الثلاثاء، 1 سبتمبر 2015

الفصل الثاني عشر (لست عاهرة)


كانت خديجة منذ تقدم عادل للزواج من علياء تفكر في بدء علياء مهامها باعتبارها الكبيرة في هذا الدوّار، والمسئولة عنه مكان خديجة –وهي على قيد الحياة –كي لا ينازع علياء أحد مكانها ومكانتها، ولكن فكرة عادل في الابتعاد تدمر ما تفكر فيه خديجة وتعد له منذ ولدت علياء، وهي أيضا تخاف على علياء من عادل.
تعرف نظرات الحقد والانتقام؛ لقد رأتها سابقا في عيون علياء، وهي الآن في عيون كل منهما، لا تخاف من علياء لأنها تعرف أنها عاقلة ورشيدة ولكنها تخاف من عادل وتهوره، مازال يحتاج أن يتعلم كيف يكون كبيرا، تمنت لو أن علياء تزوجت مأمون، أو لو كان عادل في أخلاق مأمون وعقله. ولكن عادل هو عادل، لا يمكن أن تتركه بمفرده مع علياء، لا يمكن أن يكون أي شخص آخر في مكانة علياء –كبيرة الدوّار –لا أحد غيرها جدير بتلك الصفة.
كان عبد الخالق قلقا من إصرار عادل على الابتعاد، لا يريد أن يتسبب البعد في أي ضغينة بين العائلة، يريد أن تكون العائلة أسرة كبيرة متلاحمة، لا يمكن أن تفترق؛ لذا اتخذ قراره برفض فكرة عادل بالابتعاد عن القرية والخروج للمدينة، وكان قراره نهائيا لا رجعة فيه.
يعلم عبد الخالق جيدا مدى حب عادل له، واحترامه لقراراته، ووجد عبد الخالق ضرورة أن يتعامل مع عادل كما كان سابقا، لا يتغير أي شيء سوى عدم انفراد عادل بالحسابات والإدارة، يعلم أنه لم يحسن تربية عادل ولم يعلمه أن السرقة محرمة، وأن إدارة الأملاك أمانة. فلا يمكنه أن يلقي باللائمة كلها على عادل، لم يراجع أحد أبدا وراء عادل، وأيا كان الشخص موثوق به، فالمثل يقول "المال السائب يعلم السرقة"؛ لذا عادل ليس وحده مذنبا كلهم مذنبون ويتحملون نصيبا من خطأ عادل.
استقر الأمر على أن يقام المصنع داخل القرية في قطعة أرض تقع ضمن أملاك عادل، ويتم البناء من أموال عادل، وساعده عمه بجزء من أمواله في بناء المصنع، ليقول له بذلك نحن عائلة واحدة وأنت ابني ومهما أخطأت فالأب لا يغضب من أبنائه أو يطردهم. فهم عادل رسالة عمه واطمأن لها، كما أن محمد ومأمون لم تتغير معاملتهما معه، باستثناء غضب محمد من عادل بسبب سوء معاملته لعلياء.
حاول عبد الخالق التحدث مع عادل لكي يحسن معاملة علياء، الكل يلاحظ ذبولها ولكنها لا تتكلم
عبد الخالق: يا بني الكل يلاحظ ذبول علياء، رغم أنها لا تتحدث، أنا أب أشعر أن ابنتي ليست على ما يرام، تكلم يا بني علّني أستطيع أن أحل سبب المشكلة
عادل: لا تقلق يا عمي، ولكن علياء حتى الآن لم تتعلم أن العادات والتقاليد هي أهم ما نحافظ عليه، لم تفهم أنها أصبحت زوجة، لا تعرف حتى الآن كيف تعامل زوجها، حتى الآن لا تجلس أمامي إلا بالحجاب.
تفاجأ عبد الخالق من جملة عادل الأخيرة، ما معنى أنها لا تجلس أمامه إلا بالحجاب، معنى ذلك أنه لا يقربها، فكر عبد الخالق أن ابنته تفعل ذلك لتعاقب عادل على فعله بعمه واخوته، فقال لعادل "سأتكلم معها يا بني، ما تقوله الآن لا يرضي أحدا"، إلا أن عادل رفض ذلك وقال له أنه سيتعامل مع ذلك؛ فعلياء زوجته ويجب أن يعلمها هو ما يريدها أن تتعلمه، وطلب من عبد الخالق ألا يتدخل أحد في ذلك. وبالفعل لم يتدخل أحد في ذلك الموضوع أو يفتحه مع عادل. خاصة بعد انشغال الجميع في بناء المصنع والشركة الخاصة به، ثم مع مرض خديجة ثم وفاتها.
بدأت علياء في التعامل في الدوّار بصفتها الكبيرة، كانت خديجة تقف بجانبها لتعلمها كل صغيرة وكبيرة عن احتياجات كل فرد في الدوّار وكل شيء فيه، كانت خديجة قد شارفت على بداية عامها الخامس والستين، وبدأ تشتد عليها أعراض المرض، بدأت الآلام التي لا تنتهي والصراخ الذي لم تعد قادرة على كتمانه من الألم، انشغل الجميع مع خديجة وذهبت للمستشفى واكتشفوا أنها تعاني من سرطان بالدم في مراحله الأخيرة ولا جدوى من العلاج، توفت خديجة بعد عام من المعاناة مع الألم، تعلمت فيها علياء أن المرض والموت قد يهزمنا جميعا ويأخذ منا من نحب في لحظة.
لقد كانت تحب خديجة وتعلم أنها من كانت تدافع عنها، حتى مسئولية البيت كانت تعد علياء لها وحاربت كثيرا حتى لا تكون غيرها في تلك المكانة، رحمها الله. كانت كأنها تنتظر أن تتسلم عليا مهامها في البيت وتكون الكبيرة حتى تودع خديجة أحبابها وتودع هذه الدنيا وتذهب روحها لمن خلقها.
كان موت خديجة بعد مرور خمس سنوات على زواج عادل وعلياء، لم يتمكن عادل طوال تلك الفترة من لمس علياء؛ فهي لم تتراجع عن قرارها السابق، لن يلمسها عادل حتى يتغير، حتى يتعلم أن الدين والحب والمشاعر أهم من العادات والتقاليد. أما عادل فلم يحاول أن يلمسها عقابا لها، وإمعانا منه في عقابها، أصبح يأتي من سفره للقاهرة وهو معبأ بروائح الباغيات وآثار معاشرته لهن، أراد أن يعاقبها، واستمر العقاب، واستمرت في عنادها، حتى وصلت أنها تظهر له أن ما يفعله لا يؤثر عليها ولا تكترث له. فقد عادل منها الأمل، وقرر أن يتركها وشأنها ويفكر في الزواج بأخرى، ولكنه لم يقوى على الزواج بغيرها، مازال يحبها ولا يعرف كيف يئد حبها في قلبه، لم يستطع أن يطلقها.
لم تعد علياء بعد زواجها تفارق محمد، وأصبح هو الآخر متعلقا بها، يتعلم منها كل شيء وتساعدها فردوس في تأكيد ما تقوله، محمد متفوق جدا في دراسته، ولكنه قرر أن يدرس في كلية التجارة، دون ما يطلقون عليه كليات القمة ولتكون الكلية في قنا، لقد كان هو الآخر من أوائل الثانوية العامة.
تمر السنون سريعة ولا يشعر بها أحد، اليوم السنوية السابعة لخديجة، وتخرج محمد من كلية التجارة، ساعد والده في العمل في الأرض، أصبح هو العمدة بعد أن أصبح عبد الخالق نائبا في مجلس الشعب. تعلم من علياء الحب لكل من حوله، ولكنه كان يشعر بالضيق من عادل أخيه من طريقة معاملته الجافة لعلياء، وكلماته المسمومة لها أنها لم تنجب حتى الآن، يتألم من كلماته ولا يعرف لماذا لا يتزوج عادل ويترك علياء في حالها، لن يعترض أحد على زواجه ولا حتى علياء، الجميع يعرف ما يقوم به في مصر عندما يسافر لفرع المصنع الخاص به هناك، ولا أحد يتكلم.
لم يترك خيري الإسكندرية بعد زواج عادل إلا مرات قليلة، وأصبح يدعو أهله لزيارته خاصة في فترة الصيف، ولدت عبير زوجته في حملها الأول توأم بنتان، فرح بهمها خيري كثيرا إلا أن خديجة وعبد الخالق كانوا في انتظار الولد، وبعد مرور الأربعين على ولادة عبير كانت خديجة تلاحقها بطلب الحمل مرة أخرى لتلد الولد، ولم تحمل عبير بعد ولادتها الأولى إلا بعد عامين ولدت فيهما توأما آخر ولكنه هذه المرة ولدان. كانت ولادة عبير الأخيرة فرحا للجميع ولدان مرة واحدة. أصبح خيري أب لأربعة أولاد، بنتان وولدان. فرح خيري كثيرا بأولاده الإناث وقرر أن يتعامل معهن كما كان يريد أن تعامل الإناث في بلده، كتب لهن من أمواله وأوصى علياء وأمه وزوجه أن تحصل كل أنثى منهما على نصيبها من ميراثه إن هو مات، وأنه كتب لهن بعضا من أملاكه لأنه لا يدري ماذا يمكن أن يحدث لهن وأودع لهن مبلغا من المال في البنك بأسماء بناته وزوجته.
وصلت البنات لسن دخول المدرسة وقرر خيري أن يتعلم الجميع في المدارس، كما قرر أنه يجب أن يسأل في مسألة الختان، لن يفعل شيء يضر ببناته لمجرد أنها عادات وتقاليد، بناته أغلى عليه من أي عادات أو تقاليد. وعلم الأولاد أن البنات كما الأولاد لهن مثل الذي عليهن، ويزيد عليه أن رعاية البنات تقع على الولد.
كم فرحت عبير بخيري ما فعله مع بناته، لقد كانت تخشى منه في البداية على البنات، خاصة عندما شعرت بخيبة أمل الجميع عقب ولادتها الأولى، ولكنه كان حقا مختلف، لم يكن يتبع أي عادات أو تقاليد، كان دائما يقول لها أنه لا يفعل إلا ما يرضي الله، رضا الله أهم عنده من سخط الناس فليسخطوا، يبتعدوا، يفعلوا ما يحلوا لهم، ولكنه لن يفعل ما يسخط الله أبدا.
اختارا سويا أسماء أبنائهم فكانت علياء، وعلوية وعلي وعبد الخالق، لم ينسى خيري أبدا ما فعله معه عمه، لقد فهم سبب تصرفاته مع والدته، وأدرك أن سلبية والدته هي من مكنت عبد الخالق مما يفعله. كم هو فخور بعلياء ومحاولاتها الخروج عن العادات والتقاليد، ما تعلمه لمحمد.

يعرف خيري ما فهمته علياء، كان الدرس الذي وعته علياء وتعلمته جيدا، لن تستطيع تغيير الموجود حاليا، ولكن ركز على الجيل الجديد، علم الصغار هم المستقبل وحاملي الراية، وهو ما كان يفعله، كان يساعد علياء في غرس ما أرادت أن يتعلمه محمد أن إرضاء الله أهم من المخلوق، أوامر الله ونواهيه أهم من العادات والتقاليد ومن سخط الناس. أصبح محمد العمدة وما يأمر به يقبله الجميع وينفذه دون نقاش، حكمه هو الفاصل وهو الأمر الملزم للجميع. كان خيري يعلم أنها سياسة النفس الطويل، ولكنها تؤتي أكلها حتما في صالح ما كان يفكر فيه ويغضب منه، لن تكون هناك فردوس أخرى ستكون جميع الفتيات علياء. كم يأمل أن يحدث ذلك. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...