظافر، إلا أن ما يقلقها هي نظرات الانتقام التي تراها في عين علياء.
كانت تخشى خديجة أن تكون ظنونها صحيحة، فذلك يعني ولادة الثأر في العائلة، سيكون الثأر بين عادل وأخوته وأخيها وابن أخيها الصغير. "كم أنت مجنون يا عادل لتفكر في ذلك، كيف لم تدرك عاقبة فعلتك" هكذا كانت خديجة تحدث نفسها، لم تجد مفرا من مصارحة علياء بشكوكها، خاصة بعد تجنب كل منهما للآخر بعد عودتهم من القاهرة، ورفض علياء أن تسافر للأقصر بعد أن علمت من عبد الخالق انشغاله وأنها ستسافر مع عادل مرة أخرى.
ولكن علياء كانت ذكية لم ترفض السفر ولكنها أجلته لوقت يكون والدها قادرا على السفر معها، معللة ذلك برغبتها أن يصطحبها والدها وأن تخرج معه. فرحت خديجة بذكاء علياء، وساعدتها على الالتحاق بالكلية ولكنها طلبت منها أن تكون كلية داخل نطاق قنا، حيث لن يسمح عبد الخالق بسفرها خارج المحافظة. واختارت علياء كلية الحقوق، والتحقت بها، وطلبت من مأمون مساعدتها في الدراسة، وبالفعل كان مأمون يساعدها، ومر عليها الفصل الدراسي الأول ونجحت فيه بتقدير جيد جدا.
ولكن خديجة لم تمل من محاولة معرفة تفاصيل ما حدث في تلك الليلة، وما سبب الجروح التي حدثت لعادل، وتحت ضغط خديجة المستمر حكت لها علياء ما حدث
خديجة (وقد أخذتها المفاجأة): متأكدة أنه أراد اغتصابك عنوة، وأنك لم تشجعيه؟
علياء (غير مصدقة اتهام عمتها لها): لم أشجع أحدا، وأنت تعلمين مدى كرهي للزواج، لكم تحدثنا في ذلك، فكيف أشجعه وأضع رأس والدي في التراب
خديجة (بحزم): هل أنت عذراء؟
علياء: نعم
خديجة: متأكدة؟!
علياء (وبدأت تبكي من التهمة الجديدة): أقسم بالله العظيم ثلاثا لم يقربني ولم يلمس مني شعرة واحدة
خديجة (بشدة وحزم): إذن لن يعلم أحدا بذلك، فلو علم أحد ستكون سمعتك في خطر، كما سيولد الثأر في العائلة بين أولاد عمك وأبيك وأخيك
علياء (وهي تبكي لشعورها أنها لا شيء وغير مهمة): أعرف، لذلك لم أتكلم خاصة وأنا لم أمكنه مني
خديجة وقد اعتلى وجهها الجمود: اخلعي ملابسك ونامي على الفراش وافتحي قدميك
علياء بذهول: ماذا
خديجة وهي تقذف بها على الفراش: هيا أريد أن أتأكد بنفسي من عذريتك
لمرة أخرى تخوض علياء تجربة مريرة، تأكدت خديجة من عذرية علياء واطمأنت ولكن جروح علياء زادت، كيف وهي المجني عليها أن تفعل معها عمتها ذلك، لقد توقعت أن تحتضنها خديجة وتربت على ظهرها، لتعوضها عما حدث لها، فيكون من خديجة ما جرى. ما هذا المجتمع الذي يعامل الضحية على أنها الجاني، ويترك الجاني ينعم بأفعاله ويكررها دون رادع.
تقدم عادل لبعض العائلات الكبيرة بقنا ولكن كان الرفض حليفه دائما، خاصة بعد أن اتهام إحدى الفتيات اللائي كن معه في الجامعة باغتصابه لها، وحملها منه، لم تكن هذه الفتاة من الصعيد أو ذات شوكة يخاف منها، لذا مع إنكار عادل لم يعبأ بها أحد وأصبحت هي الجاني وهي المسئولة عمل حدث لها. خاف عبد الخالق بعد ظهور هذه الفتاة التي كانت زميلة لعادل بالجامعة على العائلة والثأر مما اضطر عبد الخالق لتهديد عادل إذا لم يرجع عن أفعاله هذه، ولكن خديجة طلبت من عبد الخالق الهدوء، وأن يتركها تتصرف.
دخلت خديجة غرفة عادل بعد أن تأكدت من وجوده وخلو المنزل ممن فيه
خديجة: ساءت سمعتك وساءت أخلاقك، ألا تستحي؟
عادل: مما يا عمتي؟ لم أفعل شيئا، أنت تعلمين أنها تريد الزواج مني بأية طريقة
خديجة: لا تكذب، أنا أعرف ماذا تفعل، كما أعرف ماذا فعلت مع علياء. أما كنت تستحي أو تخاف من ثأر يودي بحياتك وحياة أخوتك وسمعة ابنة عمك؟
عادل: ماذا قالت لك؟ لم أفعل شيئا، هي من أغوتني
خديجة وقد وضح علي وجهها أنها تكظم غيظها: اصمت، لا تتكلم، واسمع جيدا ما أقول ونفذه وإلا سأخبر أنا عبد الخالق بما فعلت في ابنته، أتفهم؟
عادل وقد خاف تهديد عمته فهي لا تخاف وتفعل ما تقول: سأنفذ ما تريدين ولكن أرجوك لا تقولي شيئا لعمي
خديجة: الآن أصبح عمك، وعندما كدت تهتك عرضه ألم يكن عمك. ستذهب إلى عمك وتطلب منه يد علياء للزواج
عادل بمكر: ولكنها في الجامعة وقد تكون سلمت نفسها لآخر، وقبل ذلك دخلت مدرسة خارج القرية ولا نعلم ماذا كانت تفعل
خديجة وقد فاض بها الكيل: ماذا تريد؟
عادل: أن تترك الجامعة وأن تكون ليلة البناء في حضورك وحضور والدتي لتشهدا على عفتها
خديجة وقد شعرت برغبة في القيء لما تذكرته في ليلة بناء احسان ولكنها لم يظهر شيء عليها: لك ما تريد، متى ستكلمه
عادل وقد شعر بانتصاره: اليوم
خديجة: إذن، لو مرت الليلة دون أن تطلب يد علياء سيعرف في الغد ماذا فعلت
بالفعل طلب عادل في نفس اليوم الزواج من علياء، لم يوافق عبد الخالق مباشرة، ولكن طلب منه أن يحسن من سيرته في القرية، وذلك حرصا على سمعته وسمعة أسرته، فطلب منه عادل أن تترك علياء الدراسة، ولا تخرج من الدوّار حتى موعد الزواج.
لم يكن تعليم علياء هو ما يهتم به عبد الخالق، ولكن كان اهتمامه بزواجها وأن تكون في عصمة رجل يحميها ويراعي مصالحها، لذا وافق على الفور على طلب عادل بعدم خروج علياء من الدّوار والذهاب للجامعة، خاصة وأن محمد أخذ علياء قدوة له وأصبح هو الآخر من المتوفقين في الدراسة، فسيحقق له الشهرة التي حققتها له علياء من قبل، كما أنه ذكر وسيرث العمودية منه، كما ورثها هو من والده.
وافق عبد الخالق على زواج عادل وعلياء، وبالطبع كان طلب عادل الخاص بليلة بنائه من الطلبات المشروعة التي يطلبها أي زوج يدخل بفتاة بكر، إنه شرفه الذي يتباهى به أمام الجميع. ولم يرفض عبد الخالق طلب عادل. فعبد الخالق كان يتمنى منذ فترة طويلة أن تتزوج علياء من عادل، وها قد تحقق حلمه والآن أصبحت أمنيته حقيقة، على الرغم من علمه بما يفعله عادل في القاهرة أو الاسكندرية عندما يسافر، كان يعتبر ذلك نزوة شباب –يجب عليه ألا يعلم عادل علمه بها –ويرى أن عادل سينتهي عنها عندما يتزوج، وكان يرتاح أن ذلك خارج قنا كلها مما يبعد عنه وعن أسرته شبح الثأر للشرف، فكان ما يؤرقه في تصرفات عادل هو الخوف من الثأر والسمعة السيئة، ليس لأن ذلك مخالف للدين، فمن تلك الزاوية كان يرى أن عادل رجل ومن حقه أن يفعل ما يشاء ولكن خارج قنا والصعيد بأكمله.
كان العائق هو رفض علياء لفكرة الزواج وترك الدراسة، ولكن كانت خديجة قوية الشخصية، تنفذ ما تقول، ما تطلبه أمر على الجميع تنفيذه. على الرغم من ألمها لما سيحدث لعلياء في ليلة زواجها ومن التجربة السيئة التي ستخوضها، ولكنها ستخوض تلك التجربة عاجلا أو آجلا، على الأقل هي اختارت لها ولد عمها من دمها وسيحافظ عليها، وستعيش على نفس المستوى من الرفاهية الذي وفره لها والدها، ولن تترك الدوّار وبيت والدها.
وبدأ تجهيز غرفة جديدة لعلياء ولكن في نفس الطابق الذي تعيش به، ستكون لها غرفة أكبر لها ولزوجها، الذي سمح له أن تطأ قدمه الطابق العلوي، طابق الحريم.
كانت هناك مشاجرة كبيرة بين عادل ومأمون بسبب طلب عادل البناء بعلياء في حضور الأهل، كان مأمون يشعر أن ذلك مهانة للمرأة، وكان يرى أن عادل غير جدير بعلياء ولكن عادل تقدم وعمه وافق على ذلك وكذا عمته وافقت، أما موافقة علياء لم تكن ذات قيمة؛ فالعادات والتقاليد تقضي موافقة والد العروس وليس العروس، فحتى لو رفضت العروس فلا أهمية لرأيها، العادات والتقاليد أقوى من الدين.
اتصل عبد الخالق بخيري ليأتي ويحضر عرس أخيه وابنة عمه –وكان قد مضى على زواجه ما يقارب العامين –لم يستطع خيري أن يقول لعمه أنه بذلك يعاقب ابنته، خاصة عندما علم من فردوس وهو يكلمها أن عادل طلب ألا تكمل علياء دراستها وأن تكون ليلة البناء وفق العادات والتقاليد. اضطر خيري أن يحضر معه عبير زوجته قبل الزفاف بأسبوع حتى يتمكن من مساعدة عادل في التحضير للزواج، وكذلك لتساعد عبير في تحضير العروس.
بدأ التحضير للعرس ومازالت علياء رافضة للزواج وترك الدراسة، ورافضة الزواج من عادل تحديدا. حاولت خديجة اقناعها أن عادل زوج تتمناه أية فتاة، ولتحمد الله أنه اختارها دون غيرها من الفتيات، وأن زواجها يعني أن الحظ قد ناداها. ولعلم علياء أن رأيها غير ذات قيمة، تركتهم يفعلون ما يريدون، وتركت خديجة تختار كل شيء الملابس والستائر والأثاث وألوان الحائط، لم تتدخل علياء في أي شيء أمام الجميع، خاصة بعد طلب عادل عدم خروجها تماما من الدوار حتى وإن كان ذلك للحديقة الخلفية.

أما علياء من داخلها كانت تشعر بمشاعر مختلفة ومتباينة فهي تحب عادل وتعرف ذلك ولكن ما فعله معها لا تجد له مبرر وتشعر أنه يكافأ على فعله، ولا يعاقب. لم تكن تعرف شيئا عن ليلة الزفاف وخطط عادل بخصوص ذلك اليوم، كانت تشعر بالفرح والحزن في نفس الوقت.

الاثنين، 24 أغسطس 2015

الفصل الخامس (لست عاهرة)



بعد أن تخرج عادل ومأمون من الجامعة، حصل كل منهما على نصيبه من إرث أبيه وجده. وفضل عادل أن يساعد عمه في تجارته وأعماله وبرع فيها، إلا أنه لم يكن أمينا على أموال عمه، كان يعشق المال –كما يفعل عبد الخالق –ولكنه لم يستطع أن يمنع نفسه عن الحرام كما فعل عمه.
وفضل مأمون أن يكمل دراسته في الحقوق ويحصل على الماجستير والدكتوراه، فهو الأول على دفعته وعين معيدا في الكلية، وأوكل عمه في إدارة أملاكه مقابل نسبة من الأرباح يحصل عليها عبد الخالق، ووافق عبد الخالق، وقدر ثقة ابن أخيه فيه.
حصل خيري على نصيبه من الميراث بعد أن أتم عامه الحادي والعشرين، وطلب الزواج من إحدى قريبات والدته، والتي تعيش في الاسكندرية، وقرر أن يبيع نصيبه لعبد الخالق ويسافر ويعمل في الاسكندرية ويتزوج هناك. كانت رغبة خيري كارثة على والدته، التي وجدت نفسها تبعد عن ولدها مجبرة، وتواجه الثورة العارمة التي أثارتها رغبته في بيع أرضه ونصيبه من الميراث، حتى عبد الخالق رغم أنه المستفيد من ذلك، كانت العادات والتقاليد أقوى من مصلحته الخاصة. لم تكن المشكلة أبدا كونه سيترك القرية وقنا كاملة ليعيش في الإسكندرية، ولكن كانت المشكلة في رغبته التخلي عن أرضه.
