بعد
انتهاء مواعيد العمل، كانت ولاء قد حسمت أمرها بالذهاب لرؤية فارس ومعرفة ما
يريده، وكان ما يشجعها في ذلك النظرات التي كانت تراها من فارس، نظرات كانت تشعر
فيها بعاطفة ما تجاهها، كما سمعت بعضا من حديثه مع علي صديقه وهو يسأله عنها،
وفارس معروف عنه في العمل تقواه وخشيته من الله ، لذا فقد طمأنها ذلك أنه لا يريد
بها شرا وذهبت بالفعل للقائه.
كافيه
قريب من العمل
ولاء:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فارس:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، كنت قلقان وخايف إنك ما تجيش، انا اسف اتفضلي
اقعدي
ولاء:
أنا فعلا ما كنتش جاية، بس حبيت اعرف ايه الكلام اللي ما ينفعش يتقال في الشغل
فارس:
أستاذة ولاء بصراحة ومن غير لف ولا دوران أنا بحبك وعايز أتقدم لك ونتجوز، حضرتك
موافقة؟
ألجمت
المفاجأة ولاء وعقدت لسانها، ولكنها دون قصد منها تورد وجهها خجلا ونظرت للأرض،
كادت أن توافق ولكنها كأنها تذكرت فجأة ظروفها، التي أنستها لها مفاجأة فارس لها،
فتغير وجهها فجأة وتغيرت ملامحها دون أن تدري لملامح حزن، رأى فارس كل ذلك فظن
أنها تفكر كيف ترفض فعجالها قائلا:
فارس: لو
محرجة توافقي أو في حد تاني مفيش حرج إنك ترفضي، انا بس حبيت أرفع الحرج عنك
واتكلمت معاكي مباشرة
ولاء
(وهي متلعثمة لا تدري كيف ستقول له ما ستقوله): أستاذ فارس قبل أي حاجة أنا مش مرتبطة،
الحاجة التانية قبل ما أقول آه أو لأ في ظروف لازم حضرتك تعرفها الأول وبعدها نقرر
إذا كان الزواج ح يتم أو لأ
فارس
(وقد خاف مما سيأتي بعد هذه الكلمات، ولكن حبه لها جعله يأخذ قرار الاستماع حتى
النهاية): اتفضلي حضرتك أنا سامع وتأكدي مهما كان اللي ح أسمعه مش ح يخرج لحد تالت
مهما كانت الظروف
ولاء:
مبدئيا يهمني إن محدش في الشغل يعرف حاجة من اللي ح أقولها دلوقتي
فارس:
اعتبري ان محدش عرف
ولاء:
أستاذ فارس في الشغل طبعا كلكم عارفين إني يتيمة وعايشة مع عمتي، مبدئيا أنا يتيمة
فعلا بس أنا عايشة لوحدي لأني ما ليش حد خالص
فارس: طب
وايه المشكلة في دا؟
ولاء:
ممكن أكمل كلامي للنهاية؟
فارس:
انا اسف اتفضلي
ولاء:
أنا اتربيت في دار للأيتام، لما كبرت عرفت اني كنت الناجية الوحيدة لحادث تصادم
اتوبيس مع سيارة ملاكي، أنا كنت في الملاكي مع والدي ووالدتي كان عمري زي ما عرفت
من المحضر المرفق بدخولي الدار أسبوع، وكان في سلسلة في رقبتي عليها اسمي ولاء،
وهي لسه معايا لغاية النهاردة، محدش عرف يوصل لأهلي لأن أهل والدي هاجروا من فترة
طويلة ومحدش عرف مكانهم فين بالظبط كل اللي أعرفه أنهم هاجروا لأستراليا قبل زواج
والدي بعشر سنين وإن والدي وقتها كان في الجيش وما عرفش ياخد إعفاء وكمل وبعدها
قرر إنه يعيش في مصر وما يسافرش، اتعرف بعد فترة على والدتي وكانت يتيمة كانوا من
اسرة متوسطة والدها اتوفى وهي عمرها سنتين ووالدتها اتوفت وهي بتولدها وعمتها
ربتها وعمتها نفسها اتوفت قبل ولادتي أنا، ما كانش لينا حد تاني وأهلي ادفنوا في
مقابر الصدقة وأنا اتحولت على دار الايتام، أو الملجأ زي ما كانوا بيقولوا في المدرسة،
أنا حتى ما أعرفش شكل أهلي ايه. هي دي ظروفي اللي حبيت حضرتك تعرفها، أنا مقطوعة
من شجرة وماليش حد في الدنيا خالص واتربيت في ملجأ
فارس:
وايه المشكلة في الكلام دا ليه خبيتي
ولاء:
عشان احنا في مجتمع بيشوف ان الست فريسة ليه، ولما تكون وحيدة ومالهاش حد الكل ح
يطمع فيها، عشان كده كان لازم في الشغل يعرفوا اني ليا أهل
فارس:
بصي بقى، أنا سيبتك تتكلمي وتخلصي كلامك، كل اللي قولتيه دا ما غيرش حاجة، كونك
يتيمة دا مش ذنبك، وكونك اتربيتي في أيتام عشان مفيش حد يتكفل بيكي برضه مش ذنبك
وكل دا مش ح يغير حاجة في طلبي للجواز منك، أنا حبيتك انتي زي ما انتي كده، وكمان
حبيت أخلاقك وأنا بكرر كلامي تاني وبسألك انتي موافقة على الجواز مني؟
تورد وجه
ولاء للمرة الثانية ولكن هذه المرة كان تورد الموافقة الخجلة، لم يغير ما قالته
شيء في حال فارس ورغبته في الزواج منها، لقد زادت فرحتها عندما لم يهتم لكونها
يتيمة وتربت في دار للأيتام، ولم تصدق نفسها من الفرحة عندما علمت بحبه لها
لأخلاقها وحيائها الشديد، لقد كان يؤمن بكلام الله فلا يقهر يتيما ولا يعير لقيطا،
وكان يفرق بين اليتيم واللقيط، ولكنه في ذات الوقت لا يجرح أحد ولا يعيره بما ليس
له يد فيه. كان فارس بالنسبة لها فارس الأحلام الذي تحلم به أية فتاة، خاصة من لها
نفس ظروفها.