الجمعة، 20 فبراير 2015

ضياع (الفصل السابع عشر والأخير: ضياع)



بعد أن قرر برهان الاختفاء عن الجميع وملاحقة بناته بالقضايا وما سببه لهن من مشاكل، كان يهدف منها إلى إعادة تربيتهن مرة أخرى؛ فهو يرى أنه فشل في تربيتهن ويريد إصلاح ما لم يستطع عمله سابقا، حتى لو أدى ذلك لطلاقهن فلابد أن يتعلمن قيمة الأب ودوره في حياتهن.
كان برهان يشعر دائما أنه منبوذ وغير محبوب منهن جميعا، حتى كوثر زوجته وعِشرة عمره، قضى معها عمرا طويلا لم يشعر يوما أنها تحبه أو حتى تحترمه. كان يقسو على الجميع حتى يعلمهن، ولكنهن جميعا كنَّ جاحدات ناكرات للجميل والمعروف.
لقد كان يعلم في قرارة نفسه أنهن يصفنه بالبخل في كل شيء، البخل في المصاريف والبخل في المشاعر والأحاسيس. آم منهن حاجدات الجميل، لم يرى في نفسه يوما شخصا بخيلا ولكنه كان حريصا.
كان حريصا في مشاعره حتى لا يدلل بناته بالحد الذي يفسدهن به، خاصة وأنه يرى كوثر تدللهن كثيرا، فكان لابد من الشدة والقسوة في التربية. هكذا تربى أن البنت دائما تجلب العار ولابد من الشدة عليها وضربها لتتأدب ولا ينسى المثل الشهير "اكسر للبنت ضلع يطلع لها 24". هكذا كان يفكر ويرى كل شيء، كان يرى ويعتقد أن البنات إذا لم يضربن ويتأدبّن جيدا ستفسدن أخلاقهن ولم يتعلمن جيدا ولن يتزوجن زواجا يشرفه.
تعلم برهان في حياته أيضا أن ينفق بحرص شديد، فقد شهد أياما كثيرة لم يكن يجد فيه مليما واحدا ينفقه، كان أحيانا يضطر إذا زار أحد من أصدقائه أن يعود سيرا على الأقدام لأنه لم يكن يجد ما يركب به المواصلات. هكذا تعلم قيمة النقود وقيمة المال، هكذا تعلم أنه لابد أن يكون حريصا في نفقاته ولا مانع إذا كان هناك من ينفق بدلا منه ليفعل إذا.
كان يعطي بناته مصروفا ضئيلا لا يكفي أن يشترين به أي شيء، ولكن هذا المبلغ كان دائما ما يقارنه بما كان هو يأخذه وهو في مثل سنهن وبالتالي هن يأخذن مبلغا طائلا. لم يكن يعي أثناء اعطائهن المصروف تغير الزمن وأن المال قيمته تقل.
كان برهان يحب بناته بشدة، ولكن هذا الحب لم يشعر به أحد، كان دائما ما يقول لهم ولنفسه "يالهم من جاحدين ناكري الجميل". هكذا كان يراهن جميعا، لا ينسى هذا اليوم وما قالته له كوثر ورضا
بيت برهان 2005
كوثر: برهان انت بقيت عصبي قوي، مالك هو دا عشان ولا عشان ايه؟
رضا: بابا ايه رايك لو تشتغل، خد مبلغ صغير من مكافأة المعاش واعمل مشروع صغير يشغلك
برهان: فين العصبية دي، انتم اللي بيتهيألكم اني عصبي. وبعدين مشروع ايه اللي اعمله افرضي خسرت
رضا: اي مشروع معرض للمكسب والخسارة بس احنا بنعمل اللي علينا ونعمل دراسة للسوق وايه اللي محتاجه ونعرف نعمل فيه ايه
برهان: وانا اعمل الدراسة دي ازاي ان شاء الله
رضا: مش انت اللي بتعملها في مكاتب كتير شغلها في دراسات السوق والجدوى
برهان: يعني ياخدو مني فلوس وانا اضمنهم منين، واضمن كلامهم، ولو عملت مشروع اضمن اللي يقف معايا فيه منين، مفيش حد امين
رضا: جينا لمربط الفرس يا بابا، انت مش بتثق في اي حد حتى صوابع ايديك
برهان: أنا عمري ما وثقت في حد حتى نفسي، دا طبعي
رضا: دا اسمه مرض يا بابا ومحتاج علاج، انت بقيت عصبي وبتشك في كل الناس وبتتصرف على اساس شكك فيهم وخوفك منهم
برهان: هو انتي اللي ح تعلميني يا بنت امبارح اعمل ايه وما اعملش ايه، وبعدين دايما بطلع صح وانتم اللي غلط
رضا: مش دايما يا بابا ساعات بتكون فعلا على حق، وساعات كتيرة قوي بتكون غلط وبتخسر ناس كويسة ، اديك طلعت على المعاش حتى زمايلك في الشغل بيتهربوا من مقابلتك. اسمع كلامي وجرب الدكتور اللي قلت لك عليه قبل كده، هما كام يوم في المصحة خضرة وهوا وتبقى كويس
برهان (وبدأ يظهر عليه الغضب): هو أنا مجنون يا متربية، فعلا اصلي عرفت اربي. حتى لو مجنون أبوكوا غصب عنكم تستحملوني من غير شكوى
رضا: يا بابا أنا خايفة عليك، اللي عندك دا وسواس قهري وأنت نفسك اعترفت بدا قبل كده وبدأ يتطور معاك جامد، أنا فعلا خايفة عليك
برهان (بعصبية): أنا حر في نفسي ان شاء الله أموت ولا أولع بجاز وغصب عنكم مش بمزاجكم تستحملوا
كوثر: يا برهان البت خايفة عليك، وانت اللي طلبت منها قبل كده تسأل لك على دكتور كويس
برهان: انتي ح تألفي انتي كمان، أنا قلت حاجة، أنتم عايزين تجننوني بالعافية عشان تاخدوا القرشين بتوع المعاش. عايزين تسرقوني دا بعدكم
وأنهى برهان الحديث معهم وهو يعرف يقينا أنه من طلب منها اسم طبيب ومكان العيادة، ولكن كيف يثق أنها لن تستغل هذا الموقف ضده وترفع ضده قضية تحجر بها على أمواله وتصرفاته.
الآن
والآن يجلس برهان وحيدا في شقة إيجار جديد حصل عليها بعد أن ترك لكوثر الشقة الأخرى، التي تحمل ذكرياته وذكريات البنات وذكرى الحفيدات "يا لهن من جاحدات". لقد رضين بطرده من الشقة، وطلاق أمهن منه، لم تخاف أي منهن على مظهرها أمام زوجها وأهله عندما تطلق أمها في هذا السن، كيف يحدث ذلك.
ولكن ما كان يشغل برهان حقا، كيف رضي أن يكون محاميه الذي يرفع له الدعاوى القضائية هو نفسه من كسر قلب ابنته؟ لم يستطع برهان أن يجد إجابة عن ذلك السؤال، ولا وجد إجابة على سؤال آخر ألح عليه، لماذا ترك بتاته وقسى عليهن لتلك الدرجة واشترى اخته وابنتها وها هي الآن تركته وتنصلت منه. بل قالت له أن كوثر لها الجنة لتحملها له كل هذه السنون، أكانت كوثر على حق وهو المريض حقا؟ أكان يجب أن يتعالج؟ لقد ذهب من وراء الجميع لطبيب نفسي كبير يسمع عنه في التليفزيون وقال له أنه مصاب بانفصام بارانوي حاد لم يفهم برهان معنى ذلك وعندما سأله عن معناه قال له الطبيب معنى ذلك أنك تفعل أشياء كثيرة دون أن تدركها أثناء فعلها ثم تنسى أنك فعلتها وترتاب في الآخرين إلى جانب إصابتك بالوسواس القهري ومعنى ذلك ضرورة علاجك لأنك قد تنتحر دون أن تدري أو أن تقتل دون إدراك لذلك.
خرج برهان من عيادة الطبيب وهو يسبه ويلعنه وينعته بأقدح الألفاظ، وقال في نفسه لابد أن كوثر وبناتها عرفوا أنه قد يذهب إليه وقالوا له ذلك. إنه سليم معافى ولا شيء فيه، لكنه لا يذكر ما قالته كوثر وكان عليه من الشهود أنه كان يشك فيها واتهمها في شرفها، كيف يفعل ذلك وهي زوجته وسمعتها من سمعته؟ مجنونة هي بالتأكيد لتقول ذلك. وكذلك كيف يقول له الجميع أنه قال على ابنته رضا حبيبة قلبه وأقرب بناته إليه أنها سيئة السير والسلوك، ما هذا الجنون الذي يحيط به، إنهم جميعا مجانين.
شعر برهان بألم شديد في معدته وصحب ذلك تقيء وشعور بالغثيان، ثم وجد بجانبه علبة دواء فارغة، ماذا حدث لا يذكر ولما هي فارغة لا يذكر. إنه يذكر فقط أنه يشعر بالضياع والوحدة بعيدا عن زوجته وبناته ولا جرأة لديه ليعود لهن، مازال يحتفظ بكبريائه هن من يجب أن يبحثن عنه، وعاد لنفسه مرة أخرى، كيف السبيل لهن لذلك وهو أغلق في وجههن كل الطرق ولا يعرف أحدا طريقه الآن حتى تفيدة والمحامي لا يعرف أحدا منهم طريقه.
اشتد الألم على برهان فأمسك بهاتفه واتصل وكتب عنوانه في رسالة أرسلها إلى رضا وغاب عن الوعي.
منزل كوثر
رضا: يا بنات جت لي رسالة فيها عنوان، وكلمة الحقيني مش عارفة أعمل ايه؟
فارس: ممكن يكون بابا يا رضا لازم نتصرف بسرعة
رضا: اعمل ايه؟
فارس: قومي البسي بسرعة وأنا جاي معاكي
أمجد: انا كمان جاي عشان معايا عربية نقدر نكسب وقت الساعة دلوقتي 2 الفجر
محمود: أنا كمان جاي معاكم بس رايي رضا ما تجيش ما نضمنش مين اللي بعت الرسالة وإذا كان برهان فعلا ولا لأ
رضا: قلبي مش مطمن يا جماعة ح آجي معاكم واللي يحصل يحصل
كوثر: أنا كمان قلبي مش مطمن طمنوني عليكم فيه ايه وياله بسرعة ليكون برهان تعبان بجد ولا فيه حاجة
وبالفعل وصل أمجد ومحمود وفارس ورضا للعنوان المكتوب في الرسالة، ونزلوا من السيارة وكانت هناك حركة غريبة في المكان وصوت سيارة اسعاف يقترب، اقترب فارس من أحد الجيران يسأله عن برهان
فارس: هو استاذ برهان ساكن هنا
الجار: ايوة يا بيه انت تقرب له؟
فارس: ايوة انا ابنه هو فين ؟
الجار: انت ما درتش يا بيه؟ دا تعب قوي كان ماسك التليفون في ايده وخبط على الباب عندي ووقع من طوله وكان حالته وحشة وبيرجع
فارس: وبعدين ايه اللي حصل
الجار: دخلناه الشقة واتصلنا بالاسعاف، لما جت قالوا مات وما رضيوش ياخدوه
عندما سمعت رضا هذه الكلمة لم تصدق ودخلت الشقة تبحث عنه، لم يشعر بها أحد وهي تدخل غرفته وتقبل يده لم تصدق أنه توفى بعيدا عنها وعن أخواتها بكت كما كانت تبكي من قبل دون صوت كانت تستعطفه أن يكلمها وأنها إذا كان طلاقها من زوجها هو غايته ستفعلها ولكن يكلمها يعود إليها، إنها لا تحتمل فراقه حاولت أن تستجديه بكل طريقة ليتحدث إليها لينهرها ولكنه لم يفعل، وجدت على الأرض علبة دواء فارغة وريحة القيء التي ملت المكان فصرخت
رضا: فاااااااااااااااااااااااااااااااارس
هرع إليها الجميع، فارتمت في حضن فارس وهي تقول له : بابا انتحر
نظر إليها فارس نظرة تعجب: ازاي
رضا تشير إلى علبة الدواء الملقاة على الأرض: بص دي
بعد أن علم فارس ومحمود وأمجد بالوضع كان لابد من الاتصال بالشرطة، فأي طبيب يوقع الكشف عليه لاستخراج تصريح الدفن سيعرف أنه توفى نتيجة تسمم لذا لابد من الاتصال بالشرطة، واتصلت رضا بكوثر ابلغتها الخبر السيء.
لم تستوعب كوثر خبر الوفاة، لقد شعرت بحزن شديد لم تتوقع أنها تشعر به تجاه برهان بسبب ما سببه لها آلام، ولكن هي العشرة والعمر الذي قضياه معا. أما البنات لم تستوعب أي منهما الخبر وظنا أن هناك خطأ وأن والدهم لابد على قيد الحياة وأن ينقلوه لأية مستشفى توقع الكشف عليه، لم تقل رضا لأمها أن برهان مات منتحرا تركت ذلك حتى يذهب إليهن أمجد بالسيارة ليحضرن ويلقين نظرة الوداع على برهان.
حضر الجميع وكذا حضرت الشرطة وتم التصريح بالدفن، لقد حدث ما كان يخشى منه الجميع. لقد انتحر برهان بسبب الوحدة والاكتئاب، انتحر دون أن يشعر. انتحر لشعوره بالضياع، لقد كان هو من يشعر بالضياع لقد وجدت كوثر نفسها بعد الطلاق وعادت من ضياعها أما البنات فوجدن أنفسهن في أزواجهن وبيوتهن، أما برهان فظل هكذا يشعر بالضياع حتى قتل نفسه بنفسه.
لقد مات وحيدا لا أحد معه، كما عاش وحيدا يبعد الجميع عنه. ورغم شعور إيمان لما لاقته من والدها أنها أبدا لن تحزن عليه إذا أصابه سوء لقد كانت أكثر من حزن عليه خاصة عندما سألتها فريدة " ماما تدو فين، عايزة اشوفه" انهارت إيمان في هيستريا من البكاء لم تعرف سببها ولكن كانت تشعر باشتياق لوالدها.
لقد فارق برهان الحياة وهو يشعر بالضياع، ويشعر أن الجميع تخلى عنه وباعه. إلا أن الحقيقة التي كان يأبى برهان الاعتراف بها، أنه هو من باع الجميع وأبعدهم عنه. نسى برهان قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ﴾ ونسى أيضا أن الله سبحانه وتعالى قال عن الزواج " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"
--------------------------------- تمت --------------------------------------------------

الخميس، 19 فبراير 2015

ضياع (الفصل السادس عشر: بداية النهاية)


جلست إيمان تتحدث مع زوجها ووالدتها أثناء تناول الإفطار، لقد اشتاقت لمثل هذه الأحاديث التي تحلو أثناء الطعام. كانت تأكل وتتحدث وتحاول مع والدتها إطعام فريدة وعلا. تجاوزت فريدة الآن عامها الرابع أما علا فتجاوزت عامها الثالث
إيمان: فاكرة يا ماما أول ما بدأت ءأكل فريدة ياااااااااااااااااه كنت محتاسة وخايفة ومش عارفة اعمل ايه
كوثر: طبعا، فاكرة هي دي حاجة تتنسي. يا بنتي اول عيل دا بيبقى محل التجارب في كل حاجة
إيمان: كنت مرعوبة أبدأ ءأكلها ومش عارفة تاكل ايه ولا إزاي، غير علا بصراحة كنت حفظت الدرس خلاص
كوثر: علا أنا ما حستش بيها خالص وما عرفتش ابقى معاكي من يوم ولادتها
أمجد: معلش يا ماما هي الظروف ساعتها حكمت كده، وبعدين الحمد لله اديكي أهو معانا وان شاء الله تشوفيهم وتشوفينا باستمرار
عادت كوثر بذاكرتها لبداية المشاكل مع برهان، لقد بدأت المشاكل بسفر البنات، بدأت بهجرة رضا وزوجها ثم سفر إيمان. لقد شعر برهان في ذلك الوقت أنه بالفعل فقد بناته، كلهن سافرن للخارج ولم يبق سواه هو وكوثر في سن تقدم بهما العمر فيه، ولكن كوثر كانت ترى أن سفر البنات كان ضرورة
قبل ست سنوات من الآن
منزل برهان وكوثر
رضا: على فكرة يا بابا أنا خلاص اتوافق لي على الهجرة، هـ هاجر أمريكا أنا وفارس والسفر خلاص كمان عشر أيام
برهان (باستهزاء): وجاية على نفسك ليه كده، وبتقولي دلوقتي، كنتي كلمتينا وانتي في الطيارة على طول.
رضا: ليه بس كده يا بابا؟
برهان (بعصبية): يعني انتي عرفتي فجأة كده انك مسافرة والهجرة اتوافق عليها، طب خلي عندك دم وقولي من قبلها من قبل ما تحجزوا تذاكر السفر شوفينا أنا وأمك ح نحتاج منك ايه تعمليه قبل السفر، بتقولي دلوقتي انتي يادوب ح تجهزي نفسك وتقفلي شقتك
رضا: أولا يا بابا انت عارف اني قدمت الهجرة من بدري، وان خالي بحكم ان معاه الجنسية الامريكية ساعدنا نخلص الإجراءات على طول وكتر خيره أول لما الموافقة تمت على الورق حجز التذاكر
برهان (بعصبية شديدة): والسفر من أصله ليه، ما انتم قاعدين هنا لوزمه ايه السفر والبهدلة وكمان هجرة يعني استقالتي من وظيفة الحكومة، خليكي ماشية ورا جوزك لغاية لما تروحي ورا الشمس
رضا (تحاول تهدئة والدها): ما انت شايف الوضع عامل ازاي الأوضاع كلها سيئة مش عارفين نعيش مش عارفين نحلم، بلد اتقتل فيها الحلم واتقتل في شبابها الطموح محتاجين نخرج بره القمقم بقى عايزين نعيش زي البني ادمين، محتاجة احس اني بني ادمة عايشة وليا حقوق وكرامة، محتاجة يكون حلمي مستقبل أقدر ابنيه مش اني يا دوب الاقي ابسط حقوقي اني اكل واسكن، حتى دا بقى صعب الاسعار عالية ويادوب عايشين. لا تعليم ولا صحة ولا كرامة ولا عيشة ح نعمل ايه لازم اخرج اجرب حظي بره. انا تعبت هنا حاسة اني بموت بالبطيء
برهان: هما دول الكلمتين اللي اتعلمتوهم ونسيتوا ان البلد دي هي اللي ربتكم
رضا: بلد؟!! هي فين البلد دي، ويعني ايه بلد اصلا، بلد بتقتل فينا الحلم والطموح وحتى حقنا في الحياة
برهان: خلاص اتنيلي على عينك واعملي اللي انتي عايزاه بس يا ريت ما ترجعيش تعيطي وتقولي الحقني
كوثر (ببكاء وتحتضن رضا): خلاص يعني نويتي تسافري، طب ح اشوفك ازاي وامتى ؟
رضا (تحتضن أمها): أنا مش ح اقدر انزل مصر قبل مرور خمس سنين على الهجرة والسفر هناك لكن اقدر اظبط حالي وابعت لكم تيجو زيارة
برهان: ما تبعتيش ومش جايين
كوثر: اتكلم عن نفسك، ما اقدرش ابعد عن بنتي ما اشوفهاش خمس سنين
برهان: اعتبريها ماتت خلاص، هي ماتت يوم ما فكرت تسافر وتهاجر وتنسى البلد اللي ربتها وتنسانا احنا كمان
رضا: بلد مين يا بابا انت مش شايف الحال اللي وصلنا له، وبعدين هي فين البلد لا تعليم ولا صحة ولا مواصلات ولا سكن ولا اي حاجة تخليك بني ادم، اقصى حلم فيها انك تبات فيها لاقي لقمة تتعشا بيها ومكان تنام فيه
برهان: وانتم عايزين ايه اكتر من كده، جيل جاحد مش متربي
رضا: محتاجة ابقى بني ادمة احلم واعيش واتعامل على اني انسانة، انا تعبت هنا
كوثر (مازالت تبكي): تكلميني باستمرار من اول ما توصلي لغاية لما تظبطي ظروفك وتخليكي على اتصال على طول، منه لله اللي كان السبب وخلا شباب البلد يهج
برهان (بعصبية): بلاش كلام في السياسة ولمي الدور يا كوثر الحيطان ليها ودان
رضا: أنا نفسي البلد تتحسن لكن ما انت شايف مبارك بقاله اهو كام سنة دا 26 سنة البلد عايشة فيها على ذكريات اكتوبر اللي هو ما عملهاش اصلا، يمكن لو حال البلد اتغير ارجع تاني بس باللي انا شايفاه دا مفيش حاجة ح تتغير
برهان: انتم اصلكم مش وش نعمة ما تعرفوش يعني ايه حرب وخراب، روحي بقى شوفي وراكي ايه ولا هـ تعملي ايه يالا روحي
كوثر: تروح ايه بس انا لسه ما شبعتش منها، وبعدين دي لسه جاية
برهان: دلوقتي من بعدين مش فارقة، قلت لك قومي روحي
كوثر (بعصبية لبرهان): انت عايز تتطردها ليه، دا بيتها وبعدين ما هي مسافرة ومش ح نشوفها سنين يا عالم الوشوش ح تتقابل ولا لأ انت قلبك دا ايه حجر
وتذكرت كوثر سفر رضا الذي تلاه بعد ذلك بفترة قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 . بعد أحداث الانفلات الأمني لم تنقطع الاتصالات اليومية بين رضا ووالداها للاطمئنان عليهما وكذلك أختها إيمان، كان يتملك رضا وفارس خوف كبير على أهلمهما في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها مصر.
فبعد قيام الثورة فرح الجميع أن الشعب أخيرا تحرك وثار على الأوضاع التي لم تعد ترضي أحدا ولكن سرعان ما بدأت الأحزان متوالية أحداث العباسية ومحمد محمود ومذبحة بورسعيد. وبعد الفرحة أن الأحوال تتغير سرعان ما أدى التنافس على السلطة لضياع الشباب وضياع الأحلام، لذا لم تتوقع رضا ولا فارس النجاح لهذه الثورة أو تغير الأوضاع ولم يفكرا في العودة مرة أخرى إلى مصر.
رغم دعوة فارس ورضا المستمرة لكوثر وبرهان بالسفر إليهما في الولايات المتحدة؛ ورغم اشتياق برهان وكوثر لابنتهما، ولكن كان كل من برهان وكوثر يحدث نفسه "كيف يسافر إلى بلد لا يفقه لغتها حتى لو كانت رضا سترافقهم في كل مكان، ماذا سيفعلان حتى الخروج من المطار، كيف سيتعاملان هناك حتى بلوغ رضا؟".
وتحاملت كوثر على نفسها فراق ابنتها؛ وكذلك فعل برهان. فرغم قسوته الظاهرة إلا أنه كان يحب بناته ويخاف عليهن، خوف جعله يقسو عليهن –لأنه يرى ذلك هو السبيل الوحيد لتربية البنات.
القاهرة 2011
ولدت إيمان ابنتها فريدة في نفس العام الذي قامت فيه الثورة ولكنها ولدت في أول أيام السنة إنه يوم مميز 1/1/2011 وكانت معها كوثر وكذلك اختها هادية بعد نزولها لمصر في إجازتها السنوية لتراعي أختها في الولادة وما بعدها وكيفية العناية بالطفلة المولودة وكانت هادية في ذلك الوقت رزقها الله بابنتها رحمة ولكنها لم تكن أكملت الصغيرة بعد عامها الأول؛ حيث أن هادية رزقت بصغيرتها زواجها بفترة طويلة. بعد الولادة الأولى لإيمان جاء عقد عمل لزوجها في دولة الكويت وسافرت معه وحدثت المشاجرات بينها وبين والدها بسبب سفرها وسفر زوجها، حيث أن عقد العمل جاء لهما معا وسافرا ثم لم تستقر لهم الأحوال هناك وقبل عام واحد كانا قد عادا من السفر مرة أخرى ولكن بخفي حُنين.
وكان لسان حال كوثر يقول لها دائما، كتب عليكِ البعد عن بناتك وقرة عينيك، ولكن من السبب ومن يقع عليه اللوم، البنات اللاتي سافرن، أم البلد التي لم توفر لهن الحياة الكريمة. لم تعرف الإجابة ولم تعرف أيضا أنها تحب السفر، لقد سافرت لهادية مرة واحدة لزيارتها ولم تحب السفر أو الترحال وكانت تتساءل كيف أحب البنات السفر بهذه الدرجة؟ أهو الشباب أم الإحساس بالغربة في بلدهم؟ لم تعرف الإجابة ولم تشغل بالها بهذه الأسئلة كثيرا جل ما كان يهمها هو الاطمئنان على بناتها وعلى صحتهن وأحوالهن.
2012
كان هذا العام بداية طريقها للطلاق، ففي هذا العام بدأ تغير برهان الملحوظ، خاصة بعد ولادة إيمان لإبنتها علا ثم حصول زوجها على عقد عمل له في المغرب ولكنه هذه المرة لم يستطع الحصول على عقد آخر لها مما استدعى أن تنتظر إنتهاء أوراق سفرها وكان من الطبيعي أن يكون الانتظار عند برهان ولكن ما حدث كان غير ذلك تماما.
لقد تغير برهان عندما علم بعد ولادة ابنته مباشرة أن زوجها حصل على عقد عمل، وأن السفر سيكون خلال أيام، وتبع ذلك تفكير برهان في بند المصروفات على ابنته وابنتوبنتاهااها، ومن سيرعاهن. وقام برهان بالخطوة الأولى وهي طرد ابنته وقال لزوجها أن مكان إيمان ليس عنده وأنه غير مسئول عنها ولكن مسئوليتها ومسئولية بناتها تقع على عاتق زوجها وليس والدها لذا إما أن تسافر معه أو تنتظر سفرها وهي مقيمة لدى والده.
بسبب هذه التصرفات والأفعال التي قام بها برهان، شعرت كوثر بالبغض الشديد لبرهان كيف يطرد ابنته وحفيداته، إنها ليست شقته والأهم من ذلك فإيمان ابنته، كيف هانت عليه؟ وما الضير في سفر زوجها وأن تنتظره في بيت والدها حتى يرسل لها أوراق الإقامة؟ كيف تذهب لمنزل حماها وهي ما تزال "نَفَسَهْ" لم يمر على ولادتها سوى أسبوع؟
أما إيمان فبعد طرد والدها لها شعرت أنها ضائعة ليس لها سند ولا ملجأ في هذه الحياة، كانت تتمنى أن ينهي أمجد الإجراءات سريعا، كانت تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها بعد استغراب حماها وحماتها من موقف والدها، تلا ذلك مشاجرات عدة بين برهان ووالد أمجد وصلت لطرد برهان والد أمجد من منزله، عندما حاولت كوثر تهدئة الأجواء لم تسلم من برهان ولسانه وكلامه الجارح وبدأت فصل جديد من حياتها وهو طلاقها من برهان.
لم تستوعب كوثر ما قام به برهان من ضرب لها وإهانة على مسمع الجميع حتى أهل أمجد ومحمود شاهدوا ما حدث وشاهدوا إهانة برهان لها، وكل ما حدث لها وطلبت بسببه الطلاق. لقد حررت له أكثر من محضر للتعدي عليها بالضرب والإهانة وكان الشهود دائما في صفها ثم بموجب هذه المحاضر رفعت دعوى طلاق للضرر الذي أصابها، فهي كانت تقترب من الستين والطبيعي أن يكون برهان قد هدأ وقلت عصبيته وأن يحترم السن الذي وصلا له، لقد تخطى برهان الستين وهي على مشارفها. كيف لم يراع برهان ذلك، وبعد هذا العمر يبدأ الشك بها وتصرفاتها، كيف يظن فيها السوء ويضربها؟ كيف ينسى بناته ويقسو عليهن بهذه الطريقة؟ كيف سولت له نفسه طرد ابنته والتصرف معها ومع حماها وأهل زوجها بهذه الطريقة؟ وأخيرا كيف استطاع أن يكون محاميه هو نفسه من كسر قلب ابنته قبل ذلك، وهو يعلم كل العلم أنه ما كان يقف معه إلا طمعا فيه وفي أمواله؟
الآن
عادت كوثر مرة أخرى من شرودها وتذكرت كم كانت تخشى السفر والترحال والطلاق وها هي الآن تسعد بهما سعادة لم تكن تتخيل أنها ستحظى بها، ولكن ما كان يشغلها أين ذهب برهان؟ وأين هو الآن؟ فرغم ما كان منه، إلا أن بينهما عشرة عُمر تجعلها تخاف أن يكون قد مسه مكروه ولكن لم تستطع أن تقول ذلك لبناتها وكانت تحاول أن تطمئن عليه ولكن كيف السبيل لذلك وبرهان اختفى عن الجميع لا يوجد بينه وبينهن إلا المحاكم والقضايا.

------------------------------------------انتظروا الفصل الأخير -------------------------------------

الفصل الثالث والأربعون الأخير

  قرر اخوة علاء عدم زيارته مرة أخرى وغلق باب القرابة أمامهما، لم يفهم علاء السبب وكذا ميساء ولكنهما لم يحزنا كثيرا لأن هناك خبرا آخر جعل علا...