أعدت كوثر الشاي مع قطع الحلوى التي تحبها البنات وتعشقها الحفيدات، وجلست
مع بناتها وأزواجهن وتجاذب الجميع أطراف الحديث. وتذكرت كوثر اللحظات التي كانت
تمر عليها مع برهان والبنات، عندما وجدت رحمة – احدى حفيداتها من هادية- تبكي وتصر
على ما تلعب به فريدة – احدى حفيداتها من إيمان- هنا تدخلت هادية وإيمان كل منهما
تحس ابنتها على ترك اللعبة للأخرى بطريقة رقيقة ومهذبة جعلت كلا من البنتين تترك
راضية ما تلعب به للأخرى وتعلمتا كيف يحببن بعضهن، ورأت كيف تعامل الآباء مع الأمر
أنه شيء عادي لم يغضب أي منهما. وقارنت ذلك وما كان برهان يفعله لو تشاجرت هدى مع
أي من بناته على أي دمية، بل كيف كان يتصرف لو وجدهن يلعبن بالدمى – التي اشتراها
لهن أصدقاء كوثر أو أخوها عايش الذي كان يحب رضا كثيرا ، ثم وبسبب المشاكل
المستمرة بينه وبين برهان قاطع اخته ولم يزرها ولم تزره حتى طلقها برهان ولم تجد
غيره تطرق بابه حتى تذهب إليه- كان يضرب بناته ويغضب منهن. فكأن الدمى موجودة فقط
ليقول لمن يزوره أنه يشتري الدمى والألعاب لبناته رغم كونهن بنات.
وعادت مرة أخرى من شرودها على صوت رضا تكلمها
رضا: اللي واخد عقلك يتهنا به
كوثر: كنتم بتقولوا حاجة
هادية: لا دا انتي مش هنا خالص
كوثر: أنا سرحت معاكم ومع الولاد وكنت بفتكر ازاي برهان كان
بيتعامل معاكم، حاولت أفتكر له حاجة كويسة ما لقيتش أي حاجة.
أمجد: مفيش حد يا طنط ما عملش حاجة كويسة
محمود: فعلا يا طنط كلنا لا ملايكة ولا شياطين
أكيد في حاجات حلوة وحاجات وحشة
فارس: عندك حق يا محمود، احنا اللي لما بنحب بنشوف كل حاجة
كويسة ولما بنكره حد بنشوف كل حاجة وحشة والحقيقة
رضا (قاطعت فارس مكملة الجملة): الحقيقة اننا كلنا تصرفاتنا حسب مشاعرنا
مفيش فينا ملايكة وشياطين كلنا في المنطقة الرمادية بتحرك فيها بس حد أقرب للأبيض
وحد تاني أقرب للأسود. عارفين أنا أكتر واحدة اتعاملت مع بابا ورغم قسوته عليا
حسيت بحبه فاركة يا أمي لما قرا المذكرات بتاعتي في حملة من حملاته التفتيشية على
كل الدولاب وشنط الإيد
كوثر: اتغير معاكي ومعانا شوية، ومش عارفة ازاي بقيتي تيجي
وتحكي له زي العبيطة كل حاجة رغم انك كنتي بتتعاقبي وتتبهدلي كتير
رضا: كنت حاسة انه اتغير، وانا كنت محتاجة اتكلم واحكي مع
حد. كنت حاسة ان بابا فاهم الدنيا وعارف كل حاجة. واكتشفت ان للاسف بابا مش عارف
حاجة عن الدنيا. كنت بتعامل على اني ولد عشان يرضى عني ويحبني بس للأسف لما اتخطبت
اتغير ورجع زي ما كان دا غير إصراره على إهانة فارس وأنه ياخد مني فلوسي يشيلها هي
ودهبي.
فارس: باباكي فاكر أني وأي واحد من أجواز أخواتك طمعانين فيكم، وكانت راحته
إنك تشيلي حاجتك معاه عشان يستريح وانتي كمان تستريحي
كوثر: عارفين، هو بيفكر كده عشان خلاني أبيع شبكتي بعد أول
أسبوع من جوازنا عشان يعمل عيد ميلاد هدى بنت أخته
رضا وهادية وإيمان بدهشة: ايه!!!!!!!!!!!
كوثر: أيوة والله عمل كده دا غير فلوسه اللي كان بيحوشها
وياخد مني فلوسي
محمود مستغربا: هو في حد بيعمل كده بجد ، يعني الناس دي
موجودة فعلا
أمجد: أنا بقى مش مستغرب طبيعة عمو بتحب الفلوس وحاسس ان كل
الناس زيه، في تصرفات كتير حصلت منه أكدت لي دا وآخرها لما طرد مراتي بعد ولادة
علا عشان ما يصرفش عليها والبهدلة اللي بهدلها لها عشان عقد السفر اللي جالي
إيمان: بابا طول عمره بخيل في كل حاجة حتى مشاعره،
الحاجة الوحيدة اللي مش بخيل فيها قسوته علينا
رضا (بدأت عينها تدمع): عارفين اللي مضايقني دلوقتي اني مش ح اشوف
بابا تاني
كوثر: ليه بتقولي كده، أنا اللي اتطلقت منه مش انتم
هادية: رضا معاها حق، بابا غير عنوانه وقفل
تليفوناته وحتى القضايا اللي رفعها علينا المحامي بتاعه هو اللي بيحضرها وماشي
فيها، بابا باعنا خلاص
إيمان: كده أحسن، ناسيين إصراره على انه يطلقنا من
أجوازنا، وناسية فلوسك يا رضا اللي أخدها منك غصب عنك ، هي دي الأمانة اللي كان
بيقول عليها، وانتي يا هادية جهازك اللي تعبتي انتي وجوزك وشقيتوا بيه اللي أخده
قوة واقتدارا باعتباره حق ليه
رضا: بس في الأول والآخر أبونا ووحشني جدا نفسي اقعد واتكلم
معاه، بس مش ناسية قال ايه لجوزي عني، بقى أنا سيئة السير والسلوك
جميع الموجودين باستغراب ناحية رضا وفارس: ايه!!!!!!!!
فارس: أيوة كلمني بعد المشكلة الأولى اللي حصلت مع طنط وسأل
رضا هي مع مين وبعدها حصلت مشكلة تانية وكان ح يضرب طنط ساعتها قلت له أنا مع
المظلوم لو كانت خناقة عادية بين واحد ومراته ما كنتش اتدخلت لكن ظلم ومد ايد وطعن
في الشرف أكيد مش ح اسكت ، كلمني وقالي ان مراتي سيرها بطال وانها هي واخواتها
بيتفقوا عليا وبيشتموني وهو اللي واقف معايا وبيدافع عني وطبعا فهمت أنه بيكدب
وبينتقم من رضا، قفلت معاه في الكلام ولا عملت ليه اي اعتبار
كوثر: امال رضا عرفت ازاي يا فارس
فارس: عرفت من عمو سيف قالها لما قابلها اللي حصل من بابا
عشان كان شاهد على كل حاجة، انا ما رضيتش اقول لرضا عشان ما تزعلش كفاية عليها
اللي عمله معاها ومعايرته ليها انها مش بتخلف ما كانتش ناقصة أي ضغط تاني كفاية
عليها اللي كانت فيه
كوثر: يا عيني يا بنتي وعرفتي وسكتي؟
رضا: ح اعمل ايه يا أمي في الأول والآخر هو أبويا وطالما
جوزي فاهم هو بيعمل كده ليه وبقول برضه "وقل رب
ارحمهما كما ربياني صغيرا"
هادية: المهم دلوقتي احنا ح نعمل ايه وح نعرف نوصل
له ازاي، والأهم ازاي نحمي ماما لو حاول يعملها أي حاجة او يئذيها ؟
فارس: مش عارف بس نفكر أكيد ح نوصل لحل
وعاد الجميع للتركيز مع الأطفال ولكن كوثر كان في نفسها غصة كبيرة من برهان
لما قاله عن ابنته، كيف يقول أب ذلك الكلام عن ابنته وكيف له يذكرها بعيب فيها ليس
لها فيه يد، كونها عاقرا ليس بيدها، ولا بيد أحد هو من عند الله وكم تمنت لها أن
ترزق الذرية الصالحة وأن يهدي لها الله زوجها.
يحب فارس رضا من كل قلبه، يغار عليها من كل شيء ويحاول أن يسعدها قدر
استطاعته حتى أنه خوفا عليها وعلى صحتها طلب منها التوقف عن زيارات الأطباء من أجل
الإنجاب لما يصيبها من اكتئاب واحباط بسبب الأدوية التي لا تؤتي بنتيجة وسلما
أمرهما لله، واكتفيا بأبناء اخواتهما ليكونوا ابناء لهم، وكثيرا ما قال فارس
لزوجته "ألا يكفيكي أن أكون أنا ولدك" وكان ردها المعتاد الذي كان يقدره
جيدا "انت كل ما لي في هذه الدنيا، أنت زوجي وأبي وأخي وحبيبي وعشق حياتي،
أحمد الله على هديته لي بك"
أما كوثر فكانت تحب أزواج بناتها وتشعر أن الله سبحانه وتعالى عوضها خيرا
فيهم، فهم وقفوا بجانبها في سنوات مشاكلها مع برهان وها هم الآن معها يفكرون في
حياتها وإقامتها وكيف ستسافر وترتيب سفرها بين البنات.
ضمت إليها رضا في حضنها، حضن أرادت أن تقول لها فيه إلتمسي لي العذر في كون
برهان أباكي، حضن تعتذر فيه عن كل كلمة قالها برهان جرحت ابنتها وطعنت فيها. فكوثر
تعرف كم تحب رضا أباها وكم يحز في نفسها تصرفاته ضدها وقسوته عليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق