{ وَقَضَى
رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا
يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ
وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ
الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا
. رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ
كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا }
أنهت رضا الآية وهي تفكر فيما قرأته وفيما يحدث الآن، لقد دخلت تقرأ الورد
اليومي لها كما اعتادت وعندما وصلت لهذه الآية توقفت عندها ووجدت هذه الآية تردد
في نفسها {وَاخْفِضْ
لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي
صَغِيرًا } واستغفرت ربها على ما كان، أحيانا كثيرة كانت تشعر أنها يتيمة بلا أهل،
بلا أب أو أم. ولكن بعد أن تزوجت وعلمت ما يعنيه الزواج والعمل، فهمت أن والداها
تعبا من أجلها ولكنها لم تشعر بذلك إلا عندما أصبحت زوجة، عندما عملت وأصبحت
مسئولة عن زوج ومنزل. ووجدت نفسها تقول {رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}.
عادت رضا بذاكرتها إلى مدرستها الإبتدائية، لقد كانت تشعر بالوحدة دائما
منذ أن وعيت على العالم الخارجي وهي تجد قسوة والدها ومشاجرته الدائمو مع والدتها،
لم تفهم آن ذاك سبب ذلك ولكن كانت تشعر بالخوف وعدم الآمان، كانت كوثر بعد كل
مشاجرة كما تتذكرها رضا إما أن تكون عصبية أو أن تترك المنزل وتترك البنات.
تذكرت رضا عندما تركتهم كوثر في الحضانة ووجدوا برهان هو من يأخذهن من
الحضانة لقد خافت هي وهادية وظلتا تبكيان ورفضتا الذهاب معه ولكن لابد من الذهاب
معه واضطرت رضا لحمل إيمان التي لم تكن تسمح لغير كوثر ورضا بحملها، رغم صغر سن
رضا إلا أنها كانت تشعر أنها بمثابة الأم لأخواتها وأنها المسئولة عنهما، لذا حملت
إيمان واضطرت لطمأنة هادية حتى لا يضربهن برهان.
لم تعرف في ذلك الوقت ما حدث لم يتشاجر والداها صباحا، فلماذا اختفت كوثر،
ولماذا ذهب برهان ليأخذهن من الحضانة، وما هذا البيت الذي سيذهبن إليه؟ ليس هذا
طريق المنزل، خوف شديد سيطر على رضا في ذلك الوقت وخافت أن ينتقل لأخواتها. وخافت
أن يشعر برهان بخوفها فيضربها، أسهل ما يقوم به برهان هو الضرب أو الحرق أو السب ،
لذا كانت تشعر أنه شخص غريب عنها، واستغربت من هذه السيدة التي فتحت الباب لبرهان
وكادت تطرده من منزلها لولا أنها شاهدتهن وسألته عليهن. علمت رضا بعد ذلك أن هذه
السيدة هي عمتها تفيدة، لقد شعرت تفيدة بخوفها وخوف أخواتها فأدخلتهم وتعاملت معهن
بلطف رغم شدتها على برهان، وأشفقت عليهن عندما علمت ما فعله برهان بكوثر.
فرغم غيرة تفيدة من كوثر فكان ذلك بسبب صغر سن كوثر عن تفيدة وشعور تفيدة
بسيطرة كوثر على برهان وعلى أبيها وعلى البيت، وبإنتهاء كل ذلك لم يكن هناك أي سبب
يدفع تفيدة لكراهية كوثر، بل كانت من داخلها وإن لم تظهر ذلك تشفق عليها لزواجها
من برهان، فهي تعرف برهان وتعرف قسوته على الجميع وعدم قدرة أي شخص على ردعه، فهو
مثل القطار لا أحد يقف أمامه، ولا يهتم بأحد غير نفسه. والآن زاد إشفاقها على
كوثر، اختارت كوثر الاستمرار من أجل بناتها وها هو برهان يبعدها عنهن ويبعدهن
عنها. جاءت هدى من الداخل وفرحت بخالها كثيرا وطلبت أن تلعب مع رضا وهادية.
ولكنهما خافا وخافت رضا أكثر أن تترك إيمان وحدها وظلت تحملها لا ترضى أن تتركها
حتى بكت الصغيرة لجوعها هنا طلبت رضا من برهان الطعام من أجل إيمان وطلبت منه أيضا
ملابس وغيارات لأختها لتغير لها ملابسها. استغربت تفيدة معرفة رضا باحتياجات رضيعة
لذا قامت وحاولت توفير الطعام والغيارات لترى كيف تصنع رضا مع أختها، ولكنها فوجئت
بمعرفة رضا بكل التفاصيل وسألتها تفيدة كيف عرفت ذلك، فكان رد رضا عليها أن كوثر علمتها
كل شيء يتصل بأختها.
خرجت رضا من شرودها على صوت إيمان تكلمها
إيمان: اللي واخد عقلك
رضا: مفيش سرحت شوية في زمان، يوم ما لقينا بابا جي ياخدنا
من الحضانة
إيمان: وأنا افتكر إزاي أنا سمعت منك ومن هادية
وعلى كلامكم كنت لسه بيبي
هنا دخلت هادية وقد سمعت حوار رضا وإيمان
هادية: ياااااااااااه يا رضا دا موضوع قديم قوي
ايه اللي فكرك بيه؟
رضا: مش عارفة بس افتكرت بعد ما وقفت عن قراءة القرآن عند
آية {وقضى ربك}
هادية: اليوم دا كان أول علاقتك وحبك بعمتك اللي
لغاية النهاردة يا رضا مش عارفة ازاي انتي بتحبيها كده وبتحبي بابا قوي كده رغم كل
قسوته عليكي وعلينا، يا بنتي دا احنا نادر لما كانت بتعدي أيام حلوة
رضا: مش عارفة بس أنا حسيت ان بابا بيحبنا ومش عارف يقول دا
ازاي وعمتي كانت بتحبني وكانت بتحوش بابا عني كتير قوي، كفاية انها ساعات كانت
بتخليني ابات عندها لما أكون مخنوقة وتعبانة وانا كمان كنت وهدى اصحاب لغاية لما
اتجوزت واتشغلت مع جوزها وولادها
إيمان: بصراحة عمتك مش بتنزل لي من زور ولا هي ولا
بنتها. أما أبوكي بصراحة أنا كمان كنت بحبه بس بعد اللي عمله معانا احنا التلاتة
ومع ماما وخلاها ترفع قضية تطلب فيها الطلاق، خلاني أحس اني يتيمة وماليش أب رغم
أنه بيوحشني ساعات كتير
رضا: أنا فاكرة كويس اليوم اللي خلى بابا يتغير معايا ويعاملني كويس، بس
للأسف برضه كان لازم يشك ويزعق ويشتم، عارفين وحشني قوي رغم القضايا والمشاكل اللي
عملها لنا
هادية: طبيعي يوحشك ويوحشنا، أبونا في الأول وفي
الآخر، بس عودوا نفسكم بقى انه بعيد
رضا: عارفين يا بنات رغم اني كنت بحب بابا عمري ما حسيت
بالآمان معاه حتى واحنا خارجين
هادية (باستغراب): ازاي يعني؟
رضا: لما كنا بنخرج وكان حد بيعاكسني كنت بخاف أقول لبابا
أو أخليه يحس، عارفين طبعا النظرية الجهنمية بتاعته ان البنت هي اللي غلطانة لو حد
عاكسها واللي بيعاكس مش غلطان، لما كنت ح أغرق وخاف ينقذني لولا واحد كان قريب مني
هو اللي أنقذني ساعتها من الغرق، مواقف كتير علمتني اني لازم اعتمد على نفسي وأحمي
روحي ضد الناس وضد أي حاجة. رغم اني كنت بحس بالضيق لما الاقي اصحابي بيحكوا عن
ابهاتهم
إيمان: عمري ما حسيت اني ليا أب يخاف عليا ويحميني
طول عمري كنت حاسة اني ماليش حد واني لوحدي، حتى انتم كنتم كتير بعاد عني.
هادية: ليه كده يا ايمان كلنا بنحبك وبنخاف عليكي
إيمان: كنت أنا وانتي بتخانق على طول، وفي فترة
بابا كان بيضربكم على طول ويزعق وبمخي أنا أكيد هو صح عشان هو الكبير طبعا اكتشفت
اني غلط لما كبرت. بعد كده كنت بصدقه لغاية لما اتاكدت انه مش بيقول الصدق وانه مش
بيصدق غير نفسه وبس ومش بيحب غير نفسه وبس. لما لقيت رضا قربت مني ساعة أول مشكلة
وقعت فيها كنت محتاجة أبويا لقيته سابني ومش سائل فيا، رضا هي اللي قربت واهتمت
بيا بس اتشغلت لما اتجوزت. عارفة يا رضا كنت بتضايق منك قوي عشان على طول واخدة صف
بابا في مشاكله مع ماما
رضا: كنت شايفة ان ماما المفروض تكون اذكى من كده وتقرب من
بابا حتى ولو بالكلام، وكمان وجهة نظري ان اي مشكلة الاتنين غلطانين يعني ما ينفعش
اقول واحد بس هو اللي غلط بابا كان بيزعل لما اقوله انت غلط وماما كمان كانت بتزعل.
بعد كده لما اتجوزت حسيت بابا مش طايق ليا كلمة وكل شوية يشتم جوزي بعدت وريحت
نفسي وريحت دماغي، بس لما اتقدم لك جوزك كان لازم اقف جنبك واساعدك في القرار. أنا مش ناسية المشاكل اللي وقعتي
فيها بسبب بابا.
هادية: أنا بقى كنت بتخنق من بخل بابا وشدته عليا
وشكه في كل تصرف وكل حاجة ما صدقت اني اتجوزت وخرجت من هنا، وبحمد ربنا ان جوزي
الحمد لله غير بابا خالص ولا بخيل و شكاك وكمان بيحبني.
رضا: الحمد لله، بصراحة ربنا بيحبنا أنه رزقنا بأجوازنا
بيحبونا وبيراعوا ربنا فينا، وكمان بيساعدونا ناخد بالنا من أهلنا، أنا كنت مقررة
ما اتجوزش لغاية لما لقيت الشخص اللي ما يخلنيش أندم على الجواز اللي شفته من
مشاكل بين بابا وماما خلاني كرهت الجواز واللي بيتجوزا. وقررت ان ما لقيتش الراجل
اللي يستاهل ويحسسني اني ست البيت الملكة المتوجة مش ح اتجوز والحمد لله ربنا
رزقني بفارس ربنا يديمه عليا نعمة ويديم علينا كلنا أجوازنا
هنا دخلت كوثر وقد سمعت أخر ما قالته رضا
كوثر: الحمد لله يا بنتي على أجوازكم ، أنا بحمد ربنا أنه
رزقكم رجالة تخاف عليكم عشان ما تشوفوش اللي أنا شفته مع أبوكم واللي للأسف انتم
لسه بتعانوا منه بسببي، سامحوني يا ولاد
رضا وهادية وإيمان (معا في ذات الوقت): نسامحك على ايه يا ماما دا نصيب، نصيبك
ونصيبنا
كوثر: انتي بالذات يا رضا عانيتي مني ومنه كتير سامحيني يا
بنتي على اللي عملته فيكي
رضا (تحتضن كوثر وأخواتها): { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ
كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً
كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا
كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا . رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ
صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا }
كوثر ورضا وإيمان وهادية : صدق الله العظيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق