اليوم المواصلات كانت مزدحمة جدا والطريق يصيب
بالملل الشديد، ولكن بسبب زحام الطريق وطول الوقفة هاتفت خالي وخالتي وعمتي حيث
مضى وقت طويل منذ آخر مرة هاتفتهم فيها وكانت فرصة لوصل الرحم، كما كان لدي مجموعة
من الأوراق الخاصة بالكلية تحتاج إلى قراءة والحمد لله قرأتها وأنهيتها، ثم شعرت
بالرغبة في العودة إلى الماضي وأن اسمع عبد الحليم حافظ وقد كان وضعت الساعات في
أذني وفتحت ملف أغاني عبد الحليم وشغلتها حتى سرحت معها والحمد لله عدت من مشوار
الجامعة إلى البيت في غضون ساعتين ونصف الساعة في مشوار لا يستغرق أكثر من نصف
ساعة، ولكن بالطبع الحكومة تعلم مصلحتنا في هذا التأخير كي تساعدنا على القراءة
وصلة الرحم وسماع الأغاني التي نحب، لأنها تعلم أننا نصل البيت مرهقين نحتاج إلى
النوم فهي حكومة طيبة حنونة.
بعد سماع عبد الحليم ووجود الزحام تذكرت وقت
نتيجة الثانوية العامة واستلام نتيجة التنسيق، في ذلك الوقت أنا اخترت كلية
الاعلام وهبة اختارت كلية الآداب قسم علم اجتماع. وكانت هذه المرة هي أولى المرات
التي نفترق فيها، افترقنا في الكلية، هي تحب أن تدرس علم الاجتماع لأنها كانت تحب
القراءة في علم الاجتماع بجانب قراءة الروايات وأنا أيضا قرأته معها، ولكنني قررت
أن أطبقه أيضا وليس دراسة فقط ولم يكن هناك سبيل إلى ذلك أمامي سوى كلية الاعلام.
وطلبت وقتها من والدي هاتف محمول حتى أستطيع
التواصل معهم ومع زملائي ولم يكن وقتها الموبايل رخيص الثمن كما هو الآن، بل كان
ثمن الخط وحده يتجاوز ألف جنيه وكانت إجابة والدي جميلة:
أنا: بابا يا حبيبي يا روح قلبي يا أحلى حاجة
حصلت لي في حياتي
بابا: ادخلي في الموضوع يا مدرسة القرع المباشر،
آدي اللي أخدناه من محمد صبحي ومسلسلاته
أنا: يعني أنا زي جهاد وح يبقى اسمي كده مدرسة
القرع المباشر
بابا: أيوة، عايزة ايه بقى يا رئيس قسم القرع
المباشر
أنا: عايزة موبايل زي اصحابي ح نحتاجه كتير قوي
بابا: زي أصحابك وح نحتاجه أفهمها ازاي
أنا: أصحابي معاهم موبايلات واحنا زي ما انت
عارف الكلية عندنا كلها مناظر ما ينفعش أكون أقل منهم
بابا: عشان الرد دا يا شذى مفيش موبايل
أنا: ليه بس؟
بابا: عشان الموبايل غالي جدا ومصاريف مالهاش
لازمة البيت أولى بيها، واخواتك كمان أولى بيها مش عشان هما اتخرجوا خلاص يبقى كل
حاجة ليكي
أنا: يعني أبقى أقل من أصحابي
بابا: اصحابك أحرار، طالما حاجة مش مهمة نجيبها
ليه
وهنا تدخلت أمي الحبيبة وقالت لوالدي:
ماما: يا حج البنت بقت في الجامعة وساعات بتتاخر
مش زي المدرسة والموبايل مهم عشان لو ح تتاخر ومش ح تعرف تتصل بينا تبلغنا أو حصلت
حاجة على غفلة نعرف نتصرف. انت نسيت ساعة لما تعبت في الكلية وراحت المستشفى ولولا
هبة معاها وكان معاهم صاحبتهم معاها موبايل ما كناش عرفنا حاجة قبل المغرب لما هبة
ترجع.
بابا: ماشي معاكي في دي يا حجة، بس دا غالي
الجهاز نفسه غالي وكمان الخط والدقيقة الكارت غالي. اقل فئة كروت 25 جنيه الكارت
بيتباع 28 جنيه والرصيد بتاعه 20 جنيه والدقيقة بجنيه ونص، ماله الميناتل بس
والنيل ما هي الدقيقة فيه رخيصة ومفيش عليه ضرايب ولا بيبتاع غالي
ماما: بص الجهاز والخطوط الشغل عندي بيبعهم قسط،
والكارت هي تجيبه من مصروفها وهي المسئولة عنه
بابا: أمري لله خلاص يا حجة شوفي القسط كام
وهاتيه
أنا: ربنا يخليكم ليا وما يحركمنيش منكم أبدا
وبالفعل اشترت أمي لي أول هاتف محمول لي
وبالطبع كنت أتفاخر به أمام زملائي في الكلية كانت أيام وقتها وكلها ذكريات جميلة
إلا أن حال الموبايل اختلف كليا الآن.
تعرفت هبة على هادي عندي في الكلية كان في السنة
الرابعة ونحن مازلنا في السنة الأولى ورأى هبة معي عندما كانت تأتي لي الكلية ما
بين محاضراتنا ولم يكذب خبرا وذهب إلى أهلها ليتقدم لها ويتزوجها، هو ظروفه المادية
كانت تتيح له ذلك فهو وحيد أهله بما يعني أنه لا تجنيد له وسوف يعمل بعد انتهاء
الكلية مباشرة، ولدى والده شركة خاصة تعمل في مجال المقاولات، وهو سيكون المسؤول
عن العمل في الشركة بعد انتهاء دراسته، أما الزواج فسيكون بعد انتهاء هبة من
الكلية، وكان أهل هبة من مؤيدي مبدأ الخطوبة الطويلة إلى أن يتعرف الزوجين على
بعضهما البعض لأن ذلك زواج أي ارتباط أبدي لا رجوع فيه ولابد أن يتأكدوا من
قدرتهما على اتمامه. وفعلا وافق هادي على الخطوبة حتى تنهي هبة دراستها الجامعية
ويكون هو الآخر قد ألم بكل شيء عن أعمال والده وفهم السوق.
هادي شخص محترم جدا وخجول، كان في قسم
العلاقات العامة درس علاقات عامة ودعاية واعلان وسبحان الله هادي وهو يعمل يكون
شيء ويتحول إلى كائن آخر وهو مع أصدقائه، في العمل شخص حازم وصارم جدا لا يعرف أحد،
ومع أصدقائه شخص هادي جدا وخجول جدا ومجامل جدا، أكاد أجن وأريد أن أعرف يكون
بهاتين الشخصيتين في آن واحد.
هبة أحبت هادي جدا ورأت فيه مواصفات فارس
أحلامها، وهادي أحبها جدا. وبالطبع كلاهما يعترف بالجميل الذي اسديته لهما، إذ
بدوني لم يكن أي منهما رأى الآخر أو تزوجه. وهما قد تزوجا بعد تخرجنا ورزقت هبة
بابنتها شذى.
ثم صدفة وأنا أمر بجانب غرفة مصطفى سمعته وهو
يتحدث مع فريد، وبما إني شذى كان لابد أن أعرف سبب المحادثة وماذا يقولان فيها،
سمعت مصطفى يتحدث عن قصة حب وتركت لأذني مسؤولية سماع الحوار من بعيد:
فريد: وعرفتها ازاي
مصطفى: مفيش كنت لسه بتعلم على الكمبيوتر وضفت
اصحابي على الايميل بتاعي ولقيت في مرة ايميل منها اتبعت لي، عجبني رديت عليه انه
عجبني جدا وطلبت منها تبعت من نفس النوعية دي
فريد: كان ايميل سيكو سيكو ولا ايه
مصطفى (وهو ح يبدأ يتنرفز): اتلم يا فريد
فريد: أنا آسف كنت عايز أهرج معاك انت ايه مفيش
فايدة فيك، كانت ايه نوعية الايميل
مصطفى: كان ايميل ديني احاديث، بس دا مش أول مرة
يوصلني ما أعرفش ايه خلاني اتشد ليها وأرد عليها وبعدها بعتت ايميلات مختلفة بقيت
مدمن ارد على الايميلات تاعتها وهي كمان بقت بترد عليا. ما اعرفش يا فريد حسيت
بإيه، كل اللي أعرفه اني اتشديت ليها، ونزلت الماسنجر عشان أقدر اتكلم معاها وبعت
لها اسمي على الماسنجر وطلب نتكلم سوى
فريد (مندهش): و بعدين عملت ايه، ايه اللي حصل
مصطفى: ردت ووافقت نتكلم على الماسنجر
فريد: يا ابن اللعيبة، دا انت طلعت مصيبة. كمل
بسرعة ايه اللي حصل
مصطفى: مفيش فايدة في أسلوبك السوقي دا
فريد: اخلص انت ح تمثل
مصطفى: مفيش اتكلمنا واتعرفت عليها وبقينا نتكلم
كتير على الماسنجر لغاية لما اشتغلت في الشركة وعرفت ان طبيعة شغلي سفر باستمرار،
اتكلمت معاها اني عايز اشوفها
وهنا أنا أصبت بالجنون، مصطفى يحب وواحدة من
على الانترنت؛ كيف عرفها من البريد الالكتروني لأصدقائه، أنا أيضا البريد
الالكتروني الخاص بي معه، هل من المحتمل أن تكون احدى زميلاتي في الكلية؟ من هي؟ نحن
في الكلية مطحونون في العمل من الامتحانات إلى الدراسة إلى المكتبة إلى تحضير
رسالة الماجستير من لديها الوقت للحب. لم أعرف كنت أتمنى أن أدخل وأسأل مصطفى عمن
هي التي سلبته قلبه، ولكن مصطفى غير فريد لن يتكلم ولكن فريد أستطيع أن أجعله
يعترف بكل شيء وهنا قررت أن أكمل استماع إلى حديثهما وربنا يستر ولا يراني أحد:
فريد: طب يا ابني انت عرفت هي مين، اسمها ايه،
سنها كام سنة. والأهم من دا كله هي بتحبك ولا دا حب من طرف واحد؟
مصطفى: اسمها ريهام، وعندها 22 سنة يعني تقريبا في
سن اختك شذى، خلصت كليتها وبتشتغل دلوقتي، على فكرة واوعى تقول حاجة لشذى، دي
ريهام صاحبتها
فريد: انت أكيد بنهرج، صح
مصطفى: ليه؟
فريد: عشان لو هي صاحبة اختك فعلا يبقى اختك
رويتر زمانها عارفة كل حاجة، ومش بعيد تروح تقول لأمك وأبوك كمان، ما أنت عارفها
وعارف نظامها فيها يا اخفيها
وهنا كان لابد أن أدخل وأرد على فريد، لأنه
زاد في الكلام عني وبما أنها صديقتي أصبح من الطبيعي أن أتدخل وأمارس هوايتي في
التفاصيل وبالفعل دخلت عليهما:
أنا: بقى كده يا فريد أنا نظامي فيها لأخفيها
فريد (مش قادر يمسك نفسه من الضحك): ومش عاجبك كمان أومال اللي عملتيه دا يبقى
ايه، انتي هنا من امتى
أنا (بابتسامة نصر كده منورة وشي): من بدري وعايزة اعرف بقى التفاصيل كلها،
وبعدين مش عايزيني اعرف اتكلم بره البيت يا فالح منك ليه
مصطفى (بدأ يترفز ويتعصب): انتي بتستهبلي صح؟ ما هو ما ينفعش مناخيرك
دي اللي في كل حاجة وكمان بتتصنتي على كل حاجة. انتي بجد اوفر قوي، ما ينفعش كده
الحمد لله اني ح اغور من وشك يا شيخة حرام عليكي
أنا (بمنتهى الهدوء ومحاولة لاستفزاز مصطفى
انه يتكلم): على فكرة ولا بتأثر بالكلام دا وانت عارف ياما اتكلمنا فيه، المهم ح تقول
ولا أصحي أبوك وأمك وأعملها فضيحة، يا ما
وهنا مصطفى ايده على فمي: خلاص اسكتي ح اتنيل احكي
أنا (بمنتهى الاستفزاز لمصطفى من ضحكة كده
منورة وشي وابتسامة عريضة واكله وشي كله): احكي بقى تفاصيل التفاصيل
مصطفى: طبعا سمعتي اللي فات عايزة تعرفي ايه
أنا: انت قابلتها فعلا، وخرجت معاها؟ اتفقتوا
على حاجة
مصطفى: اتقابلنا، بس عمري ما فاتحتها في موضوع
الحب والارتباط
أنا وفريد (بكل اشكال الاستغراب): ايه؟!
مصطفى (بكل برود ولا كأنه قال حاجة): بنتقابل زي اي اتنين اصحاب ونرغي في كل
حاجة انا مش عارف انا حبيتها امتى ولا ازاي بس بحبها
أنا (بعد ما صعب عليا مصطفى): تحب يا مصطفى أجس نبضها وأعرف إذا كانت
بتحبك بجد ولا لأ؟
مصطفى: استني يا شذى لازم ابدأ شغلي الأول، عشان
لما تكلميها اروح اتقدم لأهلها على طول، وادخل من الباب
فريد: طيب ما تجس نبضها من بعيد كده وانتوا
بتتكلموا على الشات
أنا: على فكرة يا مصطفى ريهام كانت كلمتني انها
بتحب واحد عرفته عن طريق النت وكانت خايفة من الموضوع وخايفة تصارحه بحبها الموضوع
بقاله تقريبا 6 شهور وانا نسيت الموضوع بعد ما اتكلمنا فيه لانها ما فتحتش الكلام
فيه تاني واتشغلنا ببداية المتهيدي وكده، ومن كلامك يبقى انتوا الاتنين بتحبوا
بعض، ولا يبان عليك دا انت طلعت داهية
مصطفى (وهو مش مصدق نفسه من السعادة وبيحضني
على غير العادة) : تصدقي انتي اول مرة تقولي حاجة كويسة
فريد: تصدق فعلا يا مصطفى، حشرة مناخيرك في كل
حاجة طلع ليها فايدة
أنا: فين حلاوتي بقى عشان احط لساني في بقى وما
اتكلمش ولا افتن عليك
مصطفى وفريد (في نفس واحد): ايوة كده هي دي شذى اللي نعرفها
مصطفى (وهو بيجز قوي على سنانه وتقريبا ماسك
نفسه انه يخنقني): وعايزة ايه يا حبيبتي
أنا (طبعا ولا يهمني عارفة قدراتي طبعا): حبيبي تعزمني على الفيلم اللي نفسي فيه في
السينما قبل ما تسافر
مصطفى: حاضر
لقد اندهشت من كلام مصطفى، وانه بالفعل يحب لهذه
الدرجة كما أنه محب ولهان، والغريب رغم ان مصطفى وريهام يحبان بعضهما البعض الا
انهم حتى اليوم الذي سمعت فيه الحوار لم يصرح أي منهما بمشاعره للآخر صراحة ولم
أعرف السبب، لقد أحبا بعضهما منذ أربع سنوات وقد تخيلت أن مصطفى منتظر أن تنهي
ريهام مناقشة رسالة الماجستير وينتهي هو من ادخار بعض المال لكي يساعده ذلك في
التقدم لها، حيث أن مصطفى يتبع منهج الوالد والحكمة الشهيرة الخاصة به "اوعى
تصرف ما في الجيب، وبرضه اللي في الغيب ح يجي" ومصطفى زاد عليها "ويبقى
زيادة الخير اتنين"
وصراحة انا حتى اليوم لا أعرف لماذا لم يرتبط
كلاهما منذ فترة طويلة ولو حتى خطوبة فقط أعتقد أن مصطفى يعاقب ريهام على ثمن
تذكرة السينما التي اضطر اسفا أن يدفعها لي، مع مصطفى كل شيء جائز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق