اهتمت زهرة في تربية أبنائها بكل ما افتقدته هي في حياتها، اهتمت أن
تعلمهم كيف يكونوا أنفسهم، علمتهم كل ما افتقدته هي. كانت القراءة والمعرفة هي أول
ما اهتمت زهرة في تعليمه لأولادها، واهتمت مع علياء أن تعلمها كيف يجب أن تكون
الأنثى، كيف يكون لها حياة ورأي، كيف تعبر عن نفسها ولا تكون تابع لآخر، علمتها –كما
علمت باقي أبنائها –كيف يكون الاختيار وضرورة تحمل مسئوليته بدءا من الملابس
والكتاب الذي يفضلونه ودراستهم، حتى الزواج واختيار الزوج المناسب.
ها هي زهرة الآن تستعد لمقابلة عريس ابنتها، كم كبرت علياء سريعا، حتى
محمد لا يصدق أن ابنته أنهت كلية الطب وناقشت رسالة الماجستير وها هي الآن أخيرا
دق قلبها وقررت الارتباط. كم يشعر كل من محمد وزهرة بالفرحة، لفرحة ابنتهما
بعريسها، لقد اختارت علياء زوجها المستقبلي كما علمتها زهرة، إنه يحبها كثيرا ليس
قولا بل فعلا، لقد تعلمت علياء من أمها كيف يكون الحب الحقيقي وكيف تميزه، يكفي أن
محمد عريسها –الذي شاءت الصدفة وحدها أن يكون على اسم والدها –ظل معها يساعدها حتى
ناقشت الماجستير واختار معها موضوع رسالة الدكتوراه، إنه يساندها ويساعدها ويحبها.
لم تترك زهرة علياء تمر بالتجربة القاسية التي مرت بها هي عند زواجها،
لقد كانت معها تعلمها معنى الزواج والحياة الجديدة التي ستبدأ مع زواجها، حتى كيف
تكون أنثى لزوجها، علمتها زهرة ذلك وعلمتها ألا تخجل من زوجها وأن تطلب منه ما
تريده وتصارحه بما تشعر به.
تزوج أولاد زهرة جميعا، وأصبحت جدة لسبعة أحفاد، وقررت أن تبدأ هي
ومحمد شهر عسل جديد، يكون لهما وحدهما دون شريك، لم يخرجهما منه سوى مرض زهرة
الشديد، اكتشفت زهرة منذ سنة إصابتها بورم في الثدي ولكنها لم تخبر أحدا، قررت أن
تكون قوية وتتحمل، لم تأخذ أدوية لعلمها أنها في آخر مرحلة من المرض، أجرت بعض
الفحوصات التي طلبها منها الأطباء علمت منها أن المرض انتشر في جسمها كاملا.
كانت قوية لتتحمل وحدها الخبر دون أن تخبر أحدا عنه، حتى محمد الذي
لاحظ شحوبها وهزالها المستمر، ولكنها قالت له أنها سن اليأس لم يصدقها محمد، لقد
كان ذكيا ليعرف حقيقة ما تمر به، صارحها بما يشعر به، كانت صدمته قوية حين أخبرته
زهرة بحالتها وطلبت منه عدم إخبار الأولاد، لينعم كل منهم بحياته.
لقد كانت زهرة متمردة في حياتها وحتى في وفاتها، لقد تمردت زهرة على
مجتمع كان يفرض على الأنثى أن تكون تابعا واختارت حياتها التي تريدها، طلبت الطلاق
وأعلنت التمرد على مجتمع ينظر للمطلقة على أنها جرثومة يجب القضاء عليها، تمردت
على مجتمع يجد أن الطلاق نهاية حياة وبدأت حياتها الحقيقية بعد الطلاق. تمردت على
كل شيء لتعيش وتحيا؛ وها هي حتى في مرض يدمر كل شيء كانت أقوى منه، كانت تتألم في
صمت وتحتمل حتى كلَّ منها المرض، ماتت المتمردة، بعدما ورثت تمردها لابنتها
وعلمتها أن تتمرد على كل ما يقيد حريتها، علمتها أن الحرية في طاعة الله عز وجل
فقط، أما المجتمع والعادات والتقاليد فهي تتغير من وقت لآخر وعليها أن تغيرها
بيدها ولا تنتظر أحدا يغيرها.
تمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت