الخميس، 19 فبراير 2015

ضياع (الفصل السادس عشر: بداية النهاية)


جلست إيمان تتحدث مع زوجها ووالدتها أثناء تناول الإفطار، لقد اشتاقت لمثل هذه الأحاديث التي تحلو أثناء الطعام. كانت تأكل وتتحدث وتحاول مع والدتها إطعام فريدة وعلا. تجاوزت فريدة الآن عامها الرابع أما علا فتجاوزت عامها الثالث
إيمان: فاكرة يا ماما أول ما بدأت ءأكل فريدة ياااااااااااااااااه كنت محتاسة وخايفة ومش عارفة اعمل ايه
كوثر: طبعا، فاكرة هي دي حاجة تتنسي. يا بنتي اول عيل دا بيبقى محل التجارب في كل حاجة
إيمان: كنت مرعوبة أبدأ ءأكلها ومش عارفة تاكل ايه ولا إزاي، غير علا بصراحة كنت حفظت الدرس خلاص
كوثر: علا أنا ما حستش بيها خالص وما عرفتش ابقى معاكي من يوم ولادتها
أمجد: معلش يا ماما هي الظروف ساعتها حكمت كده، وبعدين الحمد لله اديكي أهو معانا وان شاء الله تشوفيهم وتشوفينا باستمرار
عادت كوثر بذاكرتها لبداية المشاكل مع برهان، لقد بدأت المشاكل بسفر البنات، بدأت بهجرة رضا وزوجها ثم سفر إيمان. لقد شعر برهان في ذلك الوقت أنه بالفعل فقد بناته، كلهن سافرن للخارج ولم يبق سواه هو وكوثر في سن تقدم بهما العمر فيه، ولكن كوثر كانت ترى أن سفر البنات كان ضرورة
قبل ست سنوات من الآن
منزل برهان وكوثر
رضا: على فكرة يا بابا أنا خلاص اتوافق لي على الهجرة، هـ هاجر أمريكا أنا وفارس والسفر خلاص كمان عشر أيام
برهان (باستهزاء): وجاية على نفسك ليه كده، وبتقولي دلوقتي، كنتي كلمتينا وانتي في الطيارة على طول.
رضا: ليه بس كده يا بابا؟
برهان (بعصبية): يعني انتي عرفتي فجأة كده انك مسافرة والهجرة اتوافق عليها، طب خلي عندك دم وقولي من قبلها من قبل ما تحجزوا تذاكر السفر شوفينا أنا وأمك ح نحتاج منك ايه تعمليه قبل السفر، بتقولي دلوقتي انتي يادوب ح تجهزي نفسك وتقفلي شقتك
رضا: أولا يا بابا انت عارف اني قدمت الهجرة من بدري، وان خالي بحكم ان معاه الجنسية الامريكية ساعدنا نخلص الإجراءات على طول وكتر خيره أول لما الموافقة تمت على الورق حجز التذاكر
برهان (بعصبية شديدة): والسفر من أصله ليه، ما انتم قاعدين هنا لوزمه ايه السفر والبهدلة وكمان هجرة يعني استقالتي من وظيفة الحكومة، خليكي ماشية ورا جوزك لغاية لما تروحي ورا الشمس
رضا (تحاول تهدئة والدها): ما انت شايف الوضع عامل ازاي الأوضاع كلها سيئة مش عارفين نعيش مش عارفين نحلم، بلد اتقتل فيها الحلم واتقتل في شبابها الطموح محتاجين نخرج بره القمقم بقى عايزين نعيش زي البني ادمين، محتاجة احس اني بني ادمة عايشة وليا حقوق وكرامة، محتاجة يكون حلمي مستقبل أقدر ابنيه مش اني يا دوب الاقي ابسط حقوقي اني اكل واسكن، حتى دا بقى صعب الاسعار عالية ويادوب عايشين. لا تعليم ولا صحة ولا كرامة ولا عيشة ح نعمل ايه لازم اخرج اجرب حظي بره. انا تعبت هنا حاسة اني بموت بالبطيء
برهان: هما دول الكلمتين اللي اتعلمتوهم ونسيتوا ان البلد دي هي اللي ربتكم
رضا: بلد؟!! هي فين البلد دي، ويعني ايه بلد اصلا، بلد بتقتل فينا الحلم والطموح وحتى حقنا في الحياة
برهان: خلاص اتنيلي على عينك واعملي اللي انتي عايزاه بس يا ريت ما ترجعيش تعيطي وتقولي الحقني
كوثر (ببكاء وتحتضن رضا): خلاص يعني نويتي تسافري، طب ح اشوفك ازاي وامتى ؟
رضا (تحتضن أمها): أنا مش ح اقدر انزل مصر قبل مرور خمس سنين على الهجرة والسفر هناك لكن اقدر اظبط حالي وابعت لكم تيجو زيارة
برهان: ما تبعتيش ومش جايين
كوثر: اتكلم عن نفسك، ما اقدرش ابعد عن بنتي ما اشوفهاش خمس سنين
برهان: اعتبريها ماتت خلاص، هي ماتت يوم ما فكرت تسافر وتهاجر وتنسى البلد اللي ربتها وتنسانا احنا كمان
رضا: بلد مين يا بابا انت مش شايف الحال اللي وصلنا له، وبعدين هي فين البلد لا تعليم ولا صحة ولا مواصلات ولا سكن ولا اي حاجة تخليك بني ادم، اقصى حلم فيها انك تبات فيها لاقي لقمة تتعشا بيها ومكان تنام فيه
برهان: وانتم عايزين ايه اكتر من كده، جيل جاحد مش متربي
رضا: محتاجة ابقى بني ادمة احلم واعيش واتعامل على اني انسانة، انا تعبت هنا
كوثر (مازالت تبكي): تكلميني باستمرار من اول ما توصلي لغاية لما تظبطي ظروفك وتخليكي على اتصال على طول، منه لله اللي كان السبب وخلا شباب البلد يهج
برهان (بعصبية): بلاش كلام في السياسة ولمي الدور يا كوثر الحيطان ليها ودان
رضا: أنا نفسي البلد تتحسن لكن ما انت شايف مبارك بقاله اهو كام سنة دا 26 سنة البلد عايشة فيها على ذكريات اكتوبر اللي هو ما عملهاش اصلا، يمكن لو حال البلد اتغير ارجع تاني بس باللي انا شايفاه دا مفيش حاجة ح تتغير
برهان: انتم اصلكم مش وش نعمة ما تعرفوش يعني ايه حرب وخراب، روحي بقى شوفي وراكي ايه ولا هـ تعملي ايه يالا روحي
كوثر: تروح ايه بس انا لسه ما شبعتش منها، وبعدين دي لسه جاية
برهان: دلوقتي من بعدين مش فارقة، قلت لك قومي روحي
كوثر (بعصبية لبرهان): انت عايز تتطردها ليه، دا بيتها وبعدين ما هي مسافرة ومش ح نشوفها سنين يا عالم الوشوش ح تتقابل ولا لأ انت قلبك دا ايه حجر
وتذكرت كوثر سفر رضا الذي تلاه بعد ذلك بفترة قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 . بعد أحداث الانفلات الأمني لم تنقطع الاتصالات اليومية بين رضا ووالداها للاطمئنان عليهما وكذلك أختها إيمان، كان يتملك رضا وفارس خوف كبير على أهلمهما في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها مصر.
فبعد قيام الثورة فرح الجميع أن الشعب أخيرا تحرك وثار على الأوضاع التي لم تعد ترضي أحدا ولكن سرعان ما بدأت الأحزان متوالية أحداث العباسية ومحمد محمود ومذبحة بورسعيد. وبعد الفرحة أن الأحوال تتغير سرعان ما أدى التنافس على السلطة لضياع الشباب وضياع الأحلام، لذا لم تتوقع رضا ولا فارس النجاح لهذه الثورة أو تغير الأوضاع ولم يفكرا في العودة مرة أخرى إلى مصر.
رغم دعوة فارس ورضا المستمرة لكوثر وبرهان بالسفر إليهما في الولايات المتحدة؛ ورغم اشتياق برهان وكوثر لابنتهما، ولكن كان كل من برهان وكوثر يحدث نفسه "كيف يسافر إلى بلد لا يفقه لغتها حتى لو كانت رضا سترافقهم في كل مكان، ماذا سيفعلان حتى الخروج من المطار، كيف سيتعاملان هناك حتى بلوغ رضا؟".
وتحاملت كوثر على نفسها فراق ابنتها؛ وكذلك فعل برهان. فرغم قسوته الظاهرة إلا أنه كان يحب بناته ويخاف عليهن، خوف جعله يقسو عليهن –لأنه يرى ذلك هو السبيل الوحيد لتربية البنات.
القاهرة 2011
ولدت إيمان ابنتها فريدة في نفس العام الذي قامت فيه الثورة ولكنها ولدت في أول أيام السنة إنه يوم مميز 1/1/2011 وكانت معها كوثر وكذلك اختها هادية بعد نزولها لمصر في إجازتها السنوية لتراعي أختها في الولادة وما بعدها وكيفية العناية بالطفلة المولودة وكانت هادية في ذلك الوقت رزقها الله بابنتها رحمة ولكنها لم تكن أكملت الصغيرة بعد عامها الأول؛ حيث أن هادية رزقت بصغيرتها زواجها بفترة طويلة. بعد الولادة الأولى لإيمان جاء عقد عمل لزوجها في دولة الكويت وسافرت معه وحدثت المشاجرات بينها وبين والدها بسبب سفرها وسفر زوجها، حيث أن عقد العمل جاء لهما معا وسافرا ثم لم تستقر لهم الأحوال هناك وقبل عام واحد كانا قد عادا من السفر مرة أخرى ولكن بخفي حُنين.
وكان لسان حال كوثر يقول لها دائما، كتب عليكِ البعد عن بناتك وقرة عينيك، ولكن من السبب ومن يقع عليه اللوم، البنات اللاتي سافرن، أم البلد التي لم توفر لهن الحياة الكريمة. لم تعرف الإجابة ولم تعرف أيضا أنها تحب السفر، لقد سافرت لهادية مرة واحدة لزيارتها ولم تحب السفر أو الترحال وكانت تتساءل كيف أحب البنات السفر بهذه الدرجة؟ أهو الشباب أم الإحساس بالغربة في بلدهم؟ لم تعرف الإجابة ولم تشغل بالها بهذه الأسئلة كثيرا جل ما كان يهمها هو الاطمئنان على بناتها وعلى صحتهن وأحوالهن.
2012
كان هذا العام بداية طريقها للطلاق، ففي هذا العام بدأ تغير برهان الملحوظ، خاصة بعد ولادة إيمان لإبنتها علا ثم حصول زوجها على عقد عمل له في المغرب ولكنه هذه المرة لم يستطع الحصول على عقد آخر لها مما استدعى أن تنتظر إنتهاء أوراق سفرها وكان من الطبيعي أن يكون الانتظار عند برهان ولكن ما حدث كان غير ذلك تماما.
لقد تغير برهان عندما علم بعد ولادة ابنته مباشرة أن زوجها حصل على عقد عمل، وأن السفر سيكون خلال أيام، وتبع ذلك تفكير برهان في بند المصروفات على ابنته وابنتوبنتاهااها، ومن سيرعاهن. وقام برهان بالخطوة الأولى وهي طرد ابنته وقال لزوجها أن مكان إيمان ليس عنده وأنه غير مسئول عنها ولكن مسئوليتها ومسئولية بناتها تقع على عاتق زوجها وليس والدها لذا إما أن تسافر معه أو تنتظر سفرها وهي مقيمة لدى والده.
بسبب هذه التصرفات والأفعال التي قام بها برهان، شعرت كوثر بالبغض الشديد لبرهان كيف يطرد ابنته وحفيداته، إنها ليست شقته والأهم من ذلك فإيمان ابنته، كيف هانت عليه؟ وما الضير في سفر زوجها وأن تنتظره في بيت والدها حتى يرسل لها أوراق الإقامة؟ كيف تذهب لمنزل حماها وهي ما تزال "نَفَسَهْ" لم يمر على ولادتها سوى أسبوع؟
أما إيمان فبعد طرد والدها لها شعرت أنها ضائعة ليس لها سند ولا ملجأ في هذه الحياة، كانت تتمنى أن ينهي أمجد الإجراءات سريعا، كانت تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها بعد استغراب حماها وحماتها من موقف والدها، تلا ذلك مشاجرات عدة بين برهان ووالد أمجد وصلت لطرد برهان والد أمجد من منزله، عندما حاولت كوثر تهدئة الأجواء لم تسلم من برهان ولسانه وكلامه الجارح وبدأت فصل جديد من حياتها وهو طلاقها من برهان.
لم تستوعب كوثر ما قام به برهان من ضرب لها وإهانة على مسمع الجميع حتى أهل أمجد ومحمود شاهدوا ما حدث وشاهدوا إهانة برهان لها، وكل ما حدث لها وطلبت بسببه الطلاق. لقد حررت له أكثر من محضر للتعدي عليها بالضرب والإهانة وكان الشهود دائما في صفها ثم بموجب هذه المحاضر رفعت دعوى طلاق للضرر الذي أصابها، فهي كانت تقترب من الستين والطبيعي أن يكون برهان قد هدأ وقلت عصبيته وأن يحترم السن الذي وصلا له، لقد تخطى برهان الستين وهي على مشارفها. كيف لم يراع برهان ذلك، وبعد هذا العمر يبدأ الشك بها وتصرفاتها، كيف يظن فيها السوء ويضربها؟ كيف ينسى بناته ويقسو عليهن بهذه الطريقة؟ كيف سولت له نفسه طرد ابنته والتصرف معها ومع حماها وأهل زوجها بهذه الطريقة؟ وأخيرا كيف استطاع أن يكون محاميه هو نفسه من كسر قلب ابنته قبل ذلك، وهو يعلم كل العلم أنه ما كان يقف معه إلا طمعا فيه وفي أمواله؟
الآن
عادت كوثر مرة أخرى من شرودها وتذكرت كم كانت تخشى السفر والترحال والطلاق وها هي الآن تسعد بهما سعادة لم تكن تتخيل أنها ستحظى بها، ولكن ما كان يشغلها أين ذهب برهان؟ وأين هو الآن؟ فرغم ما كان منه، إلا أن بينهما عشرة عُمر تجعلها تخاف أن يكون قد مسه مكروه ولكن لم تستطع أن تقول ذلك لبناتها وكانت تحاول أن تطمئن عليه ولكن كيف السبيل لذلك وبرهان اختفى عن الجميع لا يوجد بينه وبينهن إلا المحاكم والقضايا.

------------------------------------------انتظروا الفصل الأخير -------------------------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...