عندما وصلت سما
لسن البلوغ، جلست معها علياء، وتكلمت معها عما تمر به من تغيرات جسمية ونفسية،
وكيف تتعامل معها، علمت أنها سيأتي عليها أوقات لا تستطيع الصلاة أو الصوم أو
قراءة القرآن. أفهمتها أنها الآن فرض عليها الحجاب، وأفهمتها ما الحجاب ولما فرض.
لم تترك علياء
بناتها، لقد حفظن القرآن الكريم كاملا، وكرّمن في مسابقات الحفظ وهن في سن
الرابعة، حفظن القرآن كاملا. وقد أثر ذلك عليهن بالإيجاب في الفهم والإدراك، لقد
قرأت قبل زواجها دراسة أجنبية عن الأطفال، وخاصة أطفال المسلمين، ورد فيها أن حفظ
الطفل المسلم للقرآن قبل سن المدرسة يساعد المخ على النبوغ والإبداع، لأنه يحفظ
عدد هائل من المفردات الخاصة باللغة ما يزيد عن 55 ألف كلمة، وبالتالي أصبح نشاطه
الدماغي مستعدا لتلقي أية علوم والإبداع فيها، سبحت ربها على هذه النعم، ولم تنسى
أبدا ذلك البحث، وعندما حملت لأول مرة قررت أن يحفظ أبنائها المصحف كاملا. وبالفعل
حفظ ثلاثتهن المصحف كاملا، أصبحن مبدعات.
وعندما بلغت سما
كانت تحفظ من الأحاديث أيضا، أحبت القراءة كما والدتها، أحبت الحجاب، وقالت
لوالدتها ذات يوم أن البنات في المدرسة يرتدين الحجاب حتى باب المدرسة ثم يخلعنه،
وكانت تحكي لها كلام البنات، لقد كانت صديقة لبناتها، رغم انشغالها مع عادل في
عمله وفصول محو الأمية وغيرها من مشاكل في القرية.
لم تتذمر علياء من
كلام بناتها، كانت تتقرب منهن وتسمع وتعامل عقلهن بالحجة وبالبرهان، ساعدتهن على
حب القراءة والمعرفة، وعرفن أن القراءة هي مفتاح الكنوز، كل يوم يمر على عادل يرى فيه
البنات يشعر أنهن هدية من الله له، جمال وعقل ودين.
أخيرا اقتنع عادل
أن الدين والأخلاق هما ما يجب أن يمنع الفتاة عن الحرام وليس الرقابة، وافق عادل
على التحاق بناته بالمراحل المختلفة حتى وصلن للجامعة، كان يسمح لهن في فترة الصيف
بالنزول معه للشركة ومتابعتها. اهتمت سما في دراستها بدراسة الأدب والشعر العربي،
والتحقت بكلية الآداب وأصبحت معيدة في الكلية. اهتمت علا بدراسة الحقوق والقانون
واهتمت بنشاط مأمون في مجال التوعية بالحقوق والقانون، وحصلت على الليسانس في مجال
الحقوق وعملت في مكتب محاماة كبير في القاهرة وذاع صيتها هناك، وتابعت الشئون
القانونية لأعمال والدها وأعمامها، غيداء كانت تحب الرسم، ولكن عادل لم يوافق على
ذلك وحاول اقناعها بدراسة الدعاية والإعلان، واقتنعت بذلك وسمح لها عادل أن يظل
الرسم هواية لها؛ فالتحقت بكلية الإعلام قسم علاقات عامة، وبعد التخرج تسلمت إدارة
شركة التسويق واعتمد عليها كليا في إدارة الشركة.
جلست علياء أمام
مذكراتها تتأمل ما وصلت له حياتها الآن، كيف تحولت حياتها منذ كانت طفلة حتى أصبحت
أما لثلاث فتيات، في جمالهن كما البدر، وفي أخلاقهن لا تشوبهن شائبة، وفي تدينهن
حمدت الله على حفظهم للقرآن الكريم كاملا ولمعظم الأحاديث النبوية.
كانت مثلها مثل أي
أم تتمنى أن ترى بناتها في بيوت أزواجهن، رغم نجاحهن الباهر في المجال العلمي
والعملي كانت تريد أن تراهن زوجات وأمهات، وتساءلت ترى يا عادل كيف تراهن الآن،
وعندما ذكرته في عقلها وجدته يدخل الغرفة، تركت مذكراتها مفتوحة أمامه لأول مرة،
وأعطتها له ليقرأها، وأخرجت له دفاترها جميعا.
فرح عادل من تصرف
علياء ذلك، ولم يقل لها يوما أنه عرف كم كان أنانيا معها بسبب ما قرأه من
مذكراتها، ولكنه فوجئ أثناء مطالعته معها لمذكراتها أنها علمت أنه قرأ ما كتبته
ولكنها تظاهرت بعدم المعرفة، لتعرف إن كان ذلك ليستغله ضدها أم أنه فعلا أراد أن
يعرفها، وأنها تعرف أنه لم يحاول بعد ذلك قراءة ما تكتبه، بل حاول أن يقرأها هو
وأن يفهمها. أدخل كلامها عنه وعن تغيره وشعورها تجاهه على قلبه السعادة، احتضنها
كما اعتاد أن يفعل، وعندما أنهيا مذكراتها سويا قال لها كأنه يقرأ ما يجول
بخاطرها، أحببت البنات أكثر مما كنت أتوقع أن أحب أولادي، بذكائك في تربيتهن
والتعامل معهن وذكائهن أحببتهن، كم أمتنى أن أراهن زوجات سعيدات وأمهات.
لقد أثبتن لي خطأ
ما كنت اعتقد فيه، وأنت تحديدا أثبتي لي أن العادات والتقاليد ليست دائما على حق،
ساعدتني أن أتقرب لربي واستغفر عما فعلت، لقد تحملتي ثورتي عندما رفضت أن ترثي أنت
وأمي –رحمها الله –كم تحملت مني من حماقات، ولكن صبرتِ وجاهدتِ حتى اقتنعت أنا أن
رضا الله أهم من أية عادات وتقاليد، والله لو كان أحدا قال لي أنني سأتغير وأسمح
بإرث الإناث وأسعد لكوني أب لثلاث منهن لإتهمته بالجنون.
عادل: علياء بما
أنك تحلمين بزواج بناتنا كما أفعل لك عندي بشرى
علياء: خيرا زفها
إلي، عريس لأي بنت من بناتنا؟
عادل: إنه لسما
أستاذ في كلية الآداب، زميل لها
علياء: وهل وافقت
عليه؟
عادل: لا طلبت منه
وقت لأسأل عنه وعن عائلته ثم أسأل البنت عن رأيها.
علياء: وهل سألت
عنه؟
عادل: نعم، سألت
عنه، الجميع يشكر في أخلاقه وتدينه، ولكن عائلته مستواها المالي أقل من عائلتنا.
علياء: لا يهم
المستوى المادي كثيرا، يمكن أن نبني ملحق لهذا الدوّار يعيش فيها البنات مع
أزواجهن ويكون هذا المنزل لنا كبار السن.
عادل: هل تعتقدي
أن العريس سيوافق، لو وافق سأخاف أن يكون طامعا في أموالنا
علياء: إذن ماذا
ترى؟
عادل: اسألي سما
عن رأيها فيه، أما اختباره لمعرفة إن كان طامعا أم لا وهل يستحق ابنتنا لن يكون
سهلا أبدا، لن أفرط في ابنتي لمن لا يقدرها ويعرف قيمتها.
ابتسمت علياء في
موافقة منها لما قاله عادل، وابتسامة حب أيضا، لم تصدق أن هذا عادل الذي تسمعه، كل
يوم يمر عليها يثبت لها أنه نعم الزوج ونعم الأب، كانت تظن ألا يوجد أب يحب ابنته
كما فعل معها عبد الخالق، ولكن عادل أثبت لها أن الأبوة حب وحنان وسند.
وتم زفاف سما على
علي الدين زميلها بالجامعة، رفض علي الدين السكن في دوّار العمدة، أراد أن تكون
زوجته في بيته هو، أراد أن يكون هو رجلها الأوحد. قبل زفاف سما لم تتركها علياء،
علمتها كل شيء عن الزواج والزوج. علمتها أن الحياة مشاركة ومشاطرة لأيامهما سويا،
لحلوها ومرها، علمتها كيف تحب زوجها وتحافظ على بيتها، ولا تهمل ما تحبه، تعرف
أنها ابنتها تحب الأدب وتدريسه ومشاركة والدها في أعماله.
كان علياء أم
وصديقة لبناتها، لم تترك شيئا إلا وعلمتهن إياه، وزوجت علا من زميل لها في مكتب
المحاماة، محام شاب وعلى خلق، من أسرة يشهد لها الجميع الأخلاق والحسب والنسب،
عاشت في قنا كما هو الحال مع سما، لم يمنعها زوجها من استمرار عملها بالمكتب
ومتابعة أعمال والدها وأعمامها، أما غيداء فتزوجت من عبد الخالق ابن محمد وعاشت في
الدوّار معهم، لقد كانت تحبه وأمها تعلم بحبهما وكانت تنتظر أن يتقدم لها عبد
الخالق، وبالفعل تقدم لها عندما أنهى كليته والجيش واستلم عمله في إدارة أملاك
أبيه العمدة، وترشح لأن يكون هو العمدة التالي محل أبيه، تقدم لغيداء وتزوجها
وأيضا لم يمنعها من إدارة شركة والدها الخاصة بالتسويق، بل على العكس ساعدها في
توسيع نطاق عمل الشركة وأصبحت مجموعة شركات القناوي.
لقد وحد الأبناء
الميراث وأصبح المصنع والشركات والأراضي كلها تحمل لقب العائلة القناوي، لم يختف اسم
العائلة كما كان يتوقع عادل، لقد قام الصغار بتجميعهم، خاصة عندما تزوج ولدي خيري
ببنات محمد ومأمون.
تغيرت الحياة في
القرية وفي الأسرة، أصبح حكم العادات والتقاليد مباحا فيما لا يخالف شرع الله،
بدأت النساء تحصلن على حقوقهن وإن تنازل بعضهن عنها، لم تكن الحقوق كاملة، ولكن من
يناضل للحصول على حقه يصل له في النهاية. وصلت علياء لحقها لما حاربت من أجله،
تغيرت القرية حيث ذهبت البنات للمدارس والجامعة، جرّم الختان قانونا إلا أنه مازال
يجرى في السر، ولا أحد يجرؤ على الإعلان عنه كما كان الحال سابقا، لم يتحول الصعيد
لجنة، مازالت هناك العديد من الحقوق الضائعة ونساء يرفضن الحصول عليها ليس فقط
المطالبة بها.
--------------------------------تمت----------------------------------------