الاثنين، 7 سبتمبر 2015

الفصل السابع عشر (لست عاهرة)


مازالت القضية تنظر، ولم يتم الحكم فيها حتى الآن، ولكن ظهرت براءة عادل من بنوة ابن هبة، وتزوج مأمون من هدية الطبيبة النفسية، لقد كان يحبها، وتقرب إليها أكثر عندما كانت تعالج عادل وعلياء، اقترب منها وأحبها وأحبته، تزوجها بعد أن أتمت علاج علياء، وكان يوم الزفاف كما أراده مأمون لا عادات ولا تقاليد، ووقد حملت هدية في أحشائها ابن مأمون منذ أول ليلة لهما معا، تمشي كلتيهما وهي تحمل في أحشائها ولدها، فرح عبد الخالق بهما كثيرا، وحانت لحظة ولادة علياء، أصر عادل على نقلها للمستشفى لتلد هناك، لم يعد هناك الآن أحد يلد في المنزل، وانتهى زمن القابلة.
كان عبد الخالق يشعر بالخوف والضيق، الخوف على ابنته أن يحدث لها مكروه، والضيق من كشف ابنته على طبيب في مستشفى، مازال لا يستسيغ تلك الفكرة، خرجت الممرضة مبشرة بولادة فتاة، تغير وجه عبد الخالق وسأل عن ابنته، لا يعلم لما تذكر احسان في تلك اللحظة، وطمأنته الممرضة عليها، أخيرا شعر بالراحة كان يخاف أن يفقدها.
لم يعلم عبد الخالق لما سيطر عليه هذا الهاجس طوال فترة حمل علياء، حتى عندما ولدت ابنتها. فرح عبد الخالق بنجاة ابنته وبولادتها، فرح عادل كثيرا عندما حمل ابنته بين ذراعيه، شعر بشعور غريب وحب لتلك الفتاة التي يحملها بين يديه، إنها فلذة كبده وقطعة منه، كان يريد أن تلد له علياء ذكرا، ولكن مازال امامها العمر طويل، طلبت علياء أن تختار لها اسمها ووافق عادل وهو يتوقع الاسم، توقع أن تسميها خديجة، ولكن علياء فاجأت الجميع أطلقت عليها "سما".
أرادتها علياء أن تعرف منذ صغرها أنها ليست فقط علياء ولكنها مرتفعة، لا يصل إليها أحد مهما حاول، فلتجتهد أن تكون كاسمها "سما".
انشغلت علياء في تربية ابنتها ودروس محو الأمية التي أصبح يشارك فيها الجميع، حتى هدية اشتركت فيها، وتطوع فيها العديد من شباب القرية. شعرت علياء أن مجهودها وتعبها بدأ أخيرا يؤتي ثماره، أما عادل كان لا يخطو خطوة دون وجودها جانبه، حتى ذهابه لشركته في القاهرة أصبحت تذهب معه لها ولها مكتب خاص بها تدرس الأوراق وتشاركه الرأي. أبدت تفوقا في الإدارة أذهل عادل، لم يكن أبدا يتوقع أن تكون علياء بذلك الذكاء وتلك الموهبة.
طلب عبد الخالق من محمد أن يتزوج، كان محمد بالفعل اختار الفتاة التي يريد أن تشاركه حياته، وجد عايدة بنت أحد كبراء القرية انتهت من دراستها في كلية الحقوق، سأل عنها مأمون وكذا محمد والكل أبدى اعجابه بالبنت وأخلاقها وأسرتها، وكان زفاف محمد كما هو الحال مع مأمون، زفاف ينهي العادات والتقاليد، ومنذ زفاف مأمون ومحمد وأصبحت الأعراس التي تجرى وفق التقاليد قليلة جدا، ولكن بقيت مشكلة خطيرة وهي الختان.
كبر عبد الخالق ودون سابق إنذار توفى، استيقظت فردوس وجدته لم يستيقظ لصلاة الفجر، حاولت أن توقظه لم يستيقظ، نادت على عادل وعلياء، وجداه قد توفى، حاولت فردوس أن تصرخ منعتها علياء "حرام يا أمي، لما تعذبيه بعد موته، ادعي له بالرحمة والمغفرة".
وكما حدث في وفاة خديجة وعزائها منعت علياء أي صراخ أو نواح على الفقيد، حزنت عليه كثيرا، كم أحبته، وكم أحبها، لم يكن أبدا قاسيا عليها، كان يحبها ويظهر حبه لها، وتعلم أن ذلك وقتها كان تدليل زائد منه يلومه عليه الجميع. توفى عبد الخالق بعد أن تزوج أبنائه واطمان عليهم جميعا.
لم يمض على وفاة عبد الخالق الأربعين يوما حتى توفت فردوس هي الأخرى، كأنهما قد أنهيا رسالتهما ودورهما في الحياة وتركا أبنائهما لإكمال ما بدأوه.
أعطى محمد لعلياء نصيبها من ميراث أبيها، وأغضب ذلك عادل كثيرا، كما أغضبه حصول فردوس على نصيبها من ميراث زوجها، إلا أن محمد بصفته أخ لعلياء وابن لفردوس وبصفته عمدة القرية كان عليه تطبيق شرع الله في الميراث، وكان كلا من مأمون وخيري في صفه. أخيرا اقتنع عادل بميراث الإناث، لم يصدق أنه حقهم شرعا حتى ذهب بنفسه لدار الفتاوى وعلم عقوبة مانع الإرث كما شرعه الله، هنا فقط خاف على نفسه من عقاب الله عز وجل. لقد استغفر كثيرا مما فعله يغضب الله، ولا يريد أن يغضبه بشيء آخر، وطالما أن الجميع لهم نفس الرأي فلن يخالفهم.
ولدت زوجة مأمون له ولدا وأسماه حامد على اسم والده، أما محمد فولدت له زوجته توأم ولدا وبنتا أطلق عليهما عبد الخالق وفردوس، أراد أن يظل اسم أباه وأمه يتردد في المنزل، لقد أحبهما كثيرا ولن يرضى أن يختفي اسمهما هكذا من الدوّار.
حملت علياء مرة أخرى، بعد أن مر على حملها الأول ثلاثة أعوام، فرح عادل بحملها كثيرا، وكان يقول لابنته أمك ستأتي لك بأخ يلعب معك أنت وأولاد أعمامك، وولدت علياء البنت الثانية، كان ذلك يضايق عادل كثيرا لقد أنجب اخوته جميعا الذكور فلما كان حظه هو بالذات أن تلد له زوجته الإناث، شعرت علياء بما يعتمل في صدره، فقالت له صراحة أن نوع الجنين هو هبة من الله، وذكرته بالآية الكريمة ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ استغفر عادل ربه ولكنه كان يريد الولد، هو مطمئن لأن بناته سيرثن منه، مع عدم رغبته في ذلك، ولكن يوجد لديهن ما يؤمن مستقبلهن، ولكنه يخاف عليهن، يعرف ما فعله ويخاف أن يتكرر معه.
أصر عادل أن تحمل علياء مرة أخرى قبل أن يمر على ولادتها الثانية عام واحد، وبالفعل حملت مرة أخرى، أنجبت فيها بنتا أخرى، ليصير عادل أبو البنات، سما وعلا وغيداء، كان لقب أبي البنات يضايقه كثيرا، ولكنه رضي بقضاء الله، لم يكون له ولد يحمل اسمه.
دخلت سما المدرسة الابتدائية، ما لبثت أن لحقت بها علا ثم غيداء. أثبتت البنات تفوق ونبوغ أذهل عادل، لقد ورثن أمهن في الذكاء والتفوق، وأصبح تكريم بناته لتفوهن الدراسي شيء معتاد، أن يذهب مع كل واحدة منهن للمحافظة للتكريم. شعر بالفخر الذي كان يشعر به عبد الخالق، أن تكرم ابنته الأولى على المحافظة في المرحلة الابتدائية. وأن تكرم البنات كل عام لأنهن الأوائل على المدرسة. بعد أن أنهت سما المرحلة الابتدائية طلب من علياء أن تقوم بختانها، بالطبع رفضت علياء ما قاله جملة وتفصيلا، وتذكر هو مأساة علياء، فطلب منها أن تعرضها على طبيبة أمراض نسا لترى إن كان هناك ضرورة لختانها أم لا. وردت عليه علياء أن وأفهمته، أن ذلك لا يظهر والبنت مازالت صغيرة وإنما يجب أن تكبر وتصل للمرحلة الثانوية، عندها ستذهب بها للطبيبة لتعرف مدى احتياجها للختان، إما الطفلة صغيرة ولا تريد لها أن تمر بما مرت هي به.
لقد كانت علياء تحارب في قضية الختان، لا ترضى عن رأي الفئتين المؤيدة دون سبب والمعارضة دون سبب. ترى أن كلتاهما على خطأ، كلتاهما تحاول أن تفرض رأيها. اجتهدت كثيرا حتى علمت معلومات كثيرة عن الختان، وأنواعه وحكمه الشرعي. لقد علمت أن هناك أكثر من نوع وأن النوع الذي ورد في السنة هو إزالة الحشفة مثل ما هو في الذكر وأن توقع الكشف على الفتاة طبيبة مسلمة، لتنظر إن كانت الفتاة في حاجة له أم لا، ولا تضر بمستقبلها الزوجي، أما الأنواع الأخرى كلها تقضي على مستقبل الفتاة الزوجي وقد نهى عنه رسولنا الكريم. ولكنها وجدت المؤديون يطالبون بالسنة مع أنهم يفعلون ما نهت عنه السنة، وعلى الجانب الآخر يرفض الختان جملة وموضوعا ويرفضون أنه ورد بالسنة. لذا كانت تحارب الفريقين الرافض والمؤيد، لم تهتم بمن يؤيدها كانت تهتم ألا تضيع فروض أو سنن، وألا تنتهك فتاة نتيجة معتقدات خاطئة.
لقد تعبت من شرح أن الختان لا علاقة له بعفة الفتاة أو شرفها، إنه سنة الهدف منها النظافة والتجميل كما أمر بها الدين، مثل ما نفعله مع الذكر، والاختلاف أن ختان الذكر فرض والأنثى سنة. تعبت من شرح أن الفتاة في سنها الصغير وهي في مرحلة الطفولة لا يظهر مدى حاجتها للختان من عدمه، ولن تفهم ما يحدث لها، سيتم القضاء على براءة طفولتها وترسيخ عقدة نفسية تلازمها طوال عمرها.



------------------------------انتظروا الفصل الأخير--------------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...