الاثنين، 4 أكتوبر 2021

الفصل الثاني


 

محمود علي، مدرس اللغة العربية في المدرسة الثانوية التي التحقت بها فريدة، يبلغ من العمر خمسة وعشرون عاما، طويل، خمري لون البشرة، له شعر أسود مجعد بعض الشيء وعيون سوداء، عندما تنظر في وجهه تقر أنه مصري من أول وهلة. محمود غير متزوج، يتيم الأب، حيث توفى والده وهو مازال في المرحلة الابتدائية وتولت والدته تربيته هو وأشقائه الذين لم يبلغ أكبرهم العاشرة في ذلك الوقت، محمود هو الابن الأوسط. كان يحب والديه جدا، ولما لا ووالديه عطوفين ومحبين له ولأشقائه، لم ير منهم سوء قط.

عندما توفى والده حزن محمود وغضب جدا لأنه لن يراه مرة أخرى، لم يكن يفهم في ذلك الوقت أن الموت والحياة بيد الله وحده، ولا أحد له أن يتحكم في ساعته، رأى والدته وهي تسعى لتدبير لقمة العيش لهم، بعد أن كانت ربة منزل، مستريحة في بيتها لا ينغص أحد حياتها، اضطرت للخروج والعمل بعد وفاة زوجها.

كم كان صعبا على أرملة في ذلك الزمن الموحش أن تعيش دون أن تكون مطمع لكل عابر سبيل، وكأن كونها أرملة هو جواز العبور لأي عابر سبيل منها، خاصة إن كانت جميلة وتظهر عليها جمال أصلها التركي، إن كاميليا والدة محمود تحمل الأصول التركية من جدتها لأمها، فورثت البياض البض والعيون الزرقاء التي تغوص فيها دون ملل، والشعر الأصفر الذهبي الذي يسحرك من أول وهلة تنظر إليه، لقد كانت فينوس التي سلبت عقل السيد عليّ وتزوجها بعد أن أحبها، كان هو مدرس لغة عربية وكانت هي طالبة لديه، أحبها وتزوجها فور حصولها على الثانوية التجارية، ومنذ لك الوقت وهي ملكة متوجة في بيتها لا تعرف كيف تتعامل مع العالم الخارجي. ولكن بعد أن توفى زوجها اضطرت إلى إيجار أحد المحلات وحولته إلى مكتبة لبيع الأدوات المدرسية، إنها الشيء الوحيد الذي تفهمه.

كم كانت عرضة لبراثن الذئاب البشرية، كثيرا جدا، لم ترحمها أعين الرجال ولا ألسنة النساء. النساء تخاف منها على أزواجهن، والرجال يحلمون بها في سريرهم تفعل لهم ما أرادوه يوما ولم تحققه زوجاتهم. أصبحت كاميليا شرسة، واختفت براءتها التي كانت تتعامل بها مع الجميع، أصبحت قط شرس لا يسمح لأحد بالاقتراب منه، وقررت الاكتفاء بأولادها محمد ومحمود وعمر ومن خلال عملها في المكتبة وإرث أولادها من والدهم تربى الأبناء الثلاث.

عندما وصل محمد إلى المرحلة الإعدادية أصبح يساعد والدته في عملها في المكتبة وكذا فعل باقي الأبناء عندما وصلوا المرحلة الإعدادية وكانت الورديات توزع بينهم هم الأربع وكذا عمل البيت، اشركتهم كاميليا في كل شيء كي يكونوا العون والسند لها، وكي يعرفوا أن الدنيا هي شقاء وتعب وعليهم الشقاء والتعب لحرث السعادة التي يشعرون بها بعد الأكل من تعبهم وشقائهم.

هكذا كبر محمود وتعلم أن الحياة تعب وشقاء، وأن الجميع مبتلى، وعندما رأى فريدة في المدرسة أحبها منذ وقعت عينيه عليها، وأحبها أكثر لتفوقها وصارح والدته بذلك:

-         أمي أنا حبيت طالبة عندي في المدرسة

-         من شابه اباه، هاه أخبارها ايه

-         بنت يتيمة ومتفوقة جدا وأخدت قلبي من اول ما شفتها

-         يتيمة أبوها وأمها ماتوا؟ مين بيربيها؟

-         لا يا أمي، يتيمة من الملجأ

-         لقيطة؟

-         ليه بتقولي كده؟ مش ذنبها

-         لقيطة يا ابن عمري، ليه؟

-         يا امي بحبها مش ذنبها

-         اقسم بالله ابدا ما يحصل

-         طب ليه؟

-         عشان الأصل غلاب

-         يا أمي أنا مستني تخلص السنة دي واتجوزها ويا ستي مش لازم تدخل جامعة اتجوزها وتقعد معاكي هنا مش ح اسيبك وهي بظروفها مش ح تفرق معاها شقة لوحدها ولا معاكي وتكوني ام ليها

-         كلمتي واحدة لا يا محمود وانساها

لم يستطع محمود المجادلة أكثر مع والدته، إنه بالفعل يحب فريدة إلا أنه ضعيف أمام والدته، كتم حبها في قلبه وظل يساعدها في المدرسة ويشرح لها ما يصعب عليها، أراد مرارا الاعتراف لها بحبه، خاصة وهو يشعر بها تكن له ذات المشاعر، فحاول مع والدته مرارا وكان ردها في كل مرة حازم قاطع بالرفض.

لم يستطع محمود وأد حب فريدة من قلبه، فرفض كل عروس تجلبها له والدته على أمل أن يلتقي فريدة بعد تخرجها من المدرسة ويتزوجها، هو يعلم أنه لم يكون نفسه بعد وغير قادر على شراء شقة منفردة لذا هو مجبر على إطاعة والدته، ويعلم أن ظروف فريدة ستمنعها من رفضه بسبب الشقة، يعلم أن من في مثل ظروفها ليس له سوى الموافقة على أي شيء فهي معيوبة، إنها لقيطة وهو عريس أكثر من مناسب بالنسبة لها كما أنه يحبها.

هكذا تصور محمود أنه يحبها، لم يعرف أنها تفكر به حتى بعد أن تزوجت من علاء، وهو أيضا لا يعلم أنها تزوجت، ولكنه يعلم فقط أنه يحبها، لم يخطر بباله قط ما حدث لفريدة، ولو علم لرفض الزواج منها، فهو رجل شرقي يأبى أن يتزوج ضحية سبقه إليها شخص آخر، لا يأبه كونها ضحية، ولكن كل ما يأبه له هو أنها ليست عذراء.

بعد تخرج فريدة من المدرسة حاول محمود الوصول إليها، أو معرفة اية أخبار عنها، وبالفعل نجح أن يعرف أنها التحقت بكلية التربية، وأنها تحصل على درجة الامتياز في كل السنوات، كما علم أنها تعمل في أحد الكافيهات لكي تكسب لقمة عيشها بالحلال، لم يعلم أنها تزوجت.

وجد أن عليه الانتظار حتى يكون نفسه هو الآخر لكي يستطيع مواجهة والدته والتزوج بمن أحبها، وتوقف عن مراقبتها بعد أن علم مكان عملها ومكان كليتها، كان يرى معها علاء وبعض الزملاء، فظن أن علاء زميل لها، ولكن الغيرة كانت تكويه من مدى قرب علاء منها في المجلس والحركة في كل وقت حتى في العمل، ولكن لم يكن في يده ما يفعله لكي ينهاها عن ذلك، فهي ليست خطيبته أو زوجته، فآثر الصمت حتى تكون له وليأمرها وقتها بما شاء.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...