لم يعبأ خيري بكل ذلك، رغم تحذير عمه له، وأصر على البيع. وبالفعل باع نصيبه كاملا ليسافر للإسكندرية للزواج والعمل. لقد كره خيري قريته بل وقنا والصعيد كاملا، لم يستطع تحمل كل هذا القدر من الظلم الذي تعاني منه والدته وابنة عمه، أراد أن يبعد عن كل ذلك، أراد أن يبدأ في مكان ظن أن نسائه لا تظلم، ولكنه أدرك خطأه بعد ذلك. لم يكن الظلم قاصرا على نساء الصعيد، فالنساء في كل مكان أيضا يظلمن، ولكن مع اختلاف شكل الظلم وطريقته.
تزوج خيري من عبير ابنة خالة والدته، تعيش في المنشية، لذا اختار سكنه بالقرب من أهلها في المنشية. وعمل في التجارة هناك، اشترى بنصيبه شقة من الشقق الكبيرة على البحر ومحل لبيع الأثاث، كان يهوى ذلك المجال، لذا اختار العمل به، وساعده حماه على ذلك بعلاقاته المتعددة مع التجار على النجاح وأثبت نفسه في ذلك المجال.
أصر خيري أن يكون الزفاف في الاسكندرية وألا تفضح عروسه كما تفضح كل النساء في القرية، كم فرحت به فردوس كثيرا –خاصة عندما وجدته يخاف على مشاعر عبير –كم افتقدت خوف حامد عليها وحرصه الشديد على مشاعرها، كم تمنت أن يكون حامد هنا الآن بجانب ولده يساعده في زواجه.
لم يبخل عبد الخالق على خيري في شيء، بل ساعده كثيرا في تأسيس شقته في الاسكندرية وحجز قاعة الزفاف، وكانت هدية عبد الخالق له ولعروسه بالإضافة لمبلغ كبير من المال أن حجز لهما في فندق خمس نجوم من الفنادق التي لا يرتادها إلا السادة الكبار، حجز لهما كذلك طائرة من الاسكندرية ليسافرا إلى شرم الشيخ حيث حجز لهما هناك لقضاء شهر العسل.
على الرغم من رفض عبد الخالق لتصرفات خيري، وخروجه من القرية والزواج من الاسكندرية، فهو يشفق عليه أن تكون علاقته مع زوجته كما هو مع فردوس –فكان يعتقد أن ذلك سببه أن فردوس نست جذورها الصعيدية –ولكنه وقف بجانبه، كان يعلم أن السفر وقضاء شهر العسل من عادات سكان وجه بحري، لذا حجز له هدية منه، فعبد الخالق يعلم أنه عم خيري وفي مكان والده –رحمه الله –لذا وجب عليه أن يحسن لابن أخيه، ويجذل له ما يريد حتى لو خالف ذلك هواه. كل ما كان يضايق عبد الخالق أن خيري باع أرضه، أي باع عرضه، وكان ذلك في عرف القرية وصمة عار، ولكن بعد المفاوضات الكثيرة ولأن البيع سيكون لعبد الخالق، كان شرطه الوحيد على خيري ألا يعلم أي شخص كان أنه باع نصيبه من الأرض، ووافق خيري على ذلك.
وعلى الرغم من كره خيري لعمه، وذلك لما يشعر به من ألم كلما سمع صراخ والدته عندما يأتيها عبد الخالق، وأنه بلا حيلة ليمنع عنها ذلك؛ إنها أصعب لحظة تمر على الرجل أن يشعر أنه بلا حيلة لمنع الضرر على أقرب الناس له، عن والدته التي يحبها، فما فائدته إذن! حتى علياء ابنة عمه كم رأى والدته تتألم كثيرا وقت ختانها وكم آلمه سماع بكائها عقب الختان، وسماع صراخها أثناء الختان. لم يستطع أن يمنع الضرر عن أي شخص، لذا قرر أن يبتعد. ولكن ما فعله معه عبد الخالق وشعوره بحب عبد الخالق له ووقوفه جانبه في زواجه وإعدادات الزواج جعلته يعدل عن فكرة الانتقام، وأن يكتفي بالدعاء لوالدته ولعبد الخالق أن يهدئ الله حالهما.
لم يعرف خيري أنه كبر وأنه يحب عمه إلا بعد ما رأى منه من وقوف جانبه في زواجه، وخوف عليه وعلى صورته أمام الناس، هو يعلم أن جزء من خوف عبد الخالق على صورة العائلة بكاملها وطمع الطامعين في الدخول في ميراث عائلة القناوي، لكن ذلك لم يمنع من شعور خيري بحب عمه وكرهه في ذات الوقت.

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...